تمهيد
تحتل الجماهير والشعب في فكر الإمام الخميني قدس سره مكانة كبيرة، فالشعب بالنسبة إليه هو الأساس في قيام الثورات الكبرى التي يمكن أن تغير الأنظمة الطاغوتية والفاسدة، وعلى هذا الاعتقاد كان عمله منذ الأيام الأولى للثورة الإسلامية في إيران، والتي أصبحت نموذجاً يحتذي به كل عشاق التحرر من قيود العبودية والتبعية، ومن هنا كان للإمام قدس سره أسلوبٌ خاص، ونظرة إكبار إلى الشعب ولا سيما الشعب الإيراني الشجاع، والذي كان عماد ثورته المباركة التي غيّرت وجه القرن العشرين، وسنتحدث في هذا الدرس عن الشعب ومكانته في فكر الإمام الخميني وخطه وما هي الإرشادات التي كان يعتبرها من وظائف الأمة.
الشعوب حرة في تقرير مصيرها
إن حرية تقرير الشعوب لمصيرها، وكون هذا الحق حقها المشروع الأول هو الحجر الأول في أساس نظرة الإمام الخميني قدس سره إلى الشعب، فمن حق أي شعب في أي مكان في العالم أن يقرر مصيره بيده، ومن حقه أن يختار أي نظام يشاء من الأنظمة، وهذا الحق حق ثابت غير قابل للتنازل عنه، وأما لو سلب الخيار من الأمة في تقرير المصير الذي تريده فإن الأمة ستصبر على مضض إلى حين وفي أي فرصة سوف تهب للتخلص من النظام الذي يشكل عبئا عليها، ويعمل بخلاف إرادتها، يقول الإمام الخميني قدس سره عن هذه النقطة الرئيسية:
"من الحقوق الأولية لأي شعب أن يمتلك حق تقرير المصير، وتعيين شكل ونوع الحكومة التي يريدها"[1].
علاقة الحاكم بالشعب
العلاقة بين الحاكم والشعب يركز الإمام الخميني قدس سره في مسألة علاقة الحاكم بالشعب على العديد من الأمور تنطلق من المعاني الإسلامية والأخلاق الرسالية، وهذه العناوين منها:
1- الحكومة من الشعب:
إن القاعدة بين المؤمنين هي القاعدة التي أرساها اللّه تعالى في كتابه حيث يقول: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[2].وانطلاقاً من الأخوة، لا بد وأن تحكم الأخلاق الإسلامية العلاقة بين الحاكم والمحكوم، فلا أفضلية للحاكم على المحكوم في الإنسانية بشيء، وكلٌّ من جانبه له دور يؤديه في خدمة الدين، إقامة القسط والعدالة، يقول الإمام قدس سره:
"اليوم هو يوم ينبغي عليكم فيه أن تحفظوا الإسلام، وحفظ الإسلام هو أن تصلحوا أعمالكم، وتتعاملوا مع الناس بسلوك حسن، وتكونوا أخوة للجماهير. لقد كانت الأنظمة السابقة تعتبر الجماهير منفصلة عنها، إذ كانوا في طرف والشعب في طرف آخر. وكانوا يسحقون الشعب، والشعب يسحقهم أيضاً لو تمكن من ذلك.
واليوم، فإن الجماهير ليست منفصلة عن حراس الإسلام، إن حكومة الإسلام ليست منفصلة عن الجماهير فهي من هذا الشعب ومن هذه الجماهير، أنتم أيضاً من هؤلاء الناس"[3].
2- كسب قلوب الجماهير:
إن كسب قلوب الجماهير ضمانة بقاء لأي حكومة قائمة، وإن نذير انفراط الحكومات يبين من خلال ابتعاد الناس وقلوبها عن هذه الحكومات، وكسب قلوب الناس لا يأتي من اللاشيء، بل من خلال التواضع والبذل والخدمة، وهذا ما كان يؤكد عليه الإمام الخميني قدس سره: "حاولوا أن تكسبوا قاعدة جماهيرية لكم، وهذا لا يتحقق إلا عندما لا
تظنون بأنكم أصحاب منصب ومقام، وينبغي لكم أن تمارسوا ضغوطاً على الجماهير، بل يجب أن تزداد الخدمة ويزداد التواضع للناس كلما ارتفع المنصب، فإذا استطعنا أن نحقق ذلك وانتبهنا إلى هذه الأمور، وأخذنا العبر من التاريخ، فإن جميع القوى يمكنها أن تكسب قاعدة جماهيرية تحفظها"[4].
