الخوارج . . و الأمويون
و أما بعد عهد علي عليه السلام فلقد حارب الخوارج الأمويين بضراوة و عنف ، حتى أنهكوا الحكم الأموي ، و مهدوا السبيل لإسقاطه ، و كان إنشغال مروان الجعدي بحربهم مانعاً له عن أن يمد يد العون لعامله نصر بن سيار الذي كان يواجه الضربات الساحقة من أبي مسلم الخراساني القائم بأمر الدعوة العباسية ، بل إن المهلب بن أبي صفرة الذي قاتل الخوارج في عهد الزبيريين و الأمويين معاً قد حاول الاستفادة من شخصية و شعارات طالما جهد الزبيريون و الأمويون في طمسها و القضاء عليها ، فيخطب أصحابه محرضاً لهم على قتالهم ، فيكون مما يقول : " قاتلوهم على ما قاتل عليه أولهم علي بن أبي طالب صلوات الله عليه " ، ثم جعل شعار أصحابه ـ لو تعرضوا للبيات من قبل الخوارج ـ : ( حم ، لا ينصرون ) و هو شعار النبي ( صلى الله عليه و آله ) ، و يروى أنه كان شعار أصحاب علي بن أبي طالب عليه السلام ، كما يروي المعتزلي .
و يبدو أن سياسة الأمويين الظالمة تجاه الناس ، قد ساهمت في إقبال الناس على الإنخراط في سلك الخوارج لمحاربتهم حتى ليبلغ عدد جيش الضحاك الخارجي مئة و عشرين ألفاً كما يقولون .
و أما بعد عهد علي عليه السلام فلقد حارب الخوارج الأمويين بضراوة و عنف ، حتى أنهكوا الحكم الأموي ، و مهدوا السبيل لإسقاطه ، و كان إنشغال مروان الجعدي بحربهم مانعاً له عن أن يمد يد العون لعامله نصر بن سيار الذي كان يواجه الضربات الساحقة من أبي مسلم الخراساني القائم بأمر الدعوة العباسية ، بل إن المهلب بن أبي صفرة الذي قاتل الخوارج في عهد الزبيريين و الأمويين معاً قد حاول الاستفادة من شخصية و شعارات طالما جهد الزبيريون و الأمويون في طمسها و القضاء عليها ، فيخطب أصحابه محرضاً لهم على قتالهم ، فيكون مما يقول : " قاتلوهم على ما قاتل عليه أولهم علي بن أبي طالب صلوات الله عليه " ، ثم جعل شعار أصحابه ـ لو تعرضوا للبيات من قبل الخوارج ـ : ( حم ، لا ينصرون ) و هو شعار النبي ( صلى الله عليه و آله ) ، و يروى أنه كان شعار أصحاب علي بن أبي طالب عليه السلام ، كما يروي المعتزلي .
و يبدو أن سياسة الأمويين الظالمة تجاه الناس ، قد ساهمت في إقبال الناس على الإنخراط في سلك الخوارج لمحاربتهم حتى ليبلغ عدد جيش الضحاك الخارجي مئة و عشرين ألفاً كما يقولون .
الخوارج في العهد العباسي
كما أن الخوارج قد حاربوا العباسيين في مناسبات كثيرة ، و لكن بفعالية أقل مما كانت عليه في السابق ، فإن جذوتهم بدأت تخبوا ، و خطرهم بدأ ينحسر ، و لذا فلا نرى لتفصيل الكلام في حركاتهم كبير فائدة .
نعم . . لا بُدَّ من الإشارة إلى أن نحلة الخوارج قد ظهرت في أواخر العهد الأموي بين البربر في الشمال الإفريقي و قوى أمرهم ، و حاربوا حكام تلك البلاد ، حتى سيطروا على القيروان حتى أخرجها منهم يزيد بن حاتم بن قبيصة ، الذي أرسله المنصور العباسي .
كما أن بعض أسر الخوارج قد حكمت تاهرت لأكثر من 130 عاماً حتى أزالهم عنها الفاطميون . و لعل سر انتشار هذه النحلة بين البربر هو سذاجة هؤلاء و سطحيتهم آنئذٍ ، ثم انجذابهم إلى الشعارات البراقة التي كان الخوارج يرفعونها باسم الدين ، بالإضافة إلى الظروف الخاصة التي كان يعاني منها البربر .
