عالج أمير المؤمنين عليه السلام قضية الخوارج بحكمة و مرونة ، ثم بحزم و بحسم أيضاً ، حيث حاول أولاً أن يقنعهم بخطئهم في تصوراتهم و مواقفهم ، فناقشهم و وعظهم هو و أصحابه : ابن عباس و غيره ، و أقاموا عليهم الحجة ، حتى رجع منهم الألوف .
و يلاحظ هنا : أنه عليه السلام ينهى ابن عباس عن أن يخاصمهم بالقرآن ، فإن القرآن حمال ذو وجوه ، و لكن يخاصمهم بالسنة ، فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً .
كما أنه هو نفسه قد التزم بذلك إلى حدٍ كبير ، حيث نجده يهتم بأن يحتج عليهم بأقوال النبي ( صلى الله عليه و آله ) و أعماله بالدرجة الأولى ، فاحتج عليهم بأنه ( صلى الله عليه و آله ) قد رجم الزاني ثم صلى عليه و ورثه أهله ، و قتل القاتل كذلك ، و قطع السارق و جلد الزاني غير المحصن ، ثم قسم عليهما من الفيء ، و نكحا المسلمات ، فأخذهم ( صلى الله عليه و آله ) بذنوبهم ، و لم يمنعهم سهمهم من الإسلام ، و لا أخرج أسماءهم من بين أهله .
و احتج عليهم أيضاً بمنِّ النبي ( صلى الله عليه و آله ) على أهل مكة فلم يسب نساءهم و لا ذريتهم ، و بمحوه ( صلى الله عليه و آله ) كلمة : ( رسول الله ) من صحيفة الحديبية ، و بإعطائه النصفة لأهل نجران ، حيث قال : " ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين " و بتحكيمه سعد بن معاذ في بني قريظة الذين نقضوا العهد .
و لكن . . رغم كل تلك المحاولات و المواعظ و الاحتجاجات ، و رغم رجوع الألوف منهم عن غيهم ، فقد بقيت بقيّة حوالي أربعة آلاف أبو إلا البقاء على ما هم عليه ، و محاربته ، و قتلوا الأبرياء ، حتى النساء ، و أخافوا السبيل ، و أفسدوا في الأرض ، فاضطر عليه السلام لمحاربتهم لدفع شرهم ، و إخماد نار فتنتهم ، فحاربهم ، و قتلهم ، و لم يفلت منهم إلا أقل من عشرة ، كما لم يستشهد من أصحابه إلا أقل من عشرة ، كما أخبر به عليه السلام قبل ذلك .
و يقول المؤرخون : إن الذين أفلتوا من القتل قد أصبحوا بذرات أخرى للخوارج في مناطق عديدة فيما بعد .
و أما أولئك الذين استأمنوا ، فقد صاروا يخرجون على عليّ عليه السلام و على غيره بعد ذلك ، فخرج منهم ألفان على الإمام في النخيلة فقضى عليهم . ثم صار الخوارج يخرجون عليه في شراذم قليلة في بضعة مئات أو أقل أو أكثر في الأنبار ، و ماسبذان ، و جرجرايا ، و المدائن ، و سواد الكوفة ، فكان يقضي على حركاتهم تلك الواحدة تلو الأخرى بيسر و سهولة .
أنا فقأت عين الفتنة
و يقول عليه السلام عن حربه للخوارج و لغيرهم :
" أنا فقأت عين الفتنة ، ولم تكن ليجرؤ عليها أحد غيري بعد أن ماج غيهبها و اشتد كلبها " .
و في رواية أخرى لهذا النص بدل ذيل الكلام : " و لو لم أكن فيكم ما قوتل الناكثون ، و لا القاسطون ، و لا المارقون " .
و في نص آخر : " ما قوتل أصحاب الجمل و النهروان " .
و يبدو أن سر ذلك هو أنه قد كان على رأس الناكثين : طلحة و الزبير ، و هما من أهل السابقة في الإسلام ، ثم أم المؤمنين عائشة زوجة الرسول ، و بنت الخليفة الأول أبي بكر ، المرأة الذكية و الشجاعة ، و التي كانت تحظى بعناية و رعاية خاصة من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، الذي يتميز بعظمة خاصة في نفوس الناس ، و شاع و ذاع عنه ما لا يمكن تجاهله أو إنكاره .
و كان معاوية يتزعم القاسطين ، و عمر هو الذي جعله على بلاد الشام ، و كان يعامله معاملة متميزة ، و بقي على عمله إلى أن توفي عمر ، ثم طيلة خلافة عثمان ، و تربى أهل تلك البلاد على أفكاره و اتجاهاته ، و أصبحت بلاد الشام سفيانية كما أشار إليه الأصمعي و غيره . ثم هناك الشبهات التي كان يلقيها معاوية في الناس بالنسبة لمقتل عثمان .
أما المارقون . . فكانوا معروفين بالعبادة و الزهد ، فالإقدام على حربهم و قتلهم لم يكن أمراً سهلاً و ميسوراً لكل أحد .
أما علي عليه السلام . . فقد كانت مكانته بين المسلمين معروفة لدى كل أحد ، و كانت الأمة لا تزال تسمع من وعي النبي ( صلى الله عليه و آله ) الكثير الكثير مما يدل على فضله ، و أنه مع الحق و الحق معه ، و انه منه بمنزلة هارون من موسى . حتى ليصبح قتاله للخوارج و لغيرهم حتى عائشة دليلاً صريحاً على تعديهم و ظلمهم ، أو خطئهم في موقفهم على الأقل .
نعم . . و قد رأينا الكثيرين من الخوارج عليه ـ عليه السلام ـ يشكون في صحة و سلامة موقفهم منه ، حتى إذا جاء العهد الأموي بدءً من معاوية ، قالوا : قد جاء الآن ما لا شك فيه . ثم أخذوا على عاتقهم مهمة قتال الأمويين بكل ضراوة و عنف ، كما هو معلوم .
و يقول عليه السلام عن حربه للخوارج و لغيرهم :
" أنا فقأت عين الفتنة ، ولم تكن ليجرؤ عليها أحد غيري بعد أن ماج غيهبها و اشتد كلبها " .
و في رواية أخرى لهذا النص بدل ذيل الكلام : " و لو لم أكن فيكم ما قوتل الناكثون ، و لا القاسطون ، و لا المارقون " .
و في نص آخر : " ما قوتل أصحاب الجمل و النهروان " .
و يبدو أن سر ذلك هو أنه قد كان على رأس الناكثين : طلحة و الزبير ، و هما من أهل السابقة في الإسلام ، ثم أم المؤمنين عائشة زوجة الرسول ، و بنت الخليفة الأول أبي بكر ، المرأة الذكية و الشجاعة ، و التي كانت تحظى بعناية و رعاية خاصة من قبل الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، الذي يتميز بعظمة خاصة في نفوس الناس ، و شاع و ذاع عنه ما لا يمكن تجاهله أو إنكاره .
و كان معاوية يتزعم القاسطين ، و عمر هو الذي جعله على بلاد الشام ، و كان يعامله معاملة متميزة ، و بقي على عمله إلى أن توفي عمر ، ثم طيلة خلافة عثمان ، و تربى أهل تلك البلاد على أفكاره و اتجاهاته ، و أصبحت بلاد الشام سفيانية كما أشار إليه الأصمعي و غيره . ثم هناك الشبهات التي كان يلقيها معاوية في الناس بالنسبة لمقتل عثمان .
أما المارقون . . فكانوا معروفين بالعبادة و الزهد ، فالإقدام على حربهم و قتلهم لم يكن أمراً سهلاً و ميسوراً لكل أحد .
أما علي عليه السلام . . فقد كانت مكانته بين المسلمين معروفة لدى كل أحد ، و كانت الأمة لا تزال تسمع من وعي النبي ( صلى الله عليه و آله ) الكثير الكثير مما يدل على فضله ، و أنه مع الحق و الحق معه ، و انه منه بمنزلة هارون من موسى . حتى ليصبح قتاله للخوارج و لغيرهم حتى عائشة دليلاً صريحاً على تعديهم و ظلمهم ، أو خطئهم في موقفهم على الأقل .
