من كلمة الإمام الخامنئي في علماء الدين وطلّاب الحوزات الشيعة والسنّة بكردستان 13-5-2009
السنة والشيعة مدعوون لعدم تحويل خلافهم الفكري إلى عداء
ضرورة معرفة العدو من الصديق
على رجل الدين في هذا الزمن التعرّف على الأفكار الجديدة والاطّلاع على طرق الأعداء وأساليبه، وأن يكون عالمًا بزمانه: "العالم بزمانه لا تهجم عليه اللوابس"[1]؛ كجبهة الحرب تمامًا. قد يكون الكثيرون من الحاضرين في هذا الاجتماع ممّن شهدوا جبهات القتال - لم يشهد الشباب تلك الأيام طبعًا - ففي جبهات القتال تتساقط القذائف وزخّات الرصاص وتأتي صنوف النيران من كلّ حدب وصوب، وتمرُّ فوق رأس الإنسان، بحيث يضِلّ اتّجاهه أحيانًا ولا يدري، هل هذا الرصاص وهذه القذائف تُطلق من قبل العدوّ أم أنّ الصديق هو الذي يدكّ مواقع العدوّ؟ هذا خطرٌ كبيرٌ جدًّا. الخطر الأكبر بالنسبة إلى المقاتل هو أن يضلّ اتّجاهه ولا يعلم أين العدو وأين الصديق. إذا لم يعلم أين العدو وأين الصديق، فقد يفتح النار على الصديق، ظنًا منه أنّه يطلق النيران على العدو؛ هذه حالة خطيرة جدًّا. البعض منّا يطلق النار على الأصدقاء ويتوهّم أنّه يطلق النيران على العدوّ! البعض منّا يغفل عن أنّ بثّ الخلافات الطائفيّة مخطّط يريده العدوّ ليشغلنا بعضنا ببعض. نغفل؛ فتصبح ذروة همّة الشيعي ضرب السنّي وكلّ همّة السنّي ضرب الشيعي. هذا شيء مؤسف جدًّا، وهو ما يريده العدو.
مضاعفات الغفلة عن تشخيص "العدو:
أــ إمتناع البعض عن دعم أهل غزة باعتبارهم نواصب!
أضربُ مثالًا من قضيّة؛ "دعم فلسطين"، حيث لم يبلغ أيّ بلد ولا أيّة حكومة ما بلغته الجمهوريّة الإسلاميّة في دعم فلسطين. وهذا ما يعترف به العالم كلّه. ووصلت الأمور إلى درجة أنّ بعض البلدان العربيّة امتعضت جدًّا وقالت: إنّ إيران تبذل كلّ هذه الجهود هنا من أجل مصالحها وأهدافها. طبعًا لم يبال الفلسطينيّون بهذا الكلام. ومن ذلك ما حدث في قضيّة غزة - في حرب الـ 22 يومًا التي وقعت قبل أشهر- حيث عملت الجمهوريّة الإسلاميّة بكافّة مستوياتها: من القيادة ورئاسة الجمهوريّة والمسؤولين والمدراء والجماهير والتظاهرات والأموال والمساعدات والحرس الثوري وغير ذلك؛ عمل الجميع لخدمة الإخوة الفلسطينيّين المظلومين المسلمين، وفي ذروة هذا الوضع شاهدنا فجأةً، أنّ فايروسًا ينتشر ويتكاثر؛ حيث يتردّد باستمرار إلى بعض العلماء والمحترمين والمبرّزين ويقولون لهم: من هؤلاء الذين تساعدونهم؟ أهالي غزّة من النواصب! والنواصب هم أعداء أهل البيت، وصدّق بعضهم ذلك! ورأينا بعض الرسائل والردود تقول: إنّ هؤلاء نواصب. قلنا: العياذ بالله، لعنة الله على الشيطان الرجيم الخبيث. في غزّة هناك مسجد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ومسجد الإمام الحسين، كيف يمكن أن يكونوا نواصب؟ نعم، هم سُنّة لكنّهم ليسوا نواصب. فهؤلاء المغرضين هكذا تحدّثوا وعملوا وبادروا.
ب ــ الإشتباه بإهانة الشيعة لمقدسات السنة
وهناك في الاتّجاه المقابل أيضًا، تذهب جماعة إلى قم، يفتّشون بين طيات الكتب الشيعيّة، ليجدوا أين أُهينت مقدّسات أهل السنّة، يصوّرونها ويوزّعونها في المحافل السنيّة ويقولون: هذه كتب الشيعة. أو يجدوا خطيبًا جاهلًا غافلًا أو مغرضًا يُسيئ إلى مقدّسات أهل السنّة على المنبر، فيسجّلون كلامه على شريط أو على قرص مضغوط ويوزّعونه هنا وهناك، ويقولون: انظروا، هؤلاء هم الشيعة. يشوّهون هذا عند ذاك وذاك عند هذا[2]. فما معنى هذه المساعي؟! ما معنى ﴿وتذهب ريحكم﴾[3]؟ هذا هو معناها في النهاية. حينما يشيع الخلاف والتفرقة وسوء الظن فيما بيننا، وحينما يعتبر بعضُنا بعضًا خونة، فمن الطبيعي أنّنا لن نتعاون. وحتى لو تعاونّا فلن نكون ودودون بعضنا مع بعض. وهذا ما يريده الأعداء.
لعدم تحويل الخلاف الفكري إلى عداء
على علماء الشيعة وعلى علماء السنّة أن يفهموا هذا ويدركوه. من البديهي أن يكون لدى المذهبين اختلافات في بعض الأصول وبعض الفروع، وهما متوافقان في الكثير من الأصول والفروع الأخرى. والاختلاف لا يعني العداء. تختلف فتاوى الفقهاء الشيعة بعضها عن بعض، أحيانًا، مئة وثمانين درجة. وتختلف فتاوى أئمّة أهل السنّة بعضها عن بعض أحيانًا اختلافًا كبيرًا. ولكن لا ضرورة حينما تختلف الفتاوى، لأن يلجأ الإنسان إلى السباب، والإساءة إلى من يختلف معه. هذا مذهبه كذا، وذاك مذهبه كذا. نعم، هكذا هم أهل السنة؛ أي، ينبغي أن لا يتصوّر أحد أنّ أهل بيت النبي هم للشيعة فقط؟ كلا؛ إنّهم لكلّ العالم الإسلامي. من ذا الذي يرفض فاطمة الزهراء (سلام الله عليها)؟ ومن هو الذي يرفض الحسنين (عليهما السلام)؛ سيّدي شباب أهل الجنة؟ من ذا الذي يرفض أئمّة الشيعة الأجلّاء؟ يعتبرهم البعض أئمّةً واجبي الطاعة والبعض لا يعتبرونهم كذلك، لكنّهم لا يرفضونهم. هذه حقائق يجب فهمها وتكريسها. البعض، طبعًا، لا يفهم هذا وتستفزّه تحريضات الأعداء وهو يحسب أنّه يحسن صنعًا... ﴿قل هل ننبئّكم بالأخسرين أعمالًا، الذين ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنّهم يحسنون صنعً﴾[4]. يتوهمّون أنّهم يفعلون خيرًا، وهم في غفلة عن أنّهم إنّما يعملون للأعداء؛ هذه خصوصيّة زماننا.
[1] الكافي، ج1، ص26.
[2] يشوهون السنة في نظر أهل الشيعة ويشوهون الشيعة في نظر أهل السنة.
[3] الأنفال، 76.
[4] الكهف؛ 103-104.