بطاقة الكتاب:
تصنيف الكتاب: فلسفة الدين.
اسم الكتاب: فلسفة الدين.
اسم المؤلف: الدكتور الشيخ علي أكبر رشاد.
اسم المترجم: موسى ظاهر.
بيانات النشر: ط1، بيروت، مركز الغدير، 1432هـ.ق/2011م.
نبذة عن المؤلّف:
الشيخ الدكتور علي أكبر رشاد هو من أساتذة الحوزة العلمية في طهران، انتسب إلى الحوزة العلمية، وحضر دروس الفلسفة على يد العلامة الشهيد مرتضى مطهّري(قده)، كما حضر دروسه في الفقه والأصول على يد مجموعة من الأساتذة، منهم: آية الله العظمى الشيخ حسين وحيد الخراساني، وآية الله العظمى السيد علي الخامنئي(دام ظله)...، وهو من مدرّسي مرحلة بحث الخارج في الفقه والأصول.
مقدمة:
انتشرت في الآونة الأخيرة دراسات متنوِّعة ومختلفة تتحدَّث عن فلسفة الدين وعلم الكلام الجديد، بالإضافة إلى مسائل أخرى ذات صلة بهذه العلوم تتعلّق بفهم الدين، ولغة الدين، ومباحث الهرمنوطيقا وكيفية فهم النصّ. ويأتي هذا الكتاب في هذا السياق؛ ليسدَّ ثغرة في جدار مكتبتنا الإسلامية التي باتت بأمسّ الحاجة إلى مثل هذه الدراسات، وقد استطاع الكاتب أن يعالج مجموعة من المسائل المختلفة بأسلوب يجمع فيه بين الأصالة والمعاصرة.
يتألّف الكتاب من مجموعة من الدراسات المتنوّعة، هي:
1.الدراسة الأولى: تتمحور حول "فلسفة الدين".
2.الدراسة الثانية: تحت عنوان "مدخل إلى علم منطق فهم الدين".
3.الدراسة الثالثة: تحت عنوان "الأسس الموجّهة لفهم القرآن".
4.الدراسة الرابعة: تحت عنوان "الآثار الفلسفيّة والكلاميّة لنظرية التعدّديّة الدينيّة<، ثمّ استكمل الكاتب البحث بمقابلة أجراها مع الفيلسوف البريطاني جون هيك جاءت تحت عنوان "البلورالية وتحدّي المعيار".
5.الدراسة السادسة: تحت عنوان "العلاقة بين الدين والأيديولوجية".
6.الدراسة السابعة: تحت عنوان "فلسفة الفرج فلسفة العالم الأرفع".
7.الدراسة الثامنة والأخيرة: تحت عنوان "النهاية القدسية للتاريخ".
وسنحاول في هذه العجالة أن نضع بين يدي القارئ الكريم خلاصة النتائج التي توصّل إليها الكاتب في هذه الدراسات.
نشأة علم فلسفة الدين:
يتحدّث الكاتب في الفصل الأوّل من هذا الكتاب عن علم فلسفة الدين، محاولاً إبراز معالم هذا العلم وعلاقته بالعلوم الأخرى، فيعتبر أنّ هذا العلم قد نشأ في أوروبا بعد عصر النهضة، فأوروبا هي المنطقة الجيوثقافية التي نشأت فيها فلسفة الدين كعلم مدوّن، وفي محاولة الكاتب إلى تقديم تعريف واضح لفلسفة الدين، استعرض مجموعة من التعريفات المختلفة والمتعدّدة، مؤكّداً على أنّ الوصول إلى تعريف جامع ومانع لفلسفة الدين هو أمر غير متيسّر، إلا أنّه حاول تقديم تعريف يكون أقرب إلى حقيقة فلسفة الدين، وهو التالي: "هو مدلول مجموع المقولات الوجودية البنية ذات الصلة بالوجود والإنسان والعالم، ومجموع الأحكام والأخلاق التي قد أنزلت أو أجيزت من قبل رب الوجود ومدبّره؛ بهدف تأمين كمال الإنسان وسعادته الأبدية"، مؤكّداً على أنّ الدين الذي هو موضع البحث هو الدين في الواقع، لا الدين الممتزج بعاداتنا وتقاليدنا.
كما أكّد الكاتب على ضرورة التفريق بين فلسفة الدين وبين الدفاع الفلسفي عن الدين، وهو من وظائف علم الكلام. وأشار الكاتب إلى مسألة مهمّة في المقام وهي: أنّه ينبغي أن لا تعدّ الرؤى والنظريات الإلحادية، أو حتى المباحث التي تتعلّق بمعرفة الله، بأنّها دين؛ لأنّ ذلك سيؤدّي إلى الخلط بين فلسفة الدين وغيرها من العلوم الأخرى.
وأكّد على أنّ فلسفة الدين هي من الفلسفات المضافة التي قد تشترك مع العديد من العلوم الأخرى؛ لذا لا بدّ من إبراز هوية هذا العلم وبيانها، وبالتالي فصله عن العلوم الأخرى؛ خاصّة علم الكلام الجديد وعلم الدين، منتقداً الخلط الذي وقع فيه مجتهد شبستري في هذا المجال؛ ففلسفة الدين تشترك مع علم الكلام في واحدة من وظائفه ألا وهي: بيان الدين وتعاليمه، لكنّها تفترق عنه في مسألة جوهرية وأساسية وهي الأداة، فعلم الكلام يعتمد على الوحي كوسيلة للبيان، بينما لا تستطيع فلسفة الدين الاعتماد على الوحي، حيث تطرح فلسفة الدين الأبحاث الخارجة عن الدين، ومراد المؤلّف من هذا التعبير هو كلّ ما يقابل المعرفة الدينية الاستدلالية.
وقد ذهب المؤلّف إلى أنّ فهم الإسلام وتفسيراته الخاصّة للدين قد يقودان إلى حدوث تغييرات جديرة بالاهتمام على مستوى تعريف فلسفة الدين، وقد رأى أنّه يمكن تعريفها بأنّه البحث الفلسفي في الدين.
