كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في أعضاء مجلس الشورى الإسلامي_27-05-2015
بسم الله الرحمن الرحيم1
والحمد لله ربّ العالمين وصلّي الله علي محمد وآله الطاهرين.
أرحب بالإخوة والأخوات الأعزاء، وأبارك لهم جميعاً الأيام الشعبانية المباركة وعموم هذا الشهر الذي هو شهر الذكر والعبادة والتوجه والخشوع.
أشهرٌ؛ فرصٌ للمسؤولين..
تعتبر هذه الفرص - فرصة شهر شعبان وشهر رمضان وشهر رجب - فرصٌ مغتنمة، سيما بالنسبة لنا ولكم نحن المسؤولين.
إن الجوهر الأساس للمجتمع الإسلامي في النظام الإسلامي عبارة عن التعبّد والإيمان والعمل الصالح لأبناء الشعب، كما لاحظتم في الآيات التي تلاها علينا مقرئنا البارع2، هذا هو أساس القضية، فإن الأمر الذي يجعل ملائكة الله تخاطب الناس قائلة: ﴿نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [فصلت؛ 31]، نحن نآزركم ونعاضدكم في الدنيا والآخرة، وهو أمرٌ بالغ الأهمية، هو: الإيمان والعبودية والعمل الصالح لدى أفراد الشعب، غير أن المسؤولين قد خوطبوا بهذا الخطاب بصورة مضاعفة، كلما ثقلت المسؤولية، يزداد الخطاب للمسؤولين شدة وصعوبة وثُقلا. وهذا ما ينبغي علينا إيجاده في نفوسنا. فإن نيابة المجلس، والمسؤولية في الحكومة وفي القوات المسلحة وفي السلطة القضائية، [تضع على عواتقنا مسؤوليات وواجبات] وأول هذه الواجبات هو تمتين العلاقة والاتصال بالله تعالى، والمزيد من الإخلاص في العبودية وعلى نحو أفضل، وهذا ما ينبغي عدم الغفلة عنه.
واجبنا الإلهي
أجل، عندما يتم تكليفنا بمسؤولية، فإن مجال واجبنا الأساس هو العمل ضمن إطار هذه المسؤولية، وعلينا في هذا المجال المثابرة ومتابعة الأمور. لكن مر الأمر الهام الذي لا بد لنا منه ويجب ان يكون نصب أعيننا، قبل [تحملنا] للمسؤولية وأثناءها وفي نهايتها، هو "ماذا نفعل لنكون قد عملِنا بواجبنا الإلهي؟" وهذا ما يضمن لنا عبوديتنا وإخلاصنا وأفعالنا وأعمالنا الصالحة. هذا هو الواجب الذي لا بد أن يوليه المسؤولون اهتماماً بالغاً.
أدعية تعلمنا..
حسنٌ، هذه الأشهر هي فرصة كبيرة، شهر شعبان وشهر رمضان من الفرص الكبرى، إنّ الأدعية الواردة في هذه الأشهر تفتح الطريق أمامنا. إذ لو أردنا، أنا وأنتم، أن نتكلم مع الله ونطالبه بشيء ونسأله أمراً لما أجدنا ذلك حقاً بصورة صحيحة. غير أن هذه الأدعية تعلّمنا ماذا نطلب من الله تعالى وكيف نتحدث إليه بأبلغ بيان وأسلوب. إن هذه المناجاة الشعبانية الشريفة والفقرات المودعة فيها، من البداية إلى النهاية، تمثلُ كل واحدة منها بحراً من المعرفة؛ بالإضافة إلى أنها تعلّمنا كيفية التحدث إلى الله والطلب منه؛ "إِلهي هَب لي قَلبًا يدنيهِ مِنك شَوقُهُ وَلِسانًا يرفَعُ إِلَيك صِدقُهُ وَنَظَرًا يقَرِّبُهُ مِنك حَقُّه"3. لاحظوا هذه النقاط الأساسية الثلاث التي جُمعت في فقرة قصيرة من الدعاء.
