كلمة الإمام الخامنئي في حشود طلاب المدارس والجامعات على أعتاب اليوم الوطني لمقارعة الاستكبار العالمي_03-11-2015
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله ربّ العالمين، والصلاة والسلام على سىدنا ونبىنا أبي القاسم المصطفى محمد وعلى آله الطىبىن الطاهرىن المعصومىن.
السلام على الحسىن، وعلى علي بن الحسىن، وعلى أولاد الحسىن، وعلى أصحاب الحسىن.
إنّ اللقاء بالشباب الأعزاء، بمن فيهم طلاب الجامعات وطلاب المدارس في الأيام الموسومة بمواجهة ومقارعة الاستكبار، يشكّل فرصة مغتنَمة للغاية. وأنتم الحاضرون في هذا الاجتماع تمثلون نموذجاً من مجموع الشباب الواعين من أبناء شعبنا، وليس الشباب فحسب، بل كلّ من يتحلّى بالوعي وقوة التحليل والبصيرة، يتّخذ هذه المواقف نفسها التي أعلنتموها اليوم في هذا المكان بهتافاتكم وبياناتكم.
معرفة كربلاء؛ من مفاخر شعبنا
هذه الأيام هي أيام الحسين بن علي (عليه السلام)، وهي أيام الملحمة والحماسة التاريخية للأمة الإسلامية، ولا تختصّ بالشيعة، إنّما يَعتبر غير الشيعة أيضاً نهضة الحسين بن علي (سلام الله عليه) نهضة كبيرة، عظيمة، مُلهمة للدروس، وقدوة للشعوب. وأقصد بهم أولئك العارفين بالإمام، وإلّا فالجاهلون وغير ذوي الاطّلاع لهم حساب آخر. وإنّ من مفاخر أبناء شعبنا أنّهم عارفون بسيد الشهداء، وبكربلاء، وبالقضايا الهامة المتصلة بواقعة عاشوراء أو التي حدثت خلالها.
كما إنّ هذه الأيام، هي أيام زينب الكبرى (سلام الله عليها)؛ تلك الشخصية التي خلّدت قضية عاشوراء، وحالت دون محو هذه الواقعة ونسيانها أو ضياعها في الأساطير السياسية للجهاز الحاكم يومذاك، ومن هنا فإنّها أيام تتّسم بالأهمية.
[إضافة إلى] أنّ المرحلة التاريخية التي نعيش فيها هي حقبةٌ هامة، فالشعب الإيراني في طور تثبيت عزّته ورسم خارطته العظيمة للتقدم والمضي باتجاه المبادئ والـمُثُل. ولذا فإنّ وعي الشباب وبصيرتهم تجاه الأوضاع الراهنة أمرٌ هام، وهذا الاجتماع يشكّل فرصة سانحة للتحدّث قليلاً في هذه المجالات.
مقارعة الاستكبار؛ حركة منطقيّة
أوّلاً، أذكّركم بهذه النقطة وهي الأساس للكثير من أبحاثنا: إنّ مقارعة الاستكبار في الثورة الإسلامية وفي أوساط شعبنا تعدّ حركة معقولة منطقية ترتكز على ركيزة علمية عقلية؛ خلافاً لما يريد البعض الإيحاء به من أن هذه الحركة شعاراتية وعاطفية، ولا تعتمد على أساسٍ منطقيٍّ عقلاني؛ إنما هي, وخلافاً لذلك: حركة الشعب الإيراني حركة مستندة إلى العقلانية. ودعونا الآن نغضّ الطرف عن الاستناد إلى الدِّين والآيات القرآنية والإرشادات الدينية، ولا نتطرّق إلى قوله تعالى: ﴿أَشِدّآءُ عَلَى الکُفّار﴾، و﴿رُحَمآءُ بَىنَهُم﴾، و﴿قاتِلوا أَئِمَّةَ الکُفر﴾، لأنّ البعض لا يعتقد بهذه المسائل ولا يؤمن بها؛ وإنّما دعونا نستند إلى تجربة الشعب الإيراني.
حادثة لن تُنسى...
لقد وقعت في بلدنا حادثة في يوم 28 مرداد عام 1332 هـ. ش1، وهي من الحوادث التي علّمت الشعب الإيراني وصقلته، وهي تحول دون وقوعه في الخطأ والاشتباه. حيث اكتسب الشعب الإيراني في هذه الحادثة تجربة كبيرة، لا ينبغي نسيانها أبداً. ورغم أنّه قد مضى عليها نحو ستين عاماً، ولكن: أوّلاً تخلّلت هذه الأعوام الستين أحداثٌ مشابهة لها، وثانياً عندما تحمل الحادثة التاريخيّة الدروس في طيّاتها، فمضيّ الزمان لا يؤثّر عليها، ويجب استلهام الدروس منها.
