لغرض إلقاء مزيد من الضوء على دور الحوزة العلمية في أحداث الثورة الإسلامية، يجب الالتفات إلى أن أجواء الحوزات العلمية حافلة بالإخلاص والنقاء والروح المعنوية. والعلماء الذين يقطعون مراحل دراسية متقدمة في الحوزة يضطلعون بإدارة هذه المراكز بما لديهم من ثروة معنوية هائلة وبما يحملونه من قيم إنسانية وأخلاقية رفيعة، كما ينطلق عدد آخر منهم إلى مختلف نقاط البلد لإنجاز حكم القرآن بتعليم وتربية وإنذار الناس.
الحوزة العلمية مستقلة اقتصادياً أمام نفوذ الدولة، كما إن طبيعتها من الوجهة العلمية لا تقبل أي نوع من التأثير.
كان الاستقلال الشامل للحوزات العلمية الشيعية على مدى تأريخها يتيح للفقهاء والعلماء اتخاذ المواقف المبدئية عند الاصطدام مع السلطات الحاكمة دون أي وجل ودون أي اختلال في أوضاع الحوزة، في حين أن الارتباط المالي والإداري للحوزة عند أهل السنة بالحكومة، سلب هذا الخيار تماماً من أيدي العلماء العاملين فيها.
وكانت الحوزة العلمية في قم تتمتع ـ في ظل هذا النسق وهذه الخصائص ـ بالاستعداد التام لأداء رسالتها في الدفاع عن حياض وحقوق الشعب والذود عن مصالح البلد.
وقد حالت المرجعية المتنفذة والقوية لشخصيات مثل آية الله العظمى البروجردي دون أي تنفيذ صريح وسريع للخطط المعدة سلفاً من قبل عملاء البيت الأبيض الأمريكي، وتصدت لسياسة الزيف والخداع والكر والفر التي كان يمارسها نظام الشاه بتحفظ.
في تلك الفترة التي كان الإمام يرى فيها المرجعية الدينية ومسؤولية الحوزة على عاتق السيد البروجردي كان يكتفي بالنداءات الخاصة التي يوجهها إلى زعامة المرجعية. ولكن بعد وفاة آية الله بروجردي حيث تصور النظام أن فقدانه قد أدى إلى ضعف الحوزة ورجال الدين، وأن العوائق قد أزيلت أمام استبداد الشاه، بدأ هجوماً شاملاً لتحقيق ما كانت أمريكا تطمح إلى تحقيقه في إيران، لربط مصير البلد بأمريكا أكثر فأكثر، تحت غطاء ما يسمى بالثورة [البيضاء].
ومع أن الحوزة قد وقعت في بعض المشاكل والمعضلات على أثر فقدان آية الله البروجردي، إلا أن إجراءات النظام كانت في الحقيقة بمثابة شرارة ألهبت كيان الثورة، تسجدت كل قوة الحوزة ونفوذها في صيحات الإمام، وسرت نهضة الحوزة بقيادة الإمام كسريان الدم في شرايين الشعب المسلم.
وقفت الحوزة بكل وجوده؛ وبمراجعها وأساتذتها وطلابها، إلى جانب قيادة النهضة، وقدمت لها ـ انطلاقاً من رسالتها ـ دعمها الشامل. ونظراً للتركيب التقليدي الذي تتألف منه الحوزة عادة؛ من مراجع وأساتذة وطلاب،
يمكن تلخيص دور الحوزة في مساندة قيادة النهضة بالنقاط التالية:
1ـ حاول النظام عزل الإمام عن كيان الحوزة والمرجعية ومعاملته بمستوى أنه رجل دين فحسب.
إلا إن الحوزة العلمية في قم أحبطت تلك المحاولة من خلال التأكيد على مرجعية الإمام، وعلى اعتباره جزءاً من كل مترابط مع بعضه، وإن مجابهة النظام منبثقة من رسالة الحوزة العلمية، ومتعلقة بالحوزة ككل.
2ـ كما كانت لبيانات ومواقف المراجع والشخصيات البارزة في الحوزة تأثيرها البارز أيضاً في تحقيق أهداف النهضة وتقوية كيان المجابهة، وتلاحم الطاقات مع النهضة. وقد أكدت تلك البيانات للنظام وحماته ان مناصرة الحوزة لقيادة النهضة لم تكن بسبب الانتماء الفئوي، بل إن ثمة وحدة في الهدف وتنسيق في أداء الرسالة.
3ـ اقتحم الساحة الخط الثاني من أساتذته الحوزة العلمية الذين ما كانوا يضطلعون عادة بدور في قرارات الحوزة، وأدوا أكبر دور في الإسراع بتقدم عجلة النهضة، واستغلوا مكانتهم لتعميق وتنشيط وتوسيع نشاطات الطراز الأول من أساتذة الحوزة.