"إِلهي هَب لي قَلبًا يدنيهِ مِنك شَوقُهُ"، أعطني قلبًا يقربه الشوق منك، شوقٌ لا بد من إيجاده في القلب. إن تلوثنا بالماديات والذنوب وبحالات الحرص والطمع المتعددة، تُميتُ هذا الشوق في القلب؛ في المقابل فإن أنسنا بالقرآن والدعاء والنوافل وتأدية الفرائض بشكل صحيح، يثير هذا الشوق ويُشعله في القلب، "يدنيهِ مِنك شَوقُهُ"، عندها يقوم هذا الشوق بتقريب القلب إلى الله.
"وَلِسانًا يرفَعُ إِلَيك صِدقُهُ"، اللسان الصادق والكلام بصدق ومصداقية يصعد إلى الله؛ ﴿إِلَيهِ يصعَدُ الکلِمُ الطَّيبُ وَالعَمَلُ الصالِحُ يرفَعُه﴾ [فاطر؛10]. فالكلام السليم والصحيح والقول الصادق والحديث الودي الذي لا تشوبه شوائب المادة والأنانية وعبادة الهوى، يصعد إلى الله.
"وَنَظَرًا يقَرِّبُهُ مِنك حَقُّه"، النظرة الحقة والحقيقية والواقعية للمسائل، لا النظرة الانحيازية والشهوانية والنفعية. فلننظر إلى القضايا من منظار الحق ومناصرة الحق واتباع الحق، عندها سيقترب القلب من الله. انظروا كيف تعلّمنا هذه المناجاة أسلوب الحديث مع الله والطلب منه.
المسؤولية ثقيلة، ويتطلّب تحمّلنا وقيامنا بها تمتين هذه العلاقة، وتعزيز هذا الارتباط، وصيانة هذا التواصل يوماً بعد آخر. وهذا هو الهدف من الذكر الدائم، ولهذا كان أداء الصلاة في كل يوم وبصورة دائمة ومستمرة لئلا نُصابَ بالغفلة. فإن من أكبر النعم الإلهية هي فرض الصلاة علينا. ولو لم تكن الصلاة واجبة علينا لغرقنا في الغفلة، إذ أننا نذكر الله صباحاً حين نستيقظ من النوم، ونذكر الله ظهراً في خضمّ مشاغل الحياة والمعيشة، ونذكر الله ليلاً في نهاية يوم زاخر بالجهد والعمل.
(ترجمة شعر )بِذكر وجهكَ آويتُ إلى فراشي
وأملاً بلقائك نهضتُ من فراشي4
هذا هو البرنامج الذي رُسم لنا، فهل نقوم به ؟ فإن عملنا به سنكون واثقين من استجابة هذا الدعاء "أخرجني من الدنيا سالماً"5، وسنطمئن بخروجنا من هذه الدار بسلام. وقد ورد في الصحيفة السجادية: "اللّهمَّ... أَمِتنا مُهتَدينَ غَيرَ ضالّينَ، طائِعينَ غَيرَ مُستَکرِهينَ، تائِبينَ غَيرَ عاصينَ وَلا مُصِرّين"6، أمتنا ونحن على هدى.. أمتنا ونحن مقبلون على ذلك العالم بطوع ورغبة. الكفار والفساق ليسوا على هذه الحالة، حيث تقف الملائكة فوق رؤوسهم قائلين لهم بشدة وغضب: ﴿أَخرِجوا أَنفُسَکم﴾ [الأنعام؛ 93]. وأما المؤمنون فقد استقر بالهم وهم يُغمضون أعينهم عن الدنيا الفانية والزائلة بطوع ورغبة، ويفتحونها على النعم المدهشة التي تُنسيهم دار الدنيا. فإنكم إذا عزمتم على رحلة طيبة، قد يُقلقكم عند موقف السيارات ابنكم أو أخيكم الذي ابتعد عنكم، ولكن بمواصلة السفر ومشاهدة المناظر الخلابة والحياة الجميلة والمتنوعة، يزول عنكم هذا القلق. فإن واجهتم في ذلك العالم رضا الله ورضوانه وجزائه، - ﴿نُزُلاً مِن غَفورٍ رَحيم﴾ [فصلت؛ آية 32]، الآية التي تُليت اليوم – وشاهد الإنسان ذلك، ستمحى من ذاكرتنا كل تلك الأمور الموقتة في دار الدنيا، وكل تعلقاتنا التي كنا نرهق أنفسنا من أجل اكتسابها وسننساها كلها؛ هكذا يجب أن يخرج الإنسان من الدنيا. هذ هو واجبنا. وبالتأكيد فإن هذا الكلام في الدرجة الأولى موجّه لهذا العبد الحقير، لأن مسؤوليتي أكبر منكم، ومشاكلي أكثر منكم، ولكن علينا جميعاً أن ننتبه إلى هذه الأمور ونهتم بها. هذه هي النقطة الأولى التي وددت ذكرها.
