الجمعة 22 تشرين الثاني 2024 الموافق لـ 12 جمادى الاولى 1446هـ

» نداءات الحوزة العلمية

الجهاد والشهادة

يقول اللّه تعالى في محكم آياته: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾[1].

إن الشهادة في سبيل اللّه تعالى هي إحدى الطرق للوصول إلى رضا اللّه والقرب منه، ومعنى الشهادة أن يقتل الإنسان في سبيل هدف سامٍ ونبيل في طاعة اللّه عز وجل. وعند الحديث عن الشهادة في فكر الإمام الخميني الراحل قدس سره وخطه المبارك، فلا بد من الإشارة إلى العديد من العناوين الأساسية التي أشار إليها رضوان اللّه تعالى عليه، ومنها أجر الشهيد، وكيف يصل الإنسان لمقام الشهادة في سبيل اللّه تعالى، لا بد من الإشارة إلى مجتمع الشهداء الأحياء.

أجر الشهيد
ينطلق الإمام الخميني  قدس سره في حديثه عن أجر الشهداء من الحديث المشهور عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "فوق كل ذي برّ برّ حتى يقتل الرجل في سبيل اللّه، فإذا قتل في سبيل اللّه فليس فوقه بر..."[2].

فمن خلال هذا الحديث والكثير من الأحاديث الأخرى يتحدث الإمام عن الشهداء بلسان العاجز عن التحدث عن الثواب الجزيل والمقام الذي وصلوه، فيقول قدس سره:

"نحن والكتّاب والخطباء والبلغاء، إذا أردنا إحصاء قيمة وأجر عمل الشهداء والمجاهدين في سبيل اللّه وتضحياتهم وسعة نتائج شهادتهم، لا بد أن نعترف بالعجز، فما بالنا إذا أردنا إحصاء المراتب المعنوية والمسائل الإنسانية والإلهية المرتبطة بالشهادة، هنالك العجز والتواني بلا ريب"[3].

فمن يرجع لما روي في الأحاديث الشريفة عن الشهادة وأجرها لا بد وأن يقف موقف العاجز عن الإحصاء والعد، بل قد تخون العبائر الإنسان فيما لو أراد أن يصف مقام الشهداء الحقيقي، وكما يقول الإمام  قدس سره: "لا يمكن للألفاظ والتعابير وصف أولئك الذين هاجروا من دار الطبيعة المظلمة نحو اللّه تعالى ورسوله الأعظم وتشرفوا في ساحة قدسه تعالى"[4].

فلسفة الشهادة
يخال البعض أن الشهادة هي خسارة وثغرة تفتح في جسد الأمة، لأن فقدان جيل الشباب على الجبهات خسارة للجيل النامي في الأمة، إلا أن المسألة تكون كذلك لو كان الهدف من الجهاد أن نحافظ على أنفسنا فحسب، وحينما نفقد أنفسنا نكون قد خسرنا المعركة وحلت علينا الهزيمة، ولكن الهدف من الجهاد، هو تحقيق الهدف الإنساني الأكبر الذي يريده اللّه تعالى من الإنسان، وهو الوصول إلى طاعة اللّه تعالى، من خلال أداء التكليف الإلهي بحفظ كرامة الأمة وأعراض المسلمين ومقدساتهم، ويقول الإمام الخميني  قدس سره عن هذه المسألة:

"أنتم غلبتم أهواءكم، أنتم في خلف الجبهات وإخوانكم في الجبهات، جاهدتم أنفسكم وعلمتم أن الحياة أبدية وأن هذه الحياة الحيوانية المادية زائلة، فأنتم إذن منتصرون وما دامت هذه عقيدتكم فأنتم الغالبون حتى ولو انهزمتم صورياً ومادياً"[5].