بعد هذا البيان لهويّة فلسفة الدين، عرض المؤلف لمجموعة من المسائل التي يمكن أن تطرح في إطار فلسفة الدين، مثل: حقيقة الدين، ومصدر الدين، وعلاقة الدين بالفلسفة، والوحي، والإعجاز، والنبوة... أمّا البحث في حاجة الإنسان إلى الدين، فقد رأى الكاتب أنّه لا يدخل في دائرة فلسفة الدين، بل هو أقرب إلى مباحث علم النفس والاجتماع ومسائلهما. ولا بدّ من الإشارة إلى دقّة المؤلّف في تحديد مسائل كلّ علم، والحرص على عدم الخلط على المستوى المنهجي هو أمر جدير بالاهتمام.
منطق فهم الدين:
يدعو الكاتب إلى استخدام كلّ الأدوات الممكنة للإجابة عن التساؤلات المستحدثة، وإلى توسيع نطاق العمل الاجتهادي؛ ليشمل كلّ الفروع والعلوم الدينية، مشيداً بالثورة المعرفية العظيمة والميمونة التي أحدثها تطوّر علم أصول الفقه في القرون الأخيرة، حيث فتحت هذه الثورة المجال أمام عقلنة المعرفة الدينية والخروج من تحجّر المذهب الأخباري، وقد وصل علماء الأصول إلى معارف وحقائق لم يصل إليها الغربيون، بل ولم تخطر على بالهم حتى الآن، خاصّة فيما يتعلّق بفلسفة اللغة وعلم التحليل اللغوي ونظريات الهرمنوطيقا وبعض المسائل الابستمولوجية، ومع كلّ هذا التطوّر؛ فإنّ علم الأصول لا يكفي لتقديم فهم متكامل للدين، حيث يعاني هذا العلم كما يرى الكاتب من مجموعة من النواقص، أهمّها:
أ ـ الشمولية: فعلم الأصول ليس له قابلية أن يكون منطقاً لفهم جميع الحقول المعرفية، حيث إنّ تأسيس هذا العلم إنّما كان هاجسه استنباط الأحكام الشرعية لا فهم الدين بمعناه الواسع.
ب ـ الكمال: حيث غاب علم الأصول عن استنباط القواعد السياسية والاجتماعية، ولم تستوعب الدراسات الأصولية الكثير من المسائل الملحّة التي تطال في تأثيرها مباحث أساسية على مستوى الاستنباط، مثل: مقاصد الشريعة، وعلل الشرائع، والمصالح والمفاسد...
ج ـ اشتمال علم الأصول على مشاكل هندسية في تأليفه، حيث تحتوي الدراسات الأصولية على الكثير من الحشو والاستطراد.
وانطلاقاً من هذا التصوّر العامّ يدعو الكاتب إلى تأسيس علم منطق فهم الدين، مقدّماً تصوّره لبنية هذه الأطروحة، وعمل الكاتب على بيان تفاصيل أطروحته، مبتدئاً من تعريف علم منطق فهم الدين وغايته...
وعند تعرّضه للفرق بين هذا العلم(علم منطق فهم الدين) وبين غيره من العلوم وضع جدولاً تفصيلياً لهذه الغاية، وهو جدول مفيد جدّاً ومبتكر يوضح الفرق بين مختلف العلوم بدقّة وبوضوح. ومرّة أخرى تبرز الدقّة المنهجية التي يتمتّع بها المؤلّف في معالجته لمختلف المسائل في الكتاب. ثمّ عرض الكاتب مجموعة من المصطلحات التي قد تكون مفتاحاً لمنطق فهم الدين، متوسّعاً في شرح الفرق بين مصطلح نظرية الاجتهاد ومصطلح نظرية تعدّد القراءة.
كما استعرض الكاتب بنية فلسفة المعرفة الدينية؛ باعتبار هذا العلم مدخلاً ضرورياً لمنطق فهم الدين، حيث إنّ النتائج التي يحصل عليها العالم في فلسفة المعرفة الدينية تنعكس على علم منطق فهم الدين، وكان الكاتب حريصاً على مدى صفحات الكتاب على إبراز النتائج المعرفية لكلّ علم، مبيّناً فوائده على المستوى الابستمولوجي، فيما يتعلّق بأطروحته عن منطق فهم الدين... وبناءً عليه، وضع الكاتب فهرساً تفصيلياً لبعض مباحث أطروحة منطق فهم الدين.
وعند بحثه لمسألة حجج فهم الدين وأدلّته، رأى الكاتب أنّه لا بدّ من إعادة النظر في التقسيم الثلاثي للسنّة(قول المعصوم، وفعله، وتقريره)، حيث يعتقد الكاتب أنّه يمكن تقسيم السنّة إلى تقسيم ثنائي: السنّة القولية، والسنّة الفعلية، لكن قد يقال: إنّ هذا التقسيم غير تامّ؛ ذلك أنّ دلالة فعل المعصوم(ع) تفترق وتختلف عن دلالة التقرير، فإنّ فعل المعصوم(ع) إنّما يدلّ على أنّ هذا الفعل إمّا واجب أو مستحب أو مباح، فلا يكون مكروهاً فضلاً عن أن يكون محرّماً، أمّا التقرير فإنّه لا يدل إلا على أنّ الفعل ليس محرّماً، وبالتالي فإنّ الدمج بين فعل المعصوم(ع) وتقريره قد يفقدنا هذه الثمرة في المقام.
وعرض الكاتب مجموعة من المباحث الضرورية لبنية منطق فهم الدين، مثل: مبحث موانع فهم النصّ، ومبحث قياس المعرفة الدينية، ومعيار صحة القضايا وسقمها... حيث إنّ النتائج التي قد نصل إليها في هذه الأبحاث ستؤثّر حتماً على منطق فهم الدين من الناحية المعرفية والابستمولوجية.
