الإثنين 25 تشرين الثاني 2024 الموافق لـ 15 جمادى الاولى 1446هـ

» قراءات ومـــراجعــات

الإمامة والخلافة


هناك أصلان انفرد بهما مذهب الشيعة الإماميّة، ولذلك يُعدّان من أُصول المذهب، دون أُصول الدين؛ لأنّ الثاني عبارةٌ عن الأصول التي يشترك فيها جميع المسلمين بخلاف أُصول المذهب، فإنّها من خصوصيّات مذهبٍ دون مذهبٍ آخرٍ، فالتوحيد، والمعاد، والنبوة العامة والخاصة ممّا اتفقت عليه عامة المسلمين دون العدل والإمامة، فالأول قالت به المعتزلة و الشيعة، والثاني انفردت به الشيعة وبالأخص الإماميّة منهم، وقد فرغنا عن بيان العدل ودلائله و شبهاته وحلولها، فحان البحث في الأصل الثاني، وهو الإمامة والخلافة.

وليُعلم أنّ أصل الإمامة ممّا اتّفقت عليه كلمة المسلمين إلاّ بعض الفرق الشاذة، فالجميع على لزوم وجود إمامٍ يقود الأمة إلى الصلاح والفلاح، ويقوم بإدارة البلاد على أفضل وجهٍ، ويُطبّق الشريعة على صعيد الحياة إلى غير ذلك ممّا كان النبي(صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم) يقوم به. وهذا ممّا لا خلاف فيه بين المسلمين.

إنّما الكلام في أنّ تعيين النبي(صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم) ونصبه لهذا المنصب، هل هو بيد اللّه سبحانه وبذلك يُعَدُّ منصب الإمامة كالنبوة منصباً إلهياً؟ أو بيد الأمَّة أو بعضهم، فتصير الإمامة منصباً اجتماعيّاً كسائر المناصب الاجتماعيّة أو السياسيّة التي يقوم به آحاد الأمّة أو طبقةٌ منهم؟

فالإماميّة عن بكرة أبيهم على القول الأوّل، حيث يرون أنّ نصب الإمام بيد اللّه تبارك وتعالى ويسوقون على ذلك دلائل عقليّةٍ وتاريخيّةٍ، كما أنّ أهل السنة على القول الثاني، وبذلك تجاذب تيّاران مختلفان الأمَّة الإسلاميّة.

وبما أنّ أهل السنة يرون الإمامة منصباً اجتماعيّاً أو سياسيّاً، قالوا بأنّ الإمامة من فروع الدين لا من أُصوله، وهي من أغصان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك لأنّ تحقيق ذلك الأصل في المجتمع، أي إشاعة المعروف وتحجيم دور المنكر يتوقّف على وجود إمامٍ عادلٍ مبسوط اليد يتمتع بنفوذٍ على نطاقٍ واسعٍ، ولذلك يجب على الأمّة نصب إمامٍ بغية تحقّق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وإليك سرد كلماتهم في هذا المجال:

- يقول الإيجي في كتاب «المواقف»: وهي عندنا من الفروع، وإنّما ذكرناها في علم الكلام تأسّياً بمن قبلنا .
- يقول سعد الدين التفتازاني: لا نزاع في أنّ مباحث الإمامة بعلم الفروع أليق؛ لرجوعها إلى أنّ القيام بالإمامة ونصب الإمام الموصوف بالصفات المخصوصة من فروض الكفايات، ولا خفاء أنّ ذلك من الأحكام العملية دون الاعتقادية .
وعلى هذا فالإمامة أمرٌ لا يناط به الإيمان والكفر، بل موقفه كسائر الأحكام الشرعيّة الفرعيّة التي لا يكفر المنكر إلاّ إذا استلزم إنكارهُ إنكارَ الرسالة والنبوة لنبينا(صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم). فلا فرق بين مسألة الإمامة ومسألة المسح على الخفين، حيث أصبحت مسألةً خلافيةً بين أهل السنّة.

