إحدى الظواهر التي أثارت حيرة الباحثين، قيام بعض عبيد أمريكا بمظاهرات بعد عتقهم بشهور يطالبون بعودتهم إلى العبودية. وتبين لاحقا أن السبب الأساس هو معيشي، فقد ترك هؤلاء لمصيرهم دون مأوى ولا ومأكل أو مشرب ودون خطة معالجة من الناحية الاقتصادية أو النفسية أو الاجتماعية لاعداد كبيرة من الناس (بالملايين) كانوا لا يزالون عبيداً أمام أنفسهم وأمام المجتمع.وبعدها تحول التحرير من العبودية في أمريكا الى شكل آخر تحول إلى تمييز عنصري، وإلى نظام طبقي استغلالي، وإلى تعصب وفصل عرقي بين البيض والسود في الكنائس، والمدارس، والمطاعم، ووسائل النقل، وإلى إهمال شامل للمرافق العامة في أحياء الزنوج.... طبعا هذا الأمر لم يحصل في المجتمع الإسلامي.
كيف عالج الاسلام ظاهرة الرق؟
عرفت جميع الأمم والحضارات على مر العصور نظام العبودية الرومان و اليونان والفرس و الهند و العرب وغيرهم ، حيث كان العبيد يباعون في أسواق النخاسةويستعملون في أغراض شتى كتشييد الأبنية، ولأغراض عسكرية، وهناك من استعملهم في الزراعة، وفي الأعمال المنزلية، وغيرها.. وكانت هذه الظاهرة متأصلة في هذه الشعوب القديمة،ففي الفكر الفلسفي اليوناني مثلا استقر النظام الطبقي على وضع الرقيق في أدنى درجات السلم الاجتماعي واعتبروا حاجة ضرورية يستلزم منهم استقرار النظام السياسي والاقتصادي، لذا فقد كان من الصعب التخلي عنه كونه كان متجذرا في عمق الحياة آنذاك.
وجاء الإسلام -وظاهرة العبودية متأصلة - ولم يـشـرعها كما شرعتها الأمم الأخرى وجعلت منها نظاما طبيعـيـا بل شرع العتق ورغب فيه و ضيق الباب على الرق وشدد في حرمة بيع الحر واسترقاقه وجعل العتق من كفارات الذنوب العظيمة ككفارة قتل الخطأ وكفارة الظهار، وكفارة الأيمان وكفارة من أفطر في رمضان متعمداً...واعطى العبد الفرصة لشراء نفسه.
وجعل المفاضلة بين الناس لا على أساس طبقي أو تميز عنصري أو تميز عرقي وإنما على أساس روحي إيماني على أساس التقوى والاحسان قال تعالى " ان أكرمكم عند الله أتقاكم "[1]
وقال رسول الله (ص) "لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأعجمي على عربي، ولا لأسود على أحمر، ولا أحمر على أسود إلا بالتقوى ".[2]
وجاء عن أمير المؤمنين علي (ع) "قيمة كل امرء ما يحسنه "[3]
وعندما نقرأ سيرة الإمام زين العابدين (ع)، نجد أنه كان محرر العبيد بحق -لا كما يدعى أن الرئيس الأمريكي لنكولن "محرر الرقيق " والذي كان هدفه الأساس هو دفع العبيد للقتال بصفه من أجل الاتحاد-[4]
فكان (ع) يشتري العبيد لا ليستعبدهم، بل ليعلّمهم ويثقفهم ويؤدبهم، ثم يعطيهم ما يحتاجونه لاستمرار معيشتهم ثم يعتقهم .
اذن الإسلام هو وحده الذي استطاع معالجة هذه الظاهرة دون إحداث أي خلل اجتماعي أو اقتصادي وذلك بالتدرج وعبر مراحل زمنية.
[1]الحجرات 13
[2]ميزان الحكمة : محمدي الريشهري الجزء : 4
[3]نهج البلاغة ج4
[4]لنكولن: محرر الرّقيق،17 شباط/فبراير 2009، مايكل جاي فريدمان