الأسس الموجّهة لفهم القرآن:
يشير الكاتب في هذا الجزء من الكتاب إلى أنّ هناك حاجة ماسّة لتدوين علم يُعنى بفهم كتاب الله، وإلى علم يمكن التعبير عنه بعلم فلسفة التفسير، وأهم ما ينبغي أن يدرسه هذا العلم - حسب رأي الكاتب - هو الأسس الموجّهة لفهم الدين، ويعرّف الكاتب هذه الأسس بأنّها الأصول الموضوعية التي تشكّل منطلقاً لفهم صحيح لكتاب الله، وقد تحدّث الكاتب بالتفصيل عن هذه الأسس نعرضها بشكل مختصر:
الأساس الأول: أنّ القرآن وحي الله تعالى، ويترتّب على ذلك؛ لزوم اتباعه، والإيمان بواقعية مقولاته، والتوافر على شروط خاصّة لتفسيره.
الأساس الثاني: القرآن كتاب الهدى والهداية، وهذه الهداية تتّصف بالصيرروة كما يقول الكاتب، ومن أهمّ النتائج التي ذكرها الكاتب لهذا الأساس هو لزوم تشكيل قواعد المحاورة العقلانية والعرفية في فهم النصّ، وإلا لم يكن كتاب هداية يفهمه الجميع.
الأساس الثالث: الهوية العقلانية للبنية العامّة للقرآن، حيث يعتبر الكاتب أنّ لغة القرآن ولسانه هو لسان المحاورة العقلائية مع اشتمال هذه اللغة على بنية خاصّة تجعل النصّ معجزاً.
وقد عرض الكاتب عدّة اتّجاهات في تفسير لغة القرآن الكريم، ومن ثمّ أبدى اعتراضه على هذه الاتّجاهات انطلاقاً من رأيه الخاص في لغة القرآن، حيث جمع الكاتب بين كون لغة القرآن وحياً منزلاً فوق قدرة البشر، وبين كونه نصّاً يمكن فهمه وإدراكه، إلا أنّ الكاتب يعترف بوجود مفاهيم يصعب إدراكها، خاصّة تلك المفاهيم التي استخدم للتعبير عنها جملة من الاستعارات والمجازات الأدبية التي جعلت هذه المفاهيم صعبة الإدراك، وهذا ما تؤكّده الروايات الواردة عن أهل البيت(عله) بأنّ للقرآن ظهراً وبطناً.
والنتيجة المعرفية للتمسّك بهذا الاتّجاه في تفسير لغة القرآن هي: أنّه يمكن الوصول إلى فهم دلالات القرآن وإدراكها، وتكون هذه الدلالات كاشفة عن الواقع وهي حجّة.
الأساس الرابع: عدم معارضة حكمية القرآن وعقلائيته، ومراد الكاتب من هذا الأساس هو: أنّ القرآن مطابق للمنطق ومتناسب مع الحكمة والعقل، ويؤكّد الكاتب في هذا الإطار على الانسجام الداخلي للقرآن الذي يمكن معه بناء مدرسة فكرية خاصّة. ومن هنا، يدعو إلى ضرورة النظر إلى القرآن بنظرة كلّيّة شاملة وجامعة.
الآثار الفلسفية والكلامية لنظرية التعدّدية الدينية:
يبيّن الكاتب في هذا القسم من الكتاب مجموعة من الآثار الفلسفية والكلامية التي تنتج عن القول بالتعدّدية الدينية، ويعتمد الكاتب في هذا الإطار على كتابات الدكتور عبد الكريم سروش، ومن الآثار التي ذكرها الكاتب:
1 ـ لزوم اجتماع النقيضين، حيث ذكر الكاتب أنّ أتباع هذه النظرية يقرّون ويعترفون بأنّ الاختلاف القائم بين مختلف الأديان يصل إلى حدّ التباين، ومع ذلك تبقى هذه الأديان على حقّ برأيهم، على الرغم من الاختلاف والتباين الذاتي فيما بينها، وهذا ما لا يقبله الكاتب؛ وذلك لأنّه لا يمكن حمل محمولات متناقضة على محمول واحد.
كما ذكر الكاتب مجموعة من الآثار الأخرى، مثل: استحالة الإيمان، وعدم حجّية النصوص الدينية، ولغوية الإيمان والطاعة، حيث إنّه بناء على القول بالتعدّدية الدينية سوف يستوي المؤمن والكافر، ولن يكون للطاعة معنى.
البلورالية ودور الدين في الهداية:
يقول الكاتب: إنّ مقتضى الهداية الإلهية أن ينزّل الله سبحانه العديد من الأنبياء(عله) والشرائع والرسالات التي تتكامل فيما بينها؛ كي يصل الإنسان إلى كماله، ومن الطبيعي أن تكون هناك مجموعة من الشرائع التي تنسخ إحداها الأخرى مع تقدّم العصور، والقول بالتعدّدية سوف يؤدّي إلى إفشال هذا المخطط الإلهي؛ لأنّ البشرية قد تتوقّف عند بعض الشرائع المنسوخة.
ومن اللوازم التي ذكرها الكاتب في المقام هي تعطيل الشريعة، وعدم القول بعصمة الأنبياء(عله)، بالإضافة إلى مجموعة من اللوازم الأخرى.
البلورالية الدينية وتحدّي المعيار:
في هذا القسم من الكتاب يضع الكاتب بين أيدينا نصّ حوار جرى بينه وبين البروفسور التعدديّ جون هيك(John Hick)، وذلك عام 2002م. والسؤال الأساس الذي طرحه الكاتب في هذه المقابلة يتمحور حول لزوم اجتماع النقيضين؛ بناء على نظرية التعدّدية الدينية، وقد أشار جون هيك في مقام الرد بأنّه لا يرفض وجود الحقيقة، وإنّما هو يدعي أنّ الحقيقة متعدّدة، فالحقيقة كما يراها هيك هي أمر سامٍ وذو مراتب رفيعة، وكلّ البشر يسعون للوصول إليها، ويعبّرون عنها بطرق مختلفة، وأكّد هيك في هذه المقابلة على أمر مهم جداً، وهو أنّه يعتقد أنّ القائل بأنّ القضايا الدينية لا أصل لها ليس بديني، فالأشخاص الذين لا يعتقدون بالله ليسوا من أتباع التعدّدية الدينية.
وقد رد الكاتب على ذلك بأنّ الأسس التي قامت عليها التعدّدية الدينية غير محدّدة بمعيار الإيمان بالله وعدمه، وبالتالي فإنّ بدء اللعبة سيكون بأيدينا، إلا أنّ إنهاءها لن يكون كذلك.