3- عدم إخافة الناس:
إنّ إخافة الناس ليست وسيلة من وسائل المحافظة على بقاء النظام الإسلامي أو أي نظام آخر. إن القمع والترهيب والأساليب الديكتاتورية لن تجلب إلا غضب الشعب على الحاكمين، بينما الرفق والرأفة والتوجيه والنصح والعقوبة العادلة والعدالة بين الناس تجعل الأمة النصير الأول للحكومة التي تقيم هذه المفاهيم، يقول الإمام قدس سره:
"يجب أن يشعر الناس عند ذهابهم إلى مراكز الشرطة بأنهم ذاهبون إلى منازلهم، والى ذلك المكان الذي فيه العدل ولا وجود فيه للظلم، وإلى ذلك المكان الذي يحب الناس ولا يعاديهم. ولو حصل هذا فإن قلوب الناس ستنجذب، إن قلوب الناس سريعة الرضا، إن نفوس الناس هكذا، إنها ترضى سريعاً ويمكن كسبها بسرعة ولمدة طويلة عند أقل مداراة من صاحب منصب. اكسبوا قلوب الناس، ولتكن لكم قاعدة جماهيرية. وعندما تكون لكم مثل هذه القاعدة فإن اللّه يرضى عنكم والشعب كذلك، ويظل الحكم في أيديكم، ويبقى الناس سنداً لكم.
لا تجعلوا الناس يخشونكم، بل اعملوا ما يجعلهم يلتفون حولكم ويحبونكم ويكونون لكم سنداً، فلن تنهار الحكومة لو كانت الجماهير خلفها، إذا كان الشعب سنداً لنظام فإن ذلك النظام لن يسقط"[5].
واجبات الشعب
كما على الحاكم أن يراعي ما تقدم من الأمور التي دعا لها الإسلام، كذلك فإن على الشعب أن يقوم بالمهام التي ألقيت على عاتقه، ومن أهم هذه المهمات التي نبه إليها الإمام الخميني قدس سره:
1- مصلحة الإسلام والبلد:
رضا اللّه هو الأصل في كل الأمور، ولو لم يكن رضا اللّه تعالى أساس أي عمل فإن من الطبيعي أن لا ينتج إلا ما هو خلاف المصلحة، فعندما يكون رضا اللّه تعالى نصب عيني الإنسان فإن ذلك الإنسان سيقوم بأداء مسؤولياته بالشكل الأمثل والأكمل، ولا سيما في الأمور التي تتطلب منه اتخاذ قرارات، لها بعد سياسي أو اجتماعي، كالإنتخابات، فيصبح الانتخاب حينذاك انتخاباً لمن يحافظ على الشرع والدين والقيم الأخلاقية، يقول الإمام مخاطباً شعبه:
"إنني وفي أيام عمري الأخيرة أهاجر إلى دار الرحمة وكُلّي يقين وفخر بنبوغكم، وسوف يصل الفخر إلى حدّ الكمال عندما تكشفون عن كمال رشدكم الإنساني الإسلامي في انتخابات مجلس الشورى الإسلامي وانتخابات رئاسة الجمهورية.
أنت أيها الشعب العزيز الذي انتفضت لأجل اللّه ولأجل تحقيق رضاه وقد حققت معجزة الانتصار بتأييده وتوفيق ذاته المقدسة، حاول الآن في هذه المرحلة التي هي مقام امتحان أن لا تجعل مصلحة الإسلام والبلد الإسلامي فداءً لمصالحك الشخصية أو الفئوية"[6].
2- الشعور بالمسؤولية:
أول الواجبات الملقاة على عاتق الشعب هو الشعور بالمسؤولية، والشعور بالمسؤولية يكون من خلال الأمور التالية:
أ- الحفاظ على روح الإسلام في كل الأمور.
ب- تقديم الصورة الناصعة عن الإسلام من خلال السلوك على النهج الإسلامي والأخلاق الإسلامية.
ج- توجيه المسؤولين الذين ينحرفون عن خط الإسلام، وتنبيههم إلى هذا الأمر.
وهذه النقاط أكد عليها الإمام الخميني قدس سره حيث يقول:
"هذه نصيحة عامة لها أهمية عندي، وهي لجميع أبناء الشعب، انتبهوا بدقة حتى لا تخطوا خطوة مغايرة للإسلام، انتبهوا بدقة تامة للّجان التي تحت كفالتكم لئلّا يكون فيها أشخاص يعملون خلاف الإسلام. انتبهوا حتى لا يرتكب أشخاص باسم الإسلام وباسم المسلمين عملاً يسيء للوجه الناصع للإسلام، فهذا في نظري أهم من جميع الأمور.
كلنا مسؤولون عن إداء هذا العمل، أي أن نبذل ما في وسعنا حتى لا يُظن بأن الإسلام مثل سائر الحكومات الأخرى، وأنه لم تكن لهم القدرة من قبل، وبعد أن أصبحوا مقتدرين بقوا على حالهم. إن هذه المسألة مهمة، فليحذر السادة كثيراً. إن جميع أبناء الشعب مكلفون بالإشراف على جميع الأمور المرتبطة بالإسلام الآن، فلو شاهدوا أن أحد أعضاء اللجان الثورية. لا سمح اللّه. ارتكب عملاً مغايراً لمقررات الإسلام لوجب على الفلاح أن يعترض، وعلى الكاسب أن يعترض، يجب على المعممين وعلماء الدين الاعتراض، أن يعترضوا ليصححوا الانحراف.
بناءً على ذلك فإن الشيء المهم من وجهة نظري هو أن نلتفت جميعاً، وجميع الفئات إلى هذا الأمر... (كلكم راع) ولينتبه الجميع لهذه المسألة"[7].
3- إصلاح المجتمع:
وهنا تظهر أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذه الفريضة الإلهية التي تُعنى أساساً بصيانة المجتمع والحفاظ على قيمه وأخلاقه وسلوكه القويم، يقول الإمام قدس سره:
"لو أن فرداً ذا مرتبة دنيا في أعين الناس، شاهد انحرافاً من شخص ذي مرتبة عليا في أعين الناس، فإن الإسلام يأمره بالذهاب إليه ونهيه. يجب أن يقف أمامه ويقول له بأن عملك هذا انحراف، فكفّ عنه...
فالتربية الإسلامية تؤكد عدم محاباة أي شخص في سبيل تنفيذ الأحكام الإلهية، والقيام بالنهضات الإسلامية. فهذا سيد وذاك ليس بسيد، وهذا أب وذاك ابن، وهذا رئيس وذاك مرؤوس، فهذه أمور غير مطروحة أبداً. الموضوع هو هل يعمل هذا ضمن النهج الإسلامي أم لا؟
فإذا كان في طريق الإسلام فإنه يجب تشجيعه أياً كان وإبداء الودّ له. أما لو لم يكن كذلك، أي إنه عمل خلافاً للإسلام فإن الجميع مكلفون بمنعه سواء كان عالماً كبيراً أو رئيساً أو متشرداً.
حاولوا أن تطبقوا أحكام الإسلام، وأن تدفعوا الآخرين أيضاً للعمل بها، فكما أن كل إنسان مكلف بإصلاح نفسه فإنه مكلف بإصلاح الآخرين، وهذا هو الهدف من مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لكي يتم إصلاح المجتمع"[8].
4- عدم التأثر بالإعلام المعادي:
فإن وسائل الإعلام المعادية للأمة تحاول أن تمارس على الشعوب حرباً نفسية لتهزم بذلك النفوس، وتحبط العزائم، فعلى الأمة أن تحذر كل الحذر من محاولات إيجاد الشرخ بينها وبين المخلصين من مسؤوليها، والتنبه جيداً لما يحاك من المؤامرات عليها، والتي تجنَّدُ لها كلُّ الوسائلِ والأبواقِ الدعائيةِ المغرضة، وينبهنا الإمام الخميني قدس سره من هذه الأساليب بقوله:
"كما أوصيهم مؤكداً أن لا يستمعوا إلى الأبواق الإعلامية لأعداء الإسلام والجمهورية الإسلامية، فجميع أولئك جاهدون لإخراج الإسلام من الساحة حفاظاً على مصالح القوى الكبرى"[9].
[1] من خطاب للإمام الخميني قدس سره بعنوان: مكانة الجماهير.
[2] سورة الحجرات، الآية 10.
[3] من خطاب للإمام الخميني قدس سره بعنوان: مكانة الجماهير.
[4] من خطاب للإمام الخميني قدس سره بعنوان: مكانة الجماهير.
[5] المصدر نفسه.
[6] الوصية الإلهية الخالدة.
[7] من خطاب للإمام الخميني قدس سره بعنوان: مكانة الجماهير.
[8] من خطاب للإمام الخميني قدس سره بعنوان: مكانة الجماهير.
[9] الوصية الإلهية الخالدة.