و لكن هؤلاء البربر أنفسهم قد عادوا إلى التشيع بمجرد ظهور الفاطميين ، و كانوا دعامة ملكهم . و إن كان لا يزال البعض منهم يعتنق نحلة الخوارج و يعيشون في بعض المناطق في الشمال الإفريقي حتى الآن .
كما أن الخوارج قد حاربوا العباسيين في مناسبات كثيرة ، و لكن بفعالية أقل مما كانت عليه في السابق ، فإن جذوتهم بدأت تخبوا ، و خطرهم بدأ ينحسر ، و لذا فلا نرى لتفصيل الكلام في حركاتهم كبير فائدة .
نعم . . لا بُدَّ من الإشارة إلى أن نحلة الخوارج قد ظهرت في أواخر العهد الأموي بين البربر في الشمال الإفريقي و قوى أمرهم ، و حاربوا حكام تلك البلاد ، حتى سيطروا على القيروان حتى أخرجها منهم يزيد بن حاتم بن قبيصة ، الذي أرسله المنصور العباسي .
كما أن بعض أسر الخوارج قد حكمت تاهرت لأكثر من 130 عاماً حتى أزالهم عنها الفاطميون . و لعل سر انتشار هذه النحلة بين البربر هو سذاجة هؤلاء و سطحيتهم آنئذٍ ، ثم انجذابهم إلى الشعارات البراقة التي كان الخوارج يرفعونها باسم الدين ، بالإضافة إلى الظروف الخاصة التي كان يعاني منها البربر .
و لكن هؤلاء البربر أنفسهم قد عادوا إلى التشيع بمجرد ظهور الفاطميين ، و كانوا دعامة ملكهم . و إن كان لا يزال البعض منهم يعتنق نحلة الخوارج و يعيشون في بعض المناطق في الشمال الإفريقي حتى الآن .
مفارقات هامة في سياسات الخوارج
و نجد أن المواقف السياسية للخوارج بعض المفارقات مثل :
ألف ـ ما يذكره البعض : من أنهم قد بايعوا زيد بن علي ، حينما ثار على الحكم الأموي ، كما أن بعض شعرائهم و هو حبيب بن جدرة الهلالي قد رثاه حينما استشهد . مع أن زيداً هذا هو حفيد علي عليه السلام الذي قتلهم و أباد خضراءهم ، و كانت دعوته شيعية علوية خالصة .
ب ـ إن شيبان بن سلمة الخارجي ، زعيم الفرقة الشيبانية قد أعان أبا مسلم الخراساني القائم بأمر الدعوة العباسية و ابن الكرماني على العامل الأموي نصر بن سيار .
ج ـ إنهم قد أعانوا ابن الزبير أيضاً ، حيث قد وجدوا : أن من واجبهم أن يمنعوا حرم الله من الغزو الأموي ، فذهبوا إلى ابن الزبير ، فأظهر لهم أنه على رأيهم ، فقاتلوا معه أهل الشام ، ثم امتحنوه فظهر لهم أنه مخالف لهم فتركوه و كان ذلك سنة 64ﻫ .
د ـ قال ابن خلدون : " و ولى مروان على العراق النضر بن سعيد الحريشي ، و عزل به عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، فامتنع عبد الله بالحيرة ، و سار إليه النضر و تحاربا أشهراً ، و كانت الصفرية مع النضر عصبة لمروان ، لطلبه بدم الوليد ، و أمه قيسية " .
و من المعلوم : أن الصفرية هم إحدى فرق الخوارج الكبرى و لا سيما في أواخر العهد الأموي .
و نجد أن المواقف السياسية للخوارج بعض المفارقات مثل :
ألف ـ ما يذكره البعض : من أنهم قد بايعوا زيد بن علي ، حينما ثار على الحكم الأموي ، كما أن بعض شعرائهم و هو حبيب بن جدرة الهلالي قد رثاه حينما استشهد . مع أن زيداً هذا هو حفيد علي عليه السلام الذي قتلهم و أباد خضراءهم ، و كانت دعوته شيعية علوية خالصة .