العلاقة بين الدين والأيديولوجية:
هذا الفصل عبارة عن حلقات تلفزيونية قدّمها الكاتب مكتوبة، ركّز فيها على ضرورة الابتعاد عن المعاني السلبية التي قد يتضمنها مفهوم الأدلجة، فإنّنا إذا وصفنا الدين بالأدلجة، فقد يعتقد البعض بأنّ هذا يعني اشتمال الدين على مجموعة من السلبيات؛ لجهة كونه مؤدلجاً، ومن هذه السلبيات السطحية، الدوغمائية، والتحجّر...، لكنّ الكاتب يذهب إلى أنّ للأيديولوجية إيجابيات كبيرة جداً؛ وغفلتنا عن هذه الإيجابيات ناشئة من الخطأ في استخدام هذا المصطلح.
وقد اعتبر الكاتب أنّ الأيديولوجية تولّد حركة، وتخلق الإيمان، وتمنح الأمل، وتضفي السكينة، وتعطي الهدف؛ فإذا كانت الأيديولوجية بهذا المعنى فلا بأس أن يكون للدين أيديولوجية.
فلسفة الفرج فلسفة العالم الأرفع:
يقارن الكاتب في هذا القسم من الكتاب بين نهاية التاريخ وفلسفة الفرج المطروحة في الفكر الشيعي، معتبراً أنّ فلسفة الفرج هي فلسفة تتخطّى في آفاقها وأبعادها آفاق فلسفة نهاية التاريخ وأبعادها؛ حيث إنّ فلسفة الفرج تتحدّث عن تطوّر مختلف العلاقات الحاكمة في آخر الزمان، وحول علاقة البشر بكلّ أطراف الوجود، وهذا يعني أنّ فلسفة الفرج تتمحور حول مستقبل الوجود والحياة، على حدّ تعبير الكاتب.
وتقوم فلسفة الفرج كما يرى الكاتب على أصول عشرة، هي:
1- هدفيّة الخالق والمخلوقات.
2- النظام وحيازة القانون.
3- الوحدة العضوية لا الميكانيكية؛ بمعنى وحدة التناسق والانسجام.
4- مرآتية الموجودات؛ فكلّ الموجودات هي آيات الله.
5- العالم ذو نشأتين: الغيب والشهادة.
6- شعور الكائنات؛ فكلّ الكائنات لها نوع شعور، حتى الجمادات.
7- خضوع جميع الموجودات وعبادتها.
8- طيب طينة الإنسان وحسن خلقه.
9- استمرار الحياة والوجود، وترابط الدنيا والآخرة.
10- تكامل الإنسان والعالم.
ويؤكّد الكاتب في هذا المجال على أنّ هذه الأصول العشرة ترجع إلى أصلين أساسيين، هما:
1- أنّ الله هو محور الوجود، والتوحيد أساسه.
2- الاعتقاد بأنّ نظام العالم هو النظام الأحسن والأفضل.
وبناء على هذين الأصلين يلزم أن تكون نهاية التاريخ نهاية حسنة.
النهاية القدسيّة للتاريخ:
يتحدّث الكاتب في هذا المقال عن العولمة، مؤكّداً على أنّ التعولم المستقى من التعاليم الدينية يختلف عن التعولم بالمعنى الرائج في الكتابات المعاصرة. والسؤال الأساس الذي يطرحه الكاتب في هذا المقام هو: ما الذي يمكن أن يتعولم؟ وفي مقام الإجابة عن هذا السؤال يؤكِّد الكاتب على استحالة تعولم النموذج الغربي، والثقافة الليبرالية وأطروحتها؛ حيث إنّ الذي لا بدّ أن يتعولم هو التعولم القدسي، كما يسمّيه الكاتب، ويستند هذا التعولم القدسي في نظر الكاتب إلى أصلين أساسيين:
1- إرادة الله القاهرة.
2- وحدة البشر في الأصل والمعتقد.
ونتيجة هذا التعولم القدسي هي رجوع البشرية إلى إرادة الله العليا والأبدية، وهو ما يعرف في الأدبيات الإسلامية بالفرج، ويتحدّث الكاتب عن مؤشّرات هذا العصر أي عصر الفرج ومنها:
1- أفول حكومة الباطل.
2- قيام الدولة العالمية القدسية.
3- ارتقاء العقلانية وانتشار العلم والمعرفة والأخلاق والتديّن.
4- انتشار السلم العالمي وتحقيق العدالة.
5- وفرة النعمة وتطوّر الصناعة والعمران.
6- تحقّق الرفاه العالمي....
خاتمة:
يتمتّع الكاتب بأسلوب جذّاب يخلو من التعقيد، ويبتعد عن السطحية، خاصّة أنّ العناوين التي طرحها الكاتب هي عناوين معاصرة وعادة ما تتضمّن مجموعة من المصطلحات التي قد تجعل الكتاب معقّداً على القارئ غير المتخصِّص، إلا أنّ الكاتب لم يقع في هذه المشكلة، حيث عمد إلى شرح مجموعة كبيرة من المصطلحات، وبيّن المراد منها، وهذه خطوة جيّدة جداً، على مستوى الكتابة والتأليف، كما أنّه لا بدّ من الإشارة إلى الدقّة العالية التي يتمتّع بها هذا الكتاب على المستوى المنهجي، ولجهة كيفية صياغة النتائج.
إلا أنّه لا بدّ من الإشارة إلى إشكال أساسي يتمحور حول عنوان الكتاب، فقد نشر الكتاب تحت عنوان "فلسفة الدين"، إلا أنّنا نجد أنّ ما كتب عبارة عن مجموعة مختلفة ومتنوعة من المقالات التي قد لا يجمعها عنوان واحد، وبناءً عليه كان لا بدّ من اختيار عنوان ملائم ومتناسب مع مطالب الكتاب ومسائله.
والله من وراء القصد
[1] منشورة في مجلة الحياة الطيبة، العدد 24، شتاء 2012م.
[2] الشيخ غسان الأسعد باحث من الحوزة العلمية، من لبنان.
