كلمة الإمام الخامنئي لدى لقائه مسؤولي النظام الإسلامي وسفراء الدول الإسلامية بمناسبة عيد الفطر السعيد في حسينية الإمام الخميني ( رضوان الله عليه )_06-07-2016
بسم الله الرحمن الرحیم(1)
والحمد لله ربّ العالمین، والصلاة والسلام على سیّدنا محمّد وآله الطاهرین.(2)
أبارك عيد الفطر السعيد لكم جميعاً أيها الإخوة والأخوات الأعزاء، وسفراء البلدان الإسلامية المحترمين الحاضرين في هذا المجلس، وللشعب الإيراني الجدير حقاً بأن يبارك له الإنسان من أعماق وجوده، هذا الشعب العظيم والمؤمن والوفيّ والشجاع والمضحي. كما وأبارك للأمة الإسلامية الكبرى هذا اليوم «الَّذي جَعَلتَهُ لِلمُسلِمینَ عیداً»(3).
في العيد دعوةٌ: إلى الوحدة والتوحيد
لقد دُعي الناس في هذا العيد إلى ركنين أساسيين: إلى التوحيد وإلى الوحدة. التوحيد في هذا الذكر العميق والزاخر بالمعاني، الوارد في صلاة العيد والذي تستتبعه الزكاة أيضاً. هناك الصلاة، والزكاة متممة لها، يمثلان رمزاً للتوحيد في هذا اليوم. الوحدة التي تنبع في الواقع من التوحيد أيضاً؛ حيث يتعاطف المسلمون، وتصطفّ الأبدان جنباً إلى جنب في صلاة العيد وتجمعاته، وتتوجّه القلوب نحو مركز واحد، هو مركز العظمة الإلهية، مركز قوة الحق ورحمته. هذا اليوم هو يومٌ كهذا.
وللأسف فإن العالم الإسلامي اليوم محروم من الوحدة، يواجه مشكلات وصراعات. عندما يحل الاضطراب، وتندلع الصراعات والمنازعات بين المسلمين، ستصبح المعنويات ضعيفة. حيث إن المعنويات والإيمان وفق المنطق القرآني بحاجة إلى الهدوء والاستقرار إلى حدّ كبير، ﴿هُوَ الَّذي أَنزَلَ السَّكينَةَ في قُلوبِ الـمُؤمِنينَ لِيَزدادوا إيمانًا مَعَ إيمانِهِم﴾(4)؛ فإن سادت السكينة والهدوء والطمأنينة واستتبّ الأمن، حينها يتمكّن الناس من أن يزيدوا إيماناً إلى إيمانهم، من خلال العمل الصالح والتوجّه والذكر. لكن إذا كان الناس في بلد إسلامي ومجموعة إسلامية، يخافون على أرواحهم وأموالهم وأمنهم، وليسوا بمأمن ولا أمان، فلن يكون هناك هدوء وسكينة، وإن فُقدت السكينة، لن يكون هناك ازدياد للإيمان أيضاً. المسلمون اليوم مبتلون بهذا الوضع.
لماذا لا نعرف عدوّنا؟
لقد ذكرت للناس في خطبة صلاة العيد، بأن بغداد تعيش اليوم في حالة مأتم وعزاء. الكثير من البلدان الإسلامية الأخرى في عزاء وحداد بسبب الحروب وسفك الدماء، سوريا في حداد، واليمن في حداد، وليبيا في حداد، والبحرين في حداد. الأمة الإسلامية لا تستحق كل هذه المشكلات.
من أين تأتي هذه المشكلات؟ من أيّ نبعٍ خبيث مشؤوم تصدُر؟ من الذي يروّج هذه النطفة النجسة للإرهاب في العالم الإسلامي؟ في مقام الكلام، الجميع يتبرّأ من الإرهاب، ويتظاهرون أحياناً بعمل مناهضٍ للإرهاب، - وكما عبّر رئيس الجمهورية المحترم فهم يشكّلون تحالفاً ظاهرياً كاذباً ومزيفاً ضدّ الإرهاب - ولكنهم في الباطن ليسوا كذلك، إنهم يروّجون للإرهاب. نحن لم ننسَ تلك الأيام التي انطلق فيها سفير أمريكا في أوائل أحداث سوريا، ونزل بين صفوف المعارضين ليطمئنهم ويحرّضهم على تبديل نزاع سياسي إلى حرب أهلية. فهل هذا عمل بسيط؟
حسناً، النزاعات السياسية قائمة في كثير من البلدان، ولكن لماذا ينبغي تبديل هذه النزاعات إلى حرب؟ وحرب بين أبناء الشعب الواحد واقتتال بين الإخوة؟ ثم يجمعون الشباب من كل أنحاء العالم بواسطة الأموال والعائدات النفطية الحرام، ويرسلونهم إلى سوريا بطريقة وإلى العراق بطريقة أخرى. وها هي اليوم قد اتسعت رقعتها وانتشرت في بنغلادش وتركيا وبلدان أخرى.. هذه هي المسائل التي عرّضت العالم الإسلامي إلى هذه المصائب وسببت له الفرقة وفقدان الأمن. فلماذا لا نعرف عدوّنا؟
أمريكا منبت المؤامرات
يظن البعض أنّ إصرارنا على معاداة أمريكا ناجم عن تعصّب. كلا، إنّما هو نابعٌ عن معرفة وعن تجربة. منذ سبعة وثلاثين عاماً ونحن نجرّب هذا العداء. حيث إنهم، ومنذ انطلاق الثورة، قد تأهّبوا وشدّوا همّتهم لمعاداة إمامنا الكبير وحركته العظيمة؛ بدأوا منذ ذلك الوقت بالمؤامرات وما زالوا هكذا حتى اليوم: حاولوا تحريض القوميات الإيرانية ضدّ الجمهورية الإسلامية ولم ينجحوا، حاولوا تحريض العناصر التابعة للخارج ضدّ الشعب ونجحوا في ذلك إلا حدّ ما، إلا أن الناس انتصروا عليهم؛ وحتى يومنا هذا، ما زالوا يعملون ويسعون، لكن الشعب واعٍ، والحكومة يَقِظة، والمسؤولين مستعدون.
وللأسف فإنهم قد نجحوا بتنفيذ هذه المخططات في مناطق وبلدان أخرى، فهناك من يدعم الإرهابيين بالمال والاتصال والأسلحة الحديثة. فمن أين يأتي الإرهابيون بكل هذه الأسلحة المتطورة؟ بأي أموالٍ يشترونها؟ هذه هي التي أركعت العالم الإسلامي والأمة الإسلامية، وهي أمورٌ يجب فهمها ومعرفتها جيداً.
نشاهد اليوم كيف أنهم يقومون بهذا العمل في مناطق أخرى أيضاً. نحن لم نتدخل في قضية البحرين ولن نتدخل لاحقاً، ولكننا ننصحهم، هناك أيضاً يوجد اختلاف سياسي؛ وها هم يعملون على تحويل هذا النزاع السياسي إلى حربٍ أهلية؛ ولو كانوا يتمتعون بالوعي والمعرفة والتعقل السياسي، فليكفّوا عن هذا العمل. لأن المعارضة والنزاعات السياسية قد تحدث في أي بلد، فلماذا يقومون بما يدفع الشعوب نحو العنف ويحرّض الناس على قتال بعضها البعض؟ هذه، وللأسف، أخطاء يشاهدها الإنسان اليوم في بعض البلدان الإسلامية الأخرى.
فلسطين: القضيّةُ الأساس
الاستكبار العالمي وعلى رأسه أمريكا يسعى إلى إشغال هذه المنطقة وإلهائها بنفسها ليتنفس الكيان الصهيوني الصعداء؛ يريدون رمي القضية الفلسطينية في غياهب النسيان، إنهم يريدون إنكار وجود جغرافيا وشعب باسم فلسطين. والحال أن فلسطين ليست بلداً مزوّراً مصطنعاً قد ظهر اليوم! فلسطين لها تاريخ عريق يمتد آلاف السنين، شعب فلسطين هو شعبٌ حقيقي لديه أرض وبلد ومنطقة جغرافية واضحة، الاستكبار يقوم بإنكار هذه الأمور وإنكار وجود شعب فلسطيني. ليعلم المتوحشون الصهاينة أنّهم سيتلقون صفعة مدوية نتيجة هذه الممارسات الهمجية التي يقومون بها حالياً ضد الشعب الفلسطيني.
إن قضية فلسطين هي القضية المحورية للعالم الإسلامي، ينبغي أن لا ينساها أي بلد، أي بلد إسلامي بل وأي بلد يتمتع بضمير إنساني، ينبغي أن لا ينسى بأن قضية فلسطين هي قضية أصلية وأساسية. هناك شعبٌ مظلوم ومحاصر، يتعرض دوماً للظلم والجور منذ سبعين عاماً، وهذا ما ينبغي تذكّره وعدم نسيانه. ونحن نعتقد بأن كل المسائل والقضايا الأخرى الجارية في العالم الإسلامي تهدف في الأغلب إلى نسيان القضية الفلسطينية، وحينها سيرتكبون الفاجعة العظمى.
في اليمن..كارثة خطيرة
حسناً، لاحظوا قضية اليمن. ما يجري في اليمن هو كارثة،كارثة خطيرة . منذ سنة وبضعة أشهر وهذا الشعب يتعرض ولأسباب واهية، للهجوم والقصف من قبل بلدٍ يصطلح على تسميته بالإسلامي. القصف هذا لا يطال جبهات القتال، وإنما يطال المستشفيات والمنازل والمساجد ويدمّر البنى التحتية لهذا البلد. لا يمكن الاستمرار على هذا الوضع، على المعتدي أن يكف عن عدوانه، يجب على العالم الإسلامي أن يعاقب المعتدي لئلا يفكر أحدٌ بالاعتداء على الآخرين.
الشعب الإيراني صامد؛ أثبت الشعب الإيراني في هذه السبعة والثلاثين عاماً بأنه صامد. هذا أولاً، وأثبت ثانياً أنّ الصمود هو سبيل التقدّم. ولو كان الشعب الإيراني قد استسلم، وأظهر ضعفاً ووهناً، وخضع لقوة المتسلطين والمتكبّرين في العالم، لما كان حقق هذا التقدم ولما نال منه نصيباً؛ إن سبيل التقدّم هو الصمود والاستقامة، وتقوية البنية والإنتاج الداخلي، وتعزيز العزم والإرادة الوطنية، وتمتين العلاقة بالله.
أعزائي! اعرفوا قدر هذا التضرّع والابتهال والمناجاة في شهر رمضان، وقدّروا هذه الأدعية، وثمّنوا إحياء الليالي المباركة، وهذه الدموع الطاهرة التي جرت على الوجوه في ليالي القدر وفي مجالس الدعاء والمناجاة والاستغاثة والتضرّع، فإن لها قيمة بالغة، وهي التي تقوّي قلب الإنسان المؤمن، وتزيد من توكّله على الله. فإن اتّكلتم على الله، لن تخافوا بعدها أحدًا غيره، وعندها، سوف تتحركون نحو أهدافكم العليا بقوة واقتدار.
اللهم! نسألك أن تحشر روح الإمام الخميني العظيم الذي دلّنا على هذا الطريق وسار بنا فيه، وأرواح الشهداء الأعزاء الذين بذلوا مهجهم في هذا السبيل، مع النبي وآله.
والسلام علیکم ورحمة الله وبرکاته
1 في بداية هذا اللقاء، الذي جرى بمناسبة عيد الفطر السعيد، ألقى رئيس الجمهورية حجة الإسلام والمسلمين الشيخ حسن روحاني كلمة.
2 صلوات الحضور على محمد وآله.
3 المصباح، ج2، ص604 (دعاء قنوت صلاة العيد)
4 سورة الفتح، جزء من الآية 4.