ولكن ـ يا للأسف ـ إنّهم ربما يتعاملون مع الإمامة والخلافة بعد النبي(صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم) بغير هذا النحو، فربما يُكفّرون أو يفسّقون من لم يعترف بإمامة الخلفاء عن اجتهادٍ. ولذلك نرى أنّ إمام الحنابلة يذكر خلافة الخلفاء الأربعة في عداد المسائل العقائدية ، وتبعه أبو جعفر الطحاوي في «العقيدة الطحاوية» ، و قد تبعهما أكثر من جاء بعدهم.

والحقّ هو ما صرّح به عضد الدين الإيجي والتفتازاني من أنّ الاِمامة من فروع الدين لا من أُصوله، وأنّ النصب لتحقيق غاية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ولا صلة له بأُصول الدين، وقد كان النبي(صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم) يقبَل إسلام من أسلم واعترف بالشهادتين من دون أن يسأله عن واقع الإمامة، وأنّه هل هو منصبٌ إلهيٌّ أو اجتماعيٌّ، ومن دون أن يعلمه بلزوم اجتماع الأمّة بعد رحيله على نصب إمامٍ لهم، ولم يكن أيُّ أثرٍ من تلك المباحث في عصر النبي(صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم) فلذلك لم يتلقّ أهل السنّة الإمامةَ والخلافةَ بعد النبي(صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم) أمراً أصيلاً من صميم الدين.
نعم أوّل من أدخل خلافة الشيخين في أُصول الدين هو داهية العرب عمرو بن العاص عند اجتماعه مع أبي موسى الاَشعري في دومة الجندل؛ للتشاور في مسألة التحكيم المعروفة، ولم يكن هدفه من عدّ خلافة الخليفتين من أُصول الإسلام إلاّ الإطاحة بالإمام علي بن أبي طالب(عليه السلام).

فخرجنا بالنتيجة التالية: أنّ منصب الإمامة عندهم منصبٌ اجتماعيٌّ يُشبه منصبَ رئاسة الجمهوريّة في الوقت الحاضر، أو منصب رئاسة الوزراء في الحكومات الملكيّة أو ما يشبه ذلك، ولذلك لا يشترط فيه سوى الكفاءة لإدارة البلاد. ولا ينعزل بالفسق والظلم ولا بأكبر من ذلك، و ما هذا إلاّ لأنّه منصبٌ اجتماعيٌّ، وما أكثر الظلم والفسق في أوساط الأمراء ورؤساء الجمهور، وإن كنت في شكٍّ من ذلك فاقرأ ما كتبه عظيم الأشاعرة أبو بكر الباقلاني وغيره.

قال الباقلاني: لا ينخلع الإمام بفسقه وظلمه بغصب الأموال، وضرب الأبشار، وتناول النفوس المحرمة، وتضييع الحقوق، وتعطيل الحدود، ولا يجب الخروج عليه، بل يجب وعظه، وتخويفه، وترك طاعته في شيءٍ ممّا يدعو إليه من معاصي اللّه .
وليس الباقلاني نسيج وحده في تلك الفكرة، بل هي فكرة سادت عبر القرون، تراها في كلمات الآخرين.

هذا كلّه عند أئمّة السنة، وأمّا عند الشيعة فماهيَّة الإمامة عندهم عبارةٌ عن الرئاسة العامة في أُمور الدين والدنيا نيابةً عن النبي(صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم).
وبعبارةٍ أُخرى: الإمامة هي استمرار وظائف النبوة (لا نفس النبوة؛ لانقطاعها برحيل النبي(صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم)، فيقوم الإمام بنفس ما كان النبي(صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم) يقوم به، فالنبوة ونزول الوحي منقطعةٌ، لكن الوظائف الملقاة على عاتق النبي(صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم) كلّها على عاتق الإمام، فهو يقوم وراء إدارة البلاد وعمرانها، وتوزيع الأرزاق، وتأمين السبل والطرق والجهاد في سبيل اللّه؛ لإشاعة الإسلام وكسر الموانع والعوائق.