تصنيف الكتاب: فلسفة الدين.
اسم الكتاب: فلسفة الدين.
اسم المؤلف: الدكتور الشيخ علي أكبر رشاد.
اسم المترجم: موسى ظاهر.
بيانات النشر: ط1، بيروت، مركز الغدير، 1432هـ.ق/2011م.
نبذة عن المؤلّف:
الشيخ الدكتور علي أكبر رشاد هو من أساتذة الحوزة العلمية في طهران، انتسب إلى الحوزة العلمية، وحضر دروس الفلسفة على يد العلامة الشهيد مرتضى مطهّري(قده)، كما حضر دروسه في الفقه والأصول على يد مجموعة من الأساتذة، منهم: آية الله العظمى الشيخ حسين وحيد الخراساني، وآية الله العظمى السيد علي الخامنئي(دام ظله)...، وهو من مدرّسي مرحلة بحث الخارج في الفقه والأصول.
مقدمة:
انتشرت في الآونة الأخيرة دراسات متنوِّعة ومختلفة تتحدَّث عن فلسفة الدين وعلم الكلام الجديد، بالإضافة إلى مسائل أخرى ذات صلة بهذه العلوم تتعلّق بفهم الدين، ولغة الدين، ومباحث الهرمنوطيقا وكيفية فهم النصّ. ويأتي هذا الكتاب في هذا السياق؛ ليسدَّ ثغرة في جدار مكتبتنا الإسلامية التي باتت بأمسّ الحاجة إلى مثل هذه الدراسات، وقد استطاع الكاتب أن يعالج مجموعة من المسائل المختلفة بأسلوب يجمع فيه بين الأصالة والمعاصرة.
يتألّف الكتاب من مجموعة من الدراسات المتنوّعة، هي:
1.الدراسة الأولى: تتمحور حول "فلسفة الدين".
2.الدراسة الثانية: تحت عنوان "مدخل إلى علم منطق فهم الدين".
3.الدراسة الثالثة: تحت عنوان "الأسس الموجّهة لفهم القرآن".
4.الدراسة الرابعة: تحت عنوان "الآثار الفلسفيّة والكلاميّة لنظرية التعدّديّة الدينيّة<، ثمّ استكمل الكاتب البحث بمقابلة أجراها مع الفيلسوف البريطاني جون هيك جاءت تحت عنوان "البلورالية وتحدّي المعيار".
5.الدراسة السادسة: تحت عنوان "العلاقة بين الدين والأيديولوجية".
6.الدراسة السابعة: تحت عنوان "فلسفة الفرج فلسفة العالم الأرفع".
7.الدراسة الثامنة والأخيرة: تحت عنوان "النهاية القدسية للتاريخ".
وسنحاول في هذه العجالة أن نضع بين يدي القارئ الكريم خلاصة النتائج التي توصّل إليها الكاتب في هذه الدراسات.
نشأة علم فلسفة الدين:
يتحدّث الكاتب في الفصل الأوّل من هذا الكتاب عن علم فلسفة الدين، محاولاً إبراز معالم هذا العلم وعلاقته بالعلوم الأخرى، فيعتبر أنّ هذا العلم قد نشأ في أوروبا بعد عصر النهضة، فأوروبا هي المنطقة الجيوثقافية التي نشأت فيها فلسفة الدين كعلم مدوّن، وفي محاولة الكاتب إلى تقديم تعريف واضح لفلسفة الدين، استعرض مجموعة من التعريفات المختلفة والمتعدّدة، مؤكّداً على أنّ الوصول إلى تعريف جامع ومانع لفلسفة الدين هو أمر غير متيسّر، إلا أنّه حاول تقديم تعريف يكون أقرب إلى حقيقة فلسفة الدين، وهو التالي: "هو مدلول مجموع المقولات الوجودية البنية ذات الصلة بالوجود والإنسان والعالم، ومجموع الأحكام والأخلاق التي قد أنزلت أو أجيزت من قبل رب الوجود ومدبّره؛ بهدف تأمين كمال الإنسان وسعادته الأبدية"، مؤكّداً على أنّ الدين الذي هو موضع البحث هو الدين في الواقع، لا الدين الممتزج بعاداتنا وتقاليدنا.
كما أكّد الكاتب على ضرورة التفريق بين فلسفة الدين وبين الدفاع الفلسفي عن الدين، وهو من وظائف علم الكلام. وأشار الكاتب إلى مسألة مهمّة في المقام وهي: أنّه ينبغي أن لا تعدّ الرؤى والنظريات الإلحادية، أو حتى المباحث التي تتعلّق بمعرفة الله، بأنّها دين؛ لأنّ ذلك سيؤدّي إلى الخلط بين فلسفة الدين وغيرها من العلوم الأخرى.
وأكّد على أنّ فلسفة الدين هي من الفلسفات المضافة التي قد تشترك مع العديد من العلوم الأخرى؛ لذا لا بدّ من إبراز هوية هذا العلم وبيانها، وبالتالي فصله عن العلوم الأخرى؛ خاصّة علم الكلام الجديد وعلم الدين، منتقداً الخلط الذي وقع فيه مجتهد شبستري في هذا المجال؛ ففلسفة الدين تشترك مع علم الكلام في واحدة من وظائفه ألا وهي: بيان الدين وتعاليمه، لكنّها تفترق عنه في مسألة جوهرية وأساسية وهي الأداة، فعلم الكلام يعتمد على الوحي كوسيلة للبيان، بينما لا تستطيع فلسفة الدين الاعتماد على الوحي، حيث تطرح فلسفة الدين الأبحاث الخارجة عن الدين، ومراد المؤلّف من هذا التعبير هو كلّ ما يقابل المعرفة الدينية الاستدلالية.
وقد ذهب المؤلّف إلى أنّ فهم الإسلام وتفسيراته الخاصّة للدين قد يقودان إلى حدوث تغييرات جديرة بالاهتمام على مستوى تعريف فلسفة الدين، وقد رأى أنّه يمكن تعريفها بأنّه البحث الفلسفي في الدين.
بعد هذا البيان لهويّة فلسفة الدين، عرض المؤلف لمجموعة من المسائل التي يمكن أن تطرح في إطار فلسفة الدين، مثل: حقيقة الدين، ومصدر الدين، وعلاقة الدين بالفلسفة، والوحي، والإعجاز، والنبوة... أمّا البحث في حاجة الإنسان إلى الدين، فقد رأى الكاتب أنّه لا يدخل في دائرة فلسفة الدين، بل هو أقرب إلى مباحث علم النفس والاجتماع ومسائلهما. ولا بدّ من الإشارة إلى دقّة المؤلّف في تحديد مسائل كلّ علم، والحرص على عدم الخلط على المستوى المنهجي هو أمر جدير بالاهتمام.
منطق فهم الدين:
يدعو الكاتب إلى استخدام كلّ الأدوات الممكنة للإجابة عن التساؤلات المستحدثة، وإلى توسيع نطاق العمل الاجتهادي؛ ليشمل كلّ الفروع والعلوم الدينية، مشيداً بالثورة المعرفية العظيمة والميمونة التي أحدثها تطوّر علم أصول الفقه في القرون الأخيرة، حيث فتحت هذه الثورة المجال أمام عقلنة المعرفة الدينية والخروج من تحجّر المذهب الأخباري، وقد وصل علماء الأصول إلى معارف وحقائق لم يصل إليها الغربيون، بل ولم تخطر على بالهم حتى الآن، خاصّة فيما يتعلّق بفلسفة اللغة وعلم التحليل اللغوي ونظريات الهرمنوطيقا وبعض المسائل الابستمولوجية، ومع كلّ هذا التطوّر؛ فإنّ علم الأصول لا يكفي لتقديم فهم متكامل للدين، حيث يعاني هذا العلم كما يرى الكاتب من مجموعة من النواقص، أهمّها:
أ ـ الشمولية: فعلم الأصول ليس له قابلية أن يكون منطقاً لفهم جميع الحقول المعرفية، حيث إنّ تأسيس هذا العلم إنّما كان هاجسه استنباط الأحكام الشرعية لا فهم الدين بمعناه الواسع.
ب ـ الكمال: حيث غاب علم الأصول عن استنباط القواعد السياسية والاجتماعية، ولم تستوعب الدراسات الأصولية الكثير من المسائل الملحّة التي تطال في تأثيرها مباحث أساسية على مستوى الاستنباط، مثل: مقاصد الشريعة، وعلل الشرائع، والمصالح والمفاسد...
ج ـ اشتمال علم الأصول على مشاكل هندسية في تأليفه، حيث تحتوي الدراسات الأصولية على الكثير من الحشو والاستطراد.
وانطلاقاً من هذا التصوّر العامّ يدعو الكاتب إلى تأسيس علم منطق فهم الدين، مقدّماً تصوّره لبنية هذه الأطروحة، وعمل الكاتب على بيان تفاصيل أطروحته، مبتدئاً من تعريف علم منطق فهم الدين وغايته...
وعند تعرّضه للفرق بين هذا العلم(علم منطق فهم الدين) وبين غيره من العلوم وضع جدولاً تفصيلياً لهذه الغاية، وهو جدول مفيد جدّاً ومبتكر يوضح الفرق بين مختلف العلوم بدقّة وبوضوح. ومرّة أخرى تبرز الدقّة المنهجية التي يتمتّع بها المؤلّف في معالجته لمختلف المسائل في الكتاب. ثمّ عرض الكاتب مجموعة من المصطلحات التي قد تكون مفتاحاً لمنطق فهم الدين، متوسّعاً في شرح الفرق بين مصطلح نظرية الاجتهاد ومصطلح نظرية تعدّد القراءة.
كما استعرض الكاتب بنية فلسفة المعرفة الدينية؛ باعتبار هذا العلم مدخلاً ضرورياً لمنطق فهم الدين، حيث إنّ النتائج التي يحصل عليها العالم في فلسفة المعرفة الدينية تنعكس على علم منطق فهم الدين، وكان الكاتب حريصاً على مدى صفحات الكتاب على إبراز النتائج المعرفية لكلّ علم، مبيّناً فوائده على المستوى الابستمولوجي، فيما يتعلّق بأطروحته عن منطق فهم الدين... وبناءً عليه، وضع الكاتب فهرساً تفصيلياً لبعض مباحث أطروحة منطق فهم الدين.
وعند بحثه لمسألة حجج فهم الدين وأدلّته، رأى الكاتب أنّه لا بدّ من إعادة النظر في التقسيم الثلاثي للسنّة(قول المعصوم، وفعله، وتقريره)، حيث يعتقد الكاتب أنّه يمكن تقسيم السنّة إلى تقسيم ثنائي: السنّة القولية، والسنّة الفعلية، لكن قد يقال: إنّ هذا التقسيم غير تامّ؛ ذلك أنّ دلالة فعل المعصوم(ع) تفترق وتختلف عن دلالة التقرير، فإنّ فعل المعصوم(ع) إنّما يدلّ على أنّ هذا الفعل إمّا واجب أو مستحب أو مباح، فلا يكون مكروهاً فضلاً عن أن يكون محرّماً، أمّا التقرير فإنّه لا يدل إلا على أنّ الفعل ليس محرّماً، وبالتالي فإنّ الدمج بين فعل المعصوم(ع) وتقريره قد يفقدنا هذه الثمرة في المقام.
وعرض الكاتب مجموعة من المباحث الضرورية لبنية منطق فهم الدين، مثل: مبحث موانع فهم النصّ، ومبحث قياس المعرفة الدينية، ومعيار صحة القضايا وسقمها... حيث إنّ النتائج التي قد نصل إليها في هذه الأبحاث ستؤثّر حتماً على منطق فهم الدين من الناحية المعرفية والابستمولوجية.
الأسس الموجّهة لفهم القرآن:
يشير الكاتب في هذا الجزء من الكتاب إلى أنّ هناك حاجة ماسّة لتدوين علم يُعنى بفهم كتاب الله، وإلى علم يمكن التعبير عنه بعلم فلسفة التفسير، وأهم ما ينبغي أن يدرسه هذا العلم - حسب رأي الكاتب - هو الأسس الموجّهة لفهم الدين، ويعرّف الكاتب هذه الأسس بأنّها الأصول الموضوعية التي تشكّل منطلقاً لفهم صحيح لكتاب الله، وقد تحدّث الكاتب بالتفصيل عن هذه الأسس نعرضها بشكل مختصر:
الأساس الأول: أنّ القرآن وحي الله تعالى، ويترتّب على ذلك؛ لزوم اتباعه، والإيمان بواقعية مقولاته، والتوافر على شروط خاصّة لتفسيره.
الأساس الثاني: القرآن كتاب الهدى والهداية، وهذه الهداية تتّصف بالصيرروة كما يقول الكاتب، ومن أهمّ النتائج التي ذكرها الكاتب لهذا الأساس هو لزوم تشكيل قواعد المحاورة العقلانية والعرفية في فهم النصّ، وإلا لم يكن كتاب هداية يفهمه الجميع.
الأساس الثالث: الهوية العقلانية للبنية العامّة للقرآن، حيث يعتبر الكاتب أنّ لغة القرآن ولسانه هو لسان المحاورة العقلائية مع اشتمال هذه اللغة على بنية خاصّة تجعل النصّ معجزاً.
وقد عرض الكاتب عدّة اتّجاهات في تفسير لغة القرآن الكريم، ومن ثمّ أبدى اعتراضه على هذه الاتّجاهات انطلاقاً من رأيه الخاص في لغة القرآن، حيث جمع الكاتب بين كون لغة القرآن وحياً منزلاً فوق قدرة البشر، وبين كونه نصّاً يمكن فهمه وإدراكه، إلا أنّ الكاتب يعترف بوجود مفاهيم يصعب إدراكها، خاصّة تلك المفاهيم التي استخدم للتعبير عنها جملة من الاستعارات والمجازات الأدبية التي جعلت هذه المفاهيم صعبة الإدراك، وهذا ما تؤكّده الروايات الواردة عن أهل البيت(عله) بأنّ للقرآن ظهراً وبطناً.
والنتيجة المعرفية للتمسّك بهذا الاتّجاه في تفسير لغة القرآن هي: أنّه يمكن الوصول إلى فهم دلالات القرآن وإدراكها، وتكون هذه الدلالات كاشفة عن الواقع وهي حجّة.
الأساس الرابع: عدم معارضة حكمية القرآن وعقلائيته، ومراد الكاتب من هذا الأساس هو: أنّ القرآن مطابق للمنطق ومتناسب مع الحكمة والعقل، ويؤكّد الكاتب في هذا الإطار على الانسجام الداخلي للقرآن الذي يمكن معه بناء مدرسة فكرية خاصّة. ومن هنا، يدعو إلى ضرورة النظر إلى القرآن بنظرة كلّيّة شاملة وجامعة.
الآثار الفلسفية والكلامية لنظرية التعدّدية الدينية:
يبيّن الكاتب في هذا القسم من الكتاب مجموعة من الآثار الفلسفية والكلامية التي تنتج عن القول بالتعدّدية الدينية، ويعتمد الكاتب في هذا الإطار على كتابات الدكتور عبد الكريم سروش، ومن الآثار التي ذكرها الكاتب:
1 ـ لزوم اجتماع النقيضين، حيث ذكر الكاتب أنّ أتباع هذه النظرية يقرّون ويعترفون بأنّ الاختلاف القائم بين مختلف الأديان يصل إلى حدّ التباين، ومع ذلك تبقى هذه الأديان على حقّ برأيهم، على الرغم من الاختلاف والتباين الذاتي فيما بينها، وهذا ما لا يقبله الكاتب؛ وذلك لأنّه لا يمكن حمل محمولات متناقضة على محمول واحد.
كما ذكر الكاتب مجموعة من الآثار الأخرى، مثل: استحالة الإيمان، وعدم حجّية النصوص الدينية، ولغوية الإيمان والطاعة، حيث إنّه بناء على القول بالتعدّدية الدينية سوف يستوي المؤمن والكافر، ولن يكون للطاعة معنى.
البلورالية ودور الدين في الهداية:
يقول الكاتب: إنّ مقتضى الهداية الإلهية أن ينزّل الله سبحانه العديد من الأنبياء(عله) والشرائع والرسالات التي تتكامل فيما بينها؛ كي يصل الإنسان إلى كماله، ومن الطبيعي أن تكون هناك مجموعة من الشرائع التي تنسخ إحداها الأخرى مع تقدّم العصور، والقول بالتعدّدية سوف يؤدّي إلى إفشال هذا المخطط الإلهي؛ لأنّ البشرية قد تتوقّف عند بعض الشرائع المنسوخة.
ومن اللوازم التي ذكرها الكاتب في المقام هي تعطيل الشريعة، وعدم القول بعصمة الأنبياء(عله)، بالإضافة إلى مجموعة من اللوازم الأخرى.
البلورالية الدينية وتحدّي المعيار:
في هذا القسم من الكتاب يضع الكاتب بين أيدينا نصّ حوار جرى بينه وبين البروفسور التعدديّ جون هيك(John Hick)، وذلك عام 2002م. والسؤال الأساس الذي طرحه الكاتب في هذه المقابلة يتمحور حول لزوم اجتماع النقيضين؛ بناء على نظرية التعدّدية الدينية، وقد أشار جون هيك في مقام الرد بأنّه لا يرفض وجود الحقيقة، وإنّما هو يدعي أنّ الحقيقة متعدّدة، فالحقيقة كما يراها هيك هي أمر سامٍ وذو مراتب رفيعة، وكلّ البشر يسعون للوصول إليها، ويعبّرون عنها بطرق مختلفة، وأكّد هيك في هذه المقابلة على أمر مهم جداً، وهو أنّه يعتقد أنّ القائل بأنّ القضايا الدينية لا أصل لها ليس بديني، فالأشخاص الذين لا يعتقدون بالله ليسوا من أتباع التعدّدية الدينية.
وقد رد الكاتب على ذلك بأنّ الأسس التي قامت عليها التعدّدية الدينية غير محدّدة بمعيار الإيمان بالله وعدمه، وبالتالي فإنّ بدء اللعبة سيكون بأيدينا، إلا أنّ إنهاءها لن يكون كذلك.