وأما الحادثة فهي: أنّ حكومة مصدّق2 التي كانت استطاعت إخراج النفط الذي يمثّل ثروة وطنيّة للبلد من قبضة البريطانيين بمساعدة بعض الأشخاص من أمثال المرحوم آية الله السيد الكاشاني وغيره، قد ارتكبت خطأً تاريخياً وهو الاعتماد على أمريكا. حيث فكّرت بضرورة أن يكون لها في قبال عداء البريطانيين داعمٌ ومساندٌ في الساحة الدولية، وكانت أمريكا هي ذلك المساند بحسب رأيها، فاستندت إليها، وعقدت آمالها عليها، فاستغلّ الأمريكيون هذه النظرة المتفائلة والسطحيّة ودبّروا انقلاب الثامن والعشرين من مرداد. حيث جاء مسؤولٌ أمريكي معروف لدينا تماماً، وقد دُوّن اسمه في التاريخ، ودخل أراضي إيران، واستقرّ في السفارة البريطانية أو سفارة إحدى الدول الغربيّة أو لربما السفارة الكندية؛ جاء برفقة مجموعة من الأشخاص، ووظّف بعض العملاء والخونة في الداخل، وزّع الأموال التي كان قد جلبها معه، ودبّر انقلاب الثامن والعشرين من مرداد، وأهدر كل الجهود التي بذلها الشعب الإيراني خلال هذه السنتين أو الثلاث في تأميم النفط. واعتقلوا مصدّق، وزجّوه في السجن، وأعادوا محمد رضا بهلوي الذي كان فرّ من إيران، وأجلسوه على سدّة الحكم، وأصبح هذا الشعب خلال هذه الأعوام الخمسة والعشرين، من سنة 1953 وإلى 1979، تحت وطأة الحكومة البهلوية المفروضة والعميلة عرضةً لألوان الامتهان والضغوط والشدائد، وهذا ما قام به الأمريكيّون. فقد قبض المستشارون العسكريّون الأمريكيّون على جيشنا، وعمدت أياديهم الاقتصادية إلى تسيير عجلة سياساتهم الاقتصادية، وبالإضافة إلى هذه الممارسات العلنية والمنظورة، قاموا بأعمال غير منظورة؛ وباحثونا ــ للأسف ــ لم يصلوا إلى دراسة وتحليل هذه الخطوات والأعمال المخفيّة التي قاموا بها في إيران خلال هذه الأعوام الخمسة والعشرين للقضاء على ثروات الشعب الإيراني المعنويّة والإنسانيّة. وهذه مسائل جديرة بالبحث والمتابعة.
خمسة وعشرون عاماً من الكبت والضغط على الشعب الإيراني، وإهدار الطاقات والموارد البشرية لهذا البلد، ونهب موارده الطبيعية، وتشويه سمعة الشعب الإيراني بين الشعوب المسلمة في المنطقة؛ أعمالٌ قام بها الأمريكيون خلال هذه المدة. فكم مِن الناس قُتلوا، وزُجّوا في السجون، وكم عَذَّبوا وآذَوْا، وكم من سياسات خائنة مارسوها داخل البلد ضد الشعب الإيراني؛ كل ذلك قد تحقق في ظل الوجود الأمريكي، ووجود حكومة عميلة لأمريكا، وبسبب وثوق ذلك الشخص السطحي النظر بـأمريكا، واعتماده يومذاك عليها.
المواجهة بقيادة حكيمة
حسنٌ، تنقسم الشعوب في مواجهة الأحداث إلى فئتين؛ فئة تتلمّس الحادثة وتعيش الشدة والتعذيب، ولكن ليس بمقدورها أن تستخلص تحليلاً واستنتاجاً صائباً يدفعها للقيام بحركة مضادة؛ هذا حال بعض الشعوب. وأما الشعوب التي تتمتع بقيادات جديرة صالحة، فهي تتحمل الصعاب والشدائد، ولكنّها إلى جانب ذلك، تسعى لاكتساب الوعي والبصيرة لاجتراح الحلول وتعزيز المعتقدات الصحيحة والمنطقية؛ والشعب الإيراني يدخل في زمرة هذه الشعوب. فقد تفضلّ الله سبحانه وتعالى على هذا الشعب، ومنحه هبة كبرى تتمثّل بقيادة الإمام الخميني العظيم، الذي بثّ الوعي في الشعب، ومنحه البصيرة، وتحمّل الشدائد بنفسه، فدخل السجن ونُفي ولم يتخلّ عن نهضته، فعمّت حالة الوعي والبصيرة واتسعت شيئًا فشيئًا، حتى تحوّلت هذه النهضة في سنة 1978 و79 إلى حركة عامة في أوساط الشعب الإيراني. ولم تكن تستهدف هذه النهضة الجهاز الحاكم فحسب، وإنّما كانت تستهدف أمريكا أيضاً. لأنّ الشعب كان قد عرف وأدرك أن أمريكا هي التي تقف وراء الجرائم التي تُرتَكب بحقه وبحق البلد في الداخل. لقد قال إمامنا الخميني الجليل في بداية اندلاع النهضة الإسلامية عام 1963: إنّ الرئيس الأمريكي اليوم هو أكثر شخصية مكروهة في إيران3. حيث طرح هذا المفهوم على الرأي العام، وبيّن للناس أنّ أمريكا تقف وراء كل الشرور والمؤامرات. وبالتالي آتى هذا الجهاد ثماره.
