كلمة الإمام الخامنئي دام ظله في لقائه مع فريق عمل الفيلم السينمائي "شيار 143"1
في آخر لقاء له مع العاملين في مراسم إحياء ذكرى الشهداء، قال الإمام الخامنئي دام ظله: "يجب أن يعمّ ذكر الشهداء مجتمعنا يوماً بعد يوم، وأن تتكرّر أسماء الشهداء، وأن نعثر على لطائف حياة الشهداء وأن نتعمّق في هذه اللطائف."
ولهذا ينشر موقع "نهج الولاية" النص الكامل لكلمة قائد الثورة الإسلامية، الإمام الخامنئي، في لقائه مع فريق عمل الفيلم السينمائي "شيار 143"، الذي جرى في 16 حزيران 2014.
بسم الله الرحمن الرحيم2
فيلم جميل؛ قصة شديدة الجاذبية
لقد شاهدت الفيلم؛ كان فيلماً جميلاً جداً. نحن لسنا خبراء في عالم السينما، ولكن يمكن أن يتكوّن لدى المستمع نوع من الحسّ النقدي؛ إذا نظرنا إلى القصة وإحدى الأساسيات التي تفتقر إليها أفلامنا هي القصة الجميلة، الشديدة الجاذبية سنجد أن قصة هذا الفيلم جميلة وجذّابة، وأن فيه تعقيدًا قصصيًا، وقد جرى عرض هذا التعقيد خلال الفيلم ببراعة؛ كذلك الأمر بالنسبة للإخراج، فقد أنجزته السيدة آبيار التي يفترض أنها حاضرة بيننا بصورة جيدة جداً3؛ أما بالنسبة لدور البطولة الرئيسي لا أعرف إن كانت السيدة زارعي حاضرة هنا أم لا4 فقد لعبت حقاً الدور على أكمل وجه، وكان عملها جيدًا جداً؛ أما بالنسبة للمحتوى، فهذا الفيلم يُعدّ قيميّاً بالكامل. إني لأتعجّب كيف يمكن لبعض أن يتصوّر أن فيلم "شيار 143" مخالف للقيم وللدفاع المقدّس؛ لا أعلم من أين يمكن أن يفهم هذا من الفيلم5.
مشاعر الأمومة؛ لا توصف!
نعم، لقد بحثت هذه الأم في كل مكان من أجل العثور على علامة أو أثر لولدها؛ وهذا واضح جدًا، وهو أمرٌ طبيعيٌ للغاية؛ وها هنا تكمن أهمية موضوع الدفاع المقدس؛ الأم التي تحمل هذه الهوية، ولها هذه الكرامة، الأم التي تعيش هذا الشعور الذي لا يمكن وصفه. لأن شعور الأم تجاه ولدها غير قابل للوصف أبدًا، ونحن الذين لا نستطيع أن نكون أماً، لا ندرك واقعاً عظمة هذا الشعور هذه الأم التي تحمل هذا الشعور، تتحمّل هجرة ولدها إلى جبهات الحرب، وتتحمّل شهادته وتفتخر بذلك. مرّت ثمان سنوات من الدفاع المقدس ولم نسمع أي شكوى من الأمهات خلالها أو بعدها، بل على العكس، ألفينا الأمهات أشجع من كثير من الآباء. لقد وفّقني الله للقاء بعض عوائل الشهداء والجلوس على سجادتهم، وتحت سقف بيوتهم، والتحدث معهم بصدق؛ ولم أرَ إلى الآن – لا أذكر أنّ مرةً واحدة حتى من بين الآلاف – أماً اشتكت من شهادة ولدها؛ بل على العكس تمامًا، كنا نرى الأمهات يعبّرن عن فخرهن، واعتزازهن ويرفعن رؤوسهن؛ هذا الأمر مهمٌ جداً. هذه الأم المستعدة للتضحية من أجل ولدها، بحيث لا تتحمّل أن يجوع ولدها في مكان عمله أو ما شابه ذلك، هذه المرأة المفعمة بمشاعر الأمومة هي نفسها تصبر على شهادته، تصبر على هجرته، تصبر على فراقه ولا تتأفف ولا تشتكي؛ هذه برأيي أمور مهمة للغاية، وقد جرى تمثيل هذا الدور بصورة جيدة جداً، وكان الإخراج واختيار المشاهد جيداً جداً؛ لقد كان فيلماً جميلاً جداً.