العلاقة بين الدين والأيديولوجية:
هذا الفصل عبارة عن حلقات تلفزيونية قدّمها الكاتب مكتوبة، ركّز فيها على ضرورة الابتعاد عن المعاني السلبية التي قد يتضمنها مفهوم الأدلجة، فإنّنا إذا وصفنا الدين بالأدلجة، فقد يعتقد البعض بأنّ هذا يعني اشتمال الدين على مجموعة من السلبيات؛ لجهة كونه مؤدلجاً، ومن هذه السلبيات السطحية، الدوغمائية، والتحجّر...، لكنّ الكاتب يذهب إلى أنّ للأيديولوجية إيجابيات كبيرة جداً؛ وغفلتنا عن هذه الإيجابيات ناشئة من الخطأ في استخدام هذا المصطلح.
وقد اعتبر الكاتب أنّ الأيديولوجية تولّد حركة، وتخلق الإيمان، وتمنح الأمل، وتضفي السكينة، وتعطي الهدف؛ فإذا كانت الأيديولوجية بهذا المعنى فلا بأس أن يكون للدين أيديولوجية.
فلسفة الفرج فلسفة العالم الأرفع:
يقارن الكاتب في هذا القسم من الكتاب بين نهاية التاريخ وفلسفة الفرج المطروحة في الفكر الشيعي، معتبراً أنّ فلسفة الفرج هي فلسفة تتخطّى في آفاقها وأبعادها آفاق فلسفة نهاية التاريخ وأبعادها؛ حيث إنّ فلسفة الفرج تتحدّث عن تطوّر مختلف العلاقات الحاكمة في آخر الزمان، وحول علاقة البشر بكلّ أطراف الوجود، وهذا يعني أنّ فلسفة الفرج تتمحور حول مستقبل الوجود والحياة، على حدّ تعبير الكاتب.
وتقوم فلسفة الفرج كما يرى الكاتب على أصول عشرة، هي:
1- هدفيّة الخالق والمخلوقات.
2- النظام وحيازة القانون.
3- الوحدة العضوية لا الميكانيكية؛ بمعنى وحدة التناسق والانسجام.
4- مرآتية الموجودات؛ فكلّ الموجودات هي آيات الله.
5- العالم ذو نشأتين: الغيب والشهادة.
6- شعور الكائنات؛ فكلّ الكائنات لها نوع شعور، حتى الجمادات.
7- خضوع جميع الموجودات وعبادتها.
8- طيب طينة الإنسان وحسن خلقه.
9- استمرار الحياة والوجود، وترابط الدنيا والآخرة.
10- تكامل الإنسان والعالم.
ويؤكّد الكاتب في هذا المجال على أنّ هذه الأصول العشرة ترجع إلى أصلين أساسيين، هما:
1- أنّ الله هو محور الوجود، والتوحيد أساسه.
2- الاعتقاد بأنّ نظام العالم هو النظام الأحسن والأفضل.
وبناء على هذين الأصلين يلزم أن تكون نهاية التاريخ نهاية حسنة.
النهاية القدسيّة للتاريخ:
يتحدّث الكاتب في هذا المقال عن العولمة، مؤكّداً على أنّ التعولم المستقى من التعاليم الدينية يختلف عن التعولم بالمعنى الرائج في الكتابات المعاصرة. والسؤال الأساس الذي يطرحه الكاتب في هذا المقام هو: ما الذي يمكن أن يتعولم؟ وفي مقام الإجابة عن هذا السؤال يؤكِّد الكاتب على استحالة تعولم النموذج الغربي، والثقافة الليبرالية وأطروحتها؛ حيث إنّ الذي لا بدّ أن يتعولم هو التعولم القدسي، كما يسمّيه الكاتب، ويستند هذا التعولم القدسي في نظر الكاتب إلى أصلين أساسيين:
1- إرادة الله القاهرة.
2- وحدة البشر في الأصل والمعتقد.
ونتيجة هذا التعولم القدسي هي رجوع البشرية إلى إرادة الله العليا والأبدية، وهو ما يعرف في الأدبيات الإسلامية بالفرج، ويتحدّث الكاتب عن مؤشّرات هذا العصر أي عصر الفرج ومنها:
1- أفول حكومة الباطل.
2- قيام الدولة العالمية القدسية.
3- ارتقاء العقلانية وانتشار العلم والمعرفة والأخلاق والتديّن.
4- انتشار السلم العالمي وتحقيق العدالة.
5- وفرة النعمة وتطوّر الصناعة والعمران.
6- تحقّق الرفاه العالمي....
خاتمة:
يتمتّع الكاتب بأسلوب جذّاب يخلو من التعقيد، ويبتعد عن السطحية، خاصّة أنّ العناوين التي طرحها الكاتب هي عناوين معاصرة وعادة ما تتضمّن مجموعة من المصطلحات التي قد تجعل الكتاب معقّداً على القارئ غير المتخصِّص، إلا أنّ الكاتب لم يقع في هذه المشكلة، حيث عمد إلى شرح مجموعة كبيرة من المصطلحات، وبيّن المراد منها، وهذه خطوة جيّدة جداً، على مستوى الكتابة والتأليف، كما أنّه لا بدّ من الإشارة إلى الدقّة العالية التي يتمتّع بها هذا الكتاب على المستوى المنهجي، ولجهة كيفية صياغة النتائج.
إلا أنّه لا بدّ من الإشارة إلى إشكال أساسي يتمحور حول عنوان الكتاب، فقد نشر الكتاب تحت عنوان "فلسفة الدين"، إلا أنّنا نجد أنّ ما كتب عبارة عن مجموعة مختلفة ومتنوعة من المقالات التي قد لا يجمعها عنوان واحد، وبناءً عليه كان لا بدّ من اختيار عنوان ملائم ومتناسب مع مطالب الكتاب ومسائله.
والله من وراء القصد
[1] منشورة في مجلة الحياة الطيبة، العدد 24، شتاء 2012م.
[2] الشيخ غسان الأسعد باحث من الحوزة العلمية، من لبنان.