الجمعة 22 تشرين الثاني 2024 الموافق لـ 12 جمادى الاولى 1446هـ

» قراءات ومـــراجعــات

موقف الإمام علي (ع) من الخوارج



عالج أمير المؤمنين عليه السلام قضية الخوارج بحكمة و مرونة ، ثم بحزم و بحسم أيضاً ، حيث حاول أولاً أن يقنعهم بخطئهم في تصوراتهم و مواقفهم ، فناقشهم و وعظهم هو و أصحابه : ابن عباس و غيره ، و أقاموا عليهم الحجة ، حتى رجع منهم الألوف .
و يلاحظ هنا : أنه عليه السلام ينهى ابن عباس عن أن يخاصمهم بالقرآن ، فإن القرآن حمال ذو وجوه ، و لكن يخاصمهم بالسنة ، فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً .
كما أنه هو نفسه قد التزم بذلك إلى حدٍ كبير ، حيث نجده يهتم بأن يحتج عليهم بأقوال النبي ( صلى الله عليه و آله ) و أعماله بالدرجة الأولى ، فاحتج عليهم بأنه ( صلى الله عليه و آله ) قد رجم الزاني ثم صلى عليه و ورثه أهله ، و قتل القاتل كذلك ، و قطع السارق و جلد الزاني غير المحصن ، ثم قسم عليهما من الفيء ، و نكحا المسلمات ، فأخذهم ( صلى الله عليه و آله ) بذنوبهم ، و لم يمنعهم سهمهم من الإسلام ، و لا أخرج أسماءهم من بين أهله .
و احتج عليهم أيضاً بمنِّ النبي ( صلى الله عليه و آله ) على أهل مكة فلم يسب نساءهم و لا ذريتهم ، و بمحوه ( صلى الله عليه و آله ) كلمة : ( رسول الله ) من صحيفة الحديبية ، و بإعطائه النصفة لأهل نجران ، حيث قال : " ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " و بتحكيمه سعد بن معاذ في بني قريظة الذين نقضوا العهد .
و لكن . . رغم كل تلك المحاولات و المواعظ و الاحتجاجات ، و رغم رجوع الألوف منهم عن غيهم ، فقد بقيت بقيّة حوالي أربعة آلاف أبو إلا البقاء على ما هم عليه ، و محاربته ، و قتلوا الأبرياء ، حتى النساء ، و أخافوا السبيل ، و أفسدوا في الأرض ، فاضطر عليه السلام لمحاربتهم لدفع شرهم ، و إخماد نار فتنتهم ، فحاربهم ، و قتلهم ، و لم يفلت منهم إلا أقل من عشرة ، كما لم يستشهد من أصحابه إلا أقل من عشرة ، كما أخبر به عليه السلام قبل ذلك .
و يقول المؤرخون : إن الذين أفلتوا من القتل قد أصبحوا بذرات أخرى للخوارج في مناطق عديدة فيما بعد .
و أما أولئك الذين استأمنوا ، فقد صاروا يخرجون على عليّ عليه السلام و على غيره بعد ذلك ، فخرج منهم ألفان على الإمام في النخيلة فقضى عليهم . ثم صار الخوارج يخرجون عليه في شراذم قليلة في بضعة مئات أو أقل أو أكثر في الأنبار ، و ماسبذان ، و جرجرايا ، و المدائن ، و سواد الكوفة ، فكان يقضي على حركاتهم تلك الواحدة تلو الأخرى بيسر و سهولة .

أنا فقأت عين الفتنة
و يقول عليه السلام عن حربه للخوارج و لغيرهم :
" أنا فقأت عين الفتنة ، ولم تكن ليجرؤ عليها أحد غيري بعد أن ماج غيهبها و اشتد كلبها " .
و في رواية أخرى لهذا النص بدل ذيل الكلام : " و لو لم أكن فيكم ما قوتل الناكثون ، و لا القاسطون ، و لا المارقون " .
و في نص آخر : " ما قوتل أصحاب الجمل و النهروان " .
و يبدو أن سر ذلك هو أنه قد كان على رأس الناكثين : طلحة و الزبير ، و هما من أهل السابقة في الإسلام ، ثم أم المؤمنين عائشة زوجة الرسول ، و بنت الخليفة الأول أبي بكر ، المرأة الذكية و الشجاعة ، و التي كانت تحظى بعناية و رعاية خاصة من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، الذي يتميز بعظمة خاصة في نفوس الناس ، و شاع و ذاع عنه ما لا يمكن تجاهله أو إنكاره .
و كان معاوية يتزعم القاسطين ، و عمر هو الذي جعله على بلاد الشام ، و كان يعامله معاملة متميزة ، و بقي على عمله إلى أن توفي عمر ، ثم طيلة خلافة عثمان ، و تربى أهل تلك البلاد على أفكاره و اتجاهاته ، و أصبحت بلاد الشام سفيانية كما أشار إليه الأصمعي و غيره . ثم هناك الشبهات التي كان يلقيها معاوية في الناس بالنسبة لمقتل عثمان .
أما المارقون . . فكانوا معروفين بالعبادة و الزهد ، فالإقدام على حربهم و قتلهم لم يكن أمراً سهلاً و ميسوراً لكل أحد .
أما علي عليه السلام . . فقد كانت مكانته بين المسلمين معروفة لدى كل أحد ، و كانت الأمة لا تزال تسمع من وعي النبي ( صلى الله عليه و آله ) الكثير الكثير مما يدل على فضله ، و أنه مع الحق و الحق معه ، و انه منه بمنزلة هارون من موسى . حتى ليصبح قتاله للخوارج و لغيرهم حتى عائشة دليلاً صريحاً على تعديهم و ظلمهم ، أو خطئهم في موقفهم على الأقل .
نعم . . و قد رأينا الكثيرين من الخوارج عليه ـ عليه السلام ـ يشكون في صحة و سلامة موقفهم منه ، حتى إذا جاء العهد الأموي بدءً من معاوية ، قالوا : قد جاء الآن ما لا شك فيه . ثم أخذوا على عاتقهم مهمة قتال الأمويين بكل ضراوة و عنف ، كما هو معلوم .