ب ـ إن شيبان بن سلمة الخارجي ، زعيم الفرقة الشيبانية قد أعان أبا مسلم الخراساني القائم بأمر الدعوة العباسية و ابن الكرماني على العامل الأموي نصر بن سيار .
ج ـ إنهم قد أعانوا ابن الزبير أيضاً ، حيث قد وجدوا : أن من واجبهم أن يمنعوا حرم الله من الغزو الأموي ، فذهبوا إلى ابن الزبير ، فأظهر لهم أنه على رأيهم ، فقاتلوا معه أهل الشام ، ثم امتحنوه فظهر لهم أنه مخالف لهم فتركوه و كان ذلك سنة 64ﻫ .
د ـ قال ابن خلدون : " و ولى مروان على العراق النضر بن سعيد الحريشي ، و عزل به عبد الله بن عمر بن عبد العزيز ، فامتنع عبد الله بالحيرة ، و سار إليه النضر و تحاربا أشهراً ، و كانت الصفرية مع النضر عصبة لمروان ، لطلبه بدم الوليد ، و أمه قيسية " .
و من المعلوم : أن الصفرية هم إحدى فرق الخوارج الكبرى و لا سيما في أواخر العهد الأموي .
انحسار دعوة الخوارج و أسبابه :
قد تقدم ما يوضح بعض أسباب انحسار دعوة الخوارج عن مناطق الحركة العلمية ، و النشاط الثقافي ، و النفوذ و القوة و الازدهار ليعيشوا في مناطق نائية حياة فيها الكثير من مظاهر الجهل و القسوة و البداوة ، و حرمهم إلى حد كبير من المساهمة في المد الثقافي و العلمي الذي كان يزداد قوة يوماً عن يوم ، ثم من التمتع بكثير من الطيبات التي أحلها الله لعباده . حتى أصبحوا في نهاية الأمر لصوصاً سلابين كما أخبر به علي عليه السلام ، و نص عليه عدد من المؤرخين و الباحثين .
و نؤكد على أن مما ساهم في إنحسار دعوتهم ، و تحجيم نشاطهم سرعة تفرقهم ، و تشعبهم فرقاً و أحزاباً ، بسبب أنهم ـ كما قال علي عليه السلام ـ : " معاشر اخفاء الهام سفهاء الأحلام " الأمر الذي أعطى لأعدائهم الفرصة للاستفادة من هذه الحالة ، فكان الملهب يحاول إلقاء الخلاف بينهم ، و قد نجح في ذلك إلى حدٍ ما .
ثم هناك تركيبتهم غير المتناسقة ، ثم ظروفهم الحياتية و حالتهم الفكرية و الثقافية . ثم طبيعة تعاليمهم ، التي كانت تنعكس على مواقفهم ، و على تحركهم السياسي و العسكري ، و غير ذلك ، و تؤثر في حِدِّيتهم في مواقفهم ، و تجعلها تتسم بالعفوية و الارتجال ، و لا تساعد على التخطيط السري المنظم لها .
هذا كله بالإضافة إلى عدم وضوح كثير من الأمور الدينية لهم ، حيث لم يكونوا قادرين على التمييز بين الإيمان و الكفر و موجباتهما .
تساهل الخوارج عبر الزمن
و يلاحظ هنا : أنه كلما طال العهد كلما اتجه الخوارج إلى التخفيف من حدة تعاليمهم و عقائدهم ، تبعاً لازدياد معارفهم و إدراكاتهم لضرورات الحياة . حتى لقد تساهلوا في موقفهم بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السلام ، فقد جنح التناوتي إلى الاعتدال في مسألة الحكم على علي عليه السلام و هي دائماً من أمهات المسائل عند الإباضية ، فإن عمدة و محور مذهب الخوارج ، و المبرر لوجودهم هو تكفير الخليفتين عثمان و علي عليه السلام . بل لقد نقل لنا بعض الإخوان عن بعض علمائهم في الجزائر : أنهم يظهرون الحب لعلي و آله و ينكرون أن يكون ابن ملجم قاتل علي عليه السلام منهم . فإن صح هذا . فإنه يكون تطوراً جديداً و هاماً جداً في مذهب الخوارج .
