الجمعة 22 تشرين الثاني 2024 الموافق لـ 12 جمادى الاولى 1446هـ

» قراءات ومـــراجعــات

عوامل ساعدت على ظهور الخوارج


و بعد . . فلم يكن ظهور الخوارج في مناسبة حرب صفين أمراً عفوياً وليد ساعته ، و إنما كان ثمة أجواء و مناخات ، و عوامل و أسباب ساعدت على ظهورهم ، و نذكر منها :
العامل الثقافي الناقص أو المنحرف ، حيث كانوا في الأكثر أعراباً جفاة ، لم يستضيئوا بنور العلم ، و لا اهتدوا بهدى العقل .
إن أكثرهم كانوا من تميم ، و هي من ربيعة ، و كانت القبائل الربيعية ـ حسبما يراه البعض ـ تحسد قريشاً على استيلائها على الخلافة ، و بينها و بين مضر إحن جاهلية ، خفف الإسلام من حدتها ، و لم يذهب بكل قوتها . و لعل لأجل ذلك نجد أبا حمزة الخارجي حينما غزا المدينة كان يقتل القرشي و يدع الأنصاري ، كما أن الأصمعي يصف الجزيرة بأنها خارجية ، لأنها مسكن ربيعة ، و هي رأس كل فتنة .
لقد شاع عن الخوارج : أنهم من الزهاد و العباد حتى اعتقد كثير من الباحثين : أن ثورتهم كانت خالصة لله تعالى ، و لم يكن للدنيا في تفكيرهم أي نصيب . و لكن الذين يبدو هو أن الدنيا كانت تستأثر بجانب كبير من تفكيرهم ، و اهتماماتهم ، و قد كان لمفاهيمهم الجاهلية ، و عصبياتهم القبلية و مصالحهم الشخصية ، و أملهم بالفوز و النصر أثر كبير في إصرارهم على موقفهم ذاك من علي عليه السلام ، و الذي كان مبنياً على حالة من الشك و التردد كما صرحوا به أنفسهم ، و كما صرح به الإمام الصادق عليه السلام . أما موقفهم من الأمويين و غيرهم من حكام الجور فقد كان لهم فيه مقالاً ـ كما عن علي عليه السلام ـ و لم يكن لديهم أدنى شك في صحته و سلامته . و لكن ذلك لا يعني أنهم في حربهم لهم لا يطلبون الحكم و السلطان ، أو الحصول على شيء من حطام الدنيا أيضاً ، فإن ذلك كان مد نظرهم ، و مطمح نفوسهم ، و كشاهد على كل ما تقدم نذكر :
ألف ـ إن علياً عليه السلام يقول عنهم : " غرهم الشيطان ، و أنفس بالسوء أمارة ، غرتهم بالأماني ، و زينت لهم المعاصي ، و نبأتهم بأنهم ظاهرون " .
و يدل على صحة ذلك : ما كانوا يرتكبونه من جرائم و موبقات في حق الأبرياء حتى النساء و الأطفال ، و حتى قبل معركة النهروان أي قبل أن يضعوا لأنفسهم منهجاً عقائدياً يبيح لهم تلك العظائم و الجرائم .
ب ـ إن من جملة ما نقموه على علي عليه السلام : أنه لم يقسم بينهم السبي في حرب الجمل ، كما قسم بينهم الغنائم .
ج ـ إن شيخاً منهم بعد أن رجع عن مقاتلتهم أخبر عنهم : أنهم كانوا إذا هووا أمراً صيروا حديثاً .
د ـ إن شبيب بن يزيد الشيباني قد طلب من عبد الملك أن يفرض له في أهل الشرف ، فرفض ، فغضب و جمع الرجال ، و خرج عليه يحاربه .
و قد أخذ أتباعه عليه ، أنه كان لا يطبق التعاليم الخارجية على قومه . أما نجدة الخارجي ، فلم يعاقب رجلاً كان يشرب الخمر في معسكره ، بحجة أنه شديد النكاية على العدو . و بعض زعمائهم و هو عبيدة بن هلال يتهم بامرأة حداد ، فيحتال خليفتهم ( قطري بن الفجأة ) لتبرئته .
هـ ـ و في بعض حروبهم : ( جعلت الخوارج تقاتل على القدح يؤخذ منها ، و السوط ، و العلف ، و الحشيش ، أشدّ قتال ) .
و ـ و زياد بن أبيه يولي أحدهم سابور و يرزقه أربعة آلاف درهم كل شهر ، فيلزم الطاعة ، و لا يفارق الجماعة ، على حدّ تعبيرهم ، كما أن زياداً حينما يعطيهم ما يركبون يقبلون بالتردد عليه ، و السمر عنده .
ز ـ بل إننا نجدهم مستعدّين لان يقتل بعضهم بعضاً في قِبال إطلاق سراحهم من سجن ابن زياد .
إلى غير ذلك من الشواهد التي لا مجال لتتبعها .

