من كلام أمير المؤمنين عليه السلام: إنّ أفضل ما توسّل به المتوسّلون إلى اللّه سبحانه الإيمان به وبرسوله والجهاد في سبيله، فإنّه ذروة الإسلام، وكلمة الإخلاص فإنّها الفطرة. وإقام الصّلاة فإنّها الملّة. وإيتاء الزّكاة فإنّها فريضة واجبة. وصوم شهر رمضان فإنّه جنّة من العقاب. وحجّ البيت واعتماره فإنّهما ينفيان الفقر ويرحضان الذّنب. وصلة الرّحم، فإنّها مثراة في المال، ومنسأة في الأجل. وصدقة السّرّ فإنّها تكفّر الخطيئة. وصدقة العلانية فإنّها تدفع ميتة السّوء. وصنائع المعروف فإنّها تقي مصارع الهوان.
ان أفضل ما توسل به المتوسلون الى اللّه سبحانه. كل ما تتقرب به الى الغير يسمى توسلا ووسيلة، وأشار الإمام في هذه الخطبة الى أفضل الوسائل لمرضاة اللّه وثوابه، وهي:
1- (الإيمان به) وهوأصل الأصول كلها، والإيمان النظري مجرد اعتقاد،أما الإيمان الواقعي فهوالاعتقاد مع العمل، وإلا يكون الإيمان شجرة بلا ثمرة، قال الإمام عليه السلام: بالإيمان يستدل على الصالحات، وبالصالحات يستدل على الإيمان، وفي الحديث: الإيمان إقرار باللسان، وعقد في القلب، وعمل في الأركان.
2- (وبرسوله) والإيمان بمحمد صلى الله عليه واله إيمان بالإنسانية وقيمها، قال تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾(الأنبياء:107). وقال في تحديد رسالة محمد صلى الله عليه واله: " يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم 157 الأعراف". وقال الرسول الأعظم صلى الله عليه واله: إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق.
3- (والجهاد في سبيله فإنه ذروة الإسلام) وكلمة الذروة تشير الى أنه لولا الجهاد ما ارتفع للإسلام راية، ولا كان له عين وأثر، بل الإسلام في جوهره جهاد من أجل الحرية، وثورة على الفوارق والعبودية، وعلى الاستغلال والمراباة. قضى رسول اللّه في مكة يدعوالى سبيل اللّه بالحكمة والموعظة الحسنة ثلاث عشرة سنة، فتألبت عليه قوى السلب والنهب، فقضى عليها بالمؤاخاة والجهاد، ولما تفرق المسلمون، وتركوا الجهاد عادت قوى السلب تسرح وتمرح، وضعف الإسلام تبعا لتخاذل أهله وأتباعه، ولم يبق منه إلا الاسم، وشعارات ترفع من المآذن والمنابر، ومؤتمرات تعقد هنا وهناك تسطر الكلام وتنشره في الصحف، ثم يلفظ مع القمامة. ومن أقوال الإمام علي عليه السلام: من ترك الجهاد رغبة عنه ألبسه اللّه ثوب الذل، وسيم الخسف، ومنع النصف.
4- (وكلمة الإخلاص فإنها الفطرة). وهذه الكلمة هي دعوة الأنبياء جميعا من غير استثناء: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ﴾ (الأنبياء:25). وليس المراد بكلمة الإخلاص النطق بلا إله إلا اللّه، وإنما المراد ما تمليه من التعبد له، والتوكل عليه وحده، لا على المال والجاه، ولا على الأحساب والأنساب، أوالفهم والعلم، فإن هذه وغيرها ليست بآلهة تعبد، ولا بشي ء يذكر. أما كلمة الفطرة فهي إشارة إلى أن الانسان بفطرته وطبيعته يستجيب لعقيدة التوحيد ولا يرفضها، بل يستجيب لكل مبدأ من مبادى ء الاسلام، وكل قيمة من قيمه، وأي عاقل يرفض العلم ومنافعه، والسلم وفوائده، ويرحب بالاستغلال والجبروت والتفرقة بين الناس ؟.
5- (وأقام الصلاة فإنها الملة) لأن عقيدة الإسلام تقوم على الشهادة للّه بالوحدانية، ولمحمد بالرسالة، والصلاة مظهر للشهادتين معا: " إياك نعبد وإياك نستعين". أشهد أن لا إله إلا اللّه وحده لا شريك له، وان محمدا عبده ورسوله. وكلام أهل البيت يومى ء الى أن من ثمرات الصلاة وحكمتها أن لا ينقطع المسلم عن نبيّه في صباح ومساء.
6- (وإيتاء الزكاة فإنها فريضة واجبة). ما دام في المجتمع غني وفقير فالزكاة ضريبة يفرضها التعاون والضمان الاجتماعي.
7- (وصوم شهر رمضان فإنه جنة من العقاب). قد يرى البعض ان الصوم ليس إلا عملا سلبيا أجل، ولكن في هذا السلب حكمة وإيجاب، وهوانتصار الانسان على نفسه، وتمرينه على كبح الشهوات والأهواء، ولوأطلق الانسان العنان لأهوائه لكانت الحياة نارا وجحيما.
8- (وحج البيت الحرام) للحج فوائد انه يقول لأعداء الاسلام: لا تحسبوا ان شمسه قد غربت، وأضواءه قد خبت، فها هم المسلمون يعلنون عن وجود الإسلام بالهرولة في المسعى، وتبديل الملابس بالأكفان أوما يشبهها، وبالطواف بالأقدام، والتجاذب حول الحجر الأسود، والنشيد والهتاف بالأفواه " لبيك اللهم نبيك.. لبيك".
9 - (وصلة الرحم فإنها مثراة في المال، ومنسأة في الأجل). قد يكون مراد الإمام عليه السلام الزيادة في المال والعمر من حيث الكم أي ان صلة الرحم تزيد في أيام العمر وعد النقود حقيقة وواقعا، وليس هذا بمستحيل في حكم العقل، وقد تكون الزيادة من حيث الكيف أي ان صلة الرحم تجعل الدرهم الواحد أكثر نفعا وبركة من مئة درهم، واليوم الواحد من العمر يعمل فيه المرء عملا صالحا خيرا من ألف يوم يذهب سدى.
10- (وصدقة السر فإنها تكفر الخطيئة) لأن حسناتها تتغلب على سيئات العديد من الخطايا والذنوب (وصدقة العلانية فإنها تدفع ميتة السوء) كمن ينهار عليه نفق فيموت خنقا، أوتلتهب فيه النيران فيهلك حرقا، أويغرق فتأكله الأسماك، ونحوذلك.
11 - (ومصانع المعروف فإنها تقي مصارع الهوان). وهذا مثل صدقة العلانية تدفع ميتة السوء، ولكنه من باب عطف العام على الخاص لأن المعروف أعم من صدقة العلانية، ونظيره قوله تعالى: ﴿وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ﴾(آل عمران:84).1
1- في ظلال نهج البلاغة ج 1 ص116-119.