لا تقتلوا الخوارج بعدي
و بعد . . فإنا نجد علياً الذي يحارب الخوارج و يستأصل شأفتهم يوصي الناس و شيعته بأن لا يقاتلوا الخوارج بعده ، و يعلل ذلك بأنه ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه .
و أيضاً . . فقد ذكرت الحرورية عنده ، فقال : إن خرجوا على إمام عادل أو جماعة فقاتلوهم ، وإن خرجوا على إمام جائر فلا تقاتلوهم ، فإن لهم في ذلك مقالاً .
و لعل سر ذلك هو :
أولاً : إن الخوارج في المستقبل سيقاتلون الأمويين الذين كانوا أشد خطراً على الإسلام و الأمة ، لأن دعوتهم و طريقتهم تستهوي النفوس الضعيفة ، لأنهم يدعون إلى الدنيا و إلى زبارجها و بهارجها ، و هذا ما ينساق إليه الناس بغرائزهم و يلائم هوى نفوسهم . كما أنهم قد تلاعبوا في عقائد المسلمين و غيروها و أدخلوا عليهم فيها الشُبَه و الإسرائيليات و غير ذلك مما لا مجال لذكره هنا . في حين أنه كان لهم القدح المعلى و القدم الثابت في الانحراف ، مع خبث نفوسهم ، و شدة ظلمهم و فجورهم .
يقول علي عليه السلام بعد كلامه السابق عن الخوارج : " ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية فإنها فتنة عمياء مظلمة ، عمت خطتها ، و أصاب البلاء من أبصر فيها ، و اخطأ البلاء من عمي عنها . و أيم الله ، لتجدن بني أمية لكم أرباب سوء ، كالنار الضروس تعذم بفيها ، و تخبط بيدها ، و تزبن برجلها ، و تمنع درها . ـ إلى أن قال ـ : لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعاً لهم ، أو غير ضائر بهم . ـ إلى أن قال ـ : ترد فتنتهم شوهاء مخشية ، و قطعاً جاهلية ، ليس فيها منار هدى ، و لا علم يرى " .
أما دعوة الخوارج فلم يكن لها ذلك الخطر ، و ذلك لما يلي :
ألف : لقد كان الخوارج ـ عموماً ـ أعراباً جفاة ، لا ثقافة و لا معرفة لديهم ، يشكلون بها خطراً على الدين بشبهاتهم و انحرافاتهم .
ب : إن دعوتهم لم تكن تنسجم مع الفطرة و لا تتقبلها العقول . و إذا ما استهوت بعض شعاراتهم بعض البسطاء و السذج لبعض الوقت فإنها لا تلبث أن تنحسر و تتلاشى بمجرد دعوتهم إلى الفطرة ، و العقل السليم ، و الفكر المستقيم .
يضاف إلى ذلك : حِدِّيتهم المتناهية في التعامل مع سائر المسلمين حيث لم يكن قلوبهم تعرف الرحمة و الشفقة حتى للأطفال و النساء .
فالأزارقة و قد كانوا أعظم فرقهم و أشدها شوكة ، و قد استولوا على الأهواز و أرض فارس و كرمان و جبوا خراجها سنوات عديدة . إن هؤلاء يقولون بكفر جميع من عداهم ، و لا يحق لأصحابهم المؤمنين منهم أن يجيبوا أحداً من غيرهم إلى الصلاة إذا دعا إليها ، و لا أن يأكلوا ذبائحهم ، أو يتزوجوا منهم ، أو يرثوا منهم ، أو يورثوهم ، و يكون غيرهم مثل كفار العرب ، و عبدة الأوثان ، لا يقبل منهم إلا الإسلام و السيف ، و دارهم دار حرب ، و يحل قتل أطفالهم و نسائهم ، و يحل لهم الغدر بمن خالفهم ، و لا تجوز التقية ، إلى غير ذلك مما لا مجال لذكره هنا .
ج : إن الخوارج إنما حاربوا علياً عليه السلام لشبهة تمكنت من نفوسهم ، و زين لهم الشيطان أنهم ظاهرون و منتصرون ، فهم قد طلبوا الحق فوقعوا في الباطل . و إذا كان قد خالط ذلك الشيء من حب الدنيا و المصالح الشخصية و المفاهيم الجاهلية ، و العصبيات القبلية ، فإنما كان ذلك ملبساً بلباس ديني ، و شبهة كانت طاغية على فهمهم و إدراكهم و مبررة على هذا الأساس ، فكانوا ـ كما عن علي عليه السلام ـ مصداقاً لقوله تعالى : ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ 1 .
ثانياً : إن ظاهر الخوارج هو أنهم من العباد و الزهاد ، فمن يتصدى لحربهم ـ سوى علي عليه السلام ـ لم يكن يستطيع أن يدافع عن نفسه كثيراً و لاسيما إذا كان الإعلام ـ حتى الأموي ـ ضده ، و يعمل على تشويهه ، و تحطيم كل مقومات حياته و وجوده .
كما أن العراق الميال لعلي و أهل بيته عليهم السلام سينشغل بقضية لن تكون نتائجها إلا زعزعة ثباته ، و تمزق أوصاله ، و يقلل من فرص إجتياح المد الشيعي على شكل التعاطف مع أهل البيت لمناطق أخرى تقع في نطاق اهتمامات الحكم الأموي .
كما أن تولي هؤلاء لحرب الخوارج معناه أن يتحملوا هم آثار الحرب و مخلفاتها غير المرغوب فيها ، و لاسيما ما ينشأ عن سفك الدماء عادة من الأحقاد ، ثم زعزعت الثوابت على الصعيد القبلي و العاطفي .
ثالثاً : لقد كان الشيعة قلة و مضطهدين من قبل الحكم الأموي ، فتكليفهم بقتال الخوارج معناه المزيد من إضعافهم هم و الخوارج مع بقاء الحكم الأموي محتفظاً بكامل قواه ، يتحكم بمقدرات الأمة ، و يسومها الخسف و الذل .
و قد حاول الأمويون ابتداء من معاوية الزج بأهل البيت و شيعتهم في حرب الخوارج فأرسل معاوية إلى الإمام الحسن عليه السلام و هو في طريقه من الكوفة إلى المدينة يدعوه لحربهم ، فرفض عليه السلام طلبه و كتب إليه : " لو آثرت أن أقاتل أهل القبلة لبدأت بقتالك " ، و في مناسبة أخرى على ما يظهر يذكره عليه السلام بأن ليس من طلب الحق فأخطأه ، كمن طلب الباطل فأدركه فأسكت معاوية .
إلا أن الظاهر هو أن الأمويين قد استطاعوا أن يجيبوا الشيعة على حربهم ، و قد نكل الحجاج بأهل العراق ، و قتل من قتل و فعل بهم الأفاعيل في مجال إرغامهم على ذلك .