4 ـ إن العراق الذي كان على اتصال مباشر بغير العرب قبل فتحه في عهد عمر بن الخطاب ، الذي كان له سياسة خاصة في تمييز العرب على غيرهم ، كان ينظر إلى الخليفة الثاني نظرة خاصة متميزة ، حتى إن علياً لم يستطع أن يمنع جنده من صلاة التراويح حيث تنادوا : يا أهل الإسلام غيرت سنة عمر ، كما لم يستطع أن يعزل شريحاً عن القضاء ، لأنه منصوب من قبل عمر ، و قد بايعوه على أن لا يغير شيئاً مما قرره أبو بكر و عمر ، على حد تعبيرهم . و أصحاب الجمل أيضاً قد نادوا بأمير المؤمنين : أعطنا سنة العمرين ، و قال الخوارج لقيس بن سعد : " لسنا متابعيكم أبداً أو تأتونا بمثل عمر " إلى غير ذلك مما يدل على عظمة الخليفة الثاني في نفوس الناس و الخوارج بالذات .
و ما اشتهر من أن الكوفة كانت علوية ، فإنما كان ذلك بعد استيطان علي عليه السلام لها ، و بذله الكثير من الجهود في سبيل توعية أهلها على الكثير من الحقائق التي كان لا بُدَّ لهم من التعرف عليها . و من ذلك مناشدته للناس بحديث الغدير في رحبة الكوفة ، و في صفين ، و إخباراته الغيبية الكثيرة لهم ، و منه إخباره بمصير أهل النهروان ، و بحديث المخدّج ، و غير ذلك .
و مع ذلك فلم يكن في الكوفة خمسون رجلاً يعرفونه حق معرفته ، و حق معرفة إمامته كما عن الإمام الصادق ، و إنما يحاربون معه وفاء بالبيعة التي كانت له في أعناقهم ، بالإضافة إلى ما سمعوه من وعن النبي صلى الله عليه و آله في فضله الأمر الذي جعل له مكانة و احتراماً خاصاً لديهم .

5 ـ إن العراق قد فتح في عهد الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ليواجه الحياة العسكرية ، و يتحمل آثارها النفسية و الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية . و إذا كان يرافق ذلك عدم توفر العمق الإيماني إلا في حدود العواطف و الأحاسيس و عدم توفر العناية الكاملة بالتربية الإسلامية ، و التأهيل لاستيعاب التعاليم الإلهية ، ثم التفاعل معها بالشكل المناسب و المقبول ، و المفاهيم الجاهلية ، و الأهواء ، والطابع المميز للحياة آنئذٍ ، و لاسيما على مستوى الزعامات القبلية ، مع فارق وحيد ، و هو أن ذلك أصبح يتلون و يتلبس باسم الدين ، و يستفاد منه في التمرير و التبرير ، و الدين من ذلك كله برئ .

6 ـ إن الذين حاربوا علياً في وقعة الجمل ، و الذين يتعاطفون مع عثمان في محنته التي تعرض لها ، قد أصبحوا الآن في جيش علي عليه السلام فقد كان حي الناعطين في الكوفة عثمانياً ، كما أن الناس كانوا بعد حرب صفين ، فيهم المعجب بنتائجها ، و فيهم الكاره ، و الغاش و الناصح كما يقولون . و إذن . . فليس لنا أن نتوقع من هؤلاء بملاحظة حالتهم الثقافية الدينية ، و علاقاتهم القبلية ، و غير ذلك ، أن يكونوا مخلصين له كل الإخلاص . و لاسيما و أنهم هم الذين يتحملون أعباء الحرب و آثارها لا يرون أنهم يحصلون في مقابل ذلك على نفع يذكر حسب مقاييسهم و مفاهيمهم عن الربح و الخسران في حالات كهذه .
و إذا كان علي عليه السلام لا يقيم وزناً للزعامات القبلية و يقيم علاقاته معها على أساس ما تملكه من معان إنسانية نبيلة ، و ما تقدمه من خدمات في سبيل الدين و الإنسان ، و لم يكن ليميّز أحداً على أحد مهما كانت الظروف و الأحوال . و إذا كان أهل الشام يعتبرون قضية معاوية قضيتهم ، و مصيره مصيرهم ، و هو يبذل الأموال فيهم ، و يشتري الرجال ـ إذا كان كل ذلك ـ فإن الفرصة تكون مواتية لمعاوية ليصطاد الزعامات القبلية في عراق علي بالذات ، و يتحفهم بالأموال و الأماني سراً و جهراً ، و يكيد بهم علياً و الإسلام . و لم يكن ثمة مناعات أو حصانات كافية للوقوف في وجه أمر كهذا ، حسبما تقدم .
تركيبة الخوارج
أما تركيبة الخوارج ، فلم تكن لتشجع على التفاؤل ـ فبالإضافة إلى أنهم أعراف جفاة يهيمن عليهم الجهل و القسوة ـ قد كانوا أخلاطاً من العرب و الموالي ، و العرب منهم يحتقرون الموالى . كما أن معظمهم كان من السفلة فلم يكونوا من أهل البيوتات المعروفة بالشرف و السؤدد ، و لا كان ثمة تقارب في المآرب و الأغراض التي كان كل منهم يطمح إلى تحقيقيها ، و لذا . . فقد كان من الطبيعي أن تكثر بينهم التحزبات و الإنقسامات ، و ليترك ذلك آثاراً بارزة على قدراتهم ، و فعالية مواقفهم و حركاتهم .
1892 مشاهدة | 02-11-2017
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مجلس عزاء عن روح الشهيد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورفاقه

رحيل العلامة المحقق الشــيـخ علي كـوراني العاملي (رحمه الله)

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

المسابقة العلمية الرابعة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

حفل تكريم المشاركات في دورة مشروع الفكر الإسلامي في القرآن

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

لقاء مع المربي العلامة الشيخ حبيب الكاظمي

احتفال في ذكرى المولد الشريف

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة