في الهجرة الحق
يا أخي...
اْعزم على الهجرة إلى الحقّ تعالى، واْجعل ظاهرك ظاهراً إنسانيّاً، واْدخل في سلك أرباب الشرائع، واْطلب من الله تعالى في الخلوات العون على بلوغ هذا الهدف واْستشفع برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته عليهم السلام حتّى يوفّقك الله على ذلك، ويعصمك من المزالق الّتي تعترضك، لأنّ هناك مزالق كثيرة تعترض الإنسان أيّام حياته، ومن الممكن أنّه في لحظةٍ واحدةٍ يسقط في مزلقٍ مهلك، ويعجز من السعي لإنقاذ نفسه، بل قد لا يهتمّ بإنقاذ نفسه، بل ربّما لا تشمله حتّى شفاعة الشافعين.
في العزم على ترك الحرام
أيها العزيز.....!
إجتهد لتصبح ذا عزم وإرادة، فإنّك إذا رحلت من هذه الدنيا دون أن يتحقّق فيك العزم (على ترك المحرّمات) فأنت إنسان صوريّ، بلا لبّ، ولن تحشر في ذلك العالم (عالم الآخرة) على هيئة إنسان؛ لأنّ ذلك العالم هو محلّ كشف الباطن وظهور السريرة، وإنّ التجرّؤ على المعاصي يُفقد الإنسان تدريجيّاً العزم، ويُختطف منه هذا الجوهر الشريف.
في مجاهدة النفس
أيها العزيز.....!
كن ذاكراً لعظمة ربّك، وتذكّر نعمه وألطافه، وتذكّر أنّك في حضرته وهو شاهد عليك فدع التمرّد عليه، وفي هذه المعركة الكبرى تغلّب على جنود الشيطان، واْجعل من مملكتك مملكة رحمانيّة وحقانيّة، واْحلل فيها عسكر الحقّ تعالى محلّ جنود الشيطان، كي يوفقك الله تبارك وتعالى في مقام مجاهدة أخرى، وفي ميدان معركة أكبر تنتظرنا وهي الجهاد مع النفس في العالم الباطن، وأكرّر التذكير بأنّه في جميع الأحوال لا تعلّق على نفسك الآمال؛ لأنّه لا ينهض أحد يعمل لغير الله تعالى. فاطلب من الحقّ تعالى نفسه بتضرّع وخشوع، كي يعينك في هذه المجاهدة لعلّك تنتصر. إنّه وليّ التوفيق.
في الاستعانة بالله
أيها العزيز...!
فكِّر، واْبحث عن العلاج، واْعثر على سبيل نجاتك ووسيلة خلاصك، واْستعن بالله أرحم الراحمين، واطلب من الذات المقدّس في الليالي المظلمة، بتضرّعٍ وخضوع أن يعينك في هذا الجّهاد المقدّس مع النفس، لكي تتغلّب عليها إن شاء الله، وتجعل مملكة وجودك رحمانيّة، وتطرد منها جنود الشيطان، وتسلّم الدار إلى صاحبها حتّى يفيض الله عليك السعادة والبهجة والرحمة الّتي يهون بجانبها كلّ ما سمعت عن وصف الجنّة والحور والقصور، وتلك هي السلطة الإلهيّة العامّة الّتي أخبر عنها أولياء الله من هذه الأمّة الحنيفة، ممّا لم يطرق سمع أحد ولم يخطر على قلب بشر.
في الجد والنشاط
أيها العزيز...!
إفتح سمع قلبك، وشدّ حزام الهمّة على وسطك، واْرحم حال مسكنتك، لعلّك تستطيع أن تجعل من نفسك إنساناً، وأن تخرج من هذا العالم في صورة إنسان، لتكون عندها من أهل الفلاح والسعادة، وحذار من أن تتصوّر أنّ كلّ ما تقوم به هو موعظة وخطابة؛ بل هو نتيجة أدلّة فلسفيّة توصّل إليها الحكماء العظام، وثمرة كشف انكشف لأصحاب الرياضات، وحصيلة أخبار مأثورة، عن الصادقين والمعصومين عليهم السلام.
في النصرة على الشيطان
أيها العزيز...!
إستعن بالله تبارك وتعالى في كلّ آن ولحظة، واْستغث بحضرة معبودك، واطلب منه بعجز وإلحاح. قائلاً: "اللهم... إنّ الشيطان عدوّ عظيم، كان له ولا يزال طمعٌ بأنبيائك وأوليائك العظام. اللهم... فأعنّي وأنا عبدك الضعيف المبتلى بالأوهام الباطلة والخيالات والخرافات العاطلة، كي أستطيع أن أُجابه هذا العدوّ القويّ. اللهم... وساعدني في ساحة المعركة مع هذا العدوّ القويّ الّذي يهدّد سعادتي وإنسانيّتي، لكي أستطيع أن أطرد جنوده من المملكة العائدة لك، وأقطع يد هذا الغاصب من البيت المختصّ بك".
