كلمة الإمام الخامنئي في لقاء الشعراء ليلة ولادة كريم أهل البيت الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام)_20-6-2016
بسم الله الرحمن الرحيم[1]
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين لا سيما بقية الله في الأرض.
لقد كان لقاءً جميلًا جدًا بالنسبة لي، كما كانت كل جلساتنا في النصف من شهر رمضان على مدى السنوات المتوالية؛ جلسة أنس، جلسة أدب، جلسة صفاء، وفرصة لمشاهدة كل هذا التقدم.
الحركة الشعرية؛ في تقدم
عندما أقارن شعر الشباب اليوم مع شعرهم قبل عشر سنوات أو خمس عشرة سنة ، تنتابني حالة من الشوق والشكر عند رؤية هذا التقدم. بحمد الله فقد تحسّن شبابنا كثيرًا، تقدّموا، ازداد عدد الشعراء، تطورت نوعية الأشعار الجيدة؛ الحمد لله فإن الحركة الشعرية في البلاد تتقدّم الى الأمام. حسنًا، إن آمالنا هي بالطبع أكبر من هذا، فلا تزال لدينا نواقص في المسائل الشعرية؛ هناك الكثير من الكلام ليقال مع جمع كهذا من أهل الحكمة والذوق والفن؛ لدى الإنسان الكثير مما يرغب بقوله، ولكن لا الوقت يسمح ولا الحال؛ لا أعلم بالضبط فأنتم جالسون وتستمعون منذ أكثر من ساعتين؛ أن نأتي الآن ونزيد عليكم فليس بالأمر المناسب. ولكن، حسنًا، هناك الكثير ليقال: [ترجمة شعر]
الكلمات التي لم تقل لا تزال في القلب
وبقيت معها قصيدة الغزل التي لم تنظم
حميد سبزواري؛ شاعر العصر
أرى لزامًا عليّ أن أوجّه تحية تكريم لرفيقنا العزيز وشاعرنا الفاضل المرحوم السيد حميد سبزواري، الذي كان طوال هذه السنوات المتمادية أنيس هذا المحفل؛ لقد اغتنمنا حضوره دائمًا –تقريبًا كان حاضرًا في كل الجلسات- وعندما نتذكر المرحوم حميد سبزواري، فهذا ليس كونه صديقا وشاعرا فحسب، بل هناك تعاليم ومفاهيم يتعلمها الإنسان من تذكّر حميد وشخصيته واسترجاع [واستخلاص]حياته الشعرية. ما دام أن هؤلاء الأعزاء (أمثال حميد سبزواري) أحياء، لا يحصل هذا الاستخلاص والتجميع والتحليل – وكل من يرغب بهذا الأمر فطريقه هو هذا! (أن يموت)- [2]. حينما يكونون أحياءً لا تسنح الفرصة لأحد كي يجمع تجربته ويتأملها ويستنتج منها، لكن عندما يرحلون، يستغرق الإنسان بالتفكير والتأمل فيها. بالنسبة للمرحوم حميد؛ أوّلًا: كانت قريحته الشعرية جيدة جدًا، كان شاعرًا حقًّا؛ أي إنه كان شاعرًا بالذات ولم يكن متصنّعًا. ثانيًا؛ كان متمكنًا مالكًا لأنواع الشعر، كان لديه دائرة ألفاظ واسعة جدًا، وتنوّع في الشعر، وكان دومًا مجدّدًا معاصرًا لزمانه ويومه؛ وهذا هو الأمر المهم، أي إنني ومنذ تعرفت الى السيد حميد – منذ الأشهر الأولى لانطلاق الثورة- وصار بيننا صداقة وتواصل أدبي وشعري وسط تلك البلاءات والانشغالات العجيبة الغريبة في ذلك الوقت، وأنا أشعر بأنه كان نافذةً مشرّعةً تحمل إلينا نسائم الحرية، ولطالما كنت أغتنم هذه العلاقة وأستفيد منها. منذ تلك الأيام وحتى آخر عمره، كان هذا الرجل ابن زمانه ومواكبًا ليومه؛ أي إنّ شعره كان شعر اليوم.
النشيد؛ شعر شديد التأثير
أعتقد أنّ الميزة التي لا مثيل لها لدى حميد سبزواري تتمثل في أناشيده؛ سواء من الناحية الكمية أو من ناحية الجودة والنوعية والمضمون. لدينا اليوم هذا النقص؛ إننا اليوم بحاجة إلى الأناشيد؛ النشيد هو حاجة. كنت قد سجّلت ملاحظةً حول الأناشيد كي أطرحها في آخر كلمتي، ولكن بما أننا ذكرناها، فسأقول هنا ما كنت دوّنته. برأيي أنّ النشيد هو نوع من الشعر الشديد التأثير. النشيد مؤثر، تأثير أكبر من أغلب أنواع الشعر، بل لعلّه يمكن القول، تأثيره أكبر من كل أنواع الشعر؛ أي اتساع تأثيره أكبر وسرعة تأثيره أعلى. افترضوا مثلًا، أنّ لدينا نشيدا جيّدا متناسبًا مع أوضاع زماننا الحالي، بحيث إنّ الشباب في الرحلة ينشدونه، مجموعة شباب تسير في الجبل، أو في اللقاءات التي يجتمعون فيها، أو مثلًا، هؤلاء الشباب يسيرون في مظاهرات 22 بهمن (ذكرى انتصار الثورة 11 شباط) وينشدون معًا هذا النشيد.
النشيد يبني ثقافة
هذه أمور بالغة الأهمية، فهي تنشر وتروّج المعارف التي نحتاج إليها. النشيد يؤدي هذا الهدف ويترك تأثيرًا سريعًا، النشيد يبني ثقافة؛ إحدى ميزات النشيد أنه يبني ثقافة في المجتمع وهو لا يعرف المستويات والحدود؛ بحيث يعبر من المستويات العليا للمعرفة والعلم وما شابه وصولًا إلى المستويات الشعبية لعامة الناس ويشمل الجميع بانتشاره السريع، وهذا ما شهدناه في أناشيد المرحوم حميد.
رحم الله الشهيد مجيد حداد عادل – شقيق صاحبنا السيد الدكتور حداد عادل- فقد أخبرني في أوائل العام 60ه.ش (1980م) هذه القصة وقال: حين تحررت مدينة سنندج من سيطرة أعداء الثورة – كانوا قد سيطروا عليها وكانت قواتنا محاصرة في إحدى الثكنات- خرج الناس إلى الشوارع احتفالًا بتحرير سنندج، كانت سنندج قبل تحريرها معرّضة دومًا للقنص والقصف وكانت الشوارع خالية ومعرّضة للاعتداءات، بعد دحر تلك المجموعات المعادية للثورة، عاد الوضع إلى طبيعته المعتادة في المدينة. حسنًا، سنندج مدينة جميلة وجذّابة وكل من زارها يدرك أنها مدينة جميلة. قال: رأيت أحد بائعي العصير وقد أخذ يوزع العصير على الرصيف، وكان الشباب قد تجمعوا حوله ينتظرون دورهم ليعصر ويقدم لهم، وبينما كان يأخذ الجزر ويضعه في العصارة ويضغطه، كان يترنّم ويردّد "ها هي صيحات الحرية وقد انطلقت من الشرق"؛ والحال أنّ هذا الشعر لم يكن قد أنشد إلا قبل شهر أو شهرين؛ رجل يعصر الفاكهة في تلك المدينة النائية، وبالطبع لم يطلب منه أحد أن ينشد هذا! وكما يقول السيد فيض[3] ذلك الرجل لم يكن من جماعة النظام أيضًا[4]! ؛ كلا، إنه ينشد بشكل عفوي وطبيعي. هذا هو النشيد؛ النشيد مثل النسيم العليل، يتسلّل كهواء الربيع؛ لا لزوم لأن يفرض أحد ترويجه أو يكتب له مقدمة ويدعو له؛ كلا، النشيد نفسه عندما يُنظم بشكل جيد فإنه سينتشر ويؤثر في الناس.
كتب 400 نشيد
نفتقر اليوم لأناشيد كهذه، الموجود منها قليل، نحن بحاجة إلى هذه الأناشيد والمرحوم حميد سبزواري (رضوان الله تعالى عليه) كان الأفضل في هذا المجال. لا أذكر بشكل دقيق، ولكن المعلومات التي وصلتني تشير إلى أنه كتب أكثر من أربعمئة نشيد؛ أناشيده ذات قيمة عالية ولا ينبغي المرور عليها مرور الكرام.
وأنا ذكرت هنا ذلك الشعر الذي نظمه السيد سيار والسيد عرفان بور بشكل مشترك[5]– وقلت إنني سمعته- وأظنّ أنه النشيد الذي انتقدته الشبكات الأجنبية المعادية للثورة وأظهرت حساسية تجاهه وتهجمت عليه بشدة! أي إنهم أدركوا فورًا أهمية هذا العمل – وقد نُقل لي وقُدم تقرير بأنّ فاكس نيوز وأمثالها، بدأوا فورًا بمواجهته- فاللحن الجميل للنشيد وكلماته الجيدة، جعلته يثير غيظهم وغضبهم! والحال أننا لم نكن قد سمعنا به؛ أي إننا لم نروّج له؛ لا نروّج للنشيد الجيّد. أعتقد أنّ نظم الأناشيد عمل جيد جدًّا، وكذلك تأليف الألحان الموسيقية الجيدة لها. لديّ بعض التوصيات في مجال الألفاظ والتركيبات وما شابه، أطرحها فيما بعد. رحم الله عزيزنا حميد؛ وشملته الرحمة الإلهية إن شاء الله، وما ذكرناه هو قسم من خدماته، وإن شاء الله تكون ذخيرةً له في آخرته.
أعزائي! الشاعر هو رصيد البلاد؛ الشاعر من أغلى وأعز ثروات أي بلد؛ وبالطبع فإنّ كل الفنانين هم ثروة ورصيد غالٍ، ولكن الشاعر يتمتّع بميزات خاصة وكذلك فإنّ للشعر ميزة خاصة من بين كل أنواع الفنون وأقسامها مما يؤدي إلى تقدير قيمة الشاعر في المجتمع أكثر فأكثر؛ الشاعر ثروة وذخيرة. حسنًا، هذه الثروة يجب أن تُستخدم في المنعطفات والتحديات التي تمرّ بها البلاد؛ هذا استنتاج واضح وطبيعي. حيثما تحتاج البلاد إلى مساعدة – سواء في مجال المسائل الثقافية أو المسائل السياسية أو الاجتماعية والعلاقات الشعبية والارتباطات الاجتماعية وكذلك في مواجهة أعدائها الخارجيّين- ينبغي الاستفادة والانتفاع من هذه الثروة، تمامًا مثل ذخائر (صندوق التنمية الوطنية) حيث ندّخر فيه قسمًا من أرباح بيع النفط، كي ينفعنا عند الحاجة وعند حدوث أي أزمة. بناءً على هذا، فإن كان عندنا شعر لا يأخذ أي موقف من الأحداث الجارية في البلاد، فإنّ هذا الشعر لا يلبّي حاجات البلاد؛ يجب أن يأخذ موقفًا واضحًا.
... يكون مدعاة للهداية
وبالتأكيد فأنتم تعلمون وقد كررت هذا مرارًا في مثل هذه الجلسة وقلت إني لا أدعو أبدًا إلى أن يكون كلّ الشعر الذي تنظمونه متضمّنًا حتمًا لموقف سياسي أو التزام أخلاقي أو ما شابه؛ كلا، فلا إشكال أبدًا بنظم شعر الغزل والعشق، فإنّ هذا بالنهاية جزء من طبيعة الشاعر، وأنتم تنظمون هذه الأشعار، لا مانع أبدًا، ولكن حتى في أشعار الحب والغزل هذه ينبغي أن تكون روحها مدعاة للهداية، لا أن تساهم في الفساد والانحراف؛ وهذا بالطبع محفوظ في محله، لكنني أقصد أنه ليس متوقعًا منكم حين تنظمون الشعر، أن يكون الغزل (قالب شعري رائج في الشعر الفارسي) من أوله لآخره ناظرًا للمسائل السياسية، كلا، فمن الممكن أن تنظموا ثلاثة أو أربعة أبيات متضمنة لمفاهيم عاطفية وعشقية وما شابه، وفجأة تضمّنوا قصيدة الغزل هذه بيتين في وسطها كعلامة فارقة؛ تمامًا كما كان يفعل شعراؤنا الكبار دومًا؛ حيث كانوا ينشدون قصيدة الغزل وفجأة نلاحظ فيها بيتين يشيران إلى قضية حساسة؛ يقومون بإحياء هذه المسألة، يطرحونها لتحضر في أذهان الرأي العام. ففي آخر المطاف، يجب أن يكون شعر الشاعر حيًا.
شعر قضايا العصر
هناك مسألة وهي الأشعار التي نُظمت حول قضايا البلاد الحالية، ولحسن الحظ، فإنّ شعراءنا الذين نسمع منهم هذا الشعر الحي وحامل الموقف، ليسوا قلة؛ والحمد لله موجودون بكثرة؛ أي إننا اليوم أفضل بكثير مما كنا عليه في هذا المجال قبل عشرة أو خمسة عشر عامًا؛ ولكن المشكلة أنه لا يجري الترويج لهؤلاء.
افترضوا على سبيل المثال، الأشعار التي نُظمت حول الشهداء الغواصين أو المدافعين عن الحرم أو هذا الشعر الذي ألقاه السيد[6] الليلة عن المدافعين عن الحرم. حسنًا، إنها أشعار جميلة وجيدة جدًا، أشعار فاخرة؛ لماذا لا يتم الترويج لها؟ هذا هو سؤالي؛ ما هي سبل ترويج هذه الأشعار؟ أو مثلًا الأشعار التي قيلت في الشيخ الزكزاكي[7]. حسنًا، إنّ الشيخ الزكزاكي هو إنسان مظلوم وشجاع ومستقيم في حركته ونهجه، لقد هاجموه وانتقموا منه. حسنًا، إن قمنا بترجمة هذه الأشعار مثلًا، ونشرها وإصدارها للتعريف به وبما جرى له. تأملوا كم سيكون لهذه الأشعار من تأثير؛ كم سترفع من المعنويات؟ نحن لا نقوم بهذا العمل؛ وللإنصاف لدينا تقصير في هذا المجال؛ أو حول قضية فلسطين وكذلك اليمن والبحرين وأمثالها؛ وكذلك في مجال خيانات أمريكا وغدرها.
في قضية "برجام"[8] هذه، فكم خان الأمريكيون ونكثوا بعهودهم، هذا يجب أن يقال ويعلن؛ وهي ليست مهمة السياسيين فقط؛ الفنانون يقومون ببيان هذه الأمور بشكل أفضل من السياسيين. ومن بين أنواع الفنون، فإنّ الفنّ المتيسّر دائمًا والأبسط والأكثر حيوية وتألقا وسرعة هو الشعر. يجب أن تقال هذه الأشياء، يجب أن تُبيّن وتُقدّم للرأي العام، وكذلك الأمر في مجال الدفاع المقدس. وهنا أتقدم بالشكر من صميم قلبي من الأخوة الذين ألقوا أشعارًا بهذه المجالات والمواضيع في جلستنا الليلة؛ أحسنتم عملًا، ولكن يجب أن تستمر هذه الأعمال، يجب أن تنمو وتتوسع ويجب الترويج لها، يجب الترويج لهذه الأشعار.
كرّموا الشعراء الثوريين
وأنا أرى وألاحظ أحيانًا أنّ ما يحصل هو العكس من هذا! حيث يتم تكريم وتقديم الفنان الفلاني المستهتر الذي لا يحمل أي اعتقاد، ولم يُظهر طوال هذه الـ38 عامًا ذرّة من الاهتمام والميل لمفاهيم الثورة الإسلامية؛ بينما ذلك الفنان الذي أفنى عمره في هذا الطريق، يتم تجاهله ولا يكرّم أبدًا! لا يقدّر ولا يُحترم؛ هذا أسلوب خاطئ جدًّا؛ على مسؤولينا أن ينتبهوا إلى هذه المسائل، وعليه فإنّ كلامنا هو أن نجعل شعرنا شعرًا حيًّا وذا روح ويحمل موقفًا ومن ثم نقدمه وننشره، أي نروّجه؛ على الأفراد أن يروّجوا لهذه الأشعار، على مؤسسة الإذاعة والتلفاز الترويج، على الأجهزة الرسمية وغير الرسمية أن تروّج أشعارًا كهذه.
حسنًا، لحسن الحظ، إنّ هذا الجمع مشغول ومتصدٍّ للعمل، للإنصاف فإنهم يقومون بأعمال جيدة. ولكن دائرة عملهم وإمكاناتهم محدودة، فيجب تنمية إمكاناتهم وتقويتهم كي ينجزوا أعمالهم أكثر فأكثر. في هذا المجال الذي ذكرته وكذلك في مجال إعداد الشعراء وتأهيل الشعراء الشباب، ولحسن الحظ فإنهم قد أنجزوا أعمالًا بهذا المجال.
أشعار العزاء والمراثي.. المضمون الجيد
هناك مسألة أخرى، هي مسألة الأشعار الحاضرة بشكل عملي وكبير بين الناس؛ ومن جملتها أشعار اللطم والعزاء والمراثي، فهي مؤثرة جدًا ويمكن أن تترك تأثيرًا بالغًا؛ بالطبع فيما لو كانت هذه الأشعار ذات مضمون جيد. لاحظوا مثلا في بلادنا وخلال أيام عاشوراء أو مناسبات العزاء الأخرى، كيف أنّ ملايين الناس وأغلبهم من الشباب، يقفون ليستمعوا لمن يلقي اللطميات والمراثي، وكيف أنّ تلك الأشعار والألحان تخلق عند الجماهير حالة من التأثير والانفعال العاطفي؛ فيلطمون صدورهم ويذرفون الدموع ما يقوّي عقائدهم وأحاسيسهم وعواطفهم نحو المفاهيم الدينية، هذه فرصة مهمة جدًّا؛ ونحن علينا أن نستفيد من هذه الفرصة. حين نقول "نحن" فالمقصود أن البلاد يجب أن تستفيد والإسلام ونظام الجمهورية الإسلامية كذلك؛ وهذا ما نبهت إليه سابقًا جموع المدّاحين وقرّاء المراثي واللطم وأمثالهم، وها أنا أنبهكم أنتم يا أهل الشعر. أذكر مثلًا في أيام الثورة – أيام محرم- أرسل لي بعض الأصحاب شريط كاسيت فيه تسجيل لطميات من مدينة "جهرم" – وكنا نسكن في مشهد حينها- وكم كان مؤثرًا هذا الشريط؛ أوّلًا: كان جميلًا من ناحية الشعر والألفاظ والمعاني، ثانيًا: كان جميلًا من ناحية اللحن، ثالثًا: كان منشّطًا ومحفّزًا وهاديًا، يحمل الكثير من القيم. وبعد فترة وصلني شريط آخر من مدينة "يزد"، ما زلت أذكر تلك التسجيلات من هاتين المدينتين، لم أطّلع على أعمال من أماكن أخرى حينها.
لطميات آهنكران؛ وأشعار تهدي
حسنًا، المفاهيم السياسية كان محورها النضال والقيام الثوري وقد نقلوها عبر اللطم وأشعار العزاء. وقد شهدنا شبيه هذا الأمر في زمن الدفاع المقدّس، هذه اللطميات التي كان ينشدها السيد آهنكران – وكان ينظمها له ذلك الشاعر المحترم في الأهواز، السيد "معلمي"- فقد كانت كذلك أشعارًا ولطميات تهدي الناس وتعلمهم. يجب علينا أن نتابع هذا العمل بشكل جدّي؛ وبالتأكيد فإنّ شعر اللطم له ميزات خاصة من ناحية اللفظ والتركيب ويجب أن يتحلّى بمواصفات خاصة من ناحية البناء الشعري لكي يصبح سلسًا وجذابًا ويتمكّن منشد اللطم من إلقائه. وأنا أرجو وآمل من أهل المراثي واللطم أن يهتموا ويتنبّهوا إلى هذه الأصول وأن يتعلموها ويقبلوها ويطلبوها ويحسنوا إلقاءها، وأنتم كذلك أيها الشعراء الأعزاء، أطلب منكم أن تجدّوا وتتابعوا في هذا المجال ما استطعتم.
وسط حرب ناعمة، سياسية، ثقافية..
ألقى أحد السّادة[9] شعرًا بما معناه أنّك إن شهرت سيفك فما أكثر الصدور التي ستقف في مقابل الأعداء وتتحول إلى دروع تحميك وتقيك الأعداء، وأقول إنني قد شهرت السيف (منذ وقت طويل) نحن مستغرقون بالقتال ونحارب من اليمين إلى اليسار؛ فليس الأمر كما قال؛ غاية الأمر أن سيوف اليوم والميدان من نوع آخر والمعركة تختلف عن المواجهة في تلك السنوات الأولى؛ نحن وسط حرب ناعمة؛ نخوض حربًا سياسية، نحن نخوض حربًا ثقافية، ونواجه حربًا أمنية وحملات اختراق ونفوذ؛ إنه صراع الأفكار والإرادات. إننا اليوم، بأمسّ الحاجة إلى الوسائل والأدوات والأسلحة المؤثرة؛ وأعتقد أن الشعر هو وسيلة وأداة أساسية مما نحتاجه ومما يجب أن تلتفتوا إليه جيّدًا.
ترجمة الشعر الى اللغات بجودة ..
وأنا أعتقد أن الأعمال التي لم تُنجز، في مجال الشعر، كثيرة؛ وكما ذكرت، منها مسألة الترجمة؛ وقد أخبرني حضرته[10] اليوم أننا ترجمنا أشعارًا إلى لغة "الأردو"؛ إنه عمل جيد جدًّا وهذا العمل ضروري ومطلوب، وهو ترجمة الشعر الفارسي في المجالات المتعددة إلى اللغات الأخرى. على سبيل المثال أشعار فلسطين، أشعار الدفاع المقدس، أشعار النساء، الأشعار المتعلقة بمسائل المنطقة؛ أشعار اليمن، يجب أن يتم تبويبها وترجمتها إلى اللغة العربية، إلى لغة "الأردو" واللغة الإنكليزية أو بعض اللغات الأخرى على أن تكون ترجمة جيدة، ثم يتم نشرها والإعلان عنها بشكل واسع وتوزيعها في البلدان الأخرى. على سبيل المثال "فلسطين في الشعر الفارسي" هذا بحد ذاته موضوع جدير بالاهتمام والمتابعة. أو الأحداث التي جرت في حرب الأعوام الثمانية بين إيران والعراق، كيف وقعت وماذا جرى. حسنًا، إنهم لا يعلمون شيئًا عنها! تلك السيدة الدكتورة الوافية، قالت لصديقنا، بأنها في سفرها الأول والثاني إلى إيران – بعد سقوط صدام – كانت كلما رأت إيرانيًا، تتخيل للوهلة الأولى بأنه هو الذي قتل أخويها في الحرب! تقول: لقد كنت أراهم بهذه النظرة وتنتابني حالة الغضب والحزن – وقد تابعت كلامها وقالت – بقيت هكذا حتى رأيت "سليماني"[11] وكيف أنه جاء يدافع ويضحي بهذا الشكل، فاختلفت نظرتي وصارت معكوسة. كلامها هذا ليس محل الشاهد، وإنما أردت الاستشهاد بالقسم الأول؛ أي إن الشاب العراقي والمرأة العراقية والأم العراقية، لا يعرفون ماذا حدت وكيف وقعت الحرب. حسنًا، نحن كنا في بيوتنا بأمن وسلام، جاءت الطائرات الحربية، أغارت علينا وقصفت مناطقنا. ماذا نفعل؟ هل نبقى مكتوفي الأيدي؟ اجتاحوا حدودنا واحتلوا آلاف الكيلومترات من بلادنا؟ ماذا كان علينا أن نفعل؟ نجلس وننتظر حتى يصلوا إلينا أو ننهض للدفاع عن بلادنا؟ هذا ما قمنا به، هذه حقيقة، فلماذا لا يتم توضيحها وتبيينها للشاب العراقي والأم العراقية واليتيم العراقي والأخت العراقية؟ لماذا لا ينبغي أن نشرحها للآخرين؟ هذه مسائل يمكن تحقيقها وعرضها بلغة الشعر.
الى مزيد من الصقل والارتقاء
هناك مسألة أخرى وهي أن شعراءنا الأعزاء، وللإنصاف، قد تطوروا وارتقوا وتقدموا كثيرًا. حين أنظر اليوم بين الشباب وكذلك بين الفئة المتوسطة، ألاحظ كم تقدمت أشعارهم؛ أي إن شعر البلاد قد تطور، وبشكل إجمالي يدرك الإنسان بأن شعرنا قد تقدم خطوة للأمام؛ غاية الأمر أن هذا لا يعني أننا وصلنا إلى المنزل المقصود ولم نعد نحتاج للسير والتقدم، قلت مرارًا وأكرر القول: أرجو وآمل منكم أن لا تكفّوا أبدًا عن صقل الشعر والعمل على تسامي وتألق الشعر الذي ستنظمونه لاحقًا. فأشعاركم اليوم جيدة وقد أعجبتنا عندما ألقيتموها، استأنسنا بها وتلذذنا، قلنا لكم طيّب الله وأحسنتم، لكن هذا لا يعني أن هذه الأشعار قد وصلت للقمة. كلا، إن أشعاركم جيدة ولكننا نريد لها أن ترتقي للقمة؛ إننا نسعى لهذا. من أدوات النجاح في هذا الألفاظ؛ ينبغي أن تكون ألفاظًا جميلة وفاخرة، ألفاظًا سلسة تدخل إلى القلب. يري الإنسان أحيانًا بأنها أشعار جيدة، ولكن تحوي بعض الألفاظ غير الناضجة أو غير المنسجمة؛ هذا ليس مناسبًا. يشعر الإنسان بالرضى والإعجاب إن كانت ألفاظ الشعر جيدة مناسبة.
التقويم لأهل الخبرة
ويجب أن يسمو الشعر ويرتقي؛ تمييز الارتقاء وتقويمه يتم على يد أهل التخصص والخبرة الشعرية. لقد سمعت بأن البعض حاليًا ينشرون أشعارهم في هذا الفضاء الافتراضي الذي أصبح رائجًا بشكل كبير، يكتب أحدهم مثلًا شيئًا لا قيمة له، افترضوا أن عدة آلاف قرأوا هذا الشعر وأبدوا اعجابهم وأعطوه "لايك"! ؛ هذه "اللايكات" لا قيمة لها؛ إن ما يعطي قيمة للشعر وللشاعر هو رأي الخبير الناقد؛ من أهل الشعر الذي يفهم ما هو الشعر، ويعرف ماذا يعني الشعر الجيد والشعر الرديء؛ أي إن آراء أولئك [المتابعين العاديين] ليست معيارًا لجودة الشعر. على كل حال يجب السعي وبذل الجهد لارتقاء الشعر.
وبرأيي – وبما أن السيد الوزير المحترم حاضر هنا أيضًا[12]- فإنهم قد أقاموا دورات –قصيرة- لإعداد الشعراء. لكن الشاعر لا يمكن إعداده بيوم أو خمسة أيام أو أسبوعين؛ هذه أعمال تقوم بها تلك المجموعات الشعبية التخصصية وأمثالها. إن أرادت الأجهزة الحكومية كذلك أن تقوم بعمل ما، ينبغي عليها أن تساعد تلك المجموعات، عليها أن تدعمها وتقوّيها وتجهّزها لتنجز أعمالها.
دعاء أبي حمزة بقالب شعري!
يوجد نقطة أخرى: المرحوم السيد بهجتي (رحمة الله عليه)- رفيقنا العزيز القديم الذي هو كالسيد[13] من محافظة يزد، غير أن السيد بهجتي من مدينة "أدركان" والسيد من مدينة "ميبُد" وغالبًا ما كان أهالي هاتين المدينتين يختلفون ويتخاصمون لأجل مسائل عديدة؛ وعلى كلّ فإن المرحوم بهجتي كان شاعرًا جيدًا- قام بنظم دعاء "أبي حمزة الثمالي" بقالب شعري؛ ولا أذكر الآن بدقة كم فقرة من الدعاء نظمها شعرًا. هو نفسه جاءني أحد الأيام وقال لي إن هذه الفقرة صعبة عليّ ولم أتمكن من إتمامها. أحد الأعمال المميزة هو هذا؛ أن يتمكن الإنسان من نظم هذه المتون الدينية الفاخرة العظيمة بشكل شعري؛ إن هذا تخصص بحد ذاته، فرع من الشعر؛ أو كما يقول السينمائيون، هذا نوع شعري "genre"، وليس الأمر بأننا نريد أن نلخص الأمر بهذه الفكرة فقط، ولكن هذا عمل من الأعمال. لأن هذه الأدعية نفسها، وفضلًا عن مضامينها الراقية، فإنها تتميز بألفاظ فاخرة أيضًا، هذه الأدعية المعروفة، كدعاء عرفة ودعاء أبي حمزة والمناجاة الشعبانية وأدعية الصحيفة السجادية، فاخرة بالمفاهيم الراقية وفائضة بالمعارف الإسلامية الرفيعة، وللإنصاف فإنها قد طُرحت بأجمل الألفاظ وأحسنها؛ فمن الجيد أن تقوموا بتصويرها ونظمها.
لقد قرأت السنة الماضية وفي مثل هذه الجلسة شعر "أخوان"[14] والذي قاله هو لِمُرادٍ ومقصود آخر، حيث قال: "يا ملاذًا وملجًا لأجمل لحظات وحدتي وخلوتي، تلك اللحظات المفعمة بالبراءة والعظمة، يا ساحلي العذب المنيع"[15].
حسنًا، انظروا ما أجلى هذا الشعر. وقد قلت بأنني حين أقرأ هذا الشعر فإني أخاطب "الدعاء". الدعاء هو هكذا: "يا ملاذًا وملجًا لأجمل لحظات وحدتي وخلوتي، تلك اللحظات المفعمة بالبراءة والعظمة، يا ساحلي العذب المنيع". علمًا بأن الشاعر توجّه بهذا الشعر لمخاطب ومعنى آخر؛ حسنًا، إن استطعتم أنتم صياغة الشعر المتعلق بالدعاء بنوع مثل هذا من الأدبيات، حيث الألفاظ جميلة وكذلك المضامين جميلة، ما أجمل هذه المضامين، ما أرقى موسيقي هذا الشعر – موسيقي الشعر هي مسألة بحد ذاتها، ذلك السلاسة والجمال والصفاء والموسيقى هي التي تُخرج الشعر من حالة اللكنة وما شابه – ونظم الشعر بهذا الروح وذلك الأسلوب فهو برأيي عمل وإنجاز عالٍ جدًا.
والنقطة الأخيرة تتعلق بالأشعار الدينية التراثية[16]، ولحسن الحظ فإن بعض أصدقائنا من شعراء المراسم الدينية حاضرون اليوم بيننا، والحق يقال إنهم ينظمون أشعارًا جميلة في أهل البيت (عليهم السلام)، - سواء في رثائهم ومدائحهم أو ذكر فضائلهم ومناقبهم – وهناك الكثير من الأفكار والكلمات الجيدة في أشعارهم، ولكن بعضها ليس كذلك. فلنعمل كي يصبح شعر المراسم الدينية، عبارة عن مجموعة وموسوعة كبرى من معارف الأئمة، بحيث إنكم حين تعطون هذا الشعر للمداح ليقوم هو بإنشاده في مناسبة ما، فإن تأثيره سيكون معادلًا لتأثير الاستماع لعدة محاضرات ودروس من خطيب منبري جيد – وهكذا هو الواقع-. أي إنه إذا ما كانت مضامين ذلك الشعر جيدة -افرضوا أن هذا الشعر الذي ألقاه السيد إنساني[17] في هذا اللقاء- وإذا كان شعرًا جيدًا، ولكونه استعمل أسلوب الفن في إلقائه، فسيؤثر بمقدار عدة محاضرات لخطيب منبري رفيع المستوى، وإن لم يكن كذلك، فإن شعره هو تلك الكلمات العادية المعروفة والتي لا قيمة بيانية لها سوى استدرار الدموع والبكاء- مع العلم بأن الإبكاء بحد ذاته هو ميزة خاصة- ولكن الهدف ليس الإبكاء فقط. عندما ننظر للأشعار التي نظمها أمثال كُميت ودِعبل وأمثالهما عن الأئمة (عليهم السلام)، لاحظوا وتأملوا، كيف كانوا يُعبّرون، كيف ينظمون وماذا يقولون، أي مضامين يكنزون في قصائدهم الطويلة؛ إن أراد الإنسان أن ينظم شعرًا جيدًا فعليه أن يكتب شعرًا كهذا. وإذا ما وضعت هذه القصائد في متناول الفريق الذي يدير هذه الجلسات، فبالتأكيد سيكون لهذا قيمة عالية.
أسأل الله تعالى أن يحفظكم جميعًا ويديمكم وأن تتمكنوا من القيام بأعمالكم، اعملوا بشكل جيد وبالوقت المناسب ولبّوا حاجات بلدكم ومجتمعكم ونظامكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
[1] قبل كلمة سماحة القائد، ألقى 23 شاعرًا وشاعرة قصائدهم.
[2] ضحك القائد والحضور.
[3] إشارة إلى بيت ألقاه الشاعر الساخر "ناصر فيض" [ ترجمة الشعر ] "لقد تكررت القافية ولكن لا بأس/ طالما الشعّار من جماعة النظام"
[4] قالها سماحته وهو يضحك.
[5] شعر "أوتيل كوبرك" وهو نشيد مشترك للشاعرين محمد مهدي سيّار وميلاد عرفان بور، وقاما في شعرهما بفضح الخداع الأمريكي في المفاوضات النووية، مما أثار غيظ الإعلام الأمريكي، كوكالة فوكس نيوز FOX News.
[6] حجة الإسلام السيد مهدي شفيعي.
[7] زعيم الشيعة في نيجيريا.
[8] الاتفاق النووي.
[9] السيد أمير عاملي.
[10] السيد علي رضا قزوه.
[11] الجنرال قاسم سليماني (قائد فيلق القدس)
12 السيد علي جنتي (وزير الثقافة والإرشاد)
13 حجة الاسلام زكريا أخلاقي
[14] كلمة القائد في لقاء جمع من الشعراء بمناسبة ولادة الإمام الحسن (عليه السلام) 1394/4/10 هـ.ش
[15] الشاعر مهدي أخوان ثالث. ديوان "آخر شاهنامة"
[16] أشعار المراسم والطقوس
[17] السيد علي إنساني