ويشير الإمام الخميني قدس سره إلى مسألة مهمة للغاية عند التحدث عن مقام الشهداء حيث يشير إلى أن قياس الشهادة بالموازين الدنيوية والحسابات المادية مسألة مهينة لمعنى الشهادة يقول  قدس سره:

"يجب أن يعلم عملاء أمريكا أن الشهادة في سبيل اللّه لا يمكن أن تقاس بالغلبة أو الهزيمة في ميادين القتال، مقام الشهادة نهاية العبودية والسير والسلوك في العالم المعنوي. لا تحقروا مقام الشهادة لتقابلوها بفتح خرمشهر أو سائر المدن، إنها أوهام القوميين الباطلة"[6]، الهدف الحقيقي الذي رسمه اللّه سبحانه وتعالى للإنسان يتلخص بقوله تعالى: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾[7].
والشهادة هي أقرب طريق للوصول إلى ثمرة العبادة وهي القرب من اللّه عز وجل.

كيف تكون شهيداً؟
لا شك أن الشهادة نعمة إلهية يمنحها اللّه سبحانه وتعالى، ولا يقدر عليها الإنسان بنفسه.

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "إن الشهادة بالنسبة لنا فيض نوراني عظيم".
ولكن هذا لا يعني أن اللّه سبحانه وتعالى يمنحها لأي كان، وبشكل عشوائي، يقول الإمام الخميني  قدس سره: "الشهادة هدية من اللّه تبارك وتعالى لمن هم أهل له"[8]. فعلى الإنسان أن تتوفر فيه صفات الشهيد ويكون أهلاً للشهادة حتى يمن اللّه تعالى عليه بها ومن هذه الشروط:

1- الزهد في الدنيا:
إن كان للدنيا من قيمة فلأنها مزرعة الآخرة، ومسجد أولياء اللّه، وطريق الوصول إلى ساحة رضاه، فلو قطعناها عن كل ذلك ونظرنا إليها نظرة مادية، فلن يكون لها أي قيمة على الإطلاق، كما أخبر عنها أمير المؤمنين عليه السلام في كلام له:

"كأنهم لم يسمعوا كلام اللّه حيث يقول: ﴿تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾[9], بلى واللّه لقد سمعوها ووعوها، ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها. أما والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر، وما أخذ اللّه على العلماء أن لا يقاروا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز ..."[10].

هكذا يجب أن يكون المجاهد في سبيل اللّه، زاهداً بالدنيا عارفاً بمقام الشهادة ﴿وَلَئِن قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ﴾[11].

فإن الإنسان كلما اقترب من الآخرة وابتعد عن التعلق بالدنيا، يكون بذلك قد مهد الطريق لنفسه للانخراط في سلك الشهداء الذين يختارهم اللّه تعالى، ويحبرهم بلباس كرامتها.

وقد أكد الإمام الخميني قدس سره على ذلك في كلماته: "إن الدنيا بجميع بهارجها واعتباراتها هي أقل بكثير من أن تكون جزاءً ورتبة للمجاهدين في سبيل اللّه".

"إن المجاهد في سبيل اللّه أسمى من أن يقيّم عمله النفيس بزخارف الدنيا".
"... لم يبيعوا أرواحهم بثمن بخس، ولم تلههم زخارف الدنيا الفانية وتعلقاتها"[12].

2- الارتباط بمدرسة عاشوراء:
إن تاريخ المسلمين حافل بالجهاد والشهادة، وليس غريباً على المسلمين أن يرتفع شبابهم شهداء إلى بارئهم مخضبين بدمائهم، "القتل لنا عادة".

فمدرسة عاشوراء هي المعين الذي لا ينضب وهي الخزان الأكبر للمعاني الأخلاقية الأسمى، فمنها يتعلم الإنسان القيم الدينية والإنسانية كالتضحية والإيثار والبذل وعزة النفس والاستقامة في الحياة، وإلى ذلك يشير الإمام الخميني  قدس سره في كلماته: "نحن لا نبالي إذا سكبت دماء شبابنا الزاكية في سبيل الإسلام، لا نبالي إذا أضحت الشهادة ميراثاً لأعزائنا، إنه الأسلوب المرضي المتبع لدى شيعة أمير المؤمنين عليه السلام منذ ظهور الإسلام إلى اليوم"[13].

"منهاج الشهادة القاني، منهاج آل محمد وعلي، ولقد انتقل هذا الفخر من آل بيت النبوة والولاية إلى ذراريهم وأتباع مناهجهم"[14].

"لقد قدمت أمة الإسلام من محراب مسجد الكوفة إلى صحراء كربلاء وعلى مر تاريخ التشيع الأحمر، قدمت ضحايا قيمة إلى الإسلام العزيز وفي سبيل اللّه"[15].

فما دام القتل لنا عادة فلن يكون له آثار سلبية على المجتمع ولن يتسبب بحصول تراجع وضغط كما نرى في الكثير من المجتمعات الأخرى.

إن ثورة أبي عبد اللّه الحسين عليه السلام بما تحمل من رسالة كتبت بأطهر دماء الأرض لتخترق بنورها كل أنواع الحجب وتصل إلى آذاننا، هي القادرة على صنع الشهداء بكل ما يحتاجه الشهيد من مواصفات إلهية، وقد استطاعت هذه المدرسة أن تخرّج ببركتها قوافل الشهداء على مر التاريخ.

يقول الإمام الخميني  قدس سره: "مهما كان، فإن قلمي ولساني عاجزان عن ترسيم المقاومة العظمى لملايين المسلمين، عشاق الخدمة والإيثار والشهادة في هذا البلد، بلد صاحب الزمان أرواحنا فداه، ولا يمكن توصيف مجاهدات وبطولات وخيرات وبركات هؤلاء الأبناء المعنويين لكوثر فاطمة الزهراء عليها السلام، وبالتأكيد فإن هذه البطولات نابعة من منهج الإسلام الأصيل وأهل البيت، ومن بركات ولاية إمام عاشوراء عليه السلام"[16].

3- الارتباط بالشهداء:
وبالإضافة للارتباط بهذه المدرسة التاريخية العظيمة، يجب الاستفادة من أنوار شهداء هذا العصر أيضاً وزيادة الارتباط بهم، والتعرف على روحيتهم ومسلكيتهم وقراءة وصاياهم، لأن وصاياهم تهز الأنفس وتوقظ الضمائر التي يحاول الشيطان أن يخرسها ويمحو صوتها الموجه إلى الصلاح.

فالارتباط بالشهداء يقرب روحية الإنسان من روحيتهم، حتى يصير واحداً منهم جاهزاً لتلقي هذا الفيض الإلهي الذي تلقوه، وهو الشهادة.

وقد أكد الإمام الخميني  قدس سره في الكثير من المناسبات، أن الشهداء يعتبرون قادة المسيرة، وأنهم المعلمون في دنيا الجهاد، وعلينا أن نستفيد منهم، فمما قاله في هذا السياق:

"إن قائدنا هو ذلك الطفل ذو الاثني عشر عام[17]، صاحب القلب الصغير، الذي يفوق المئات من ألسنتنا وأقلامنا فضلاً، الذي حمل قنبلته ورمى بنفسه تحت دبابة العدو ففجرها محتسياً شراب الشهادة".

"الذين أوقدوا - بدمائهم الطاهرة - مشاعل طريق الحرية لكل الشعوب المكبلة". "إن من كل شعرة تمس أو قطرة دم تسفك لشهيد، يولد معها رجال مجاهدون ومصممون"[18].

