انتظار الفرج مفهومٌ واسعٌ جدّاً. وأحد أنواعه هو انتظار الفرج النهائيّ؛ أي أنّ الناس عندما يرون طواغيت العالم مشغولين بالنّهب والسلب والإفساد والاعتداء على حقوق النّاس، لا ينبغي أن يتخيّلوا أنّ مصير العالم هو هذا. لا ينبغي أن يُتصوّر أنّه في نهاية المطاف لا بدّ ولا مناص من القبول والإذعان لهذا الوضع، بل ينبغي أن يُعلم أنّ هذا الوضع هو وضعٌ عابر - "للباطل جولة"1. وأمّا ما هو مرتبطٌ بهذا العالم وطبيعته فهو عبارة عن استقرار حكومة العدل وهو سوف يأتي. إن انتظار الفرج والفتح في نهاية العصر الّذي نحن فيه، حيث تعاني البشرية من الظلم والعذابات هو مصداقٌ لانتظار الفرج، ولكن لانتظار الفرج مصاديق أخرى أيضاً.
فعندما يُقال لنا انتظار الفرج، فلا يعني انتظار الفرج النهائيّ، بل يعني أنّ كلّ طريقٍ مسدود قابلٌ للفتح. الفرج يعني هذا، الفرج يعني الشقّ والفتح. فالمسلم يتعلّم من خلال درس انتظار الفرج أنّه لا يوجد طريق مسدود في حياة البشر ممّا لا يمكن أن يُفتح، وأنّه لا يجب عليه أن ييأس ويُحبط ويجلس ساكناً ويقول لا يمكن أن نفعل شيئاً؛ كلا، فعندما يظهر في نهاية مطاف حياة البشر ومقابل كلّ هذه الحركات الظالمة والجائرة، عندما تظهر شمس الفرج، فهذا يعني أنّه في كلّ هذه العقبات والسدود الموجودة في الحياة الآن، هناك فرجٌ متوقّع ومحلّ انتظار. هذا هو درس الأمل لكلّ البشرية. وهذا هو درس الانتظار الواقعيّ لجميع النّاس.
لهذا، عُدّ انتظار الفرج من أفضل الأعمال، ويُعلم من ذلك أنّ الانتظار هو عملٌ لا بطالةٌ. فلا ينبغي الاشتباه والتصوّر أنّ الانتظار يعني أن نضع يداً فوق يد ونبقى منتظرين حتّى يحدث أمرٌ ما. الانتظار عملٌ وتهيّؤٌ وباعثٌ على الاندفاع والحماس في القلب والباطن، وهو نشاطٌ وتحرّكٌ وتجدّدٌ في كلّ المجالات. وهذا هو في الواقع تفسير هذه الآيات القرآنية الكريمة ﴿وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ﴾2 أو ﴿إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ﴾3 أي أنّه لا ينبغي أن تيأس الشعوب والأُمم من الفرج في أيّ وقتٍ من الأوقات لهذا ينبغي انتظار الفرج النهائيّ، مثلما ينبغي انتظار الفرج في جميع مراحل الحياة الفردية والاجتماعية. لا تسمحوا لليأس أن يسيطر على قلوبكم، فانتظروا الفرج واعلموا أنّ هذا الفرج سيتحقّق؛ وهو مشروطٌ في أن يكون انتظاركم انتظاراً واقعيّاً، وأن يكون فيه العمل والسعي والاندفاع والتحرّك.)
إنّنا اليوم ننتظر الفرج. أي أنّنا ننتظر مجيء يدٍ مقتدرةٍ تنشر العدل وهي هزيمة الظلم والجور الّذي سيطر على كلّ البشرية تقريباً، فيتبدّل هذا الجوّ من الظلم والجور وينبعث نسيم العدل في حياة البشر لكي يشعر الناس بالعدالة. إنّ هذا هو حاجة أيّ إنسانٍ واعٍ بشكل دائم، الإنسان الّذي لم يجعل رأسه في حجره، ولم يستغرق في حياته الخاصّة. الإنسان الّذي ينظر إلى الحياة العامّة للبشر بنظرة كلّية فإنه من الطبيعي أن يكون في حالة انتظار، هذا هو معنى الانتظار. فالانتظار يعني عدم الاقتناع والقبول بالوضع الموجود لحياة البشر، وهو السعي من أجل الوصول إلى الوضع المطلوب؛ ومن المسلَّم به أنّ هذا الوضع المطلوب سوف يتحقّق على يد وليّ الله المقتدرة الحجّة بن الحسن المهديّ، صاحب الزمان (صلوات الله عليه وعجّل الله فرجه وأرواحنا فداه.)
يجب أن نعدّ أنفسنا كجنودٍ مستعدّين لتلك الظروف والشرائط، ونجاهد في هذا المجال. لا يعني انتظار الفرج أن يجلس الإنسان ولا يفعل أيّ شيء، ولا ينهض لأيّ إصلاحٍ بل يمنّي نفسه بأنّه منتظرٌ لإمام الزمان عليه الصلاة والسلام، فهذا ليس انتظاراً .
ما هو الانتظار؟
الانتظار يعني أنّه لا بدّ من مجيء يدٍ قادرةٍ مقتدرةٍ ملكوتيّةٍ إلهيّةٍ وتستعين بهؤلاء الناس من أجل القضاء على سيطرة الظلم، ومن أجل غلبة الحقّ وحاكمية العدل في حياة البشريّة ورفع راية التوحيد؛ تجعل البشر عباداً حقيقيين لله. يجب الإعداد لهذا الأمر. فكلّ إقدامٍ على طريق استقرار العدالة يمثّل خطوةً نحو ذلك الهدف الأسمى. الانتظار يعني هذه الأمور. الانتظار حركةٌ وليس سكوناً. ليس الانتظار إهمالٌ وقعودٌ إلى أن تصلح الأمور بنفسها. الانتظار حركةٌ واستعدادٌ. هذا هو انتظار الفرج.
* محاضرات الإمام الخامنئي دام عزه.
1- تصنيف غرر الحكم ودرر الكلم، ص 71.
2- سورة القصص، الآية: 5.
3- سورة الأعراف، الآية: 128.