اغتنموا الفرصة؛ السؤال الكبير
حسنٌ لقد مضت ثلاثة أعوام على فترة هذه المسؤولية وعلى الفرصة المتاحة لكم، وهذا هو اللقاء الأخير لهذا العبد الحقير معكم أنتم أعضاء المجلس الحالي - اللقاء الرابع والأخير - وهذا يعني أن الوقت والفرصة المؤاتية للخدمة لا تتجاوز السنة، وها هي فرصة الأعوام الثلاث قد انقضت، وبدأت فترة الجواب وتقديم الحساب. فإنه إذا عُهدت للإنسان مسؤولية وفرغ وخرج منها، عليه أن يقول بعدها ماذا فعل؟ هكذا هي المسؤولية الكبيرة. والسؤال ليس سؤال من قبل الناس، لأن الإنسان يمكنه الإجابة عليه بنحو من الأنحاء؛ بل سؤال الملأ الأعلى، وسؤال من ﴿لا يعزُبُ عَنهُ مِثقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ ولا فِي الأَرض﴾ [سبأ؛ قسم من آية 3]، وسؤال من هو حاكم على قلوبنا، وعالم بنوايانا فضلاً عن أعمالنا، ولا بد أن يعدّ المرء نفسه وأن نعدّ أنفسنا للإجابة، وأن نبذل جهدنا في ذلك. علماً بأن الله سبحانه وتعالى ﴿غَفورٌ رَحيم﴾[بقرة؛ قسم من آية 218]، غير أن مغفرته ورحمته بعيدة جداً عن أهل الكسل والإهمال واللامبالاة، وقريبة ممن يسعى ويبذل جهده.
(ترجمة شعر ) أن أسير إلى المقصد خير من أن أجلس عاطلاً
فإن لم أُحقّق المطلوب فقد بذلت قصارى جهدي7
اغتنموا هذه السنة المتبقية من هذه الفرصة، إذ أنكم لا تعلمون ولا نعلم أنّ هذه الفرص هل ستتاح لي ولكم ثانية أم لا؟ فلنغتنم هذه السنة التي تمثل لنا فرصة – بحسب الظاهر هي فرصة؛ الأجل بيد الله – ولنبذل سعينا وجهدنا وجدّنا، بنفس تلك المعايير والموازين، وهي ميزان مراعاة الحق الإلهي، واللسان الصادق، والرؤية الحقة، والقلب المشتاق. فلنتحرك وفق هذه هي الموازين.
فلتتلمّس الناس أعمالكم!
بحمدالله،لقد تم خلال هذه الأعوام الثلاثة القيام بالعديد من الاعمال الجيدة، والتي ذكرها رئيس المجلس المحترم خلال تقريره الذي عرضه في كلمته اليوم، وكنت قد شاهدت التقرير المدوّن في هذا الشأن، حيث تم إنجاز أعمال هامة مقرونة إن شاء الله بنية صادقة وصالحة ونية التقرب إلى الله، وهي دون شك مرضية عند الله سبحانه وتعالى. وكلنا أمل إن شاء الله أن تكون الأعمال التي أنجزتموها، والقرارات التي اتخذتموها والمعاهدات التي وقّعتموها والقوانين التي وضعتموها لصالح الشعب والبلد والإسلام والمسلمين، وأن تكون قوانين ثابتة قوية، وأن يتم تنفيذها، وأن تترك أثرها في المجتمع، وأن يلمس الناس آثار عملكم إن شاء الله. فإن هذا هو الأمل الذي نحمله.
وصايا؛..
