سؤال ملح يراود كل إنسان مؤمن، إذ لا يكفي أن يعيش الإنسان في هذا الشهر، بل لابد أن يحقق الهدف منه.
إن شهر رمضان يشبه إلى حد بعيد المطر الذي يهطل على مختلف الأراضي الخصبة، منها والصبخة، فتتجاوب تلك الأراضي حسب كينونتها ونوعيتها، فمن الأراضي ما تنبت ومنها ما يزيدها المطر عقما، فأناس يستفيدون من بركات هذا الشهر فتخصب نفوسهم وتثمر قلوبهم السعادة والخير، وأناس يمر عليهم هذا الشهر مرور الكرام بل قد يزدادون تعسا وشقاء -والعياذ بالله- كما ورد في الحديث المروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: " إن الشقي من حرم غفران الله في هذا الشهر الكريم ".
ولكي تتحول نفس الإنسان إلى حدائق بهية تفوح منها عطور التقوى والإيمان والعمل الصالح، فلابد له إن يخطط لهذا الشهر، ليتحول إلى محطة وقود روحي ومنبع للسعادة الإيمانية، ولا يجهل ذلك إلا ببرمجة هذا الشهر المبارك.
وما أجمل إن يكون هذا البرنامج موضوعا من قبل إمام معصوم هو الإمام على بن أبى طالب عليه السلام.
إذ إن هناك وصية مهمة ورائعة جدا من وصاياه (عليه السلام) لو إن كل واحد منا اعتمدها كبرنامج في هذا الشهر الكريم، لأصبحنا مؤهلين لنيل رحمة الله واستثمار بركات هذا الشهر العظيم، ولهذه الوصية ميزتان:
ا- إن الإمام علي عليه السلام قد وجه هذه الوصية للأمة في شهر رمضان المبارك، مما يعني تناسبها وتفاعلها مع أجواء هذا الشهر العظيم.
2- والميزة الأخرى والأهم كونها آخر كلمة توجيهية للإمام على عليه السلام ومعلوم إن العظماء في حياتهم عبر وتجارب ودروس، والهادفون من العظماء لا يبخلون بتجاربهم وعبر حياتهم، وإنما يقدمونها للأجيال. وأمير المؤمنين عليه السلام من أعظم رجال التاريخ بعد رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم.
فإذا كان كل عظيم في التاريخ تتحدد عظمته في بعد معين، فيكون عظيما في الجانب العلمي فقط، أو العسكري أو الأدبي أو الاجتماعي، فان الإمام علي عليه السلام عظيم في كل المجالات والأبعاد، وحياته مليئة بالتجارب والعبر التي استلهمها من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم واكتسبها من معايشته لحركة الرسالة، ومواجهته لمعاناة الصراع..
ولعله في وصيته الأخيرة يقدم لنا خلاصة تجاربه في الحياة، وأهم ما يراه ضروريا لنا من رؤى وتوجيهات..
ونقترح بهذا الصدد إن تكون هذه الوصية هي برنامج كل إنسان مؤمن في هذا الشهر، بأن يقرأها ويحفظها.
ومعلوم أن حفظ الإنسان للنصوص الدينية من أحاديث وروايات له فضل عظيم.
فعن النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم: " من حفظ من أمتي أربعين حديثا يطلب بذلك وجه الله عز وجل، والدار الآخرة حشره الله يوم القيامة مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا ".
وعن الإمام الصادق عليه السلام: " من حفظ عني أربعين من أحاديثنا في الحلال والحرام بعثه الله يوم القيامة فقيها عالما لم يعذبه ".
فينبغي للإنسان إذن أن يحفظ ما استطاع من الآيات والأحاديث الشريفة، إن البعض منا يكتفي بمعرفة الأفكار والمفاهيم الإسلامية المستنبطة من النصوص دون إن يكلف نفسه عناء حفظ النصوص الشريفة.. وبذلك يحرم نفسه من فوائد عظيمة، فحفظ آيات القرآن وكلمات المعصومين يبعث النور والهدى في قلب الإنسان ويمنحه الطمأنينة والثبات في أوقات الشدة، والإخوة الذين تعرضوا للاعتقال والظروف الصعبة يعون هذه الحقيقة..
وبالمناسبة فإنا نذكر الإخوة بأن الصيام من العوامل المساعدة على الحفظ فقد جاء في حديث للرسول صلى الله عليه وآله: " ثلاثة يذهبن النسيان ويحدثن الذكر: قراءة القرآن، والسواك، والصيام".
وكم هو جميل أن يحفظ الإنسان وصية الإمام علي عليه السلام وهو يستقبل الشهر المبارك، وينشرها في المجتمع فهناك من يبحث عن الكلمة الطيبة، لذا على كل فرد منا أن ينصح الآخرين بحفظها.
وإنه لمن المؤكد حتما أن المؤمن عندما يكثر وصية الإمام ويوزعها على أفراد المجتمع، ويوصي غيره ممن وصلت إليه تلك النسخة إن يكثرها أيضا، سوف ينال الأجر والثواب العظيمين من الله ويفيد المجتمع بها. ثم إن الوصية موجزة ومركزة، وقد قالها الإمام وهو على آخر رمق من حياته الشريفة بعد أن أصيب بتلك الضربة الغادرة من ابن ملجم وهو في محراب عبادته فجر التاسع عشر من شهر رمضان سنة 40 للهجرة.