نعم . . و قد رأينا الكثيرين من الخوارج عليه ـ عليه السلام ـ يشكون في صحة و سلامة موقفهم منه ، حتى إذا جاء العهد الأموي بدءً من معاوية ، قالوا : قد جاء الآن ما لا شك فيه . ثم أخذوا على عاتقهم مهمة قتال الأمويين بكل ضراوة و عنف ، كما هو معلوم .
لا تقتلوا الخوارج بعدي
و بعد . . فإنا نجد علياً الذي يحارب الخوارج و يستأصل شأفتهم يوصي الناس و شيعته بأن لا يقاتلوا الخوارج بعده ، و يعلل ذلك بأنه ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه .
و أيضاً . . فقد ذكرت الحرورية عنده ، فقال : إن خرجوا على إمام عادل أو جماعة فقاتلوهم ، وإن خرجوا على إمام جائر فلا تقاتلوهم ، فإن لهم في ذلك مقالاً .
و لعل سر ذلك هو :
أولاً : إن الخوارج في المستقبل سيقاتلون الأمويين الذين كانوا أشد خطراً على الإسلام و الأمة ، لأن دعوتهم و طريقتهم تستهوي النفوس الضعيفة ، لأنهم يدعون إلى الدنيا و إلى زبارجها و بهارجها ، و هذا ما ينساق إليه الناس بغرائزهم و يلائم هوى نفوسهم . كما أنهم قد تلاعبوا في عقائد المسلمين و غيروها و أدخلوا عليهم فيها الشُبَه و الإسرائيليات و غير ذلك مما لا مجال لذكره هنا . في حين أنه كان لهم القدح المعلى و القدم الثابت في الانحراف ، مع خبث نفوسهم ، و شدة ظلمهم و فجورهم .
يقول علي عليه السلام بعد كلامه السابق عن الخوارج : " ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية فإنها فتنة عمياء مظلمة ، عمت خطتها ، و أصاب البلاء من أبصر فيها ، و اخطأ البلاء من عمي عنها . و أيم الله ، لتجدن بني أمية لكم أرباب سوء ، كالنار الضروس تعذم بفيها ، و تخبط بيدها ، و تزبن برجلها ، و تمنع درها . ـ إلى أن قال ـ : لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعاً لهم ، أو غير ضائر بهم . ـ إلى أن قال ـ : ترد فتنتهم شوهاء مخشية ، و قطعاً جاهلية ، ليس فيها منار هدى ، و لا علم يرى " .
أما دعوة الخوارج فلم يكن لها ذلك الخطر ، و ذلك لما يلي :
ألف : لقد كان الخوارج ـ عموماً ـ أعراباً جفاة ، لا ثقافة و لا معرفة لديهم ، يشكلون بها خطراً على الدين بشبهاتهم و انحرافاتهم .
ب : إن دعوتهم لم تكن تنسجم مع الفطرة و لا تتقبلها العقول . و إذا ما استهوت بعض شعاراتهم بعض البسطاء و السذج لبعض الوقت فإنها لا تلبث أن تنحسر و تتلاشى بمجرد دعوتهم إلى الفطرة ، و العقل السليم ، و الفكر المستقيم .
يضاف إلى ذلك : حِدِّيتهم المتناهية في التعامل مع سائر المسلمين حيث لم يكن قلوبهم تعرف الرحمة و الشفقة حتى للأطفال و النساء .
فالأزارقة و قد كانوا أعظم فرقهم و أشدها شوكة ، و قد استولوا على الأهواز و أرض فارس و كرمان و جبوا خراجها سنوات عديدة . إن هؤلاء يقولون بكفر جميع من عداهم ، و لا يحق لأصحابهم المؤمنين منهم أن يجيبوا أحداً من غيرهم إلى الصلاة إذا دعا إليها ، و لا أن يأكلوا ذبائحهم ، أو يتزوجوا منهم ، أو يرثوا منهم ، أو يورثوهم ، و يكون غيرهم مثل كفار العرب ، و عبدة الأوثان ، لا يقبل منهم إلا الإسلام و السيف ، و دارهم دار حرب ، و يحل قتل أطفالهم و نسائهم ، و يحل لهم الغدر بمن خالفهم ، و لا تجوز التقية ، إلى غير ذلك مما لا مجال لذكره هنا .
ج : إن الخوارج إنما حاربوا علياً عليه السلام لشبهة تمكنت من نفوسهم ، و زين لهم الشيطان أنهم ظاهرون و منتصرون ، فهم قد طلبوا الحق فوقعوا في الباطل . و إذا كان قد خالط ذلك الشيء من حب الدنيا و المصالح الشخصية و المفاهيم الجاهلية ، و العصبيات القبلية ، فإنما كان ذلك ملبساً بلباس ديني ، و شبهة كانت طاغية على فهمهم و إدراكهم و مبررة على هذا الأساس ، فكانوا ـ كما عن علي عليه السلام ـ مصداقاً لقوله تعالى : ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ 1 .
ثانياً : إن ظاهر الخوارج هو أنهم من العباد و الزهاد ، فمن يتصدى لحربهم ـ سوى علي عليه السلام ـ لم يكن يستطيع أن يدافع عن نفسه كثيراً و لاسيما إذا كان الإعلام ـ حتى الأموي ـ ضده ، و يعمل على تشويهه ، و تحطيم كل مقومات حياته و وجوده .
كما أن العراق الميال لعلي و أهل بيته عليهم السلام سينشغل بقضية لن تكون نتائجها إلا زعزعة ثباته ، و تمزق أوصاله ، و يقلل من فرص إجتياح المد الشيعي على شكل التعاطف مع أهل البيت لمناطق أخرى تقع في نطاق اهتمامات الحكم الأموي .
كما أن تولي هؤلاء لحرب الخوارج معناه أن يتحملوا هم آثار الحرب و مخلفاتها غير المرغوب فيها ، و لاسيما ما ينشأ عن سفك الدماء عادة من الأحقاد ، ثم زعزعت الثوابت على الصعيد القبلي و العاطفي .
ثالثاً : لقد كان الشيعة قلة و مضطهدين من قبل الحكم الأموي ، فتكليفهم بقتال الخوارج معناه المزيد من إضعافهم هم و الخوارج مع بقاء الحكم الأموي محتفظاً بكامل قواه ، يتحكم بمقدرات الأمة ، و يسومها الخسف و الذل .
و قد حاول الأمويون ابتداء من معاوية الزج بأهل البيت و شيعتهم في حرب الخوارج فأرسل معاوية إلى الإمام الحسن عليه السلام و هو في طريقه من الكوفة إلى المدينة يدعوه لحربهم ، فرفض عليه السلام طلبه و كتب إليه : " لو آثرت أن أقاتل أهل القبلة لبدأت بقتالك " ، و في مناسبة أخرى على ما يظهر يذكره عليه السلام بأن ليس من طلب الحق فأخطأه ، كمن طلب الباطل فأدركه فأسكت معاوية .
إلا أن الظاهر هو أن الأمويين قد استطاعوا أن يجيبوا الشيعة على حربهم ، و قد نكل الحجاج بأهل العراق ، و قتل من قتل و فعل بهم الأفاعيل في مجال إرغامهم على ذلك .
و بعد . . فإنا نجد علياً الذي يحارب الخوارج و يستأصل شأفتهم يوصي الناس و شيعته بأن لا يقاتلوا الخوارج بعده ، و يعلل ذلك بأنه ليس من طلب الحق فأخطأه كمن طلب الباطل فأدركه .
و أيضاً . . فقد ذكرت الحرورية عنده ، فقال : إن خرجوا على إمام عادل أو جماعة فقاتلوهم ، وإن خرجوا على إمام جائر فلا تقاتلوهم ، فإن لهم في ذلك مقالاً .
و لعل سر ذلك هو :
أولاً : إن الخوارج في المستقبل سيقاتلون الأمويين الذين كانوا أشد خطراً على الإسلام و الأمة ، لأن دعوتهم و طريقتهم تستهوي النفوس الضعيفة ، لأنهم يدعون إلى الدنيا و إلى زبارجها و بهارجها ، و هذا ما ينساق إليه الناس بغرائزهم و يلائم هوى نفوسهم . كما أنهم قد تلاعبوا في عقائد المسلمين و غيروها و أدخلوا عليهم فيها الشُبَه و الإسرائيليات و غير ذلك مما لا مجال لذكره هنا . في حين أنه كان لهم القدح المعلى و القدم الثابت في الانحراف ، مع خبث نفوسهم ، و شدة ظلمهم و فجورهم .
يقول علي عليه السلام بعد كلامه السابق عن الخوارج : " ألا إن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية فإنها فتنة عمياء مظلمة ، عمت خطتها ، و أصاب البلاء من أبصر فيها ، و اخطأ البلاء من عمي عنها . و أيم الله ، لتجدن بني أمية لكم أرباب سوء ، كالنار الضروس تعذم بفيها ، و تخبط بيدها ، و تزبن برجلها ، و تمنع درها . ـ إلى أن قال ـ : لا يزالون بكم حتى لا يتركوا منكم إلا نافعاً لهم ، أو غير ضائر بهم . ـ إلى أن قال ـ : ترد فتنتهم شوهاء مخشية ، و قطعاً جاهلية ، ليس فيها منار هدى ، و لا علم يرى " .
أما دعوة الخوارج فلم يكن لها ذلك الخطر ، و ذلك لما يلي :
ألف : لقد كان الخوارج ـ عموماً ـ أعراباً جفاة ، لا ثقافة و لا معرفة لديهم ، يشكلون بها خطراً على الدين بشبهاتهم و انحرافاتهم .
ب : إن دعوتهم لم تكن تنسجم مع الفطرة و لا تتقبلها العقول . و إذا ما استهوت بعض شعاراتهم بعض البسطاء و السذج لبعض الوقت فإنها لا تلبث أن تنحسر و تتلاشى بمجرد دعوتهم إلى الفطرة ، و العقل السليم ، و الفكر المستقيم .
يضاف إلى ذلك : حِدِّيتهم المتناهية في التعامل مع سائر المسلمين حيث لم يكن قلوبهم تعرف الرحمة و الشفقة حتى للأطفال و النساء .
فالأزارقة و قد كانوا أعظم فرقهم و أشدها شوكة ، و قد استولوا على الأهواز و أرض فارس و كرمان و جبوا خراجها سنوات عديدة . إن هؤلاء يقولون بكفر جميع من عداهم ، و لا يحق لأصحابهم المؤمنين منهم أن يجيبوا أحداً من غيرهم إلى الصلاة إذا دعا إليها ، و لا أن يأكلوا ذبائحهم ، أو يتزوجوا منهم ، أو يرثوا منهم ، أو يورثوهم ، و يكون غيرهم مثل كفار العرب ، و عبدة الأوثان ، لا يقبل منهم إلا الإسلام و السيف ، و دارهم دار حرب ، و يحل قتل أطفالهم و نسائهم ، و يحل لهم الغدر بمن خالفهم ، و لا تجوز التقية ، إلى غير ذلك مما لا مجال لذكره هنا .
ج : إن الخوارج إنما حاربوا علياً عليه السلام لشبهة تمكنت من نفوسهم ، و زين لهم الشيطان أنهم ظاهرون و منتصرون ، فهم قد طلبوا الحق فوقعوا في الباطل . و إذا كان قد خالط ذلك الشيء من حب الدنيا و المصالح الشخصية و المفاهيم الجاهلية ، و العصبيات القبلية ، فإنما كان ذلك ملبساً بلباس ديني ، و شبهة كانت طاغية على فهمهم و إدراكهم و مبررة على هذا الأساس ، فكانوا ـ كما عن علي عليه السلام ـ مصداقاً لقوله تعالى : ﴿ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ 1 .
ثانياً : إن ظاهر الخوارج هو أنهم من العباد و الزهاد ، فمن يتصدى لحربهم ـ سوى علي عليه السلام ـ لم يكن يستطيع أن يدافع عن نفسه كثيراً و لاسيما إذا كان الإعلام ـ حتى الأموي ـ ضده ، و يعمل على تشويهه ، و تحطيم كل مقومات حياته و وجوده .
كما أن العراق الميال لعلي و أهل بيته عليهم السلام سينشغل بقضية لن تكون نتائجها إلا زعزعة ثباته ، و تمزق أوصاله ، و يقلل من فرص إجتياح المد الشيعي على شكل التعاطف مع أهل البيت لمناطق أخرى تقع في نطاق اهتمامات الحكم الأموي .
كما أن تولي هؤلاء لحرب الخوارج معناه أن يتحملوا هم آثار الحرب و مخلفاتها غير المرغوب فيها ، و لاسيما ما ينشأ عن سفك الدماء عادة من الأحقاد ، ثم زعزعت الثوابت على الصعيد القبلي و العاطفي .
ثالثاً : لقد كان الشيعة قلة و مضطهدين من قبل الحكم الأموي ، فتكليفهم بقتال الخوارج معناه المزيد من إضعافهم هم و الخوارج مع بقاء الحكم الأموي محتفظاً بكامل قواه ، يتحكم بمقدرات الأمة ، و يسومها الخسف و الذل .
و قد حاول الأمويون ابتداء من معاوية الزج بأهل البيت و شيعتهم في حرب الخوارج فأرسل معاوية إلى الإمام الحسن عليه السلام و هو في طريقه من الكوفة إلى المدينة يدعوه لحربهم ، فرفض عليه السلام طلبه و كتب إليه : " لو آثرت أن أقاتل أهل القبلة لبدأت بقتالك " ، و في مناسبة أخرى على ما يظهر يذكره عليه السلام بأن ليس من طلب الحق فأخطأه ، كمن طلب الباطل فأدركه فأسكت معاوية .
إلا أن الظاهر هو أن الأمويين قد استطاعوا أن يجيبوا الشيعة على حربهم ، و قد نكل الحجاج بأهل العراق ، و قتل من قتل و فعل بهم الأفاعيل في مجال إرغامهم على ذلك .
علي عليه السلام و جرحى الخوارج
و يقول البلاذري عن حرب النهروان :
" و وجد علي عليه السلام ممن به رمق أربع مائة فدفعهم إلى عشائرهم و لم يجهز عليهم و رد الرقيق على أهله حينما قدم الكوفة ، و قسم الكراع و السلاح و ما قوتل به بين أصحابه " ، و هذا معناه أنه حينما أخبر عليه السلام أنه لا يفلت منهم عشرة كان يقصد أنه لا يفلت منهم و لو من الجراحة نعم . . و كذلك فعل عليه السلام مع جرحاهم الأربعين في سواد الكوفة و ذلك يعبر عن انه عليه السلام إنما كان يتعامل معهم من منطلق إنساني إسلامي بعيداً عن أي تأثر و انفعال و لم يكن كأولئك الذين لا ينطلقون في مواقفهم إلا من مصالحهم الشخصية و على أساس من انفعالاتهم و عصبياتهم .
و يقول البلاذري عن حرب النهروان :
" و وجد علي عليه السلام ممن به رمق أربع مائة فدفعهم إلى عشائرهم و لم يجهز عليهم و رد الرقيق على أهله حينما قدم الكوفة ، و قسم الكراع و السلاح و ما قوتل به بين أصحابه " ، و هذا معناه أنه حينما أخبر عليه السلام أنه لا يفلت منهم عشرة كان يقصد أنه لا يفلت منهم و لو من الجراحة نعم . . و كذلك فعل عليه السلام مع جرحاهم الأربعين في سواد الكوفة و ذلك يعبر عن انه عليه السلام إنما كان يتعامل معهم من منطلق إنساني إسلامي بعيداً عن أي تأثر و انفعال و لم يكن كأولئك الذين لا ينطلقون في مواقفهم إلا من مصالحهم الشخصية و على أساس من انفعالاتهم و عصبياتهم .