و إن تساهل الإباضية في كثير من الأمور ـ حتى أننا لا نجد إلا القليل من أوجه الشبه بينهم و بين أسلافهم في الصدر الأول ـ ليفسر لنا بقاءهم على مر الزمن بينما نجد غيرهم من الفرق قد بادوا و انقرضوا بسرعة منذ القرون الأولى . فإن تساهلهم هذا . . قد ساهم طبيعياً في إزالة كثير من نقاط الضعف التي سبقت الإشارة إلى بعضها .
قد تقدم ما يوضح بعض أسباب انحسار دعوة الخوارج عن مناطق الحركة العلمية ، و النشاط الثقافي ، و النفوذ و القوة و الازدهار ليعيشوا في مناطق نائية حياة فيها الكثير من مظاهر الجهل و القسوة و البداوة ، و حرمهم إلى حد كبير من المساهمة في المد الثقافي و العلمي الذي كان يزداد قوة يوماً عن يوم ، ثم من التمتع بكثير من الطيبات التي أحلها الله لعباده . حتى أصبحوا في نهاية الأمر لصوصاً سلابين كما أخبر به علي عليه السلام ، و نص عليه عدد من المؤرخين و الباحثين .
و نؤكد على أن مما ساهم في إنحسار دعوتهم ، و تحجيم نشاطهم سرعة تفرقهم ، و تشعبهم فرقاً و أحزاباً ، بسبب أنهم ـ كما قال علي عليه السلام ـ : " معاشر اخفاء الهام سفهاء الأحلام " الأمر الذي أعطى لأعدائهم الفرصة للاستفادة من هذه الحالة ، فكان الملهب يحاول إلقاء الخلاف بينهم ، و قد نجح في ذلك إلى حدٍ ما .
ثم هناك تركيبتهم غير المتناسقة ، ثم ظروفهم الحياتية و حالتهم الفكرية و الثقافية . ثم طبيعة تعاليمهم ، التي كانت تنعكس على مواقفهم ، و على تحركهم السياسي و العسكري ، و غير ذلك ، و تؤثر في حِدِّيتهم في مواقفهم ، و تجعلها تتسم بالعفوية و الارتجال ، و لا تساعد على التخطيط السري المنظم لها .
هذا كله بالإضافة إلى عدم وضوح كثير من الأمور الدينية لهم ، حيث لم يكونوا قادرين على التمييز بين الإيمان و الكفر و موجباتهما .
تساهل الخوارج عبر الزمن
و يلاحظ هنا : أنه كلما طال العهد كلما اتجه الخوارج إلى التخفيف من حدة تعاليمهم و عقائدهم ، تبعاً لازدياد معارفهم و إدراكاتهم لضرورات الحياة . حتى لقد تساهلوا في موقفهم بالنسبة لأمير المؤمنين عليه السلام ، فقد جنح التناوتي إلى الاعتدال في مسألة الحكم على علي عليه السلام و هي دائماً من أمهات المسائل عند الإباضية ، فإن عمدة و محور مذهب الخوارج ، و المبرر لوجودهم هو تكفير الخليفتين عثمان و علي عليه السلام . بل لقد نقل لنا بعض الإخوان عن بعض علمائهم في الجزائر : أنهم يظهرون الحب لعلي و آله و ينكرون أن يكون ابن ملجم قاتل علي عليه السلام منهم . فإن صح هذا . فإنه يكون تطوراً جديداً و هاماً جداً في مذهب الخوارج .
و إن تساهل الإباضية في كثير من الأمور ـ حتى أننا لا نجد إلا القليل من أوجه الشبه بينهم و بين أسلافهم في الصدر الأول ـ ليفسر لنا بقاءهم على مر الزمن بينما نجد غيرهم من الفرق قد بادوا و انقرضوا بسرعة منذ القرون الأولى . فإن تساهلهم هذا . . قد ساهم طبيعياً في إزالة كثير من نقاط الضعف التي سبقت الإشارة إلى بعضها .