هذه هي النقاط الرئيسية التي وددت أن أعرضها عليكم، وفي الحقيقة فقد نصحت نفسي بلسان نصيحتكم، عسى أن تتأثر قلوبنا بهذه الكلمات إن شاء الله، وأن نوفق للعمل بواجباتنا. وهناك وصايا عدة أطرحها عليكم:
1- نحو السلوك؛ الحق المعيار..
الوصية الأولى تتعلق بطريقة سلوك الأصدقاء من السادة والسيدات في هذه السنة الأخيرة؛ فاحذروا من أن يؤثر عامل الانتخابات القادمة في آخر هذه السنة على اسلوب عملكم وإنجاز مهامكم خلال هذه السنة، وهذا أمرٌ بالغ الأهمية. فلا تكونن أعمالكم وأقوالكم وموافقتكم ومخالفتكم وخطابكم تحت تأثير الانتخابات التي تُجرى في آخر السنة، بل افترضوا عدم وجود مثل هذه الانتخابات، واجعلوا الحق معياراً لكم في هذه السنة المتبقية. هذه هي النقطة الأولى.
2- الخطة السادسة
والوصية الثانية ترتبط بالخطة السادسة8، فلابد من إيلاء بالغ الاهتمام والتدقيق بهذه الخطة التي تمر سياساتها في المراحل النهائية وسيتم إبلاغها قريباً إلى الأجهزة المختلفة إن شاء الله. السنة الأخيرة من المسؤولية غالباً ما تبتلى بآفة الملل والتبرم – وهذا لا يختص بكم بل يشمل الحكومة أيضاً – حيث يصاب المرء في آخر عمله بحالة من الفتور والملل، فلا ينبغي أن تطال هذه الآفة الخطة السادسة، لأنها خطة مهمة، وأنتم تشرّعون القوانين فيها لخمس سنوات قادمة في البلد، وقد تكونون حينها نوابا أو لا تكونون، غير أن قانونكم سيكون باقياً، والحكومات مكلّفة باتباع هذا القانون، وحياة الناس تتأثر به. فاعمدوا إلى تدوين هذا القانون بهذه النظرة في جميع القطاعات: القطاعات الاقتصادية والثقافية والخدماتية والصحية والعلاجية والدفاعية والأمنية وأمثالها، ولا يستولي عليكم الضجر والملل في تدوين قوانين الخطة السادسة.
3- التعامل مع السلطات الأخرى
والوصية الأخرى هي قضية التعامل مع السلطات الاخرى ولاسيما مع الحكومة التي تتولى مسؤولية ودور من يقف وسط الحلبة، والذين يعرفون الرياضة التراثية (الفتوة) يجب أن ينتبهوا بدقة إلى ما نقول، حسن،الجميع يمارسون الرياضة ويشاركون في اللعبة، لكن أنظارهم متجهة نحو من يقف في وسط الحلبة. فإذا كان أداء الحكومة قوياً وجيداً وناجحاً، ستتحرك سائر الأجهزة –بشكل إختاري او عفوي - في المسار الصحيح بصورة تلقائية. هذا هو وضع وموقع الحكومة. ومن هنا فإن التعامل الإيجابي مع الحكومة باعتقادنا هو أمرٌ ضروري، بل مع جميع السلطات و الأجهزة المختلفة في البلد، سيما مع السلطة التنفيذية ومع الحكومة، فإن هذا التعامل يجسّد حقيقة ما ذكرناه في بداية السنة لجميع أبناء الشعب ولكم من اسم "عام وحدة القلب واللسان ". علماً بأن هذه الوصية لا تختص بكم، بل أوصي الحكومة ورئيس الجمهورية المحترم والوزراء بها أيضاً، لكن هذا التعامل الإيجابي واجب و ضروري لكم بالتأكيد.
حسنٌ،إن أردنا تحقيق هذا النوع التعامل والعلاقة فإن هذا الامر يستلزم مراعاة بعض النقاط التي أطرحها عليكم:
النقطة الأولى هي أن هذا التعامل مرهون بحُسن الظن، ولو ساد سوء الظن فيما بين الطرفين لما تحقق التعامل المطلوب. فلو أراد شخصان أن يتعاونا فيما بينهما، وبنى أحدهما هذا التعاون من البداية على أساس أن الطرف الآخر يريد طعنه من الخلف، لا يمكنهما الاستمرار، فإن التعامل القائم على أساس سوء الظن تعامل غير ممكن وغير مثمر. يجب أن يترافق مع حسن الظن، ومن دونه يتعذر تحققه. علماً بأن حسن الظن لا يعني سرعة التصديق والانخداع، بل لابد أن نتوخى الحيطة والحذر، وهذا هو واجب في عنق الإنسان باستمرار وفي كل مكان وفي كل شيء. فإني لا أوصي أحداً بسرعة التصديق والسذاجة مثلا، لكن لا ينبغي في الوقت ذاته قيام العمل على أساس سوء الظن. فلا يمكننا أن نتهم الطرف الآخر منذ البداية بالمخالفة أو المساومة أو الخيانة أو سوء الأداء أو الاستغلال الشخصي، لا يمكن انجاح التعامل من خلال هذه النظرة، بل لابد أن تكون النظرة إيجابية. هذه هي النقطة الأولى في باب التعامل.
والنقطة التالية هي أن لا يكون التعامل بمعنى الابتزاز، والحدّ الفاصل بينهما حدّ ضيق. وتعلمون أني كنت نائباً في المجلس أيضاً وأحمل تجربتكم نفسها، وكنت في الحكومة أيضا وأحمل تجربتهم، والتعامل الذي نتحدث عنه، لا يعني أن يجري بين النائب والوزير نوع من الابتزاز، فلا يقول أحدهما للآخر مثلاً: "اتركني لأتركك"9، ولا ينبغي أن تسود هذه الأوضاع، بل على كلا الطرفين - النائب والوزير - أن ينظرا إلى الوظيفة القانونية وإلى مصالح البلد وإلى أنهما في محضر الله، فلابد أن يكون التعامل مبنيّاً على هذا الأساس. وهذه نقطة أخرى، فلا ينبغي الخلط بين التعامل وبين الابتزاز.
والنقطة التي تليها في باب التعامل هي تجنّب الإساءة للوزراء وإهانتهم في المجلس ولا سيما في اللجان النيابية. فإن بعض الوزراء المحترمين يشتكون إليّ بأننا حين نذهب إلى اللجان يواجهوننا بلهجة مهينة!. وإني أعتقد بالطبع أن الجميع إخوة، فلا ينبغي من ذلك الجانب أن تسود النظرة السلطوية بأن نقول إننا أعضاء الحكومة ولنا مكانتنا وعلى الجميع أن يخضع ويخشع أمامنا، وهذا مرفوض بالتأكيد، ولكن في المقابل أيضاً لا ينبغي أن تسود نظرة التحقير والإهانة وأنّ "أمرك بيدي" وإني "أُذيقك الأمرّين"، فإن هذه النظرة أيضاً خاطئة، ولا بد أن يقوم التعامل على أساس الاحترام والأدب، والأدب ضروري في جميع المراحل. وهذه أيضاً نقطة أخرى. إذن فالوصية الثالثة تختص بمسألة التعامل.
4- الاقتصاد المقاوم
والوصية الرابعة هي قضية الاقتصاد المقاوم الهامة. ولحسن الحظ يوجد هناك وحدة في اللسان والبيان على قضية الاقتصاد المقاوم في البلد، غير أن المشكلة تكمن في اتحاد القلوب، إن وجود وحدة اللسان واللغة المشتركة وفقدان وحدة القلوب مسألة تثير القلق.
(ترجمة شعر ) ربّ هندي وتركي متحدان
وربّ تركيين متباعدان
إنّ لغة القلوب هي لغة أخرى
وحدة القلب خيرٌ من وحدة اللسان10
فإن وحدة اللسان متوفرة ولكن لابد من توحيد القلوب أيضاً؛ أي لابد من الإيمان بقضية الاقتصاد المقاوم بكل قوة. فلنؤمن بأن مفتاح حلّ مشاكل البلد يكمن في الداخل، وعموده الفقري هو تعزيز الإنتاج المحلي. والخطوة التي بادرتم إليها من وضع قانون رفع موانع الإنتاج11 لهي خطوة جيدة، وسمعتُ - كما أفاد التقرير الذي بلغني - بأن عملكم هذا مبني على دراسة علمية جيدة، لابد من متابعة هذه الأمور، وعلى الجميع أن يؤمنوا بهذه القضية.
إني أعتقد بأننا لو استطعنا تعزيز الإنتاج في الداخل وتوظيف الطاقات الذاتية بكل ما للكلمة من معنى، لسهلت معالجة القضايا الخارجية، وتيسّر حلّ الملف النووي.
حسنٌ، لقد أضحى هذا الملف معقداً، هناك طرقٌ لمعالجته وهي مرهونة بتعزيز قوتنا الذاتية الداخلية، فلو تم إرساء الدعائم الداخلية لتيسّرت معالجة تلك القضية. بالإضافة القضية النووية هناك مسلسلات أخرى بانتظارنا! فإن قضايانا مع الغرب ومع أمريكا ومع الصهيونية ومع مستبدي الاقتصاد في العالم لا تتلخص في القضية النووية، وهذه ليست قضيتنا الوحيدة، بل ستتبعها قضايا أخرى من قبيل حقوق الإنسان وأمثالها العديد من الذرائع. وستتيسر معالجة كل هذه القضايا، ولا أقول بصورة تلقائية، بل تحتاج إلى عمل دؤوب، ولكن سيسهل حلّ تلك القضايا إذا ما استطعنا تمتين قوانا الذاتية وقدراتنا الداخلية.
عليكم أن تلحظوا قضية الاقتصاد المقاوم بشكل كامل خلال إعداد قانون الخطة السادسة وقانون ميزانية العام الإيراني المقبل 1395هـ.ش (2016).
لقد تم إبلاغ سياسات الاقتصاد المقاوم12، وأنجزت الأجهزة الحكومية أعمالاً كثيرة، وقُطعت بعض الخطوات، ولكن انظروا أين يكمن الفراغ في هذا الجدول. فإنكم بالتالي إذا ما أردتم أن تصفوا دواءً كعلاج شاف للمرض الفلاني، وكان هذا الدواء يتكوّن مثلاً من خمسة أجزاء، وفُقد جزءٌ واحدٌ من تلك الأجزاء الخمسة، فقد فُقد الدواء بأكمله تأثيره رغم وجود الأجزاء الأربعة الأخرى، إذ لابد أن تتوافر جميع هذه الأجزاء ليتمكن الإنسان من توقع الشفاء والنتيجة المرجوّة. فابحثوا عن الخانات الفارغة في هذا الجدول والقطعة الناقصة – من هذه "البازل" كما يقول المتغربون- لملئها. تابعوا هذه المسألة في مناقشة قانون الخطة السادسة وميزانية العام المقبل ودققوا فيها بالكامل.
حسنٌ،إنني أعرف ما يكرره إخواننا في الحكومة، قائلين إنكم تطالبوننا بكذا وكذا ولكننا نعاني من نقص في المصادر والموارد. أجل، أنا أعرف قلة المصادر، وقد ترك الحظر أثره في هذا المجال دون شك. ولكن إذا واجه الإنسان نقص في المصادر ما الذي عليه أن يفعل؟ هل يضرب بيديه على رأسه ويرفع صوته بالأنين والنحيب؟ كلا، بل ابحثوا عن الحلّ والعلاج، فهناك سبل للحل، ومنها التوفير والاقتصاد، ومراعاة الأولويات في تقسيم وتوزيع المصادر الداخلية؛ هذه سبل العلاج. لا يوجد طريق مسدود، فإن نقص المصادر مشكلتنا، وليست تلك العقدة العصية على الحلّ، بل هي مشكلة لابد من حلها، ولها حلول. فإننا أحياناً نقوم بإنفاق الأموال في أماكن لا ينبغي الإنفاق فيها. وأنا أعرف عن كثب بعض الأجهزة والمؤسسات التي ضاعفت من خدماتها دون أية زيادة في الميزانية، وذلك من خلال الإدارة الصحيحة، والنظرة السليمة، والحدّ من المصاريف الزائدة، وهذا بالطبع يشمل الحكومة والمجلس والقوات المسلحة. وهذه الحالة موجودة في غير القوات المسلحة أيضاً، غير أن بعض قطاعات القوات المسلحة ضاعفت من قدراتها وأدائها دون أن يضاف شيء إلى ميزانيتها، وهذا يدل على أنه أمرٌ ممكن التحقق. فلا ينبغي أن تصبح قلّة المصادر ونقصها ذريعة لأن نقول: لا يوجد إمكانية للعمل؛ كلا، فلو تمّ مراعاة الانضباط المالي لأمكن معالجة كل شيء، ومنها قلة المصادر. وأكرر بالطبع أن الانضباط المالي هذا لا يختص بالحكومة، بل يشمل المجلس وسائر الأجهزة أيضاً، فعلى الجميع مراعاة هذه المسألة.