علي عليه السلام و جرحى الخوارج
و يقول البلاذري عن حرب النهروان :
" و وجد علي عليه السلام ممن به رمق أربع مائة فدفعهم إلى عشائرهم و لم يجهز عليهم و رد الرقيق على أهله حينما قدم الكوفة ، و قسم الكراع و السلاح و ما قوتل به بين أصحابه " ، و هذا معناه أنه حينما أخبر عليه السلام أنه لا يفلت منهم عشرة كان يقصد أنه لا يفلت منهم و لو من الجراحة نعم . . و كذلك فعل عليه السلام مع جرحاهم الأربعين في سواد الكوفة و ذلك يعبر عن انه عليه السلام إنما كان يتعامل معهم من منطلق إنساني إسلامي بعيداً عن أي تأثر و انفعال و لم يكن كأولئك الذين لا ينطلقون في مواقفهم إلا من مصالحهم الشخصية و على أساس من انفعالاتهم و عصبياتهم .

1722 مشاهدة | 02-11-2017
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مجلس عزاء عن روح الشهيد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورفاقه

رحيل العلامة المحقق الشــيـخ علي كـوراني العاملي (رحمه الله)

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

المسابقة العلمية الرابعة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

حفل تكريم المشاركات في دورة مشروع الفكر الإسلامي في القرآن

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

لقاء مع المربي العلامة الشيخ حبيب الكاظمي

احتفال في ذكرى المولد الشريف

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة