تمهيد
يقول الإمام الخميني قدس سره: "كلّنا مأمورون بأداء التكليف والواجب، ولسنا مأمورين بتحقيق النتائج"[1].
ثقافة التكليف التي كثيراً ما نسمعها من الواعظين، والمرشدين من العلماء تعني باختصار شديد، الالتزام بالتكليف الشرعي الإلهي، ويمكن لنا في إطار الحديث عن هذا المفهوم أن نسلط الضوء لى بعض المسائل التي ترتبط بثقافة التكليف بصلة وثيقة، كالروحية التي ينبغي وجودها في الإنسان الذي يتصف بالالتزام بالتكليف الإلهي، والغرض من هذا الإلتزام، وكذلك من يحدد لنا التكليف الشرعي هذا؟
من أين يأتي التكليف الشرعي؟
عندما نقول التكليف الشرعي، فإن ذلك يعني بالدرجة الأولى أن التكليف نابع من الإسلام، وهذا ما يكسبه الشرعية عندما نصفه بالشرعي، هذا التكليف الذي يشمل جوانب حياة الإنسان كافة، سواء كانت فردية أم اجتماعية أم سياسية...، يقول الإمام الخميني قدس سره:
"حدد الإسلام التكليف في كل شيء، ووضع القوانين لكل شيء، ولا حاجة بالمسلمين لتقليد أحد، أو اتّباعه في قوانينه"[2].
من يحدد لنا التكليف الإلهي؟
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً﴾[3].
يشير اللّه تعالى في الآية الشريفة إلى الأشخاص الواجبي الطاعة، وهم بالدرجة الأولى النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، وبعده قام أمير المؤمنين علي عليه السلام بأمر من اللّه تعالى ليؤدي هذه المهمة ثم إمام بعد إمامٍ كانوا أولياء الأمر في هذه الأمة إلى زمن غيبة إمامنا الحجة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، وقد حدد لنا الأئمة عليهم السلام من نتبعهم في عصر الغيبة الكبرى لإمام الزمان عجل الله تعالى فرجه الشريف، وهم العلماء الجامعون للشرائط (الولي الفقيه).
ورد عن الإمام الحجة عجل الله تعالى فرجه الشريف: "أما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة اللّه"[4].
وطاعة الولي يمكن أن تكون من خلال التزام أوامر صدرت منه مباشرة أو من خلال قنوات تنظيمية أوكل الأمر إليها من قبل الولي الفقيه، فعندما يأتينا أمر معين صادرٌ عن الولي مباشرةً أو من خلال وكيله أو من ينوب عنه، فإنه سيصبح تكليفاً شرعياً علينا أن نقوم به.
علاقتنا بالتكليف
عندما تكون علاقتنا بالتكليف الشرعي هي علاقة التسليم للأمر الإلهي، عندها ستترسخ في عقيدة الإنسان أن التكليف المناط به، هو أمر ينتهي إلى اللّه سبحانه تعالى.
ولهذا فالإمتثال للتكليف لا يخرج عن عنوان طاعة اللّه تعالى، ولا يخضع لمزاج الأشخاص والأفراد ورؤيتهم الخاصة للأمور، وإلا فإن نظام القيادة في الإسلام سيختل، وسنتحدث في ما يلي عن ارتباط بعض المسائل بالتكليف وعلاقتها به:
1- التكليف والمال:
قد يحصل أن تقدم بعض الجهات مبالغ مالية مقابل القيام ببعض المسؤوليات التي تصب في صالح الإسلام وأمة المسلمين، وأخطر ما في الأمر أن تصير هذه المبالغ المادية هدفاً بحد ذاته، بحيث لو توقف المال توقف عن أداء مسؤولياته، وهذه المسألة نابعة من حب الدنيا، وأما الروحية التي ينبغي أن تحكم علاقتنا بالتكليف فهي روحية البذل والعطاء فلو لم تكن أمور المسلمين لتستقيم إلا ببذل الإنسان من حسابه ومن جيبه الخاص فعليه أن لا يبخل على الإسلام، وهكذا كان الإمام الخميني قدس سره، فقد وهب ماله من الأملاك من أرض وعقار قبيل وفاته إلى أيتام الشهداء، وهكذا كان يفعل بما يقدم له من الهدايا ذات القيم المالية الكبيرة، يقول قدس سره:
"لست بحاجة للمال، وسوف أتصدى لمواجهة الملك بقلم وعدة صفحات من الورق، وإذا ما احتجت المساعدة يوماً، فإن شعبي سيساعدني"[5].
فلم يكن الإمام يوماً ليقول لو أنني أصبحت مفلساً سأتخلى عن مسؤوليتي في قيادة الأمة والثورة، بل ناضل بأقل الإمكانات ووصل بهم الأمر في بعض ليالي باريس إلى تقسيم الطعام القليل الذي في بيتهم في ما بينهم.
وخلاصة الأمر: إن التكاليف الشرعية لا تسقط عن المكلفين بسبب شح الموارد المالية وما شابه هذا من الأسباب الدنيوية التافهة، وهي كما يصفها الإمام قدس سره: "التكاليف الإلهيّة هي أمانات اللّه"[6].
2- التكليف والاعتبارات الشخصية:
عندما نتحدث عن التكليف، فإنه لا مجال للحديث عن الاعتبارات الشخصية، فإنها تسقط أمام مصلحة الإسلام والمسلمين، وهكذا كانت سيرة الإمام الخميني قدس سره حيث واجه التحديات والنفي من بلد إلى بلد... لأجل أداء التكليف فقط، وهذا ما أكد عليه في كلماته أيضاً، يقول قدس سره: "ليس مهماً عندي أين أكون، المهم هو العمل بالتكليف الإلهي، والمهم هو مصالح الإسلام والمسلمين العلي"[7].
التكليف ونتائجه
إن اللّه سبحانه وتعالى هو علّام الغيوب، وهو العالم بالنتائج الحقيقية لكل أمر، بل أنه هو تعالى الذي يحقق النتائج بتوفيقه وتسديده ومنّه على عباده، لذلك فإن على الإنسان القيام بتكليفه والالتزام بالواجب الشرعي، وأما النتائج والتوفيق فهما من اللّه تعالى والإنسان غير مكلف بهما، يقول الإمام الخميني قدس سره: "أما بالنسبة للنتائج الموجودة فيمكن أن تتحقق ويحتمل أن لا تتحقق. وفي هذه الأمور التي يجب على الإنسان القيام بها كتكليف شرعي لا يجب ولا يشترط أن نحصل على العلم بحتمية تحقق الأهداف التي نرجوها منها. بل يجب أن يكون اهتمام المرء بها كتكاليف كلّف بها وعليه أن يعمل بها.
عندما عارض الإمام أمير المؤمنين عليه السلاممعاوية، كان بالطبع يريد عزله عن مقامه لفسقه ونهبه أموال الناس، وتنصيب إنسان عادل سليم في منصبه في الشامات، سوريا والمناطق المجاورة لها، ولكن مجابهة ظلم معاوية كان تكليفاً شرعياً وجب عليه القيام به وتعريف الناس بحقيقة أن معاوية ظالم ويجب طرد أمثاله. فقام بهذا التكليف الشرعي لكنه لم ينجح في عزل معاوية عن مقامه.
كما ثار الإمام سيد الشهداء ضد يزيد ولعله كان مطمئناً بأن لن ينجح في إسقاطه من السلطنة، بل هذا هو الواقع فعلاً حيث تذكر الأخبار أنه كان عالماً بعدم نجاحه في ذلك لكنه رغم ذلك. وعملاً بواجب الثورة ضد النظام الظالم حتى لو كان مصيره القتل. ثار ضد يزيد وقدم الضحايا وقاتل وقتل منهم حتى استشهد".
[1] الكلمات القصار للإمام الخميني قدس سره، مصدر سابق، ص59.
[2] صحيفة النور، مصدر سابق، ج٢، ص34.
[3] سورة النساء، الآية 59.
[4] الصدوق، الشيخ محمد بن علي، كمال الدين وتمام النعمة، تصحيح وتعليق: علي أكبر الغفاري، مؤسسة النشر الإسلامي التابعة لجماعة المدرسين بقم المشرفة، إيران- قم، 1405ه. 1363ش، لا.ط، ص484.
[5] جمعية المعارف الإسلامية والثقافية، الكلمات القصار للإمام الخميني قدس سره، مصدر سابق، ص308.
[6] المصدر نفسه.
[7] جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، الكلمات القصار للإمام الخميني قدس سره، مصدر سابق، ص308.