خطاب الإمام الخامنئي دام ظله خلال لقائه أعضاء لجنة إحياء اليوم الوطني للهندسة_25-2-2015
بسم الله الرحمن الرحيم
أهلًا وسهلًا بالسادة المسؤولين عن القطاعات الهندسيّة في البلاد، لقد قام المهندس "باهنر" ببيان بعض المطالب حول المسائل الهندسيّة يجدر الوقوف عندها. فقد وسّع المهندس "باهنر" مفهوم الهندسة ليشمل العلوم الإنسانيّة، والذي دعاه إلى ذلك هو الهندسة الثقافيّة القائمة في البلاد – طبعًا المقصود من كلمة الهندسة هنا الهندسة بمعناها اللغوي وليس الاصطلاحي -، بكلّ الأحوال، فإنّ ما قام بتوضيحه في هذا المجال صحيح، وللحق والإنصاف فإنّ العمل الهندسي في البلاد يمتدّ على نطاق واسع، وقد أجاد في توصيف القضيّة، كما إنّ الاقتراحات التي قدّمها في رسالته – وقد قرأتها في ما مضى – اقتراحات في محلّها ونحن نؤيدها.
دور المهندسين الشباب
نعم هناك مسألة لم يأت على ذكرها في حديثه1 حول القضايا المرتبطة بالمهندسين في البلاد؛ وهي دور المجموعات الشبابيّة من المهندسين خلال الثورة وتأثيرها في القضايا الثوريّة، سواء خلال مرحلة النضال الثوري، حيث كانت المعاهد الفنيّة2 على امتداد البلاد سبّاقة إلى التصدّي والمواجهة، أو في المرحلة التي تلت انتصار الثورة خصوصًا خلال سنوات الدفاع المقدّس، حقيقة كان المهندسون حينها جنودًا فدائيّين، عاينّا كيف قاموا باستثمار وتسخير كلّ قدراتهم وقابليّاتهم "وفنونهم" ونبوغهم في هذا الطريق، يمكنني القول إنّنا كنّا ومع كلّ يوم جديد نشاهد ظاهرة جديدة وإبداعًا جديدًا يقدّمه هؤلاء الشباب الذين تخصّصوا في المجالات الهندسيّة المختلفة من خلال المواهب والإمكانات التي توفّرت فيهم. وهذا ما استمرّ الأمر عليه بعد انتهاء مرحلة الدفاع المقدّس أيضًا.
فاختصاص النانو والخلايا الجذعيّة والتكنولوجيا الحيويّة وغيرها من القضايا التي أشرتم إليها – المتحدّث باسم الهيئة - كلّ هذه الاختصاصات ظهرت في البلاد بعد مرحلة الدفاع المقدّس وقد تمّ ذلك على أيدي شبابنا المهندسين الذين يعملون في هذا المجال. لقد أخذوا على عاتقهم هذه المسؤوليّات المهمّة.
المهندسون في مواقع القرار
وإذا طالعنا حاضرنا اليوم نجد وبحمد الله أنّ الكثير ممّن تصدّوا لمواقع المسؤوليّة في البلاد هم من المهندسين، حتى أنّ هذا الأمر قد أثار اعتراض البعض الذين يُبدون ذلك من خلال القول: إنّ مواقع المسؤولية تكون على الدوام من نصيب المهندسين ؟!
إنّ المهمّة المناطة بكم اليوم هي: أوّلًا: عليكم أن تثبتوا للناس أنّنا "قادرون"؛ هذا الشعار الذي ولله الحمد يؤمن به جميع المنصفين في هذا البلد وهو أيضًا ما جاء على ذكره وكتبه [المتحدث باسم الهيئة] .
اعملوا على إنجاز ما لم نتمكّن من إنجازه حتى الآن في القطاعات المختلفة، مثلًا لو فرضنا أنّكم وجدتم أنّ أكثر صادراتنا في مجال الخدمات الهندسيّة مرتبطة بالمجال العمراني، فاسعوا لتكون المنتوجات الهندسيّة حاضرة في المبادلات [التجارية] للبلد، أي أن نتمكّن حقيقة من ترويج وعرض البضائع و السلع التي ينتجها مهندسونا في المعامل ومصانع قطع الغيار وفي القطاعات الهندسيّة المتنوّعة في سوق التبادل العالميّة، هذا عمل مهم تقع مسؤوليّته على عاتقكم، فأنتم الآن تشغلون مواقع مسؤوليّة ترتبط بهذا الشأن، أنتم متواجدون في الحكومة وفي مجلس الشورى ويمكنكم اتّخاذ القرارات في هذا المجال.
مشكلة الواردات وقضيّة التهريب
أسعوا للحد من الضغط الذي تشكّله الواردات على البلد، وهذه قضيّة مهمّة واقعًا. فالضغط الذي تشكّله الواردات اليوم ينهك البلد، والذي تساق ذرائع متعدّدة لتبريره، كقضيّة التهريب على سبيل المثال. إنّ الأرقام التي يتمّ الحديث عنها في هذه الأيام أرقام مذهلة تحيّر الإنسان، حجم التجارة بالمواد المهرّبة يبلغ عشرين مليارًا ونيفا! إنّ هذا واقعًا لعجب عجاب! في كلّ الأحوال يتمّ التذرّع بهذه المسألة للقول: أنّه علينا لأجل إيقاف التهريب فتح الباب على مصراعيه أمام المواد المستوردة، فلتأتي هذه المواد من خلال المعابر الرسميّة كي نتمكّن من الحصول على عائدات جمركيّة من خلالها.
لكنّي أعتقد أنّ هذا الطرح لا يحظى بحجّة ومنطق قويّين، قوموا بما يحول دون سلب المواد المستوردة للمنتجات الوطنيّة قدرتها على المنافسة، فهذه المنتجات وفي مختلف المجالات إنّما تصنع على أيدي شبابنا المؤهّل، رجالنا المؤمنين، (المقتدرين)، وكذلك النوابغ منهم، هذه مسألة على مستوى عال من الأهميّة باعتقادي.
قضية الاقتصاد المقاوم
لقد أشرتم خلال حديثكم إلى هذه القضيّة أيضًا، لعلّه ومنذ أن طرحت هذه المسألة جرى تأييدها والتأكيد عليها – بدرجات متفاوتة – ألف مرة، سواء من قبل مختلف المسؤولين، الفعاليّات الاقتصاديّة، وكذلك الفعاليّات السياسيّة، مسؤولي الحكومة، مسؤولي المجلس، وغيرهم. نادوا مرارًا وتكرارًا بالاقتصاد المقاوم، حسنًا هذا أمر جيّد، لكن لا يمكن أن يحصل شيء بمجرّد ذكر مسألة ما وتكرارها على اللسان فقط، لا يمكن أن يحصل شيء البتة، مهما جاء المريض على ذكر الدواء ومهما كرّر اسمه على لسانه لا يعود عليه ذلك بالشفاء، بل لا بد من استعمال الدواء نفسه حتى تحصل الفائدة المرجوة.
أنتم الآن حاضرون في المجلس وكذلك في الحكومة، ابحثوا ودقّقوا ما هي الخطوات الحقيقيّة التي بذلت في سبيل بناء اقتصاد مقاوم بمعناه الحقيقي؟ فتّشوا عن الخطوات التي لا زال علينا القيام بها، هذا أمر ينبغي متابعته بشكل جدي، هذه هي المسألة الثانية.
العمل على سدّ الثغرات
أما المسألة الثالثة التي أود ذكرها حول المسائل الهندسية والتي مررت عليها في سياق كلامي فهي ضرورة البحث عن الثغرات لعلاجها ومساحات الفراغ لملئها. فلنفرض أنّ الوضع كان جيّدًا على مستوى "الصناعات الآليّة" وأنّنا حقّقنا تقدّمًا في هذا المجال، ونحن نشاهد الابتكارات في المجالات المختلفة؛ لكن هذا لا يلغي أنّه علينا الاهتمام بمجالات هندسيّة أخرى كهندسة التصاميم و هندسة بناء المصانع و.. هذه أمور علينا متابعتها والتعاطي معها بجديّة.
إذا استطعتم تكريس التصاميم وتثبيت قضيّة التصميم والابتكار في معالجة الاحتياجات المختلفة سيكون ذلك سنّة حسنة يجعل الله تعالى ثوابها في ميزان حسناتكم ما دامت هذه السنة قائمة في هذا البلد. بادروا إلى التصدّي للأعمال التي تنقص هذا البلد وتعتبر حاجة فيه. بكلّ الأحوال أتمنّى لكم التوفيق من الله عز وجل وأن يكون عونًا لكم كي تتمكّنوا من القيام بهذه الأعمال.
ختامًا أحمد الله أنّ مهندسينا – وكما أشرت بداية – موجودون بكثرة في المراكز الحسّاسة، أنتم لديكم الكثير من المهندسين في المجلس، أيضًا في الحكومة، وكذلك في سائر القطاعات. التفتوا إلى المسؤوليّات الملقاة على عاتقكم واستفيدوا ممّا تمتلكون من خبرات ومعرفة بالمجال الهندسي، تعرّفوا على ما ينبغي عليكم القيام به وقوموا به بعون الله تعالى، دمتم جميعًا في توفيق الله وتأييده.
1- المقصود هنا المتحدث باسم الهيئة.
2- المعاهد والكليات الهندسية والتقنية.