يشير سماحة الإمام القائد دام ظلّه إلى الهدف والمنهج الذي اعتمده الإمام السجّاد عليه السلام والأدوار التي مارسها خلال فترة حياته الشريفة بعد كربلاء؛ وهذه الأدوار يمكن إيجازها كما يقول سماحته دام ظلّه بما يلي:
1- دوّن الإمام عليه السلام الفكر الأصيل للإسلام: كالتوحيد، والنبوّة، وحقيقة المقام المعنويّ للإنسان، وارتباطه بالله. وأهمّ دور أدّته الصحيفة السجّادية هو في هذا المجال. فانظروا إلى هذه الصحيفة، ثمّ جولوا ببصركم في أوضاع الناس على صعيد الفكر الإسلامي في ذلك الزمن ستجدون مدى المسافة الّتي تفصل بين الاثنين.
ففي ذلك الزمن الّذي كان المسلمون في كلّ أنحاء العالم الإسلاميّ يسيرون نحو الحياة المادية والملذّات، بدءاً من شخص الخليفة عبد الملك ابن مروان، إلى العلماء المحيطين به (ومن جملتهم محمّد بن شهاب الزهريّ، وسوف أذكر أسماء علماء البلاط فيما بعد)، نزولاً إلى الجميع الّذين كانوا يغوصون في بحر الدنيا والماديات، يقف الإمام السجّاد عليه السلام ويقول مخاطباً الناس: "أوَلا حرّ يدع هذه اللماظة (ما يبقى في الفم من الطعام) لأهلها؟".
ففي هذه الجملة يوضح الإمام أنّ الفكر الإسلاميّ الأصيل كان عبارة عن جعل الهدف للمعنويات والتحرّك نحو الوصول إلى الأهداف المعنوية والإسلامية، وجعل الإنسان يرتبط بالله عبر التكليف. وهذا هو الموقف المقابل تماماً لحركة الناس المادية في ذلك الزمن. كان على الإمام السجّاد عليه السلام أن يقوم بعملٍ كبيرٍ لأجل أن يحفظ الفكر الأصيل للإسلام في فضاء المجتمع الإسلاميّ. وكانت هذه الحادثة بداية أعمال الإمام السجّاد عليه السلام.
2- تعريف الناس إلى أحقّية أولئك الّذين ينبغي أن يتسلّموا زمام الحكم. إذ كيف يمكن لأهل البيت تشكيل حكومة في الوقت الّذي كان الإعلام والتبليغ ضدّ آل الرسول قد ملأ العالم الإسلاميّ طوال عشرات السنين حتّى عصر الإمام السجّاد عليه السلام، وفيه ظهرت الأحاديث الموضوعة عن رسول الله والّتي تخالف حركة أهل البيت بل إنّها في بعض الموارد تشتمل على سبّهم ولعنهم، وقد نُشرت بين أناس لم يكن لديهم أي اطّلاع على المقام المعنويّ والواقعيّ لأهل البيت.
لهذا، فإنّ أحد الأهداف والتحرّكات المهمّة للإمام السجّاد كان يرتبط بتعريف الناس إلى أحقّية أهل البيت، وأنّ مقام الولاية والإمامة والحكومة حقٌّ ثابت لهم وهم الخلفاء الواقعيّون للنبيّ صلى الله عليه وآله. وهذا الأمر، إضافة لما له من أهميّة عقائدية وفكرية، له ماهيّة سياسية وهي الارتباط بالحركة السياسية المناهضة للنظام الحاكم.
3- كان على الإمام السجّاد أن يؤسّس الأجهزة والتشكيلات الّتي يمكن أن تكون منطلقاً أصلياً للتحرّكات السياسية المستقبلية، ففي مجتمع ممزّق، يعيش تحت أنواع القمع والفقر والتضييق الماليّ والمعنويّ، حتّى أنّ الشيعة عاشوا من الرعب والتضييق إلى درجة أنّ تشكيلاتهم تلاشت فكيف يمكن للإمام السجّاد عليه السلام أن يبدأ عمله وحيداً أو مع مجموعة قليلة وغير منظّمة؟ لهذا كان همّ الإمام السجاد (عليه السلام) أن يبدأ بتشكيل هذه التنظيمات الّتي كانت، برأينا، موجودة منذ أيّام أمير المؤمنين عليه السلام غير أنّها ضعفت وتلاشت إثر واقعة عاشوراء والحرّة وثورة المختار.
بالنتيجة نجد أنّ عمل الإمام كان يدور ضمن ثلاثة محاور أساس:
الأول: تدوين الفكر الإسلاميّ بصورة صحيحة وطبق ما أنزل الله، بعد مرور أزمنة من التحريف والنسيان عليه.
الثاني: إثبات أحقّية أهل البيت في الخلافة والولاية والإمامة.
الثالث: إيجاد التشكيلات المنسجمة لأتباع أهل البيت عليهم السلام وأتباع التشيّع.
هذه الأعمال الثلاثة الأساس هي الّتي ينبغي أن ندرسها ونبحث فيها لنرى أيّ واحد منها قد تحقّق في حياة الإمام السجّاد (عليه السلام).
وآخر دعوانا أن الحمد للّه ربّ العالمين