في اغتنام الفرصة
أيها العزيز...!
إنهض من نومك، وتنبّه من غفلتك، واْشدد حيازيم الهمّة، واْغتنم الفرصة ما دام هناك مجال، وما دام في العمر بقيّة، وما دامت قواك تحت تصرّفك، وشبابك موجوداً، ولم تتغلّب عليك بعد الأخلاق الفاسدة، ولم تتأصّل فيك الملكات الرذيلة، فاْبحث عن العلاج، واْعثر على الدواء لإزالة تلك الأخلاق الفاسدة والقبيحة، وتلمّس سبيلاً لإطفاء ثائرة الشهوة والغضب....
في المحبوب الحقيقي
أيها العزيز...!
من أجل خيال باطل ومحبوبيّة بسيطة في أعين العباد الضعاف، ومن أجل جذب قلوب الناس المساكين، لا تعرّض نفسك للغضب الإلهيّ، ولا تبع ذلك الحبّ الإلهيّ وتلك الكرامات غير المحدودة، وتلك الألطاف والعنايات الربانيّة، لا تبعها بمحبّة بسيطة عند مخلوق ليس له أثر، ولا تكسب منه أيّة ثمرة سوى الندامة والحسرة، عندما تُقصر يداك عن هذا العالم وهو عالم الكسب ـ، وعندما ينقطع عملك، وليس للندم حينئذٍ نتيجة ولا للإنابة من فائدة.
في تطهير النفس
أيها العزيز...!
أطلب السمعة والذكر الحسن من الله، إلتمس قلوب الناس من مالك القلوب، إعمل أنت لله وحده فستجد أنّ الله تعالى فضلاً عن الكرامات الأخرويّة ونعم ذلك العالم سيتفضّل عليك في هذا العالم نفسه بكرامات عديدة، فيجعلك محبوباً، ويعظّم مكانتك في القلوب، ويجعلك مرفوع الرأس وجيهاً في كلتا الدارين. ولكن إذا استطعت فخلّص قلبك بصورة كاملة بالمجاهدة والمشقّة، من هذا الحبّ أيضاً، وطهِّر باطنك، كي يكون العمل خالصاً من هذه الجهة، ويتوجّه القلب إلى الله فقط حتّى تطهر الروح، وتزول أدران النفس.
في تطهير القلب
أيها العزيز...!
إستيقظ وأبعد عنك الغفلة والسكرة، وزن أعمالك بميزان العقل قبل أن توزن في ذلك العالم، وحاسب نفسك قبل أن تُحاسب، واجلُ مرآة القلب من الشرك والنفاق والتلوّن، ولا تدع صدأ الشرك والكفر يحيط به بمستوى لا يمكن جلاؤه حتّى بنيران ذلك العالم، لا تدع نور الفطرة يتبدّل بظلمة الكفر، لا تدع هذه الآية ﴿فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاس عَلَيْهَا..﴾ تضيع، لا تخنْ هذه الأمانة الإلهيّة بهذا النحو، نظّف مرآة قلبك لكي يتجلّى فيها نور جمال الحقّ فيغنيك عن العالم وكلّ ما فيه. ولكي تتوهّج نار الحبّ والعشق الإلهيّ في قلبك، فتحرق الأنواع الأخرى من الحبّ، ولن تستبدل حينذاك جميع هذا العالم بلحظة واحدة من الحبّ الإلهيّ، ولكي تحصل على لذّة في مناجاة الله وذكره، والّتي تعتبر غيرها من جميع اللذات الحيوانيّة لعباً ولهواً.
في الحذر من الله
أيها العزيز......!
إِعلم أنّ الله خلقك لنفسه كما يقول في الحديث القدسيّ: "يا بنَ آدَمَ خَلَقْتُ الأَشْيَاءَ لأَجْلِكَ وَخَلَقْتُكَ لأَجْلِي" فاتخذ من قلبك منزلاً له، فأنت وقلبك من النواميس والحرمات الإلهيّة، والله تعالى غيور، فلا تهتك حرمته وناموسه إلى هذا الحدّ، ولا تدع الأيادي تمتدّ إلى حرمه وناموسه. إحذر غيرة الله، وإلّا فضحك في هذا العالم بصورة لا تستطيع إصلاحها مهما حاولت. أَتهتك في ملكوتك وفي محضر الملائكة والأنبياء عليهم السلام العظام ستر الناموس الإلهيّ؟! وتُقَدِّمُ الأخلاق الفاضلة الّتي تخلَّق بها الأولياء إلى الحقّ، إلى غير الحقّ؟! وتمنحُ قلبك لخصم الحقّ؟! وتُشرِكُ في باطن ملكوتك؟! كن على حذر من الحقّ تعالى فإنّه مضافاً إلى هتكه سبحانه لناموس مملكتك في الآخرة، وفضحه لك أمام الأنبياء العظام والملائكة المقرّبين، سيفضحك في هذا العالم ويبتليك بفضيحة لا يمكن تلافيها... وبتمزيق عصمة لا يمكن ترقيعها.
في ترك الرياء
أيها العزيز...!
حاسب نفسك في كلّ عمل، واْستنطقها عن الدافع في الأعمال الخيّرة، والأمور الشريفة، فما الّذي يدفعها إلى السؤال عن مسائل صلاة الليل أو على ترديد الأذكار؟ هل تريد تفهُّم أحكام صلاة الليل وتعلمها قربة إلى الله، أو تريد أن توحي إلى الناس بأنّك من أهل صلاة الليل؟ لماذا تريد أن تخبر الناس بأيّ أسلوب كان عن الزيارة للمشاهد المشرّفة وحتّى عن عدد الزيارات؟ لماذا لا ترضى أن لا يطّلع أحد على الصدقات الّتي تعطيها في الخفاء، وتحاول أن تتحدّث عنها ليطّلع عليها الناس؟ إذا كان ذلك لله، وتريد أن يتأسّى بك الناس باعتبار أنّ "الدال على الخير كفاعله" فإنّ إظهاره حسن، واْشكر الله على هذا الضمير النقي والقلب الطاهر!. ولكن ليكن الإنسان حذراً في المناظرة والجدال مع النفس، وأن لا ينخدع بمكرها وإظهارها له العمل المرائي بصورة عمل مقدّس. فإن لم يكن لله، فتركه أولى؛ لأنّ هذا من طلب السمعة، وهو من شجرة الرياء الملعونة.
في القوّة الحقيقية
أيها العزيز...!
فكّر لتجد سبيلاً لنجاتك، واْعلم أنّ الشهرة بين الناس وَهمٌ باطل، إنّها ليست بشيء. إنّ قلوب هؤلاء الّتي لو أكلها عصفورٌ لما شبع، إن هي إلّا قلوب ضعيفة تافهة، ولا طاقة لها على شيء، وإنّ هذا المخلوق الضعيف لا حول له ولا قوّة. القوّة هي قوّة الله المقدّسة، فهو الفاعل المطلق ومسبّب الأسباب. ولو اْجتمع الناس جميعاً وكان بعضهم لبعض ظهيراً، لما استطاعوا أن يخلقوا ذبابة، وإذا سلبت منهم الذبابة شيئاً لما استطاعوا استرجاعه منها كما جاء في الآية الكريمة: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لاَ يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ﴾.
في عبادة النفس
أيها المسكين...!
الغافل عن المعارف الإلهيّة...! يا من لا تفهم سوى إرادة شهوتك وغضبك، أنت المتوسّل بالأذكار والأوراد والمستحبّات والواجبات، والتارك للمكروهات والمحرّمات والمتخلّق بالأخلاق الحسنة، والمتجنّب لسيّئات الأخلاق، ضع أعمالك أمام عين الإنصاف، أتقوم بها لأجل الوصول إلى الشهوات النفسانيّة والجلوس على سرر مطعّمة بالزبرجد، ومعانقة الضحوكات والدعوبات في الجنّة، وارتداء الحرير والاستبرق، والسكنى في القصور الفارهة الجميلة، والوصول إلى الأماني النفسيّة؟! أفينبغي أن تمنّ بهذه الأعمال على الله؟ وهي جميعاً لأجل النفس ومن أجل عبادتها، وتعدّها عبادة لله؟
في العبادة
أيها المسكين...!
أنت في حضرة الله جلّ جلاله، وفي محضر الملائكة المقرّبين، تعمل خلاف رضى الله تعالى، والعبادة الّتي هي معراج القرب من الله، تؤدّيها لأجل النفس الأمّارة بالسوء ولأجل الشيطان، وعندها لا تستحيي أن تكذب في العبادة عدّة أكاذيب في حضرة الربّ والملائكة المقرّبين وتفتري عدّة افتراءات، وتمنّ وتعجب وتتدلّل أيضاً، ولا تخجل بعد كلّ ذلك! بماذا تختلف عبادتي هذه وعبادتك عن معصية أهل العصيان، وأشدّها الرياء؟ فالرياء شرك وقبحه ناشئ من أنّك لم تؤدِّ العبادة لأجل الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أيها العزيز- ط 2011م , سلسلة سلسلة أيها العزيز , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية