تشير إحدى الروايات أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان في خطبة الجمعة الأخيرة من شهر شعبان يُنبّه الناس للإستعداد لاستقبال شهر رمضان المبارك قائلاً: (قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة).
قال الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) في خطبته التي أشرنا إليها عن شهر رمضان: (شهر دعيتم فيه الى ضيافة الله) وهي جملة تحتاج في حدّ ذاتها الى تدبّر وتأمل.
فالله تعالى لم يجبر جميع الناس على الاستفادة من هذه الضيافة، بل جعلها فريضة علينا لكنه تركنا مختارين في الاستفادة من هذه الضيافة. إذ لا يجد البعض فرصة للاهتمام بهذه الضيافة، لغفلتهم وانغماسهم في أهوائهم الدنيوية والمادية الى درجة أنّ شهر رمضان يمرّ عليهم دون أن يشعروا به. شأنهم في ذلك شأن من يُدعى الى ضيافة كثيرة الخير والبركة لكنه لا يجد فرصة حتى للنظر في بطاقة الدعوة. فمثل هؤلاء يخرجون من هذه الضيافة خالي الوفاض تماماً.
البعض الآخر يعلم بهذه الضيافة لكنهم لا يذهبون إليها، وهم مَنْ حرمهم الله من لطفه وعنايته؛ فلم يصوموا هذا الشهر المبارك دون عذر شرعي، أو أنهم لم يوفّقوا لتلاوة القرآن أو الاستفادة من أدعية هذا الشهر المبارك. وجزاء من لا يذهب الى هذه الضيافة معلوم.
أما أغلب المسلمين ـ أمثالنا ـ فإننا نلبّي هذه الدعوة، لكننا نتفاوت في مقدار ما نستثمره منها. إذ يغتنم بعضنا هذه الفرصة فيستفيد منها بأكبر قدر ممكن.
ولعلّ ترويض النفس لتحمّل الصيام ومشقّة الجوع والعطش، أهم ما نستفيد من هذه الضيافة الإلهية؛ لِمَا يحمله الصيام من بركات وصفات معنوية تزيد الإنسان إيماناً ونوراً.
أما أهم الأعمال في هذا الشهر المبارك فهو اجتناب الذنوب، إذ نجد في نفس الخطبة التي أشرنا إليها أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) يسأل الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) عن أفضل الأعمال في شهر رمضان، فيجيب الرسول (صلى الله عليه وآله): (الورع عن محارم الله).
فاجتناب الذنوب والورع عن المحارم مقدمة على جميع الأعمال الحسنة؛ لِمَا يؤديه ذلك من تطهير للنفس وصفاء للقلب.
إذاً في هذا الشهر المبارك، صيام، وتلاوة قرآن ودعاء وذكر، واجتناب للذنوب، وكل هذه الأعمال تقرّب الإنسان من كماله الأخلاقي الذي يدعو إليه الإسلام: تطهّر قلب الإنسان من الضغينة والحقد وتحيي في نفسه روح التضحية والفداء، والأخذ بأيدي المحرومين والضعفاء، وتدفع الإنسان الى الإيثار في الأمور المادية. وتزداد أعمال الخير وتسود المحبة بين أفراد المجتمع أكثر من أي وقت آخر، وليس هذا إلاّ ببركة هذه الضيافة الإلهية.
لذا يجب على جميع المسلمين الاستفادة القصوى من بركات هذه الضيافة الإلهية وطلب رحمة الله ومغفرته. ولا يحصل ذلك إلاّ بالاستغفار: الاستغفار من الذنوب؛ سواء كانت من الكبائر أو الصغائر.
*من كلمة الإمام الخامنئي في صلاة أول جمعة من شهر رمضان المبارك. الزمان: 23/6/1386هـ. ش ـ 2/9/1428هـ.ق ـ 14/9/2007م.