فهو يقوم مع هذه الوظائف بوظائفَ أُخرى، تطلب لنفسها صلاحيّات إلهيّة وتربية سماويّة، وتلك الوظائف عبارةٌ عن:
1. بيان الأحكام الإسلاميّة من كلياتٍ وجزئياتٍ.
2. تفسير الكتاب العزيز وشرح مقاصده، وبيان أهدافه، وكشف رموزه وأسراره.
3. تربية المسلمين، وتهذيبهم، وتزكيتهم، وتخليص نفوسهم من شوائب الشرك والكفر والجاهليّة.
4. الردّ على الشبهات والتشكيكات التي كان يُلقيها أعداء الإسلام ويوجهونها ضدّ الدعوة الإسلاميّة.
5. الحفاظ على الرسالة الإلهيّة من أيّة محاولةٍ تحريفيّةٍ، ومن أي دسٍّ في التعاليم المقدّسة.
فقد كان النبي(صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم) يقوم بهذه الأمور معتمداً على الوحي، فيجب أن يقوم من ناب بها عنه بتعليمٍ غيبيّ حتى لا يطرأ خللٌ في الحياة الدينيّة.

و عندئذٍ يطرح هذا السوَال نفسه، وهو إذا كان النبي(صلَّى اللّه عليه وآله وسلَّم) قائماً بهذه الوظائف العلميّة والفكريّة معتمداً على الوحي، فكيف يقوم غيره مقامه مع انقطاع الوحي والسفارة من اللّه سبحانه.
والإجابة عن هذا واضحةٌ، فإنّ الفيض الإلهي لم يزل يمدُّ عباده الصالحين وإن لم يكونوا رسلاً وأنبياء، وهذا هو الذي يعبّر عنه بالمحدَّث، فيلهم إليه وإن لم يكن نبيّاً من عند اللّه، و هذا هو مصاحب موسى يعرّفه سبحانه بقوله: {فَوَجَدا عَبْداً مِنْ عِبادنا آتَيْناهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدنا وَعَلّمْناهُ مِنْ لَدُنّا عِلْماً} .
فعلى ذلك فالإشراقات الإلهيّة على قلوب الصالحين لا تلازم النبوة والرسالة، بل يكفي أن يكون إنساناً مثاليّاً، وهذا هو جليس سليمان يصفه سبحانه بقوله: {قالَ الّذي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ أَنَا آتيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرفُكَ فَلَمّا رَآهُ مُسْتَقرّاً عِنْدَهُ قالَهذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي} .

وهذا الجليس لم يكن نبيّاً، ولكن كان عنده علمٌ من الكتاب، وهو لم يحصِّله من الطرق العادية، بل كان علماً إلهيّاً أُفيض إليه؛ لصفاء قلبه وروحه ولأجل ذلك يَنسب علمه إلى فضل ربه، ويقول: {هذا مِنْ فَضْلِ رَبّي}.
كما تضافرت الروايات على أنّ في الأمّة الإسلامية ـ كالأمم الغابرة ـ رجالاً مخلصين محدَّثين تُفاض عليهم حقائقٌ من عالم الغيب من دون أن يكونوا أنبياءً، وإن كنت في شكٍّ من ذلك فارجع إلى ما رواه أهل السنّة في هذا الموضوع.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: الشيخ جعفر السبحاني: مفاهيم القرآن، ص 79 – 84. (بتصرف).

2730 مشاهدة | 16-07-2012
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مجلس عزاء عن روح الشهيد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورفاقه

رحيل العلامة المحقق الشــيـخ علي كـوراني العاملي (رحمه الله)

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

المسابقة العلمية الرابعة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

حفل تكريم المشاركات في دورة مشروع الفكر الإسلامي في القرآن

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

لقاء مع المربي العلامة الشيخ حبيب الكاظمي

احتفال في ذكرى المولد الشريف

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة