كلمة سماحة الإمام الخامنئي في لقاء المعلّمين وكوادر التربية والتعليم بمناسبة أسبوع المعلّم 1 ــ 7/5/2017
مسؤولية "التربية والتعليم" إعداد جيل مؤمن مسؤول وفي لبلده وشعبه
• المحاور الرئيسية
• كتُب الشهيد مطهري تهدي العقول وتربيها
• التربية والتعليم البنية التحتيّة للإنتاج العلمي والمعرفي
• "النزعة الجامعيّة" إحدى إشكالات التربية والتعليم
• الحضور الشعبي في الميادين يحول دون عداوة الأعداء
بسم الله الرّحمن الرّحيم
والحمد لله ربّ العالمين و الصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وآله الطّاهرين.
أرحّب بجميع الإخوة والأخوات الأعزّاء. في الحقيقة إنّ جماعة المعلّمين هي جماعة عزيزة ومحبوبة لكلّ من يقدّر قيمة التربية والتعليم.
للتهيؤ في شهر شعبان لشهر رمضان
إنّه شهر شعبان، شهر التوسّل والدعاء والتوجّه إلى الله تعالى؛ هو مقدّمة لشهر رمضان المبارك؛ شهر بُيّنت سبل السعادة لنا في أدعيته المأثورة "إلهي هب لي قلباً يدنيه منك شوقه، ولساناً يُرفع إليك صدقه، ونظراً يقرّبه منك حقّه... إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك1. هذه الأمنيات السامية لأولياء الله تعالى التي علّموها لنا في قالب الألفاظ، ليرشدونا إلى ما يجب أن نطلبه، إلى الطريق الذي ينبغي أن نسلكه، وإلى نوع الارتباط بالله الذي علينا أن نتّحلى به.
أعزّائي، الشباب والمعلّمين المحترمين: قدّروا هذ الفرصة. واستفيدوا من شهر شعبان.
لإحياء قلوبكم ليلة النصف من شعبان بالذكر والتوسل
في النصف من شعبان ذكرى ولادة بقيّة الله الإمام المهديّ (أرواحنا له الفداء). وهي ذكرى مباركة حقاً في ليلتها ويومها، ببركة هذا المولد المقدّس. وعلاوة على هذا، إنّ ليلة النصف من شعبان نفسها، ليلة عظيمة جدّاً؛ قال البعض إنّها ليلة القدر. تذكّروا في ليلة النصف من شعبان أن تمنحوا قلوبكم النضارة والحيوية بالدعاء والتوسّل والذكر والتوجّه إلى الله؛ وأن تطلبوا حاجاتكم من الله تعالى، وتتكلّموا معه.
الشهيد مطهري: "كتُبه تهدي العقول وتربيها"
بمناسبة يوم المعلّم، نحيّي ذكرى شهيدنا الكبير والعزيز المرحوم آية الله مطهّري (رضوان الله عليه)؛ لقد كان حقّاً معلّماً. سواء في القول أو في العمل، أو في نمط الحياة وأسلوب تعامله مع الزمان وأهل الزمان. كان مدرّساً ومعلّماً بكل معنى الكلمة. لقد خسرناه. أخذه منّا أعداء البشريّة، أعداء البلد، أعداء الإسلام، لكنّ آثاره باقية بحمد الله. أنا أوصي وأؤكّد -وقد أشار السيّد الوزير إلى هذا الأمر، وهو صحيح تماماً- على الاستفادة والانتفاع ما أمكن من أفكار هذا العظيم، سواءً في مجال التربية والتعليم، أو في المجالات الأخرى. كتبه تهدي العقول، تربّيها، وتجعلها حافلة وملأى بالمعارف الإسلاميّة الصحيحة والمتينة.
سأتعرض في حديثي إلى ثلاثة مواضيع، وأتناول كلّ موضوع ببضع كلمات. الأوّل حول المعلّم، والثاني حول التربية والتعليم، والثالث، كلمة مقتضبة حول الانتخابات التي تشكّل الموضوع الأبرز هذه الأيّام.
أهمية المعلم تكمن في إعداده للقوى الإنسانية وتفعيلها
بالنسبة إلى موضوع المعلّم، إن أهمّية المعلم تكمن في أنّ كلّ المتعلّمين في البلاد مدينون لجماعة المعلّمين. هذا الأمر بالغ الأهمّيّة. فأنتم حيث تجدون إنساناً حكيماً، واعياً، عالماً، محصّلاً ومتعلّماً، يكون مديوناً للمعلّم. للمعلّمين هكذا مقام ومكانة. الجميع يؤمن ويعتقد بأنّ قدرة أيّ بلد وقوّته واحترامه ومنزلته، مرتبطة قبل كلّ شيء بقواه الإنسانيّة؛ صحيح؟ الكلّ يوافق على هذا الأمر. حسنًا، وما الذي يشكّل القوى الإنسانيّة؟ ومن الذي يعدّ القوى الإنسانيّة؟ ومن الذي يفعّلها؟ إنه المعلّم. التفتوا: هذه هي القيم والعلامات الحقيقية الدالّة على أهمّيّة المعلّم.
التعليم ليس مجرّد وظيفة؛ هو مكانة ومقام
لِمَاذا نقول هذا؟ من أجل أن تعرف جماعة المعلّمين أولاً، قيمة وقدر ومنزلة هذه المنصب وهذا العمل. وهذا أمر بالغ الأهميّة. إنّني أثني على الكلام الرائع الذي تفضّل به السيّد الوزير، ولقد استمتعت واقعاً بهذا الكلام، وهو أنّ التعليم ليس مجرّد وظيفة في إدارة رسميّة، بل هو شأن، ومكانة ومقام؛ على المعلّم نفسه أن يعلم هذا بالدرجة الأولى.
إنّنا إذا ما عرفنا أهميّتنا في كلّ مجال من المجالات، فلن نُذلّ ولن نُهان. هذا في الدرجة الأولى بعد ذلك، على المجتمع أن يعرف قدر المعلّم وأهمّيته، وأن يحترمه ويجلّه؛ كما على المسؤولين أن يدركوا هذه الأهميّة. لقد قلت مراراً وتكراراً، إنّ التربية والتعليم والإنفاق على المعلّم، هو استثمار! فلينفقوا على المعلّم. هذه واحدة من مسؤوليّاتنا، أعني مهمّات المسؤولين والحكومة.
التعليم مسؤولية كبرى فليعدّ المعلمون أنفسهم لها
مسألة أخرى ينبغي طرحها بعد ذلك التمجيد والتكريم للمعلم، وهي أنّه على المعلّمين أن يعدّوا أنفسهم لهذه المسؤوليّة الكبرى. بأيّ وسيلة يكون ذلك؟ بالوسائل التي تضعها الأجهزة الرسميّة بين أيديهم. لذا، فإنّي أؤكّد هنا الآن، على المسؤولين أن يحملوا جامعة إعداد المعلّمين "جامعة المثقفين" والعلوم -التي تنتج المعلّمين، على محمل الجدّ. وليستثمروا ما أمكنهم في هذا المجال؛ وذلك لأنّ هذه الجامعة أهم بكثير من الجامعات الأخرى.
المعلم مرب ومعلم أخلاق أيضا
إنّ كلّ معلّم هو مربٍّ، أي معلّم أخلاق أيضاً. فمعلّم الرياضيّات، ومعلّم الفيزياء، ومعلّم علوم الحياة، هو في الوقت نفسه معلّم أخلاق. قد يتكلّم المعلّم في الصفّ، في صفّ الهندسة أو الكيمياء على سبيل المثال، بكلمة في الأمور المعنويّة، أو في مجال معرفة الله تعالى، فتترك هذه الكلمة أثرها في ذهن الطالب أكثر من كتاب، وترسخ فيه: بأخلاقه، بسيرته. فالمعلّم الخلوق هو الذي ينمّي الأخلاق في الطالب. والمعلّم صاحب الهمّة العالية، الصبور، المتديّن، القويّ، ينقل هذه الخصائص والخصال الحسنة إلى التلميذ بسلوكه، حتّى لو لم ينطق بكلمة في هذا المجال. هذا هو دور المعلّم. ولذا يتمتّع المعلّم بأهميّة فائقة. ولهذا السبب، كنت أعترض دوماً في السنوات الماضية على أولئك الذين يريدون استخدام جماعة المعلّمين كأداة في الأمور السياسيّة. هذا ظلم. والكلام ليس عن هذه السنوات الأخيرة، إنّما عن فترة الستّينات (الثمانينات ميلادية)؛ حيث كان البعض يقوم بهذه الأعمال. هذا هو شأن المعلّم؛ لا يصحّ أن نجعل هذه الجوهرة الثمينة ألعوبة ونلعب بها. فللمعلّم شأن، مكانة، وهذه هي مكانة المعلّم.
أشير هنا إلى أنّه وردتني معلومات بأنّه في المستقبل غير البعيد سيُحال عدد كبير من المعلّمين- لن أذكر الرقم الآن- إلى التقاعد، وسوف تكون هناك حاجة إلى المعلّمين. هذه من جملة الاحتياجات القريبة والملحّة لمستقبل التربية والتعليم. حسنًا، ماذا نفعل؟ افترضوا بأنّ سعة[طاقة] جامعة "إعداد المعلّم" وجامعة "الشهيد رجائي" لا تلبّي المطلوب. ماذا نفعل؟ هل نفتح الطريق للأفراد بأن يدخلوا إلى مجال التربية والتعليم هكذا من دون حسيب ولا رقيب. كلا، ينبغي التفكير. ففي الدرجة الأولى، ينبغي زيادة سعة هذه الجامعات المعدّة للمعلّمين قدر الإمكان. ولهذا الأمر الأولويّة على غيره. وإن لم يلبِّ هذا؛ المطلوب، فينبغي وضع الضوابط. فلتجتمع المراكز الأساسيّة وتضع الضوابط لإستقطاب المعلّمين. هذه كلمة فيما يخصّ المعلّم.
التربية والتعليم البنية التحتيّة للإنتاج العلمي والمعرفي
أمّا فيما يتعلّق بالتربية والتعليم؛ فالتربية والتعليم هما البنية التحتيّة الأساسيّة للعلم والتحقيقات في البلاد. وبنى البلاد التحتيّة مهمّة جدّاً. فالبنى التحتيّة الهندسيّة للبلاد، والبنى التحتيّة العلميّة للبلاد، والبنى التحتيّة الأدبيّة والثقافيّة للبلاد، هي أمور غاية في الأهميّة. عندما تكون البنى التحتيّة موجودة ومتوفّرة في قطاع من قطاعات البلد، يصبح الإنتاج في ذلك القطاع أسهل.
والتربية والتعليم هما البنية التحتيّة للعلم والتحقيقات والأبحاث. وإذا ما اتّبعت التربية والتعليم بسياساتها، بمسلكيّتها، بتخطيطاتها الصحيحة، مساراً صحيحاً، ستصبح هذه البنية التحتيّة يوماً بعد يوم أفضل وأقوى. وسيصبح البلد غنيّاً في مجال العلم والتحقيق اللذين هما حاجة أصليّة وأساسيّة لنا على المدى القصير والمتوسّط والطويل. هذه هي أهميّة التربية والتعليم. إذا ما تركنا التربية والتعليم لحالهما، ولم نعمل فيهما الدقّة اللازمة، وحدثت مشكلة فيهما، ستتعرّض هذه البنية التحتيّة لضربة؛ ولن يكون بالإمكان بعد ذلك تقدير الخسائر.
ذات مرّة، حين كنّا طلاب علم في حوزة قمّ، كان هناك خيّاط فهيم وحكيم؛ يخيط الملابس لرجال الدين، والقباء. وقد خاط لأحد علماء الدين المعروفين في قم، قباء. وعلى ما يبدو أنّه كان لذلك العالم بعض الإشكالات على ذلك القباء فأجابه الخيّاط: "إذا فسد الخيّاط فسد القباء، لكنّ الحقيقة هي: إذا فسُد العالِم فَسَد العالَم"؛3 إن أنا لم أؤدِّ عملي بالنحو الصحيح، فإنّ قباءك ستكون فيه بعض العيوب الصغيرة، لكن إذا لا سمح الله وُجدت فيك بعض المشاكل والعيوب؛ فإن العالَم سيفسد. التفتوا، ماذا سيحدث في البلاد إذا "فسدت التربية والتعليم" لا سمح الله؟
مسؤولية "التربية والتعليم" إعداد جيل مؤمن مسؤول وفي لبلده وشعبه
إنّ مسؤوليّة التربية والتعليم هي تربية جيل. إذا ما نظرنا نظرة قصيرة الأمد، لوجدنا أنّها تريد أن تربّي جيلاً لمرحلة من المراحل الآتية. كيف ستربّيه؟ أيّ تربية ستتّبع؟ ينبغي للتربية والتعليم أن تكون قادرة على تربية جيل مؤمن. الأصل هو الإيمان. فالشباب اللامبالون والعبثيّون الذين لا يلتزمون بشيء، لن يكونوا في المستقبل مفيدين لأنفسهم، ولا لبلدهم، ولا لمجتمعهم. الإيمان في الدرجة الأولى. على "التربية والتعليم" أن تربّي جيلاً مؤمناً، وفيّاً، متحمّلاً للمسؤوليّة، واثقاً بنفسه، مبدعاً، صادقاً، شجاعاً، ذا حياء، مفكّراً، ومن أهل التفكير، وإعمال الفكر، عاشقاً لبلده، عاشقاً للنظام، عاشقاً للناس، جيلاً يحبّ وطنه، يرى أن مصالح بلده هي مصالحه، يدافع عنها؛ جيلاً منيعاً، قويّاً، عازماً، حاسماً، مبتكراً، رائداً، فعّالاً؛ المطلوب هو جيل كهذا. وهذا هو عمل التربية والتعليم. انظروا، كم هو عمل مهمّ! أقول عمل التربية، لا عمل المعلّم. مع أنّ الوسيلة هي المعلّم. إلّا أنّ المعلّم ليس هو العامل الوحيد لإيجاد مثل جيل كهذا. التربية والتعليم هي التي توفّر الأجواء للمعلّم، للتلميذ، للأهل، للمخطّطين، لمؤلّفي الكتب الدراسيّة؛ هذه كلّها مؤثّرة؛ والتربية والتعليم هي التي تقوم بهذه المهمّات.
• تيار مدعوم من الخارج يسعي للتقليل من قيم التربية والتعليم
التفتوا إلى هذا الأمر: تفيد التقارير التي تصلني بأنّ تيّاراً ــ أشعر بأنّ هذا "تيّار" ــ في البلد يسعى إلى التقليل من شأن التربية والتعليم، وإلى محو قيمة التربية والتعليم والثقة بهما من النفوس. هؤلاء لديهم مقاصد وأهداف. وهذا التيّار يُقاد أيضاً من الخارج. قد يعترض البعض الآن من دون دليل أو حجّة. وما إن نذكر الأيادي الخارجيّة، حتّى يقولوا إنّكم دائماً تصوّبون سهامكم على الخارج. كلا، إنّنا نرى ضعفنا. إن كنّا أقوياء، لن يستطيع ذلك الأجنبيّ أن يرتكب أيّ حماقة. لكنّه هو الذي يستفيد من ضعفنا: يضع البرامج، يخطّط، ويخترق؛ يحرّف الطرق المستقيمة، ويعمل على اعوجاجها.
مرض"النزعة الجامعيّة" إحدى إشكالات التربية والتعليم لدينا
إنّ إحدى إشكالات التربية والتعليم عندنا هي مرض "النزعة الجامعية". هناك ميل ونزعة نحو الجامعة على المستوى الطلّابي. بمعنى أنّه لو أراد شاب ما الدراسة ولم يلتحق بالجامعة، فكأنّه لم يدرس أبداً! وهذا خطأ ولا داعي له. لدينا في البلد الكثير من الحاجات الآنيّة والملحّة، اللازمة والمهمّة التي لا تحتاج أبداً إلى التعليم الجامعي؛ ولا إلى شهادة دكتوراه أو شهادات عالية وغيرها. ولهذا السبب أصرّ منذ سنوات عدّة -وقد أكّدت عدّة مرّات إلى الآن- على هذه المدارس الفنّيّة والتقنيّة المهنيّة. علينا تقوية هذا القطاع المرتبط بالتقنيّة المهنيّة، وزيادته. هناك الكثير من الأشخاص اشتغلوا في العلوم المختصّة بالمدارس الفنّيّة، مضوا في التقنيّة المهنيّة، تعلّموا، خبروا المهنة، استعدّوا، وبدأوا بالشغل؛ فأمّنوا حياتهم المادّية، وكانوا فرحين من الناحية النفسيّة والروحيّة، وكذلك خدموا المجتمع. هل هذا أفضل أم أن يجهد المرء ليحصل على شهادة الدكتوراه ومن ثمّ يجلس عاطلاً من العمل، ولا يجده، أو إن وجد عملاً، فيكون عملاً سطحيّاً ليس بذي قيمة في المؤسّسة الفلانيّة أو في الدائرة الفلانيّة؛ أن يذهب ويجلس هناك كمستشار أو ما شابه. ما قيمة كلّ هذا الدرس وكلّ هذا الجهد؟ "النزعة الجامعية" خطأ.
نعم، نحن بحاجة إلى العلم. وإلى البحث والتحقيق؛ مهما تقدّمنا في مجال العلم فليس بالكثير؛ هذا ما أوصي به منذ سنوات، ولقد تقدّمنا فيه بحمد الله أيضاً. لكن هذا لا يعني أن يكون هدف كلّ من وطئت قدماه المدرسة أو الثانويّة هو الجامعة. لا، هناك الآلاف من الأعمال التي لا تحتاج إلى الجامعة، ولا تحتاج إلى تلك المصاريف الكبيرة، ولا تتطلّب تلك الحماسة والتحضير المطلوب للجامعة. علينا أن لا ننسى هذه الأمور؛ فهذه الأمور ثرواتنا. هذا الشابّ الذي يمكنه العمل في المجال المهني والحرفي، ويصل إلى مستوىً ما - في أيّ مجال: في مجال الفنّ، والصناعة، وفي المجالات التقنيّة وغيرها- هو ثروة وطنيّة للبلاد، وينبغي الاستفادة منه.
للإسراع في تطبيق وثيقة "التحوّل البنيوي في التربية والتعليم"
واحدة من المسائل المهمّة الأخرى؛ وثيقة التحوّل هذه: "التحوّل البنيوي في التربية والتعليم". حسنًا، لقد جلس الأصدقاء وذوو الخبرة والتجربة من المسؤولين، وجدّوا واجتهدوا وأعدّوا وثيقة التحوّل؛ جيّد جدًّا. وقد تمّ الإعلان عنها. وبدأ العمل لتنفيذها وتطبيقها، ومضت خمس أو ستّ سنوات إلى الآن، إلّا أنّها لم تُطبّق كلها؛ لِمَاذا؟ إلى متى ينبغي الجلوس، حتّى تُعدّ تلك القوانين التي ذكر في ملحقات وثيقة التحوّل وجوب تحقّقها؟ ينبغي لهذا العمل أن يُنجز بسرعة. من الواضح أنّ الحماسة المطلوبة ليست موجودة، والدافع المطلوب ليس موجوداً. أنا أؤكّد على الوزير المحترم والمسؤولين أن يأخذوا وثيقة التحوّل على محمل الجدّ. إنّ التربية والتعليم لدينا بحاجة إلى التحوّل. وثيقة التحوّل هذه تشير إلى أنّنا بحاجة إلى التحوّل. التحوّل ليس مجرّد التغيير في ظواهر الأمور. بل يعني أنّه يجب القيام بعمل عميق. ويبدو بحسب ما يقول المختصّون في هذا الأمر -أنا شخصيّاً ليس لدي التخصّص في هذا العمل- إنّ وثيقة التحوّل هذه يمكنها ذلك. فهي تتكفّل هذا الأمر وتكفيه. على المسؤولين متابعتها.
لن نوقع على وثيقة "الإملاءات التربوية" لمنظمة اليونسكو الدولية
هناك مسألة أخرى أتعرض لها هنا وهي أنّ وثيقة الأمم المتّحدة 2030 ومنظّمة اليونيسكو وما شابهها 4، ليست بالشيء الذي يمكن جعل الجمهوريّة الإسلاميّة ترضخ له وتسلّم به. بأيّ مناسبة يكون لمجموعة تُسمّي نفسها دوليّة- وهي يقيناً خاضعة لنفوذ القوى العالميّة الكبرى- الحقّ في أن تحدّد للبلدان المختلفة، والشعوب المختلفة، وذات الحضارات المختلفة، والتجارب التاريخيّة والثقافيّة المتنوّعة، تكليفها وواجباتها !؟ وتقول عليكم أن تعملوا هكذا وهكذا؟ المسألة خاطئة من أساسها. وإن كنتم لا تستطيعون مخالفة أساس عملهم، فعليكم أن تقفوا بالحدّ الأدنى وتقولوا إنّ للجمهوريّة الإسلاميّة نفسها نهجاً خاصّاً ورؤيةً خاصّة: لدينا وثائق عالية حاكمة، ونعلم ما الذي يجب أن نفعله في مجالات التعليم والتربية والأخلاق ونمط الحياة. لا حاجة لنا إلى هذه الوثيقة. ومن غير المسموح على الإطلاق أن نذهب ونمضي على هذه الوثيقة، ومن ثمّ نأتي ونبدأ بتطبيقها بهدوء. لقد أبلغنا هذا الأمر أيضاً إلى الأجهزة الرسميّة. وأنا عاتب على المجلس الأعلى للثورة الثقافيّة؛ كان عليهم الانتباه، وأن لا يدعوا الأمور تصل إلى مرحلة أضطّر فيها إلى الوقوف بوجهها والتدخّل بنفسي. هنا الجمهوريّة الإسلاميّة، والأساس فيها هو الإسلام، والقرآن. هو ليس مكاناً يمكن فيه لنمط الحياة الغربيّة المعيوب والمدمِّر والفاسد أن يعمل نفوذه فيه بهذا الشكل. للأسف إنّهم يعملون نفوذهم ويدخلون من طرق مختلفة. أمّا أن يأتوا ويقدّموا لنا -وبشكل رسميّ- وثيقة، ويقولون "ينبغي في ظرف خمسة عشر عاماً أن تفعلوا كذا وكذا"، ونقول لهم "حاضر"؛ لا معنى لهذا العمل.
حسنًا، لقد طال الكلام. ولي معكم أيّها الإخوة الأعزّاء في قطاع التربية والتعليم كلام كثير، يفوق ما تكلّمت به بأضعاف. لكنّ الوقت لا يسمح بطرح كلّ تلك المطالب. وإنّني إذ أعتذر إليكم على الإطالة، إلّا أنّ هناك كلمة لا بدّ من طرحها حول الانتخابات.
الحضور الشعبي في الميادين يحول دون عداوة الأعداء
الإخوة والأخوات الأعزّاء، وكلّ الشعب الإيراني الذي سيسمع كلامي: اعلموا بأنّ الانتخابات أمر مصيريّ؛ ليس هذه الانتخابات فحسب، بل كلّ الانتخابات في البلد، وخاصّة انتخابات رئاسة الجمهوريّة التي هي الأهمّ. وهي واقعاً مصيريّة وحيويّة للبلد في جميع المراحل. وهي أيضاً مهمّة بلحاظ الانتخابات بحدّ ذاتها، التي هي أيضاً موضوع مهمّ.
حسنًا، إنّ جمهوريّتنا إسلاميّة، جماهيريّة. وإنّ نظامنا هو نظام جمهوريّ. ومناصبنا ومسؤوليّاتنا نابعة من جماهير الشعب، ومن الناس. علينا أن نحافظ على هذا الأمر ببالغ الدقّة. وهذا أمر مهمّ جدّاً. لو لم تكن هذه الانتخابات موجودة في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، لما بقي اليوم أثر للنظام الذي وُجد بانتصار تلك الثورة. وهذا المعنى يُستنبط ويُستفاد من أصل الإسلام. وليست المسألة أنّنا استلمنا الجمهوريّة وضممناها إلى الإسلام. لا؛ فالإسلام نفسه يعلّمنا هذا. الآن، هذه مقولة. لكن علاوة على ذلك، ما يلزم لإدارة البلاد وحفظه وحفظ مصالح الشعب بصورة عاجلة وملحّة، هو حضور الشعب. فحضور الشعب هو الذي يحلّ المشاكل والعقد، وحضور الشعب هو الذي يخيف الأعداء من عظمة الجمهوريّة الإسلاميّة. هذه حقيقة عليكم أن تعلموها.
للجمهوريّة الإسلاميّة مهابة في أعين أعدائها. ما هو مصدر هذه الهيبة؟ هل هي ناشئة منّي ومن أمثالي؟ لا؛ على الإطلاق. هي ناشئة من الشعب، ومن هذا الحضور العظيم للشعب، ومن هذه المشاعر والأحاسيس التي تفصح عن نفسها في جميع ميادين الحضور وساحاته. أقول هذا الكلام: فلا يأتينّ أحد ويحاول تأويل كلامي الصريح، ويقول: لا؛ مراد القائد أنّ هذا الحضور الشعبي قد أدّى إلى وصول الحكومة الفلانيّة -على سبيل المثال- إلى الحكم، وتلك الحكومة. لا أيّها السيّد؛ فليس للحكومات أيّ أثر. وهل نسيتم أنّ إحدى الدول الأوروبيّة، اتّهمت في السبعينات [التسعينات الميلادية] رئيس جمهوريّتنا بأمر وطلبته إلى المحاكمة؟ 4 لقد اتّهمت رئيس جمهوريّة إيران. هذا بالرغم من العلاقات والروابط الوثيقة التي كانت تربط رئيس الجمهوريّة بتلك الدولة؛ حيث كانوا يتبادلون الرسائل، ويرسلون المبعوثين والممثّلين عنهم. ولعلهم أحياناً كانوا يجرون الاتصالات الهاتفيّة ــ لا أذكر الآن شيئاً عن الاتّصالات الهاتفيّة ـ لكنّهم كانوا يتبادلون الرسائل من وقت لآخر، وكانوا يظهرون المودّة والصداقة. فاستدعت تلك الدولة نفسها رئيس جمهوريّتنا بالرغم من إظهار الصداقة والمودّة والمحبّة، إلى محاكمها كمتّهم. ولكنّنا وجّهنا إليها صفعة على فمها فتراجعت. ولو لم تتلقَّ تلك الصفعة لكانت تمادت وسارت أمورها قُدماً بهذا الشكل.
العدوّ عدوّ؛ لا يفرّق بين هذه الحكومة وتلك. وإن استطاع أن يمارس عداواته، ويبثّ سمومه فإنّه يفعل ذلك، دونما مراعاة لأحد، ودون ملاحظة المداهنة والمجاملة واللعب على الكلام والمواقف السياسيّة وأمثالها. فهو بالنهاية عدوّ. إنّ الشيء الذي يحول دون العدوّ ودون ممارسة عداوته، هو الخوف من الحضور الشعبي، وعلمه أنّه إذا ما قام بعدوانه، فإنّ النتيجة ستكون معاكسة. وذلك أنّ بلداً بتعداد ثمانين مليون نسمة يقف أمامه. هل هذه مزحة؟ إنّ عدد سكّاننا يبلغ ثمانين مليون نسمة؛ فالبلد العظيم، هذا الشعب الواعي واليقظ، والطاقات الإنسانيّة القويّة، وكلّ هؤلاء الشباب؛ توجِد الهيبة في أعين العدوّ، وتمنح العظمة لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة. عليكم أن تلتفتوا إلى هذا الأمر.
على الجميع أن يشارك في الانتخابات
إن أردتم أن يبقى هذا الإحساس، وهذه العظمة، وهذه المنعة لدينا، عليكم المشاركة في الانتخابات؛ وإن أردتم لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة أن يحافظ على اقتداره في أعين العالم -سواء العدوّ منهم أو الصديق- عليكم أن تشاركوا في الانتخابات. فالمشاركة في الانتخابات هي حفظ لقوّة البلد، وحفظ لعظمته وهيبته، وحفظ لمنعته؛ إذا ما جرى تقصير في شأن الانتخابات، وتدخّل البعض لتثبيط الشعب وإحباطه، وليحدث فتورًا في الانتخابات، فإنّ ذلك سيتسبّب بضربة وخسارة للبلد؛ وكلّ من يشارك في هذه الضربة سيكون مسؤولاً أمام الله تعالى. على الجميع أن يشارك في الانتخابات. بالطبع، إنّ الأفكار والأذواق والآراء والمشارب السياسيّة مختلفة، قد تقبل أنت زيداً، ويقبل ذاك عمرًا؛ وتنتخب أنت زيداً، وينتخب ذاك عمرًا، لا إشكال في ذلك، وليس هذا بالأمر المهمّ، المهمّ أن يشارك الجميع، ويحضر الجميع، ويظهر الجميع بأنّهم حاضرون للدفاع عن الإسلام، عن النظام الإسلامي، وعن الجمهوريّة الإسلاميّة، والحفاظ على منعة بلدهم. واعلموا! إن استمرّت هذه الهمّة وهذه الإرادة -بحول الله وقوّته- في شعبنا، بهذه الشدّة والعظمة الموجودين، فلن يستطيع العدوّ أن يرتكب أيّ حماقة ضدّ هذا البلد مطلقاً.
إلهي! اجعل ما قلناه وسمعناه لك وفي سبيلك. إلهي! واشمل أرواح شهدائنا المطهّرة، وروح إمامنا العظيم، وأرواح رجالات الإسلام الطيّبة بلطفك ورحمتك.
والسلام عليكم ورحمة الله.
1- في بداية اللقاء قدّم وزير التربية والتعليم، السيّد فخر الدين أحمدي دانش آشتياني تقريراً.
2- إقبال الأعمال، ج2، ص 687 (المناجاة الشعبانيّة).
3- علت أصوات الحضور بالضحك.
4- الوثيقة 2030 لمنظّمة اليونيسكو الخاصّة بالتعليم والتي طُرحت في الأمم المتّحدة في العام 2015 ميلادي، بهدف التأثير على جميع المؤسّسات التعليميّة في الدول، ومن أجل تطبيقها في جميع الدول. وكانت الجمهوريّة الإسلاميّة أيضاً من بين الدول المشاركة في هذه الجلسة، وتعهّدت بتطبيق هذه الوثيقة. وفي العام 1395 (2016) صادقت الجمهوريّة الإسلاميّة على الوثيقة الوطنيّة 2030 للتعليم.
5- على أثر إعلان محكمة ميكونوس في برلين رأيها النهائي في مارس 1997، قامت هذه المحكمة الألمانية بتوجيه التهمة لعدة أشخاص ومنهم الرئيس الإيراني آنذاك.
مسؤولية "التربية والتعليم" إعداد جيل مؤمن مسؤول وفي لبلده وشعبه
• المحاور الرئيسية
• كتُب الشهيد مطهري تهدي العقول وتربيها
• التربية والتعليم البنية التحتيّة للإنتاج العلمي والمعرفي
• "النزعة الجامعيّة" إحدى إشكالات التربية والتعليم
• الحضور الشعبي في الميادين يحول دون عداوة الأعداء
بسم الله الرّحمن الرّحيم
والحمد لله ربّ العالمين و الصّلاة والسّلام على سيّدنا محمّد وآله الطّاهرين.
أرحّب بجميع الإخوة والأخوات الأعزّاء. في الحقيقة إنّ جماعة المعلّمين هي جماعة عزيزة ومحبوبة لكلّ من يقدّر قيمة التربية والتعليم.
للتهيؤ في شهر شعبان لشهر رمضان
إنّه شهر شعبان، شهر التوسّل والدعاء والتوجّه إلى الله تعالى؛ هو مقدّمة لشهر رمضان المبارك؛ شهر بُيّنت سبل السعادة لنا في أدعيته المأثورة "إلهي هب لي قلباً يدنيه منك شوقه، ولساناً يُرفع إليك صدقه، ونظراً يقرّبه منك حقّه... إلهي هب لي كمال الانقطاع إليك1. هذه الأمنيات السامية لأولياء الله تعالى التي علّموها لنا في قالب الألفاظ، ليرشدونا إلى ما يجب أن نطلبه، إلى الطريق الذي ينبغي أن نسلكه، وإلى نوع الارتباط بالله الذي علينا أن نتّحلى به.
أعزّائي، الشباب والمعلّمين المحترمين: قدّروا هذ الفرصة. واستفيدوا من شهر شعبان.
لإحياء قلوبكم ليلة النصف من شعبان بالذكر والتوسل
في النصف من شعبان ذكرى ولادة بقيّة الله الإمام المهديّ (أرواحنا له الفداء). وهي ذكرى مباركة حقاً في ليلتها ويومها، ببركة هذا المولد المقدّس. وعلاوة على هذا، إنّ ليلة النصف من شعبان نفسها، ليلة عظيمة جدّاً؛ قال البعض إنّها ليلة القدر. تذكّروا في ليلة النصف من شعبان أن تمنحوا قلوبكم النضارة والحيوية بالدعاء والتوسّل والذكر والتوجّه إلى الله؛ وأن تطلبوا حاجاتكم من الله تعالى، وتتكلّموا معه.
الشهيد مطهري: "كتُبه تهدي العقول وتربيها"
بمناسبة يوم المعلّم، نحيّي ذكرى شهيدنا الكبير والعزيز المرحوم آية الله مطهّري (رضوان الله عليه)؛ لقد كان حقّاً معلّماً. سواء في القول أو في العمل، أو في نمط الحياة وأسلوب تعامله مع الزمان وأهل الزمان. كان مدرّساً ومعلّماً بكل معنى الكلمة. لقد خسرناه. أخذه منّا أعداء البشريّة، أعداء البلد، أعداء الإسلام، لكنّ آثاره باقية بحمد الله. أنا أوصي وأؤكّد -وقد أشار السيّد الوزير إلى هذا الأمر، وهو صحيح تماماً- على الاستفادة والانتفاع ما أمكن من أفكار هذا العظيم، سواءً في مجال التربية والتعليم، أو في المجالات الأخرى. كتبه تهدي العقول، تربّيها، وتجعلها حافلة وملأى بالمعارف الإسلاميّة الصحيحة والمتينة.
سأتعرض في حديثي إلى ثلاثة مواضيع، وأتناول كلّ موضوع ببضع كلمات. الأوّل حول المعلّم، والثاني حول التربية والتعليم، والثالث، كلمة مقتضبة حول الانتخابات التي تشكّل الموضوع الأبرز هذه الأيّام.
أهمية المعلم تكمن في إعداده للقوى الإنسانية وتفعيلها
بالنسبة إلى موضوع المعلّم، إن أهمّية المعلم تكمن في أنّ كلّ المتعلّمين في البلاد مدينون لجماعة المعلّمين. هذا الأمر بالغ الأهمّيّة. فأنتم حيث تجدون إنساناً حكيماً، واعياً، عالماً، محصّلاً ومتعلّماً، يكون مديوناً للمعلّم. للمعلّمين هكذا مقام ومكانة. الجميع يؤمن ويعتقد بأنّ قدرة أيّ بلد وقوّته واحترامه ومنزلته، مرتبطة قبل كلّ شيء بقواه الإنسانيّة؛ صحيح؟ الكلّ يوافق على هذا الأمر. حسنًا، وما الذي يشكّل القوى الإنسانيّة؟ ومن الذي يعدّ القوى الإنسانيّة؟ ومن الذي يفعّلها؟ إنه المعلّم. التفتوا: هذه هي القيم والعلامات الحقيقية الدالّة على أهمّيّة المعلّم.
التعليم ليس مجرّد وظيفة؛ هو مكانة ومقام
لِمَاذا نقول هذا؟ من أجل أن تعرف جماعة المعلّمين أولاً، قيمة وقدر ومنزلة هذه المنصب وهذا العمل. وهذا أمر بالغ الأهميّة. إنّني أثني على الكلام الرائع الذي تفضّل به السيّد الوزير، ولقد استمتعت واقعاً بهذا الكلام، وهو أنّ التعليم ليس مجرّد وظيفة في إدارة رسميّة، بل هو شأن، ومكانة ومقام؛ على المعلّم نفسه أن يعلم هذا بالدرجة الأولى.
إنّنا إذا ما عرفنا أهميّتنا في كلّ مجال من المجالات، فلن نُذلّ ولن نُهان. هذا في الدرجة الأولى بعد ذلك، على المجتمع أن يعرف قدر المعلّم وأهمّيته، وأن يحترمه ويجلّه؛ كما على المسؤولين أن يدركوا هذه الأهميّة. لقد قلت مراراً وتكراراً، إنّ التربية والتعليم والإنفاق على المعلّم، هو استثمار! فلينفقوا على المعلّم. هذه واحدة من مسؤوليّاتنا، أعني مهمّات المسؤولين والحكومة.
التعليم مسؤولية كبرى فليعدّ المعلمون أنفسهم لها
مسألة أخرى ينبغي طرحها بعد ذلك التمجيد والتكريم للمعلم، وهي أنّه على المعلّمين أن يعدّوا أنفسهم لهذه المسؤوليّة الكبرى. بأيّ وسيلة يكون ذلك؟ بالوسائل التي تضعها الأجهزة الرسميّة بين أيديهم. لذا، فإنّي أؤكّد هنا الآن، على المسؤولين أن يحملوا جامعة إعداد المعلّمين "جامعة المثقفين" والعلوم -التي تنتج المعلّمين، على محمل الجدّ. وليستثمروا ما أمكنهم في هذا المجال؛ وذلك لأنّ هذه الجامعة أهم بكثير من الجامعات الأخرى.
المعلم مرب ومعلم أخلاق أيضا
إنّ كلّ معلّم هو مربٍّ، أي معلّم أخلاق أيضاً. فمعلّم الرياضيّات، ومعلّم الفيزياء، ومعلّم علوم الحياة، هو في الوقت نفسه معلّم أخلاق. قد يتكلّم المعلّم في الصفّ، في صفّ الهندسة أو الكيمياء على سبيل المثال، بكلمة في الأمور المعنويّة، أو في مجال معرفة الله تعالى، فتترك هذه الكلمة أثرها في ذهن الطالب أكثر من كتاب، وترسخ فيه: بأخلاقه، بسيرته. فالمعلّم الخلوق هو الذي ينمّي الأخلاق في الطالب. والمعلّم صاحب الهمّة العالية، الصبور، المتديّن، القويّ، ينقل هذه الخصائص والخصال الحسنة إلى التلميذ بسلوكه، حتّى لو لم ينطق بكلمة في هذا المجال. هذا هو دور المعلّم. ولذا يتمتّع المعلّم بأهميّة فائقة. ولهذا السبب، كنت أعترض دوماً في السنوات الماضية على أولئك الذين يريدون استخدام جماعة المعلّمين كأداة في الأمور السياسيّة. هذا ظلم. والكلام ليس عن هذه السنوات الأخيرة، إنّما عن فترة الستّينات (الثمانينات ميلادية)؛ حيث كان البعض يقوم بهذه الأعمال. هذا هو شأن المعلّم؛ لا يصحّ أن نجعل هذه الجوهرة الثمينة ألعوبة ونلعب بها. فللمعلّم شأن، مكانة، وهذه هي مكانة المعلّم.
أشير هنا إلى أنّه وردتني معلومات بأنّه في المستقبل غير البعيد سيُحال عدد كبير من المعلّمين- لن أذكر الرقم الآن- إلى التقاعد، وسوف تكون هناك حاجة إلى المعلّمين. هذه من جملة الاحتياجات القريبة والملحّة لمستقبل التربية والتعليم. حسنًا، ماذا نفعل؟ افترضوا بأنّ سعة[طاقة] جامعة "إعداد المعلّم" وجامعة "الشهيد رجائي" لا تلبّي المطلوب. ماذا نفعل؟ هل نفتح الطريق للأفراد بأن يدخلوا إلى مجال التربية والتعليم هكذا من دون حسيب ولا رقيب. كلا، ينبغي التفكير. ففي الدرجة الأولى، ينبغي زيادة سعة هذه الجامعات المعدّة للمعلّمين قدر الإمكان. ولهذا الأمر الأولويّة على غيره. وإن لم يلبِّ هذا؛ المطلوب، فينبغي وضع الضوابط. فلتجتمع المراكز الأساسيّة وتضع الضوابط لإستقطاب المعلّمين. هذه كلمة فيما يخصّ المعلّم.
التربية والتعليم البنية التحتيّة للإنتاج العلمي والمعرفي
أمّا فيما يتعلّق بالتربية والتعليم؛ فالتربية والتعليم هما البنية التحتيّة الأساسيّة للعلم والتحقيقات في البلاد. وبنى البلاد التحتيّة مهمّة جدّاً. فالبنى التحتيّة الهندسيّة للبلاد، والبنى التحتيّة العلميّة للبلاد، والبنى التحتيّة الأدبيّة والثقافيّة للبلاد، هي أمور غاية في الأهميّة. عندما تكون البنى التحتيّة موجودة ومتوفّرة في قطاع من قطاعات البلد، يصبح الإنتاج في ذلك القطاع أسهل.
والتربية والتعليم هما البنية التحتيّة للعلم والتحقيقات والأبحاث. وإذا ما اتّبعت التربية والتعليم بسياساتها، بمسلكيّتها، بتخطيطاتها الصحيحة، مساراً صحيحاً، ستصبح هذه البنية التحتيّة يوماً بعد يوم أفضل وأقوى. وسيصبح البلد غنيّاً في مجال العلم والتحقيق اللذين هما حاجة أصليّة وأساسيّة لنا على المدى القصير والمتوسّط والطويل. هذه هي أهميّة التربية والتعليم. إذا ما تركنا التربية والتعليم لحالهما، ولم نعمل فيهما الدقّة اللازمة، وحدثت مشكلة فيهما، ستتعرّض هذه البنية التحتيّة لضربة؛ ولن يكون بالإمكان بعد ذلك تقدير الخسائر.
ذات مرّة، حين كنّا طلاب علم في حوزة قمّ، كان هناك خيّاط فهيم وحكيم؛ يخيط الملابس لرجال الدين، والقباء. وقد خاط لأحد علماء الدين المعروفين في قم، قباء. وعلى ما يبدو أنّه كان لذلك العالم بعض الإشكالات على ذلك القباء فأجابه الخيّاط: "إذا فسد الخيّاط فسد القباء، لكنّ الحقيقة هي: إذا فسُد العالِم فَسَد العالَم"؛3 إن أنا لم أؤدِّ عملي بالنحو الصحيح، فإنّ قباءك ستكون فيه بعض العيوب الصغيرة، لكن إذا لا سمح الله وُجدت فيك بعض المشاكل والعيوب؛ فإن العالَم سيفسد. التفتوا، ماذا سيحدث في البلاد إذا "فسدت التربية والتعليم" لا سمح الله؟
مسؤولية "التربية والتعليم" إعداد جيل مؤمن مسؤول وفي لبلده وشعبه
إنّ مسؤوليّة التربية والتعليم هي تربية جيل. إذا ما نظرنا نظرة قصيرة الأمد، لوجدنا أنّها تريد أن تربّي جيلاً لمرحلة من المراحل الآتية. كيف ستربّيه؟ أيّ تربية ستتّبع؟ ينبغي للتربية والتعليم أن تكون قادرة على تربية جيل مؤمن. الأصل هو الإيمان. فالشباب اللامبالون والعبثيّون الذين لا يلتزمون بشيء، لن يكونوا في المستقبل مفيدين لأنفسهم، ولا لبلدهم، ولا لمجتمعهم. الإيمان في الدرجة الأولى. على "التربية والتعليم" أن تربّي جيلاً مؤمناً، وفيّاً، متحمّلاً للمسؤوليّة، واثقاً بنفسه، مبدعاً، صادقاً، شجاعاً، ذا حياء، مفكّراً، ومن أهل التفكير، وإعمال الفكر، عاشقاً لبلده، عاشقاً للنظام، عاشقاً للناس، جيلاً يحبّ وطنه، يرى أن مصالح بلده هي مصالحه، يدافع عنها؛ جيلاً منيعاً، قويّاً، عازماً، حاسماً، مبتكراً، رائداً، فعّالاً؛ المطلوب هو جيل كهذا. وهذا هو عمل التربية والتعليم. انظروا، كم هو عمل مهمّ! أقول عمل التربية، لا عمل المعلّم. مع أنّ الوسيلة هي المعلّم. إلّا أنّ المعلّم ليس هو العامل الوحيد لإيجاد مثل جيل كهذا. التربية والتعليم هي التي توفّر الأجواء للمعلّم، للتلميذ، للأهل، للمخطّطين، لمؤلّفي الكتب الدراسيّة؛ هذه كلّها مؤثّرة؛ والتربية والتعليم هي التي تقوم بهذه المهمّات.
• تيار مدعوم من الخارج يسعي للتقليل من قيم التربية والتعليم
التفتوا إلى هذا الأمر: تفيد التقارير التي تصلني بأنّ تيّاراً ــ أشعر بأنّ هذا "تيّار" ــ في البلد يسعى إلى التقليل من شأن التربية والتعليم، وإلى محو قيمة التربية والتعليم والثقة بهما من النفوس. هؤلاء لديهم مقاصد وأهداف. وهذا التيّار يُقاد أيضاً من الخارج. قد يعترض البعض الآن من دون دليل أو حجّة. وما إن نذكر الأيادي الخارجيّة، حتّى يقولوا إنّكم دائماً تصوّبون سهامكم على الخارج. كلا، إنّنا نرى ضعفنا. إن كنّا أقوياء، لن يستطيع ذلك الأجنبيّ أن يرتكب أيّ حماقة. لكنّه هو الذي يستفيد من ضعفنا: يضع البرامج، يخطّط، ويخترق؛ يحرّف الطرق المستقيمة، ويعمل على اعوجاجها.
مرض"النزعة الجامعيّة" إحدى إشكالات التربية والتعليم لدينا
إنّ إحدى إشكالات التربية والتعليم عندنا هي مرض "النزعة الجامعية". هناك ميل ونزعة نحو الجامعة على المستوى الطلّابي. بمعنى أنّه لو أراد شاب ما الدراسة ولم يلتحق بالجامعة، فكأنّه لم يدرس أبداً! وهذا خطأ ولا داعي له. لدينا في البلد الكثير من الحاجات الآنيّة والملحّة، اللازمة والمهمّة التي لا تحتاج أبداً إلى التعليم الجامعي؛ ولا إلى شهادة دكتوراه أو شهادات عالية وغيرها. ولهذا السبب أصرّ منذ سنوات عدّة -وقد أكّدت عدّة مرّات إلى الآن- على هذه المدارس الفنّيّة والتقنيّة المهنيّة. علينا تقوية هذا القطاع المرتبط بالتقنيّة المهنيّة، وزيادته. هناك الكثير من الأشخاص اشتغلوا في العلوم المختصّة بالمدارس الفنّيّة، مضوا في التقنيّة المهنيّة، تعلّموا، خبروا المهنة، استعدّوا، وبدأوا بالشغل؛ فأمّنوا حياتهم المادّية، وكانوا فرحين من الناحية النفسيّة والروحيّة، وكذلك خدموا المجتمع. هل هذا أفضل أم أن يجهد المرء ليحصل على شهادة الدكتوراه ومن ثمّ يجلس عاطلاً من العمل، ولا يجده، أو إن وجد عملاً، فيكون عملاً سطحيّاً ليس بذي قيمة في المؤسّسة الفلانيّة أو في الدائرة الفلانيّة؛ أن يذهب ويجلس هناك كمستشار أو ما شابه. ما قيمة كلّ هذا الدرس وكلّ هذا الجهد؟ "النزعة الجامعية" خطأ.
نعم، نحن بحاجة إلى العلم. وإلى البحث والتحقيق؛ مهما تقدّمنا في مجال العلم فليس بالكثير؛ هذا ما أوصي به منذ سنوات، ولقد تقدّمنا فيه بحمد الله أيضاً. لكن هذا لا يعني أن يكون هدف كلّ من وطئت قدماه المدرسة أو الثانويّة هو الجامعة. لا، هناك الآلاف من الأعمال التي لا تحتاج إلى الجامعة، ولا تحتاج إلى تلك المصاريف الكبيرة، ولا تتطلّب تلك الحماسة والتحضير المطلوب للجامعة. علينا أن لا ننسى هذه الأمور؛ فهذه الأمور ثرواتنا. هذا الشابّ الذي يمكنه العمل في المجال المهني والحرفي، ويصل إلى مستوىً ما - في أيّ مجال: في مجال الفنّ، والصناعة، وفي المجالات التقنيّة وغيرها- هو ثروة وطنيّة للبلاد، وينبغي الاستفادة منه.
للإسراع في تطبيق وثيقة "التحوّل البنيوي في التربية والتعليم"
واحدة من المسائل المهمّة الأخرى؛ وثيقة التحوّل هذه: "التحوّل البنيوي في التربية والتعليم". حسنًا، لقد جلس الأصدقاء وذوو الخبرة والتجربة من المسؤولين، وجدّوا واجتهدوا وأعدّوا وثيقة التحوّل؛ جيّد جدًّا. وقد تمّ الإعلان عنها. وبدأ العمل لتنفيذها وتطبيقها، ومضت خمس أو ستّ سنوات إلى الآن، إلّا أنّها لم تُطبّق كلها؛ لِمَاذا؟ إلى متى ينبغي الجلوس، حتّى تُعدّ تلك القوانين التي ذكر في ملحقات وثيقة التحوّل وجوب تحقّقها؟ ينبغي لهذا العمل أن يُنجز بسرعة. من الواضح أنّ الحماسة المطلوبة ليست موجودة، والدافع المطلوب ليس موجوداً. أنا أؤكّد على الوزير المحترم والمسؤولين أن يأخذوا وثيقة التحوّل على محمل الجدّ. إنّ التربية والتعليم لدينا بحاجة إلى التحوّل. وثيقة التحوّل هذه تشير إلى أنّنا بحاجة إلى التحوّل. التحوّل ليس مجرّد التغيير في ظواهر الأمور. بل يعني أنّه يجب القيام بعمل عميق. ويبدو بحسب ما يقول المختصّون في هذا الأمر -أنا شخصيّاً ليس لدي التخصّص في هذا العمل- إنّ وثيقة التحوّل هذه يمكنها ذلك. فهي تتكفّل هذا الأمر وتكفيه. على المسؤولين متابعتها.
لن نوقع على وثيقة "الإملاءات التربوية" لمنظمة اليونسكو الدولية
هناك مسألة أخرى أتعرض لها هنا وهي أنّ وثيقة الأمم المتّحدة 2030 ومنظّمة اليونيسكو وما شابهها 4، ليست بالشيء الذي يمكن جعل الجمهوريّة الإسلاميّة ترضخ له وتسلّم به. بأيّ مناسبة يكون لمجموعة تُسمّي نفسها دوليّة- وهي يقيناً خاضعة لنفوذ القوى العالميّة الكبرى- الحقّ في أن تحدّد للبلدان المختلفة، والشعوب المختلفة، وذات الحضارات المختلفة، والتجارب التاريخيّة والثقافيّة المتنوّعة، تكليفها وواجباتها !؟ وتقول عليكم أن تعملوا هكذا وهكذا؟ المسألة خاطئة من أساسها. وإن كنتم لا تستطيعون مخالفة أساس عملهم، فعليكم أن تقفوا بالحدّ الأدنى وتقولوا إنّ للجمهوريّة الإسلاميّة نفسها نهجاً خاصّاً ورؤيةً خاصّة: لدينا وثائق عالية حاكمة، ونعلم ما الذي يجب أن نفعله في مجالات التعليم والتربية والأخلاق ونمط الحياة. لا حاجة لنا إلى هذه الوثيقة. ومن غير المسموح على الإطلاق أن نذهب ونمضي على هذه الوثيقة، ومن ثمّ نأتي ونبدأ بتطبيقها بهدوء. لقد أبلغنا هذا الأمر أيضاً إلى الأجهزة الرسميّة. وأنا عاتب على المجلس الأعلى للثورة الثقافيّة؛ كان عليهم الانتباه، وأن لا يدعوا الأمور تصل إلى مرحلة أضطّر فيها إلى الوقوف بوجهها والتدخّل بنفسي. هنا الجمهوريّة الإسلاميّة، والأساس فيها هو الإسلام، والقرآن. هو ليس مكاناً يمكن فيه لنمط الحياة الغربيّة المعيوب والمدمِّر والفاسد أن يعمل نفوذه فيه بهذا الشكل. للأسف إنّهم يعملون نفوذهم ويدخلون من طرق مختلفة. أمّا أن يأتوا ويقدّموا لنا -وبشكل رسميّ- وثيقة، ويقولون "ينبغي في ظرف خمسة عشر عاماً أن تفعلوا كذا وكذا"، ونقول لهم "حاضر"؛ لا معنى لهذا العمل.
حسنًا، لقد طال الكلام. ولي معكم أيّها الإخوة الأعزّاء في قطاع التربية والتعليم كلام كثير، يفوق ما تكلّمت به بأضعاف. لكنّ الوقت لا يسمح بطرح كلّ تلك المطالب. وإنّني إذ أعتذر إليكم على الإطالة، إلّا أنّ هناك كلمة لا بدّ من طرحها حول الانتخابات.
الحضور الشعبي في الميادين يحول دون عداوة الأعداء
الإخوة والأخوات الأعزّاء، وكلّ الشعب الإيراني الذي سيسمع كلامي: اعلموا بأنّ الانتخابات أمر مصيريّ؛ ليس هذه الانتخابات فحسب، بل كلّ الانتخابات في البلد، وخاصّة انتخابات رئاسة الجمهوريّة التي هي الأهمّ. وهي واقعاً مصيريّة وحيويّة للبلد في جميع المراحل. وهي أيضاً مهمّة بلحاظ الانتخابات بحدّ ذاتها، التي هي أيضاً موضوع مهمّ.
حسنًا، إنّ جمهوريّتنا إسلاميّة، جماهيريّة. وإنّ نظامنا هو نظام جمهوريّ. ومناصبنا ومسؤوليّاتنا نابعة من جماهير الشعب، ومن الناس. علينا أن نحافظ على هذا الأمر ببالغ الدقّة. وهذا أمر مهمّ جدّاً. لو لم تكن هذه الانتخابات موجودة في نظام الجمهوريّة الإسلاميّة، لما بقي اليوم أثر للنظام الذي وُجد بانتصار تلك الثورة. وهذا المعنى يُستنبط ويُستفاد من أصل الإسلام. وليست المسألة أنّنا استلمنا الجمهوريّة وضممناها إلى الإسلام. لا؛ فالإسلام نفسه يعلّمنا هذا. الآن، هذه مقولة. لكن علاوة على ذلك، ما يلزم لإدارة البلاد وحفظه وحفظ مصالح الشعب بصورة عاجلة وملحّة، هو حضور الشعب. فحضور الشعب هو الذي يحلّ المشاكل والعقد، وحضور الشعب هو الذي يخيف الأعداء من عظمة الجمهوريّة الإسلاميّة. هذه حقيقة عليكم أن تعلموها.
للجمهوريّة الإسلاميّة مهابة في أعين أعدائها. ما هو مصدر هذه الهيبة؟ هل هي ناشئة منّي ومن أمثالي؟ لا؛ على الإطلاق. هي ناشئة من الشعب، ومن هذا الحضور العظيم للشعب، ومن هذه المشاعر والأحاسيس التي تفصح عن نفسها في جميع ميادين الحضور وساحاته. أقول هذا الكلام: فلا يأتينّ أحد ويحاول تأويل كلامي الصريح، ويقول: لا؛ مراد القائد أنّ هذا الحضور الشعبي قد أدّى إلى وصول الحكومة الفلانيّة -على سبيل المثال- إلى الحكم، وتلك الحكومة. لا أيّها السيّد؛ فليس للحكومات أيّ أثر. وهل نسيتم أنّ إحدى الدول الأوروبيّة، اتّهمت في السبعينات [التسعينات الميلادية] رئيس جمهوريّتنا بأمر وطلبته إلى المحاكمة؟ 4 لقد اتّهمت رئيس جمهوريّة إيران. هذا بالرغم من العلاقات والروابط الوثيقة التي كانت تربط رئيس الجمهوريّة بتلك الدولة؛ حيث كانوا يتبادلون الرسائل، ويرسلون المبعوثين والممثّلين عنهم. ولعلهم أحياناً كانوا يجرون الاتصالات الهاتفيّة ــ لا أذكر الآن شيئاً عن الاتّصالات الهاتفيّة ـ لكنّهم كانوا يتبادلون الرسائل من وقت لآخر، وكانوا يظهرون المودّة والصداقة. فاستدعت تلك الدولة نفسها رئيس جمهوريّتنا بالرغم من إظهار الصداقة والمودّة والمحبّة، إلى محاكمها كمتّهم. ولكنّنا وجّهنا إليها صفعة على فمها فتراجعت. ولو لم تتلقَّ تلك الصفعة لكانت تمادت وسارت أمورها قُدماً بهذا الشكل.
العدوّ عدوّ؛ لا يفرّق بين هذه الحكومة وتلك. وإن استطاع أن يمارس عداواته، ويبثّ سمومه فإنّه يفعل ذلك، دونما مراعاة لأحد، ودون ملاحظة المداهنة والمجاملة واللعب على الكلام والمواقف السياسيّة وأمثالها. فهو بالنهاية عدوّ. إنّ الشيء الذي يحول دون العدوّ ودون ممارسة عداوته، هو الخوف من الحضور الشعبي، وعلمه أنّه إذا ما قام بعدوانه، فإنّ النتيجة ستكون معاكسة. وذلك أنّ بلداً بتعداد ثمانين مليون نسمة يقف أمامه. هل هذه مزحة؟ إنّ عدد سكّاننا يبلغ ثمانين مليون نسمة؛ فالبلد العظيم، هذا الشعب الواعي واليقظ، والطاقات الإنسانيّة القويّة، وكلّ هؤلاء الشباب؛ توجِد الهيبة في أعين العدوّ، وتمنح العظمة لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة. عليكم أن تلتفتوا إلى هذا الأمر.
على الجميع أن يشارك في الانتخابات
إن أردتم أن يبقى هذا الإحساس، وهذه العظمة، وهذه المنعة لدينا، عليكم المشاركة في الانتخابات؛ وإن أردتم لنظام الجمهوريّة الإسلاميّة أن يحافظ على اقتداره في أعين العالم -سواء العدوّ منهم أو الصديق- عليكم أن تشاركوا في الانتخابات. فالمشاركة في الانتخابات هي حفظ لقوّة البلد، وحفظ لعظمته وهيبته، وحفظ لمنعته؛ إذا ما جرى تقصير في شأن الانتخابات، وتدخّل البعض لتثبيط الشعب وإحباطه، وليحدث فتورًا في الانتخابات، فإنّ ذلك سيتسبّب بضربة وخسارة للبلد؛ وكلّ من يشارك في هذه الضربة سيكون مسؤولاً أمام الله تعالى. على الجميع أن يشارك في الانتخابات. بالطبع، إنّ الأفكار والأذواق والآراء والمشارب السياسيّة مختلفة، قد تقبل أنت زيداً، ويقبل ذاك عمرًا؛ وتنتخب أنت زيداً، وينتخب ذاك عمرًا، لا إشكال في ذلك، وليس هذا بالأمر المهمّ، المهمّ أن يشارك الجميع، ويحضر الجميع، ويظهر الجميع بأنّهم حاضرون للدفاع عن الإسلام، عن النظام الإسلامي، وعن الجمهوريّة الإسلاميّة، والحفاظ على منعة بلدهم. واعلموا! إن استمرّت هذه الهمّة وهذه الإرادة -بحول الله وقوّته- في شعبنا، بهذه الشدّة والعظمة الموجودين، فلن يستطيع العدوّ أن يرتكب أيّ حماقة ضدّ هذا البلد مطلقاً.
إلهي! اجعل ما قلناه وسمعناه لك وفي سبيلك. إلهي! واشمل أرواح شهدائنا المطهّرة، وروح إمامنا العظيم، وأرواح رجالات الإسلام الطيّبة بلطفك ورحمتك.
والسلام عليكم ورحمة الله.
1- في بداية اللقاء قدّم وزير التربية والتعليم، السيّد فخر الدين أحمدي دانش آشتياني تقريراً.
2- إقبال الأعمال، ج2، ص 687 (المناجاة الشعبانيّة).
3- علت أصوات الحضور بالضحك.
4- الوثيقة 2030 لمنظّمة اليونيسكو الخاصّة بالتعليم والتي طُرحت في الأمم المتّحدة في العام 2015 ميلادي، بهدف التأثير على جميع المؤسّسات التعليميّة في الدول، ومن أجل تطبيقها في جميع الدول. وكانت الجمهوريّة الإسلاميّة أيضاً من بين الدول المشاركة في هذه الجلسة، وتعهّدت بتطبيق هذه الوثيقة. وفي العام 1395 (2016) صادقت الجمهوريّة الإسلاميّة على الوثيقة الوطنيّة 2030 للتعليم.
5- على أثر إعلان محكمة ميكونوس في برلين رأيها النهائي في مارس 1997، قامت هذه المحكمة الألمانية بتوجيه التهمة لعدة أشخاص ومنهم الرئيس الإيراني آنذاك.