قال الإمام زبن العابدين عليه السلام: ( ثم ضرب له ) أي لكل ذي روح ( في الحياة أجلاً موقوتاً، ونصب له أمداً محدوداً، يتخطي إليه بأيام عمره )1.
شبه الإمام عليه السلام العمر بالمشي، والأيام بالخطى إلى الموت، وفي نهج البلاغة: "من كانت مطيته الليل، والنهار، فإنه يسار به، وإن كان واقفاً، ويقطع المسافة، وإن كان مقيماً وادعاً أي ساكناً مستريحاً (ويرهقه بأعوام دهره) إي أن الأمد المحدد يعجل بالحي، ويسرع به إلى الموت بطي السنوات، ومضي الأعوام. وكل ذلك بمشيئة الله تعالى، فهو الذي يحيي، ويميت في أجل مسمى، لا يقدم ولا يؤخر".
وقال الماديون: نشأت الحياة من مواد كيمياوية، تفاعل بعضها مع بعض من باب الصدفة، والاتفاق، أما الموت فهو عبارة عن الخلل يطرأً على التركيب المادي الكيماوي، فيبطل تفاعل العناصر، ومعطياتها.2 تماماً كما يحدث للساعة، والهاتف مثلاً.
ونسأل الماديين: إذا كانت الحياة نتيجة لتفاعل كيماوي فلماذا لا يخلق علماء الطبيعة الحياة ؟ لقد حاولوا وجربوا مرات ومرات، ففشلوا فشلاً ذريعاً حتى أكد العديد منهم أن أنواع الحياة الموجودة فوق الأرض لا يمكن تفسيرها طبقاً لخواص المواد الطبيعية. ومن أراد التوسع، والتفصيل فليقرأ فصل المادة والحياة في كتابنا شبهات الملحدين، والإجابة عنها.
وأيضاً لو نشأت الكائنات الحية بالصدفة لتشابه الخلق بين أفراد الإنسان، وتعذر الفارق المميز بين فرد وآخر، وهل من عاقل على وجه الأرض يصدق أن الصدفة، والطبيعة العمياء هي التي فرقت، وميزت بين أفراد الإنسان بإختلاف الصور، والملامح، والأصوات، وبصمات الأصابع، وغيرها، علماً بأن مواد الجسم، وخلاياه، وتفاعلها واحدة في كل فرد من أفراد الإنسان دون أدنى تفاوت بين عبقري، وغبي، وأسود، وأبيض، وهنا يكمن سر الإعجاز.
أما الموت فإن العلم الطبيعي يحدد عمر المادة تبعاً لماهيتها، واستعدادها لإمد الإستمرار، والبقاء، وهذا لا يصدق على الإنسان بحال حيث رأينا بالحس، والعيان "الوباء يعم ومع ذلك يفتك بالشاب القوي، ويترك الشيخ الهزيل، وكم من ضربة قتلت هذا دون ذلك، ولو كانت هذه أسباباً مطردة لظهر أثرها في الجميع دون استثناء ولا تفسير لذلك إلا الأجل المقدر بعلم الله".
والخلاصة: لا تفسير إطلاقاً لما في باطن الإنسان من غرائز، وعناصر، وملكات وفي ظاهره من صفات، وعلامات إلا بقوة تقول للشيء كن فيكون، لأن الفكرة المضادة لهذه القوة جنون، وحماقات كما قال فولتير3. فالحياة والموت من الله الحي الذي لا يموت لا من المادة الصماء العمياء التي وجدت بأمر الله تعالى. 4
1- من فقرات الدعاء الأول من الصحيفة السجادية.
2- انظر، كتاب نظرات في الكتب الخالدة، / حامد حفني داود ص 70.
3- من علماء الغرب
4- في ظلال الصحيفة السجادية / العلامة محمد جواد مغنية ص58_60.