زكاة الفطرة وتسمّى بزكاة الأبدان، والمراد بالفطرة إمّا الخلقة فتكون زكاة الخلقة أي البدن، ولذلك سمّيت بزكاة الأبدان، وإمّا الدِّين فتكون زكاة الدين والإسلام، وإمّا الفطر من الصوم وتسمّى حينئذٍ زكاة الفطر من الصوم.
وقد ورد في الصحيح عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام أنّه قال: "إنّ من تمام الصوم إعطاء الزكاة ـ يعني الفطرة ـ كما أنّ الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وآله من تمام الصلاة, لأنّه من صام ولم يؤدِّ الزكاة فلا صوم له إذا تركها متعمّداً، ولا صلاة له إذا ترك الصلاة على النبيّ وآله. إنّ الله عزّ وجلّ بدأ بها قبل الصلاة فقال: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾1 "2 .
والكلام في الزكاة في جملة أمور:
1- على من تجب الزكاة؟
2- ما هو جنس الزكاة؟ أي ماذا يجب دفعه من أجناس في الزكاة؟
3- ما هو المقدار الواجب دفعه؟
4- متى يجب دفع الزكاة؟
5- على من تجوز الزكاة؟ أي من هو المستحقّ للزكاة؟
الأوّل: على من تجب الزكاة؟
فيمن تجب عليه من المكلّفين، والمقصود به من يجب عليه إخراجها عن نفسه وعن غيره من عياله كما سيأتي.
فنقول: تجب زكاة الفطرة على كلّ مكلّف بشرطين:
1- أن يكون حرّاً.
2- أن يكون غنيّاً.
توضيح الشروط:
1- المقصود من المكلّف هو كلّ بالغ سنّ التكليف الشرعيّ وكان عاقلاً. ولذلك لا تجب زكاة الفطرة على الصبيّ دون البلوغ ولو كان مميّزاً. ولا تجب على المجنون ولو جنوناًإدوارياً أي مؤقّتاً، وصادف أن جاءه دور الجنون عند وقت وجوب الزكاة وهو دخول ليلة العيد كما سيأتي لاحقاً.
مسألة1: تسقط زكاة الفطرة عن الصبيّ والمجنون، ليس فقط باعتبار نفسيهما، بل باعتبار من يعيلهما أيضاً لو وجد.
مسألة2: لا يجب على الوليّ للصبيّ والمجنون أن يؤدّي عنهما زكاة الفطرة من مالهما بعد سقوط وجوبها عنهما.
مسألة3: ألحق بالمجنون في عدم الوجوب المغمى عليه إذا حصل له الإغماء عند دخول ليلة العيد، الذي هو وقت وجوبهما كما تقدّم.
2- والمراد من الحرّ هو من لا يكون مملوكاً لأحد، وفي أيّامنا لا وجود للملوك، فلا موضوع لهذا الشرط.
3- والمراد من الغنيّ المعنى الشرعيّ له، وليس العرفيّ. وهو: من لا يملك قوت سنته له ولعياله دفعة واحدة، ولا هو يملكها بالتدريج كالموظف الذي يعتمد على راتبه الشهريّ، الذي يكفيه كلّ شهر شهر لكنّه لا يملك ما يصرفه في معيشته في تمام السنة دفعة واحدة.
وعليه، فلا تجب الزكاة على الفقير، وإن استحبّ له إخراجها ولو على الشكل التالي:
يدير مقدار الزكاة وهو ثلاثة كيلوات تقريباً من الطعام على عياله واحداً بعد واحد، فإذا وصلت إليه تصدّق بها على أجنبيّ، أي شخص ليس من العيال.
مسألة1: لو كان بين العيال قاصرٌ أي غير بالغ، أو مجنون فالأحوط وجوباً في الدوران أن يقتصر على خصوص المكلّفين. وإلا فلو أخذها الوليّ عن القاصر وجب أن يصرفها عليه فقط.
مسائل ترتبط بالشرائط:
مسألة1: يعتبر توفّر الشرائط المذكورة عند دخول ليلة العيد، بأن كان واجباً لها فأدرك الغروب، أمّا لو وجدت قبله وزالت عنده أو وجدت بعده فلا تجب عليه. نعم من توفّرت فيه الشرائط قبل الزوال من يوم العيد استُحبَّ له أداؤها.
مسألة2: إذا تمّت الشرائط بالنحو المتقدّم وجب على المكلّف أن يخرجها عن نفسه وعمّن يعوله.
مسألة3: لا فرق في العيال بين المسلم والكافر، الحرّ والعبد، الصغير والكبير حتّى المولود قبل هلال شوّال ولو بلحظة.
ولا يشترط في المُعال أن يكون ممّن تجب نفقته على المعيل، بل المدار على تحقّق العيلولة حتّى بالنسبة للضيف وإن لم يتحقّق منه الأكل.
مسألة4: صدق العيلولة تابع للنظر العرفيّ، فمن يأتي ليلة العيد قبل الغروب ويدركه الغروب عند المضيف فيأكل وينام عنده فهو ممّن يصدق في حقّه ذلك عرفاً. بل تقدّم أنّ الضيف وإن لم يأكل يخرجها عنه إذا صدق عليه عنوان العيلولة.
مسألة5: من وجبت فطرته على الغير لعيلولة أو ضيافة سقطت عنه وإن كان غنيّاً جامعاً لشرائط الوجوب. ولا يجب إخراجها ولو لم يخرجها من وجبت عليه سواء كان ذلك لفقره، أم كان غنيّاً لكنّه تركها عصياناً أو نسياناً وإن كان الأحوط استحباباً إخراجها في حالة غناه.
مسألة6: يجب على الضيف إخراج فطرته إذا لم يصدق أنّه ممّن يعوله المضيف، والأحوط استحباباً للمضيف إخراجها أيضاً.
مسألة7: المعيل يخرج عن عياله ولو كان غائباً عنهم، ويجوز له أن يوكّلهم في إخراجها من ماله مع ثقته بأدائهم لها.
مسألة8: كما تقدّم لا تدور العيلولة مدار وجوب النفقة بل صدق العيلولة فعلاً، ولذلك من كان واجب النفقة على شخص لكن كانت عيلولته على شخص آخر، وجب على المعيل إخراج فطرته، وكذلك لو كان واجب النفقة معيلاً لنفسه فيخرجها هو عن نفسه.
ولو فُرض أن لا معيل له ولا هو واجدٌ للشرائط فلا تجب على أحد.
مسألة9: لو تعدّد المعيل وزّعت فطرة المعال عليهم بالتساوي على الأحوط وجوباً، وكذلك لو كان أحد المعيلين معسراً وجبت
على الموسر حصّته فقط من الفطرة.
مسألة10: تحرم فطرة غير الهاشميّ على الهاشميّ، ولو دفعها إليه لم تجزِ ووجب دفعها ثانية، والمدار على المعيل لا على العيال.
مسألة11: زكاة الفطرة من العبادات فتجب فيها النيّة والإخلاص.
مسألة12: يجوز لمن وجبت عليه أن يوكّل غيره في تأديتها، وينوي الوكيل نيّة التقرّب.
مسألة13: يجوز أن يوكّل غيره في الدفع من ماله ويرجعه إليه لاحقاً، كما يجوز التوكيل في التبرّع بها من مال الوكيل دون الرجوع إلى الموكّل في ذلك. أمّا التبرّع بها بلا توكيل فمحلّ إشكال، فالأحوط وجوباً عدم الإجزاء.
مسألة14: لو لم يكن المعال ممّن تجب نفقته على المعيل جاز للمعيل دفع الفطرة إليه إذا كان مستحقّاً.
الثاني: ما هو جنس الزكاة؟ أي ماذا يجب دفعه من أجناس في الزكاة؟
الواجب دفعه في الزكاة هو ما يتعارف في كلّ قوم أو بلد التغذّي به، أي الغذاء المتعارف عندهم، ففي بعض البلدان يغلب القمح والشعير والأرز. وفي بعض آخر التمر واللبن، وفي ثالث الذرة. ويجوز في الجميع إخراج أيٍّ من الغلاّت الأربع: قمح، شعير، تمر، وزبيب.
مسألة1: لا يجب إخراج عين الطعام، بل تجزي القيمة من العملة المتداولة في أيّ بلد، فيثمّن مقدار الزكاة عند إخراجها في بلد الإخراج ويدفع الثمن للمستحقّ. وهذا الأخير هو ما عليه العمل في أيّامنا في أغلب البلاد.
الثالث: ما هو المقدار الواجب دفعه؟
قدّرت بصاعٍ من الطعام وهو بحسب الكيلو ما يقارب الثلاث كيلوات.
الرابع: متى يجب دفع الزكاة؟
تقدّم أنّه دخول ليلة العيد مع اجتماع الشرائط المعتبرة في الوجوب، ويمتدّ وقت دفعها إلى الزوال من يوم العيد.
مسألة1: الأحوط وجوباً لمن يصلّي العيد أن يخرجها قبل الصلاة. وإن لم يخرجها إلى أن خرج وقتها وهو عند الزوال:
1- فإن كان قد عزلها عن ماله دفعها إلى مستحقّها بنيّة الأداء.
2- وإن لم يكن قد عزلها لا تسقط على الأحوط وجوباً، ولكن يؤدّيها بنيّة القربة المطلقة.
مسألة2: من تأخّر في دفع زكاة الفطرة إلى أن خرج وقتها الواجب، إلى أيّام عمداً أو نسياناً أو جهلاً، فالأحوط وجوباً عدم سقوطها، بل يؤدّيها ناوياً بها القربة المطلقة من غير تعرّض للأداء والقضاء.
مسألة3: من أراد إخراجها قبل وقت وجوبها، بأن قدّمها على شهر رمضان، لم يجز منه ذلك إلا إذا أعطى الفقير قرضاً، ثمّ احتسبه عليه زكاة فطرة عند مجيء وقتها. وكذلك لو أراد تقديمها في شهر رمضان على الأحوط وجوباً.
مسألة4: لو عزل فطرته في الوقت جاز له تأخير دفعها إلى المستحقّ خصوصاً مع ملاحظة بعض المرجّحات. نعم لو تلفت بعد العزل مع وجود المستحقّ وتمكّن الدفع إليه ضمنها فلا بُدّ له من إخراجها حينئذٍ.
مسألة5: الأحوط وجوباً عدم نقل الفطرة بعد العزل إلى بلد آخر مع وجود المستحقّ، لكن لو نقلها عصياناً أو نسياناً أو جهلاً ودفعها إلى مستحقّ آخر أجزأه ذلك.
الخامس: على من تجب الزكاة؟ أي من هو المستحقّ للزكاة؟
مصرف زكاة الفطرة هو مصرف زكاة المال, أي الأصناف الثمانية المذكورة في زكاة المال، وإن كان الأحوط استحباباً دفعها إلى الفقراء المؤمنين وأطفالهم وإن لم يكونوا عدولاً.
مسألة1: مع عدم وجود المؤمنين جاز دفعها إلى المستضعفين من المخالفين، وهم الذين لا ينصبون العداء والبغضاء لأهل البيت النّبويّ عليهم السلام.
مسألة2: الأحوط وجوباً أن لا يدفع إلى الفقير أقلّ من ثلاثة كيلوات عيناً أو قيمةً.
مسألة3: يجوز أن يُعطى الفقير الواحد أكثر من مقدار زكاة واحدة، بل يجوز إعطاؤه إلى مقدار مؤونة سنته، دون الأزيد إعطاءً وأخذاً على الأحوط وجوباً.
مسألة4: يُستحبّ اختصاص ذوي الأرحام والجيران وأهل الهجرة في الدين والفقه والعقل وغيرهم، ممّن يكون فيه بعض المرجّحات.
مسألة5: الأحوط وجوباً عدم الدفع إلى شارب الخمر والمتجاهر بمثل هذه الكبيرة.
مسألة6: لا يجوز دفع الفطرة إلى من يصرفها في المعصية.
*فقه الصوم , سلسلة الفقه الموضوعي , نشر: جمعية المعارف الإسلامية الثقافية
1-سورة الاعلى
2-الوسائل/ج6/باب من ابواب الزكاة/ح5