أينما تحرّكت الشعوب وصمدت وصبرت واستقامت، لا محالة سيكون النصر حليفها؛ وهذا أمر يصدق في كلّ مكان. وأما إشكالية العمل الجهادي الذي يؤول إلى الهزيمة؛ فإنّ الشعوب إمّا أن تفقد تحمّلها وصبرها وتتخلّى عن ثباتها وصمودها، وإمّا أنّها تفتقد إلى القيادات القادرة على إدارتها بشكل صحيح. وهذا ما شاهدناه في زماننا خلال السنوات الأخيرة، حيث تحرّكت الشعوب وأظهرت عزيمتها وإرادتها وحقّقت بعض النتائج، ولكنّها كانت تفتقد إلى القيادات القادرة على إدارتها وقيادتها بشكل صحيح، والتي تشخّص لها الهدف، وترسم أمامها الطريق؛ ولهذا لحقت بها الهزيمة، وهذا ما شاهدتموه جميعاً في السنوات الأخيرة، ولا أريد أن أذكر اسم بلد ومكان معيّن.
أما الشعب الإيراني فقد سلك الطريق بشكل صحيح، وتحرك بنحو صائب، وأدى وجود قائد مقتدر بصير قاطع الرأي، يتوكّل على الله ويثق بوعده القائل: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ ىنْصُرْکُمْ﴾، إلى أن يبلغ الشعب الفتح والظفر، ويسقط الحكومة المفروضة العميلة للسلالة البهلوية والحكومة الملكية المشؤومة والمخزية ــ فالحكومة الملكية مدعاةٌ للخزي والعار لكل بلد في المنطق الإنساني الصحيح ــ وانتهى الأمر، وأمسك الناس بزمام الأمور.
أمريكا أوّل المعادين
وهنا تكمن النقطة الهامة، فإنّ أوّل حكومة وأول دولة شرعت بجدّ بمناهضة هذه الحركة الشعبيّة، هي الإدارة الأمريكيّة. وكانت هناك بالطبع دول أخرى، وهؤلاء كانوا غير راضين كثيرًا عمّا حصل في إيران، ولكن لم تظهر منهم ردود فعلٍ كبيرة، ولعلّ بعض البلدان كانت مستبشرة بذلك، بيد أنّ الإدارة الأمريكيّة لم تكتفِ بالاستياء القلبي، بل أصدر مجلس الشيوخ الأمريكي في الأشهر الأولى من انتصار الثورة قراراً شديد اللهجة ضد الجمهوريّة الإسلاميّة في إيران، وشرعوا بالعداء والخصام بصورة عمليّة، هذا في الوقت الذي كانت السفارة الأمريكيّة لا تزال موجودة في إيران! فأولئك الذين يزعمون أنّ توطيد العلاقات وصداقة أمريكا يصون المرء من الأذى الأمريكي، عليهم أن يراجعوا هذه التجربة التاريخية؛ فقد كانت السفارة الأمريكية لا تزال [مفتوحة] في إيران، وكان الأمريكيون يتردّدون في داخل البلد براحة ويسر، ولم تكن الثورة قد تسبّبت في إخراج الأمريكيّين من إيران، وكانت لهم كسائر الدول سفارتهم, ورجالهم يعيشون في هذا البلد، وإذا بالإدارة الأمريكيّة منذ ذلك الحين بدأت تُظهر عداءها للثورة. وبالإضافة إلى ذلك فقد استضافت محمد رضا بهلوي العدو المحتوم للشعب الإيراني، وحمته في بلدها، وفي الحقيقة فقد آوت عدو الشعب الإيراني. وبالتالي آلت هذه الممارسات إلى ردّ فعل الطلبة الجامعيّين، حيث اقتحموا السفارة الأمريكيّة، فتبيّن أنّ هذا المكان وكرٌ للتجسّس، واتّضح أنّ هذه السفارة على مدى الأشهر التي تلت انتصار الثورة الإسلاميّة كانت مركزاً للتآمر ضدّ الثورة، وهذا ما دلّت عليه وأثبتته الوثائق التي نشرت لاحقًا من داخل السفارة الأمريكيّة.
اعرفوا حقيقة أمريكا!
أيّها الشباب الأعزّاء! اقرأوا وثائق وكر التجسّس ففيها الدروس والعبر. فطلّاب الجامعات الذين احتلّوا السفارة وعرفوا أنّها وكرٌ للتجسّس، حصلوا على تلك الوثائق ونشروها بمشقّة كبيرة، حيث قاموا بإعادة إلصاق قطع الأوراق المقطّعة والمبعثرة التي حاول أولئك إتلافها، وقد نُشرت ضمن سبعين أو ثمانين كتاباً. وهي تدلّ على أنّ الأمريكيّين كانوا باستمرار يحوكون المؤامرات ضد الجمهوريّة الإسلاميّة، سواء في ذروة النهضة، أو في فترة انتصار الثورة وتشكيل الجمهوريّة الإسلاميّة؛ هذه هي حقيقة أمريكا. وهذه قضايا تتعلّق بما بعد الثورة.
[وأمّا] قبل الثورة وإبان النهضة الشعبية العارمة ــ مضافًا إلى أحداث السابع عشر من شهريور4، وإبادة الناس، وأمثال هذه الأحداث التي اقترفتها يد الحكومة العميلة لأمريكا، هي وقائع في محلّها ــ اجتمع الناس في الثامن من شهر بهمن5؛ أي قبل أيام من دخول الإمام الخميني إلى البلاد، في أحد شوارع طهران، وهو شارع "انقلاب" نفسه. يكتب الجنرال هايزر، الذي بُعث من قِبَل أمريكا إلى إيران لعلّه يحفظ النظام بطريقة ما وينقذه من قبضة الثورة، في مذكراته ــ وهذه وثائق تاريخية ــ ويقول: قلت للجنرال "قرة باغي" وجّهوا [فوَّهات] البنادق إلى الأسفل لمواجهة الناس؛ أي اقتلوا الناس، ولا تُطلقوا النار في الهواء عبثاً، بل أبيدوا الناس عن بكرة أبيهم. فعملوا بهذا الأمر، ووجهوا بنادقهم إلى الأسفل، وقتلوا عدداً من الشباب والناشئين، ولكن الناس لم تتراجع. يقول هايزر: جاءني بعد ذلك قرة باغي وقال لي: تدبيرك هذا لم يُجدِ نفعاً ولم يفرض التراجع على الناس. فقال هايزر: يا لقادة الشاه العسكريّين كم هم طفوليون! أي [معنى كلامه] لا بدّ لهم من الاستمرار في هذا العمل، وإبادة الناس بشكل متواصل. فانظروا إلى هذا النظام العميل، حيث يصدّر الجنرال الأمريكي أمراً للعقيد الإيراني بإبادة مواطنيه، والعقيد بدوره يأتمر بهذا الأمر ويلبّي هذا الطلب، وعندما يرى عمله عديم الفائدة، يرجع اليه ويقول: لا جدوى من هذا العمل. فيصف الجنرال الأمريكي هؤلاء بالأطفال قائلاً: إنّهم يحملون أفكاراً طفولية. هذه هي خلاصة الحكومة البهلوية في إيران.
تآمروا علينا بكل ما أوتوا من قوّة...
هكذا بدأ الأمريكيّون بممارساتهم ضدّنا ومواجهتهم للثورة الإسلامية، وقد واصلوا تآمرهم علينا طيلة هذه الفترة بكل ما أوتوا من قوة، ودعموا كلّ جماعة كان بإمكانها معاداة الثورة. ومن الأمثلة على ذلك تدبير الانقلاب المعروف بانقلاب "مقرّ الشهيد نوجة" في همدان، ومنها دعم الجماعات التي واجهت الثورة في شتى أنحاء البلاد انطلاقاً من النزعة القوميّة، ومنها تحريض صدام حسين للهجوم على إيران ودعمهم له طيلة الأعوام الثمانية من الحرب.. هي ثمانية أعوام! حيث أخذت المساعدات الأمريكيّة تتزايد، وتمّ تزويده بالمعدّات والتجهيزات على مدى سنوات الحرب ولا سيما بعد السنة الثانية والثالثة منها، وسايرهم في ذلك حلفاؤهم الأوروبيون للأسف.