الدفاع المقدس؛ وسينما متقدمة
نعم، رأيي أيها السادة من رأيكم، فأنا أيضاً أرى أن مخزون الدفاع المقدس لم يستثمر في العمل السينمائي في بلدنا بعدُ؛ إن مستوى السينما عندنا عالٍ جداً، وهناك أشخاص من أهل هذا الفن وعارفون ومطّلعون وخبيرون، ويوثق بقولهم في فهم المسائل، وهم يرون أن سينما إيران تتمتّع بمستوى عالٍ في الإخراج والماكياج ولعب الأدوار وأمثال ذلك، وأنها من الأوائل في العالم؛ وهذا الأمر صحيح، ويجب أن يلتقي هذا المستوى الرفيع بهذا المخزون العظيم في الدفاع المقدس؛ ولحدّ الآن لم يحصل هذا الأمر بالشكل الصحيح. نعم، لقد شاهدنا موارد من هذا القبيل خلال هذه السنوات، إلا أنها قليلة بالنسبة إلى ما كان يمكن أن ينجز.
هناك بعض الأشخاص – ممّن لا أعرف كيف يمكن تحليل دوافعهم – يعارضون دخول السينما إلى معترك الدفاع المقدّس علناً! فلا أعرف كيف يفكر هؤلاء؛ يتذرعون بأن هذه حرب، وهذا عنف! لقد مرّ على اندلاع الحرب العالمية مائة عام6 - هذه السنة هي المائة - ولا زالوا إلى الآن يصنعون الأفلام عنها وعلى نطاق واسع جداً! في أمريكا وفي أماكن أخرى كثيرة، حتّى أن بعض أخبرني أنهم يُدخلون تلامذة المدارس والثانويات إلى عالم صناعة الأفلام ويطلبون منهم العمل ويوفّرون لهم الإمكانات ليصنعوها؛ لأنهم يعتقدون أن هذا العمل يمكن أن يعرّف الجيل الجديد على الدوافع الحميدة لحكامهم.
الدفاع المقدس؛ مخزون هائل، ونسيج محبوك
نحن نمتلك مفخرة عظيمة: لقد وقف العالم كله ضدنا، اجتمعوا في جبهة واحدة وهذه حقيقة شاهدناها بأم العين جميعاً لقد اصطف العالم كله ضدنا، لقد كانت كل القوى العسكرية حاضرة بنحو من الأنحاء في الجبهة المعادية لنظام الجمهورية الإسلامية في الحرب المفروضة، واستمرّ حضورهم ثمان سنوات؛ ومع ذلك تفوّقت الجمهورية الإسلامية عليهم وانتصرت؛ هذا أمرٌ عظيم جداً، هذا أمرٌ جليلٌ جداً، هذه ظاهرة مهمة جداً في تاريخ أي شعب.
لقد كان التجمّع الفاعل الذي انخرط في الدفاع المقدّس نسيجاً محبوكاً، وتركيباً عجيباً غريباً؛ من النساء، والرجال، والآباء، والأمهات، والشباب، وأهل المدن والقرى، والتجار، وطلاب الجامعات والمدارس، ورواد المساجد، والحسينيات؛ فالجميع كان مشاركاً في هذه الحالة؛ كل صنف من هؤلاء يصلح لأن يكون موضوعاً، وهذه الموضوعات يمكن أن تدخل إلى مختلف المجالات الفنية في بلدنا، وتتفاعل مع السينما في بلدنا، وهذا ما فعلتموه المنتج والمخرجة المحترمان نظرتم بمنظار الأم، ونجحتم. وهذا أمرٌ مميزٌ جداً وقد أنجز بصورة جيدة.
سينما الدفاع المقدس؛ إلى المسجد والمدرسة و..
حسناً، اذهبوا الآن إلى المسجد، وبيّنوا الأعمال التي قام بها الناس في المسجد من خلال نظرتكم الفنيّة، استخرجوا قصة واسردوها؛ اذهبوا إلى ثانوية [من الثانويات]، حيث كان المعلّم أحياناً يشجّع الطلاب على المشاركة في الجبهة، بينما يعارض ذلك معلم آخر أو مدير الثانوية، وكيف كان هؤلاء يذهبون إلى الجبهة بشوق عارم ويقدّمون التضحيات؛ ادخلوا إلى التجمعات التي كانت تؤمّن الدعم للحرب، حيث كانوا يقدّمون أموالهم وإمكاناتهم المتواضعة؛ ابحثوا عن الذين كانوا يشيّعون جثامين الشهداء، إن موضوع تشييع جثامين الشهداء ظاهرة عظيمة، هذه الأمور العظيمة التي كانت تحدث عندما يأتون بشهيد أو شهداء ويدخلون بهم إلى مدينة ما؛ هذه جميعها مواضيع يمكن أن تكون محورية ومركزية في السينما عندنا، إلا أن هذا الأمر لم يحصل لحد الآن.
لدينا آلاف الأبطال؛ لا حاجة للأساطير؛
نعم ما تفضّلتم7 به صحيح، لا حاجة لدينا لاختراع الأساطير. فالآخرون مجبورون على اختراع الأساطير أو اكتشاف حالة خاصة والحديث عنها 100 عام و200 عام و500 عام! كأن يعثروا على امرأة مثلاً في مكان ما من العالم قدّمت تضحية ما، ويشهروا اسمها ليطرق مسامع البشرية جمعاء. لدينا المئات والآلاف من هذا النوع من النساء، والرجال، والشباب، هذا النوع من الأبطال، كل هؤلاء كانوا في بلدنا، وكان الدفاع المقدّس ساحةَ بروزهم وظهورهم. ويجب علينا أن لا نسمح بذهاب هذا التاريخ أدراج الرياح.
ها هم السادة الكوريّون أمامكم. أعمالهم هذه تعجبني. فهم لا تاريخ لديهم؛ لذلك يقولون "أسطورة جومونك"، أسطورة فلان... وهذا يعني أنهم صفّوا حسابهم من البداية؛ هذه أسطورة، ليست واقعاً. يخترعون شيئاً، يصنعون تاريخاً لأنفسهم، وعندما يشاهد الشاب الكوري هذه التضحيات وهذه التصرفات الشُجاعة، هذه الأعمال السينمائية العجيبة والغريبة، سيشعر بالحماس ويشعر بهويته، ويشعر بالفخر.
.. هي أمور واقعية؛ لخمسين سنة
نحن نجد هذه الأمور في حياتنا الواقعية، فهذه أمور حدثت فعلًا؛ فعلامَ لا نستثمرها؟ هذا برأيي قصور كبير. لا نقول [هذا] تقصير؛ وإنما بالحد الأدنى قصور كبير ويجب تداركه. يجب برأيي أن نكتب ونتحدث ونصف ونشرح ما جرى في الدفاع المقدس لمدة خمسين سنة أخرى، وأن نستخدم الفنون على اختلاف أنواعها من أجل تبيين هذا الحدث العظيم.
على كل حال، أشكر المنتجين8، والمخرجة، والممثلين، وفريق العمل وكل من ساهم. فقد كان فيلماً جيداً؛ جلسنا شاهدناه واستمتعنا بمشاهدته، وتأثرنا به كسائر الناس، ونسأل الله أن ينتفع الناس به أقصى ما يمكن.
والسلام عليكم ورحمة الله.
1- الجرف أو الاخدود 143. إسم لمنطقة حربية، جرى اختياره كإسم للفيلم.
2- حاز هذا الفيلم في مهرجان فيلم فجر الثالث والثلاثين على جائزة "أفضل فيلم برأي الشعب" وجائزة "أفضل ممثلة دور رئيسي".
3- كانت السيدة نرجس آبيار (الكاتبة والمخرجة) حاضرة في اللقاء.
4- لم تكن السيد مريلا زارعي (ممثلة الدور الرئيسي) حاضرة في اللقاء.
5- ذكر منتج الفيلم أن البعض قال إن الفيلم مستنكر للحرب ومخالف للقيم حتى، وقد قيل هذا في المراحل الأولى من تصوير الفيلم وخلال الإستحصال على رخصته.
6- اندلعت الحرب العالمية الاولى عام 1914م.
7- السيد محمد حسين قاسمي (أحد منتجي الفيلم).
8- منتجا الفيلم: السيد محمد حسين قاسمي، وأبو ذر پور محمدي (Poor-Mohammadi).