كانت أنشط العناصر في الحوزة تتألف آنذاك على الأغلب من تلاميذ الإمام ومريديه الذين لم يتورعوا عن مناصرة النهضة على مدى المنعطفات التي مرت بها بعيداً عن التحفظات التي كانت تقيد عادة نشاط الجهات العليا في الحوزة. كما أنجزت تلك الفئة مهمتها سواء في مجابهة النظام، أم في نشر أهداف النهضة وتطلعاتها بين أكبر عدد ممكن من الطلبة، أم على الصعيد الاجتماعي.
4ـ كان طلبة الحوزة العلمية ينشرون بشكل فردي وجماعي رسالة النهضة والإمام في المجتمع عن طريق الضغط على العناصر الحوزوية غير الناشطة، وإيجاد شبكات من الاتصال المباشر مع شتى الفئات والطبقات، وقد أدوا بذلك دوراً أكبر في تحقيق أهداف النهضة. وبما أنهم كانوا أكثر عرضة للمخاطر من المراجع وأساتذة الحوزة؛ لذلك كانوا هم أكبر فريسة لحملات القمع والتعذيب التي مارسها النظام البهلوي السفاك. فألقي الكثير منهم في السجون، واقتيد البعض الآخر إلى ثكنات التجنيد، ونفي البعض الآخر، وفقد آخرون. وكان أكثر من أوذي منهم أولئك الذين لم تكن لهم مكانة خاصة.
إلا أن حملات القمع المتوالية ضد طلبة الحوزة من قبيل ما وقع في الفيضية لم يكتب لها النجاح في تحطيم الصمود الباسل لأنصار إمام الزمان (ع)، بل صاروا في كل مرة ينهضون بأداء واجبهم بشكيمة أشد وصوت أقوى لنشر أهداف الثورة الإسلامية وبيانات قائدها بين صفوف الشعب، وتعرية وجه النظام البهلوي المقيت المعادي للشعب والمرتبط بالأجنبي. فكانوا يتوغلون إلى أقصى أجزاء البلد ويصنعون الملاحم ويؤدون واجباتهم بهم لا تعرف الكلل والملل.
يقال إن نص برقية المرحوم الميرزا الشيرازي الكبير في تحريم التبغ، حينما وصلت إلى طهران، أخفتها سلطة ناصر الدين شاه المستبدة عن الشعب، ولكنها انتشرت خلال مدة قصيرة في جميع ربوع البلاد على الرغم من انعدام أجهزة الاتصالات السريعة آنذاك.
وقعت نظير هذه المعجزة التاريخية ابان الخطاب التاريخي الذي ألقاه الإمام الخميني بشأن قانون الحصانة؛ إذ وصل الخطاب خلال ثمان وأربعين ساعة إلى أقصى القرى على يد طلبة الحوزة العلمية رغم مبادرة النظام إلى تعبئة طاقاته لإخماد هذا الصوت. وهذه الحادثة قد أصابت بصدمة ظل يترنح على أثرها.
آية الله د. عميد زنجاني
الحوزة العلمية مستقلة اقتصادياً أمام نفوذ الدولة، كما إن طبيعتها من الوجهة العلمية لا تقبل أي نوع من التأثير.
كان الاستقلال الشامل للحوزات العلمية الشيعية على مدى تأريخها يتيح للفقهاء والعلماء اتخاذ المواقف المبدئية عند الاصطدام مع السلطات الحاكمة دون أي وجل ودون أي اختلال في أوضاع الحوزة، في حين أن الارتباط المالي والإداري للحوزة عند أهل السنة بالحكومة، سلب هذا الخيار تماماً من أيدي العلماء العاملين فيها.
وكانت الحوزة العلمية في قم تتمتع ـ في ظل هذا النسق وهذه الخصائص ـ بالاستعداد التام لأداء رسالتها في الدفاع عن حياض وحقوق الشعب والذود عن مصالح البلد.
وقد حالت المرجعية المتنفذة والقوية لشخصيات مثل آية الله العظمى البروجردي دون أي تنفيذ صريح وسريع للخطط المعدة سلفاً من قبل عملاء البيت الأبيض الأمريكي، وتصدت لسياسة الزيف والخداع والكر والفر التي كان يمارسها نظام الشاه بتحفظ.
في تلك الفترة التي كان الإمام يرى فيها المرجعية الدينية ومسؤولية الحوزة على عاتق السيد البروجردي كان يكتفي بالنداءات الخاصة التي يوجهها إلى زعامة المرجعية. ولكن بعد وفاة آية الله بروجردي حيث تصور النظام أن فقدانه قد أدى إلى ضعف الحوزة ورجال الدين، وأن العوائق قد أزيلت أمام استبداد الشاه، بدأ هجوماً شاملاً لتحقيق ما كانت أمريكا تطمح إلى تحقيقه في إيران، لربط مصير البلد بأمريكا أكثر فأكثر، تحت غطاء ما يسمى بالثورة [البيضاء].
ومع أن الحوزة قد وقعت في بعض المشاكل والمعضلات على أثر فقدان آية الله البروجردي، إلا أن إجراءات النظام كانت في الحقيقة بمثابة شرارة ألهبت كيان الثورة، تسجدت كل قوة الحوزة ونفوذها في صيحات الإمام، وسرت نهضة الحوزة بقيادة الإمام كسريان الدم في شرايين الشعب المسلم.
وقفت الحوزة بكل وجوده؛ وبمراجعها وأساتذتها وطلابها، إلى جانب قيادة النهضة، وقدمت لها ـ انطلاقاً من رسالتها ـ دعمها الشامل. ونظراً للتركيب التقليدي الذي تتألف منه الحوزة عادة؛ من مراجع وأساتذة وطلاب،
يمكن تلخيص دور الحوزة في مساندة قيادة النهضة بالنقاط التالية:
1ـ حاول النظام عزل الإمام عن كيان الحوزة والمرجعية ومعاملته بمستوى أنه رجل دين فحسب.
إلا إن الحوزة العلمية في قم أحبطت تلك المحاولة من خلال التأكيد على مرجعية الإمام، وعلى اعتباره جزءاً من كل مترابط مع بعضه، وإن مجابهة النظام منبثقة من رسالة الحوزة العلمية، ومتعلقة بالحوزة ككل.
2ـ كما كانت لبيانات ومواقف المراجع والشخصيات البارزة في الحوزة تأثيرها البارز أيضاً في تحقيق أهداف النهضة وتقوية كيان المجابهة، وتلاحم الطاقات مع النهضة. وقد أكدت تلك البيانات للنظام وحماته ان مناصرة الحوزة لقيادة النهضة لم تكن بسبب الانتماء الفئوي، بل إن ثمة وحدة في الهدف وتنسيق في أداء الرسالة.
3ـ اقتحم الساحة الخط الثاني من أساتذته الحوزة العلمية الذين ما كانوا يضطلعون عادة بدور في قرارات الحوزة، وأدوا أكبر دور في الإسراع بتقدم عجلة النهضة، واستغلوا مكانتهم لتعميق وتنشيط وتوسيع نشاطات الطراز الأول من أساتذة الحوزة.
كانت أنشط العناصر في الحوزة تتألف آنذاك على الأغلب من تلاميذ الإمام ومريديه الذين لم يتورعوا عن مناصرة النهضة على مدى المنعطفات التي مرت بها بعيداً عن التحفظات التي كانت تقيد عادة نشاط الجهات العليا في الحوزة. كما أنجزت تلك الفئة مهمتها سواء في مجابهة النظام، أم في نشر أهداف النهضة وتطلعاتها بين أكبر عدد ممكن من الطلبة، أم على الصعيد الاجتماعي.
4ـ كان طلبة الحوزة العلمية ينشرون بشكل فردي وجماعي رسالة النهضة والإمام في المجتمع عن طريق الضغط على العناصر الحوزوية غير الناشطة، وإيجاد شبكات من الاتصال المباشر مع شتى الفئات والطبقات، وقد أدوا بذلك دوراً أكبر في تحقيق أهداف النهضة. وبما أنهم كانوا أكثر عرضة للمخاطر من المراجع وأساتذة الحوزة؛ لذلك كانوا هم أكبر فريسة لحملات القمع والتعذيب التي مارسها النظام البهلوي السفاك. فألقي الكثير منهم في السجون، واقتيد البعض الآخر إلى ثكنات التجنيد، ونفي البعض الآخر، وفقد آخرون. وكان أكثر من أوذي منهم أولئك الذين لم تكن لهم مكانة خاصة.
إلا أن حملات القمع المتوالية ضد طلبة الحوزة من قبيل ما وقع في الفيضية لم يكتب لها النجاح في تحطيم الصمود الباسل لأنصار إمام الزمان (ع)، بل صاروا في كل مرة ينهضون بأداء واجبهم بشكيمة أشد وصوت أقوى لنشر أهداف الثورة الإسلامية وبيانات قائدها بين صفوف الشعب، وتعرية وجه النظام البهلوي المقيت المعادي للشعب والمرتبط بالأجنبي. فكانوا يتوغلون إلى أقصى أجزاء البلد ويصنعون الملاحم ويؤدون واجباتهم بهم لا تعرف الكلل والملل.
يقال إن نص برقية المرحوم الميرزا الشيرازي الكبير في تحريم التبغ، حينما وصلت إلى طهران، أخفتها سلطة ناصر الدين شاه المستبدة عن الشعب، ولكنها انتشرت خلال مدة قصيرة في جميع ربوع البلاد على الرغم من انعدام أجهزة الاتصالات السريعة آنذاك.
وقعت نظير هذه المعجزة التاريخية ابان الخطاب التاريخي الذي ألقاه الإمام الخميني بشأن قانون الحصانة؛ إذ وصل الخطاب خلال ثمان وأربعين ساعة إلى أقصى القرى على يد طلبة الحوزة العلمية رغم مبادرة النظام إلى تعبئة طاقاته لإخماد هذا الصوت. وهذه الحادثة قد أصابت بصدمة ظل يترنح على أثرها.
آية الله د. عميد زنجاني