هكذا تعامل الأمريكيون مع ثورتنا، فقد ركّزوا جهودهم على استئصال شأفة هذا النظام. ولكنهم أخطأوا في التحليل وفي فهم القضية، حيث زعموا أن بإمكانهم إسقاط هذه الثورة بالانقلاب كما هو حال البلد الفلاني الأفريقي أو الآسيوي، ولم يكونوا يعلمون: أولاً، أن هذه الثورة تعتمد على الناس وهي ثورة شعبية، وثانياً، تستند إلى المعتقدات الدينية. هذا ما لم يفهمه الأمريكيون، ولهذا نجدهم على مدى هذه الأعوام الستة والثلاثين أو السبعة والثلاثين قد لحقت بهم الهزيمة في كل حركة معادية للثورة، وستلحق الهزيمة بهم في المستقبل أيضاً إن شاء الله. وإن الهدف من هذا الكلام: أنّنا بصفتنا شعب إيران، وشعباً يحبّ بلده ويرسم لنفسه مستقبلاً يريد الوصول إليه، علينا أن نعرف أمريكا؛ هذا هو الهدف.
تزويق صورة أمريكا!!
من الأعمال الأخرى التي يقوم بها الأمريكيون في السنوات الأخيرة: تحريض البعض ودفعهم إلى تجميل الوجه الأمريكي وتزويقه، ليُظهروا القضية بهذه الصورة: أنّه إذا ما كان الأمريكيون أعداءَ الأمس، فاليوم أقلعوا عن العداء والخصام؛ هذا هو الهدف: إخفاء وجه العدو أمام الشعب الإيراني، ليغفل عن عداوة أمريكا له، ولكي يتسنّى لهذا العدو ممارسة عدائه وغرز خنجره من الخلف؛ هذا هو الهدف. وأخذ البعض عن سوء نية والبعض الآخر عن سذاجة يقوم بهذه العملية [تجميل الوجه الأمريكي]. والحقيقة أنّ أهداف أمريكا تجاه الجمهورية الإسلاميّة لم تتغيّر على الإطلاق. ولو كان بوسعهم اليوم القضاء على الجمهوريّة الإسلاميّة لما توانَوا لحظة واحدة، ولكنّهم لا يستطيعون ذلك، وبمشيئة الله وفي ظل هممكم وتقدمكم, أنتم الشباب, وتعميق البصيرة وتعزيزها في أبناء الشعب الإيراني، لن يستطيعوا القيام بهذا العمل في المستقبل أيضاً؛ إنّ جميع برامجهم مركّزة على هذه القضيّة. بالطبع في عالم السياسة والمفاوضات يتكلمون بنحو آخر؛ فحيثما يرون لزوماً لذلك يُبدون ليونة في الخطاب والتفاوض؛ إلا أنّ جوهر القضية هو هذا، هذا هو باطن القضية. هذا ما لا ينبغي على الشعب الإيراني نسيانه.
ويذرفون الدمع أمام الكاميرات...
ففي المفاوضات, يقدمون أنفسهم على أنهم معاضون للحرب ويذرفون الدموع أيضاً! يبكون! وهذا ما شاهدناه في هذه المفاوضات النووية نفسها. فالمفاوض الأمريكي راح يتحدّث عن معارضته للحرب منذ عهد شبابه وأخذ يذرف الدموع6. وقد تثير هذه الظاهرة استغراب [تعاطف] البعض عن بساطة وسذاجة، قائلين: حقاً إنّ هؤلاء أهل خير وصلاح، و«يا للبشرى فقد أصبحت القطة من العُبّاد»7. بيد أنّ هذا الشخص نفسه الذي يكره الحرب إلى حدّ أنه يذرف دموعه أمام عدسة الكاميرا عند استذكاره للحرب، هو نفسه لا يقطّب جبينا حتى حينما يشاهد مئات الأطفال في غزة تُقطّع أوصالهم إرباً إرباً، ويرى الصهاينة وبكل قسوة وشدة يتعاملون مع النساء والأطفال والصغار والكبار والشيوخ والشباب من دون رحمة! فلو كنتَ تكره الحرب إلى هذا المستوى، فاعترض على هذا العنصر الجلاد القصاب الخبيث الذي يبيد الناس والأطفال بهذه الطريقة، بكلمة واحدة واعبس في وجهه! ولكنّهم لا يعبسون، بل ويشجّعون! ففي ذلك الوقت الذي كانوا يشنّون على غزة تلك الهجمات، واليوم أيضاً يُبيدون الناس في الضفة الغربية وفي غزة بطريقة أخرى، أعلن كبار قادة أمريكا مرات ومرات بأنّ لـ"إسرائيل" حق الدفاع عن نفسها، وهذا يعني أنّ الشعب الفلسطيني لا يملك حق الدفاع عن نفسه، فإن أبادوا مزرعته، وقتلوا شبابه، وأحرقوا داره، وأضرموا النار في طفله الرضيع مع أبويه، لا يحقّ له أن يُبدي أي ردّ فعل. واليوم أيضاً يحرّضون الكيان الصهيوني ويدعمونه ويقدّمون له المساعدات. إضافة إلى ذلك: يقبع الشعب اليمني منذ أشهر تحت القصف المكثّف، تُهدَم مستشفياته وبيوته، وتُدمَّر بناه التحتيّة، ويُباد أهله بواسطة الطائرات المعتدية، والأمريكيّون لا يتفوّهون بكلمة، ولا يرفّ لهم جفن، بل ويدعمونهم! هذه هي حقيقة أمريكا.. فهل بالإمكان اعتبار البكاء أمام عدسة الكاميرا عملاً صادقاً؟ وهل يصدّق ذلك أحدٌ؟
لا يحق للشعب التغاضي عن...!
لقد شخّص الشعب الإيراني طريقه؛ الشعوب والحكومات التي لا شأن لها به ولا تسيء إليه، لا يتعرّض لها وهذا ما تشاهدونه. فهناك دول ــ ولا أتحدّث عن الشعوب ــ ليس لها علاقات ودّية مع الجمهورية الإسلامية، وهذا ما نعرفه ومشهود لدينا تماماً، غير أنّها لا تعتدي علينا، ونحن أيضاً لا شأن لنا بها، بل لنا معها علاقاتنا وتجارتنا ومفاوضاتنا. وأما الدولة التي تعتدي علينا، وتتمسّك بأي ذريعة للقضاء على الشعب الإيراني والجمهورية الإسلامية وسحق المبادئ الإسلامية، فلا يمكن للشعب الإيراني أن يغض الطرف عنها، وليس يحق له من الناحية العقلية والشرعية والوجدانية والإنسانية أن يقف أمام هذا العدو مكتوف الأيدي، وأن ينظر إليه نظرة صديق مادّاً إليه يد الصداقة، فهذا أمرٌ غير ممكن. حال الأمريكيّين هكذا، فإنّهم يسعون بكل ما أوتوا من قوة لردع الجمهورية الإسلامية عن النهج الذي تنتهجه، ويستخدمون في ذلك شتى الأساليب والوسائل الإعلامية، وهم اليوم ناشطون تماماً.
ذكرتُ أنّ خطأهم الأول في أوائل الثورة أنّهم لم يفهموا الدافع والسبب لكل تلك التضحيات التي يقدّمها الناس في الساحة؛ أما اليوم فقد باتوا شيئاً فشيئاً يفهمون ذلك، هم عرفوا أنّ ذلك متصل بإيمان وقناعات الناس والشباب ومعتقداتهم، وممّا استلهموه من التعاليم الدينيّة والقرآنيّة، ولهذا جعلوهم عرضة لهجومهم، وقد ركزوا اليوم حملتهم على معتقدات الناس وقناعاتهم بشتّى الأساليب والوسائل الحديثة التي لم تكن متوافرة لديهم آنذاك، وهذا ما يجب على الشباب التنبّه له. وعلى الشباب أولاً أن يزيدوا من قراءتهم لتاريخ نهضة الشعب الإيراني ويتعرفوا أكثر الى جهاده ونضاله، وعلى أهل الخطابة والكلام أن يبيّنوا لشبابنا اليوم ما الذي جرى على الشعب الإيراني في فترة النضال والكفاح؟ ومن الذي وقف في مواجهة شعب إيران؟ ومن الذي أنشأ السافاك وعلّمه أساليب التعذيب؟ ومن الذي كان يُشرف على تعذيب العناصر المؤمنة والموالية داخل البلد؟ هذه مسائل يجب على الشباب معرفتها والوقوف عندها.
جامعاتنا اليوم سلّمٌ للرقي
ولحسن الحظ فقد صحا الشعب الإيراني، ونحمد الله على أنّ الشعب في يقظة، والجامعة في يقظة، والطالب الجامعي في يقظة. وثمة جهود حثيثة لإعادة الأوضاع إلى مسارها السابق ولكنّها لا ولن تُثمر. فإنّ الطالب الجامعي يتحلّى باليقظة، وتلميذ المدرسة كذلك. ولا يتسنّى لهذه المسائل الـمُلهية وهذه المظاهر البراقة المصطنعة أن تغيّر أساس معتقدات الشعب الإيراني، فإنّه يعلم ماذا يفعل وإلى أين يتّجه.
لقد كانت الجامعات ذات يوم بمنزلة قنطرة للعبور إلى الغرب، يدخل الشاب إليها أملاً بالانخراط بعدها في أحضان الغرب، أو من كان منهم ذا موهبة وكان وجوده مثمراً يصبح محطّ استقطاب الغربيّين ويعمل لخدمتهم، ويصبح البعض هنا وسيطاً ومروّجاً للملذّات الدنيوية أو غارقاً فيها. والجامعات اليوم لا تسير بهذا الاتجاه، وإنّما هي سلّم للرقي إلى الـمُثُل العليا، ويحاول البعض تحطيم هذا السلّم، وإعادة وضع تلك القنطرة المؤدّية إلى الغرب، وإعادة جامعاتنا إلى عهدها السابق. فعلى شبابنا التحلّي بالوعي واليقظة وهم يَقِظون والحمد لله.
إنّ الجمهوريّة الإسلاميّة وببركة التمسّك بالإسلام والاعتماد على الشعب، وبفضل ما يتّسم به أبناء شعبنا من وعي وبصيرة، ليست مستقرّة وصامدة وحسب، بل تطوّرت وتقدّمت إلى الأمام. فإنّ تقدّم الشعب الإيراني هو الذي أرغم القوى المتشدّقة في المفاوضات النووية أن تتكاتف وتقف أمام شعب إيران وتقوم بحركاتها العدائية، لعلّها تتمكّن من إركاع الشعب الإيراني. هذا هو الاقتدار الذي يتمتّع به هذا الشعب.
نقاط ضعف يجب إزالتها!
إنّ تأكيدنا على عداء العدو الخارجي لا يعني إغماض العين على حالات ضعفنا الداخلية. وأقولها لكم أيّها الشباب الأعزاء: إنّنا نعاني من ضعف داخلي؛ وقد استفاد العدو في حالات كثيرة من مواضع ضعفنا. ويجب أن نرفع هذا الضعف. فلدينا ضعف في رسم السياسات وفي التنفيذ وفي بذل الجهود، وأحياناً نُبتلى بالتقاعس والتكاسل في حركتنا، ونعاني كذلك من ضعف في تحديد أولويات البلد، وفي بعض الأوقات تدخل مجموعات داخلية في سجالات على مسائل جزئية وقضايا غير ضرورية، وبذلك نغفل عن العدو؛ هذه هي نقاط ضعفنا التي يجب علينا إزالتها. غير أنّ وجود العدو ــ العدو اليقظ والذي يصرف الأموال، والذي لا يرتدع عن ارتكاب أي جريمة ما استطاع الى ذلك سبيلاً ــ، ليس بالأمر الذي يجوز التغافل عنه. فإنّ البعض وبذريعة هذه المسائل الجزئية الداخليّة يغفلون عن العدو الخارجي وينسون أمريكا. وإنّ ما دفع بالإمام الخميني (رضوان الله عليه) أن يكرّر قائلاً: صبّوا كل هتافاتكم ضد أمريكا، هو أن تقلّلوا من هتافاتكم [اختلافاتكم] بعضكم ضد بعض. ولا أقول لكم اتركوا الانتقاد؛ كلا، فإنّ المجتمع مجتمع حرّ، ويحمل أفكاراً حرّة، ويحق له الانتقاد، وهذا مدعاة للتقدّم، ولكن لا ينبغي أن نخلط بين العدوّ الرئيسي والعدو من الدرجة الثانية والصديق الذي ليس بعدو، وإنّما نختلف معه في وجهات النظر، فإنّ العدو الرئيسي يقبع في مكان آخر، ذلك العدو الذي يحاول أن ينتزع من الشعب الإيراني إنجازه العظيم المتمثّل في حضور الشعب، والسيادة الوطنية، ونفوذ التعاليم القرآنيّة والإسلاميّة بين الناس، هذا هو ذلك الإنجاز العظيم الذي يحقّق لنا التقدّم، وقد قطعنا حتى يومنا هذا أشواطاً كبيرة في المسيرة التقدمية، وهو الذي سيوصلنا بعد ذلك إلى أهدافنا. هذا ما يريدون انتزاعه من أيدي الناس، ويسعون إلى إحلال حكومة جائرة، عميلة، مفتونة بالغرب ومستسلمة له ومنبهرة به؛ هذا هدفهم. وعلينا أن لا نتغافل عن هذا الأمر وأن نراقب هذا العدو.
وصايا إلى الشباب...
توصيتي إلى الشباب، هي: أولاً، أن يتابع طلاب الجامعات وطلاب المدارس دراستهم جيداً. فإنّ العلم باعث على الاقتدار، وإنّ العلم والمعرفة من أهم مكوّنات الاقتدار الوطني، فعليهم أن يواصلوا دراساتهم العلمية، وأن يرجّحوا الأهداف العامة على الرغبات الشخصيّة، وأن يزيدوا من بصيرتهم يوماً بعد آخر تجاه الأوضاع الراهنة والحقبة التاريخية القريبة، وأن يتمكّنوا من مراقبة المشهد الذي يجري في العالم المعاصر.
فإنّ المشهد الكبير الذي يجري في العالم اليوم هو: وقوف القوى المستكبرة في جانب، بقدراتها المادية، وبالإرهاب الذي تمارسه، وبالهيبة التي تُظهرها، محاولة إخضاع الآخرين لها؛ هذا من جانب، وهناك بعض البلدان الضعيفة التي لا تملك الجرأة على البروز والظهور، ويوجد بين هذه البلدان بلد يصدح بصوت عال بإدانة هذا الوضع، وهو الجمهورية الإسلامية. فإنّها اليوم وبصوت عال ومن دون خوف من العدو ومن تهديده، تصرخ بوجه الظلم ونظام الهيمنة والاستثمار والاستعمار، وهذا ما باتت تسمعه الشعوب وتتأثّر به. وأقولها لكم بأنّ الشعوب قد تأثّرت بحركة الشعب الإيراني، وهذا مشهود في العالم، ولا سيما في العالم الإسلامي، فإنّهم يكنّون للشعب الإيراني ولأعلام الثورة ولإمامنا الخميني الجليل من الاحترام والتكريم ما لا يكنّونه لأي شخص آخر، والسبب في ذلك يعود إلى أنّ هذا الصوت البليغ المرتفع يصل إلى مسامعهم، فلا تفقدوا هذا الصوت البليغ8. واعلموا أنّ شعاركم هذا «الموت لأمريكا»، والهتاف الذي يطلقه الشعب الإيراني، يرتكز على ركيزة ودعامة منطقيّة وعقلانيّة رصينة، ومن الواضح أنّه ليس المراد من «الموت لأمريكا» الموت للشعب الأمريكي، فإنّ الشعب الأمريكي حاله حال سائر الشعوب، وإنّما يعني الموت للسياسات الأمريكيّة، والموت للاستكبار؛ هذا معناه. وهو يستند إلى مستند وخلفية عقلانية، وينطق به دستورنا وتنطق به أفكارنا الأساسيّة والمنطقيّة والعميقة، وينشدّ إليه ويتقبّله كل شعب نوضّح له هذا المعنى.
المستقبل لكم!
نحمد الله على أنّ الجمهورية الإسلاميّة قد شقّت طريقها إلى الأمام وباتت تمضي قُدماً. ولا يساورني أي تردّد بأنّكم أنتم الشباب الأعزاء سوف تشهدون الأيام التي قد تحقّقت فيها الكثير من هذه الأهداف السامية التي رسمتها الجمهورية الإسلامية في هذا البلد، ولا أشك أنّ المستقبل سوف يسير في هذا الاتجاه، وسوف تتمكّنون ــ إن شاء الله ــ من بناء بلدكم، وسوف تستطيعون أن تكونوا ملهمين لسائر الشعوب، وسوف يتسنّى لكم ــ بتوفيق من الله ــ الإطاحة بالجبابرة الذين يثيرون الرعب في نفوس الشعوب، وتحرير الشعوب من نير الخوف والرعب منهم إن شاء الله؛ هذا مستقبل سوف تشهدونه أنتم الشباب بتوفيق من الله بالتأكيد، شريطة أن تواصلوا طريقكم، وأن تتحرّكوا بإيمان وأمل، وأن لا تفقدوا بصيرتكم، وأن تأخذوا الموازين والمعايير الرئيسية بعين الاعتبار في كل قضايا البلد المختلفة ــ وهي قضايا كثيرة سنتناول الحديث عنها في المستقبل ــ فإن هذا الذي سيؤدي إلى أن تقطعوا خطواتكم في هذا المسير بشكل صحيح.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يحشر شهداءنا الأعزاء مع النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، وأن يحشر إمامنا الخميني العظيم مع أوليائه، وأن يمنّ على شبابنا الأعزاء يوماً بعد يوم بمزيد من التوفيق والنجاح للسير نحو الأهداف العليا.
والسلام عليکم ورحمة الله وبرکاته
1- 19/8/1953م
2- رئيس وزراء إيران في ذلك الحين
3- صحيفة الإمام، ج1، ص42، كلمته في حشد من جماهير الشعب.
4- 8/9/1978
5- 28 كانون الثاني
6- وزير الخارجية الأمريكي [جان كيري]
7- شعر فارسي - ضحك الحضور.
8- تتعالى هتافات مدوية: الموت لأمريكا