قال الإمام زين العابدين عليه السلام: ( والحمد لله الذي دلنا على التوبة)1 أي لم نحصل على منافعها، وفوائدها إلا بفضل الله ورحمته. ومن الفوارق الأساسية بين المؤمن، والملحد ان المؤمن يشعر من أعماقه ان عليه رقيباً يحفظ، ويسجل جميع أقواله، وأفعاله حتى ولو أتى بها في الخلوات، والظلمات، وأنه مسؤول عنها، ومحاسب عليها، ومكافأ، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، ولا إنسانية إلا مع هذا الشعور الذي يجعل الفرد هو السائل، والمسؤول في آن واحد، أما الملحد فإنه يسخر من هذا الشعور، والإيمان، ويراه جهالة، وحماقة، ومن هنا لا يطلب العفو إن أذنب إلا إذا خاف من الدولة، أو المجتمع، على عكس المؤمن الذي يعترف بالذنب، ويقول بكل جرأة: فعلت، وأساءت، وأقلعت وهو آمن على نفسه، وماله، وعرضه من كل قوة، وسلطة، ويطلب من الله العفو، والرحمة، هذي هي التوبة الشرعية التي فتح سبحانه بابها لعباده وقال لهم: ﴿وَأَنِ اسْتَغْفِرُواْ رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنِّيَ أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ﴾ هود:3. وفي قوله تعالى: وصف نفسه بالتواب: ﴿إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ البقرة:54. أي يقبل التوبة من التائب غافر الذنب وقابل التوب.
والتوبة فضيلة كالصدق، والإخلاص لا ينسخ قبولها، ووجوبها، ولا يخصص بذنب دون ذنب، أو بزمان دون زمان، فقد قبلها سبحانه من ءادم، ويونس، وقومه وغيرهم، وكان كل نبي يخاطب قومه بقوله: توبوا إلى الله، أطيعوا الله يغفر لكم ذنوبكم. أجل إن الله سبحانه خفف عن أمة محمد صلى الله عليه وآله الكثير من القيود التي فرضت على بعض الأمم السابقة كما تشير الآية: ﴿رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ﴾ البقرة:286.
ومن ذلك أن الله سبحانه لم يقبل التوبة من بني إسرائيل بعد أن اتخذوا العجل رباً إلا أن يقتل بعضهم بعضاً حيث قال: ﴿وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُواْ إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾ البقرة:54. ( ولم يدع لأحد منا حجة ولا عذراً )2 حيث وهبنا سبحانه العقل، والقدرة، والإرادة، وكلفنا باليسير، ووضع عنا ما لا نطيق... وبالعقل نميز، وبالإرادة نختار، وبالقدرة نفعل علماً بأنه تعالى لا يأمر إلا بخير، ولا ينهي إلا عن شر، ومعنى هذا أنه تعالى أعذر إلى عباده بكل حجة ليهلك من هلك عن بينة، وينجو من نجا عن بينة. 3
1- من فقرات الدعاء الول من الصحيفة السجادية .
2- من فقرات الدعاء الول من الصحيفة السجادية.
3- في ظلال الصحيفة السجادية / العلامة محمد جواد مغنية ص102_104.