مواقف المجلس المبدئية
والمسألة الأخرى التي أتطرق لها، ترتبط بالمواقف المبدئية لمجلس الشورى الإسلامي. فإن مواقف المجلس المبدئية جيدة ولله الحمد، وقد أشار رئيس المجلس المحترم إلى هذه القضية، وهو كذلك بالفعل. فإني أسمع وأرى وأشاهد أن المواقف التي تُتخذ في المجلس بشأن القضايا الأساسية والمبدئية والتي تدخل في المباني الرئيسية للنظام والثورة الإسلامية مواقف مقبولة وإيجابية ومتقدمة بالكامل في بعض المواطن، وهذا ما ينبغي أن تتسم به جميع المجالس. إذ لا بد أن يكون مجلس الشورى الإسلامي صرحاً مشيداً لعرض المواقف المبدئية، والمعيار في ذلك كلمات الإمام الخميني ووصيته وأقواله المجموعة ضمن عشرين جزءاً ونيّف.
فلننظر ما هو السلوك والتوجه الذي ترسمه لنا أقوال الإمام تجاه الثورة ونظام الجمهورية الإسلامية، ولنثبت على هذه المواقف؛ هذا هو النهج الذي لا بد أن ينتهجه المجلس. فإذا ما تحقّق فلن نبتلى أبدا بالانزلاق في الهاوية السحيقة لنظام الهيمنة، ولن نسقط في مثل هذا المزلق المهلك، وإلا فالأخطار كثيرة في هذا المجال.
النقطة الأخيرة هي أن مواقفنا بشأن القضايا النووية هي ذاتها التي أعلنّاها وذكرناها على الملأ العام، علماً بأن هناك مسائل لا يُفصح المرء عنها في العلانية، وإنما يذكرها بشكل خاص، وثمة مواردٌ من هذا القبيل، فإنه" ليس كل ما يُعلم يُقال". بيد أن الأمور التي ذُكرت في العلن، هي نفسها التي تم إبلاغها بحذافيرها للمسؤولين بصورة شفهية ومكتوبة، وهي مواقف النظام الأساسية.
ونحن نعتقد بأن إخواننا يبذلون جهودهم ومساعيهم ويتعرّق جبينهم من العمل في هذا المجال. ويجب عليهم بمشيئة الله وبعقد الأمل والتوكل عليه أن يثبتوا على هذه المواقف وأن يتمكنوا من تحقيق ما هو مصلحة البلد ومصلحة النظام إن شاء الله.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفّقكم لاغتنام هذه الفرصة الجيدة من أجل نيل مرضاته.
والسلام عليکم ورحمة الله وبرکاته
1- لقد أقيم هذا اللقاء بمناسبة بدء السنة الرابعة من الدورة التاسعة لمجلس الشورى الاسلامي.
2- الآيات 30 إلى 36 من سورة فصلت
3- مفاتيح الجنان، من المناجاة الشعبانية.
4- شعر عماد الخراساني
5- مصباح المتهجّد، ج1، ص270
6- الصحيفة السجادية، دعاء 40
7- شعر سعدي
8- الخطة السادسة للتمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في الجمهورية الإسلامية الإيرانية للسنوات الخمس القادمة(1395-1400)
9- علت ضحكة الحضور
10- شعر مولوي، ديوان مثنوي معنوي، فصل الأول (مع قليل من التغيير)
11- قانون رفع موانع الانتاج والرقابة وتعزيز النظام المالي للبلاد، التي أقرّت في أواخر 22 نيسان 2015
12- ابلاغ السياسات العامة للاقتصاد المقاوم (1392/11/30) (2013)