يحتاج الانسان أن يتحقق من صحة ما يسمع من أخبار ليميز الصحيح عن غيره، وهذا الأمر طبيعي لدى الانسان تدفعه اليه فطرته التي جبل عليه،وتشتد حاجة الانسان الى التحقق من صحة الاخبار أكثر كلما كان تأثيرها على حياته أكثر.
فهل يمكن للانسان ان يتحقق من الاخبار الدينية ؟ أم أن الدين يريد من أتباعه أن يؤمنوا به دون دليل وأن يسلموا بطروحاته دون التحقق منها ؟ وقبل كل ذلك السؤال الأهم هل الأخبار الدينية قابلة للتحقق منها؟
يعتقد البعض – من المتدينين وغيرهم - أنه لا يمكن التحقق من الانباء التي يخبرنا عنها الدين! وذلك أن الاخبار الدينية هي أخبار غيبية ولا يمكن للانسان أن يتحقق من وجود تلك الامور الغيبية من عدمه، فكيف يمكن للانسان ان يجزم بوجود الملائكة او الجنة او النار دون ان يراها فهي خارجة عن نطاق الحواس الخمس، وحتى اصل الغيب وهو الله لا يمكن ان نتحقق من وجوده من خلال الحواس الخمس! من هنا وحسب هذا المدعى يكون الانسان امام خيارين الاول ان يرفض تلك الاخبار الدينية ويتجه نحو الانكار والالحاد والثاني ان يؤمن ويسلم بتلك الاخبار تسليما أعمى دون بينة أو دليل دفعا للضرر وجلبا للمنفعة المحتملين !!
للاجابة عن هذه الاسئلة ولتوضيح الموضوح أكثر علينا أن نوسع دائرة البحث ليشمل كل الاخبار التي يريد ان يتحقق منها الانسان سواء كانت دينية أو غير دينية ، ليصبح السؤال ما هي الوسائل التي يستخدمها الانسان في التحقق من الاخبار كل الاخبار سواء كانت علمية أو دينية أو تاريخية أو تتعلق بالامور النفسية أو...؟
من الواضح أن تحقق الانسان من الاخبار في مختلف المجالات لا يقتصر على الحواس الخمس بل هناك طرق أخرى يستفيد منها البشر بشكل عام ومن هذه الطرق:
* الاستدلال بالاثر: يتعرف البشر على الكثير من القضايا والامور ويتحققون منها من خلال الأثر كالاستدلال على خصائص وقوى النفس الانسانية من خلال اثارها والتعرف على مهارة الصانع من خلال جودة المصنوع.
* الاستدلال بالخبر: يأخذ البشر الكثير من الاخبار على محمل الجد والحقيقة وان لم يروها او حتى يروا اثارها كما في حالة الطبيب المجرب الخبير الذي وثقوا بعلمه وخبرته وصدقه وظهرت اثار مهارته فان قال شيئا صدقوه وبنوا على حقيقته.
* الاستدلال بالشعور والاحساس: يؤمن البشر بالأخبار الناتجة عن الاحاسيس المشتركة التي خبروها سابقا فهم يؤمنون بالالام الجسدية والنفسية التي يمر بها البعض لكونهم قد عاينوا وجربوا وخبروا تلك الالام سابقا فلو اخبر شخص عن الم فلا يطالب بالدليل لكون ألمه من الامور المشتركة بين البشر
اذن ليس المورد الوحيد للمعرفة هو الحواس الخمس الظاهرية بل هناك طرق اخرى للمعرفة لا تقل عنها من جهة كشفها عن الحقيقة!!
يتضح مما ذكر أنه لا يحق للانسان أن يرفض الأخبار في المجال العلمي أو التاريخي أو في مجال علم النفس بسبب عدم التحقق منها من خلال الحواس الخمس وواضح أن المجتمع لن يتقبل انكاره لتلك الاخبار بل الحقائق بسبب هذه الحجة.
كما أن الدين لا يطالبنا أن نتبع طرقا غير منطقية في الايمان بأخباره بل يطالبنا أن نستفيد من نفس الطرق التي نعتمدها في حياتنا اليومية فهو يثبت حقائقه مرة من خلال الاثر ومرة من خلال الاحساس الباطني المشترك بين البشر كما هو الحال في الاستدلال على وجود الله ومرة بدليل حسي كما هو الحال في الاستدلال بالمعجزة على نبوة الانبياء والرسل ومرة من خلال الخبر فالايمان باخبار الانبياء بعد مشاهدة الدليل الحسي على نبوتهم وتحليله من ناحية منطقية وهو المعجزة وارتباطها بمنبع القوة المطلقة سابق على الايمان باخبارهم فطالما اننا لم نتبين ونتوثق منهم لا يحق لنا ان ناخذ باخبارهم على نحو الثقة وذلك اننا نضع مصيرنا بين ايديهم.
والخلاصة ان ما يخبر به الدين يمكن ان نتحقق منه تماما كما نتحقق من اي حقيقة اخرى من خلال الطرق التي ذكرت اعلاه ومشكلة الملحد انه يستفيد من كل تلك الطرق ولكن حين يصل الامر الى الدين يقول لا اريد ان استفيد الا من الحواس كشخص يريد أن يتحقق من الاشياء ببصره في وسط الظلام ويهمل باقي الحواس.