4- العزم الراسخ والهمة العالية:
يقول الإمام الخميني  قدس سره: "أيها الشهداء، إنكم شهود صدق والمذكورون بالعزم والإرادة الثابتة الفولاذية لخير عباد اللّه المخلصين، الذي سجلوا بدمائهم وأرواحهم أصدق وأسمى مراتب العبودية والانقياد إلى المقام الأقدس للحق جل وعلا، وجسدوا في ميدان الجهاد الأكبر مع النفس والجهاد الأصغر مع العدو، حقيقة انتصار الدم على السيف وغلبة إرادة الإنسان على وساوس الشيطان"[19].

ويقول أيضاً: "العزم الراسخ والهمة العالية للشهداء، ثبتت قواعد الجمهورية الإسلامية في إيران وأضحت ثورتنا في أشمخ قلل العزة والشرق تنير الدروب لهداية الأجيال المتعطشة"[20].

مجتمع الشهداء الأحياء
قد نأسف عندما نجد مجاهداً مات على فراش المرض في نهاية الأمر بعد سنين طويلة من الجهاد. إن هذا الأسف في غير محله، لأنك إن أصلحت نيتك، وجعلت هدفك خالصاً لله، ووصلت إلى مرحلة عشقه سبحانه وتعالى، وزهدت بالدنيا، وتمنيت الشهادة، وارتبطت بمدرسة كربلاء، فأنت لست مجرد إنسان أهل للشهادة، بل أنت شهيد فعلاً! شهيد حي، وهذا ما تؤكده الروايات. فعن رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: "من سأل اللّه الشهادة بصدق، بلغه اللّه منازل الشهداء وإن مات على فراشه"[21].

وفي رواية أخرى عنه: "من طلب الشهادة صادقاً أعطيها ولو لم تصبه"[22].
إذاً فلتكن مع الشهداء وفي خطهم واحمل بين جنبيك روحيتهم، فستكون شهيداً.


[1] سورة التوبة، الآية 20.
[2] الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص 348.
[3] صحيفة النور، ج20، ص 188.
[4] المصدر نفسه، ج19، ص 40.
[5] المصدر سابق، ج16، ص 58.
[6] صحيفة النور، ج 21، ص83.
[7] سورة الذاريات، الآية 56.
[8] صحيفة النور، ج10، ص 111.
[9] سورة القصص، الآية 83.
[10] الشريف الرضي، السيد محمد الرضي بن الحسن الموسوي، نهج البلاغة (خطب الإمام علي عليه السلام)، تحقيق وتصحيح: صبحي الصالح، لا.ن، لبنان - بيروت، 1387هـ - 1967م، ط1، ص49، الخطبة الشقشقية.
[11] سورة آل عمران، الآية 157.
[12] صحيفة النور، ج19، ص 296.
[13] صحيفة النور، ج5، ص 269.
[14] المصدر نفسه، ج15، ص 154.
[15] المصدر نفسه، ج15، ص 252.
[16] صحيفة النور، ج 20، ص 166.
[17] إشارة إلى الشهيد حسين فهميده أحد أفراد التعبئة، والذي قام بعملية استشهادية حيث فجر نفسه بدبابة عراقية من خلال حزام ناسف كان معه رغم صغر سنه.
[18] كلمة ألقاها بتاريخ 11 - 2 - 1958م.
[19] صحيفة النور، ج19، ص 296.
[20] المصدر نفسه، ج20، ص 59.
[21] مسلم النيسابوري، مسلم بن الحجاج، الجامع الصحيح (صحيح مسلم)، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، لبنان- بيروت، لا.ت، لا.ط، ج6، ص9.
[22] المصدر نفسه.

1144 مشاهدة | 29-11-2020
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مجلس عزاء عن روح الشهيد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورفاقه

رحيل العلامة المحقق الشــيـخ علي كـوراني العاملي (رحمه الله)

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

المسابقة العلمية الرابعة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

حفل تكريم المشاركات في دورة مشروع الفكر الإسلامي في القرآن

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

لقاء مع المربي العلامة الشيخ حبيب الكاظمي

احتفال في ذكرى المولد الشريف

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة