قال رسول الله صلى الله عليه وآله يوماً لأصحابه: أيّكم يحب أن يصح ولا يسقم؟ قالوا: كلّنا يا رسول الله، فقال: أتحبّون أن تكونوا كالحمير الضالة، ألا تحبّون أن تكونوا أصحاب كفّارات، والذي نفسي بيده انّ الرجل ليكون له الدرجة في الجنّة ما يبلغها بشيء من عمله ولكن بالصبر على البلاء، وعظيم الجزاء لعظيم البلاء، فإنّ الله إذا أحب عبداً ابتلاه بعظيم البلاء، فان رضي فله الرضا، وان سخط فله السخط.
وقال عليه السلام: لو يعلم المؤمن ما له في السقم ما أحبّ أن يفارق السقم أبداً.
وقال عليه السلام: يود أهل العافية يوم القيامة انّ لحومهم قرّضت بالمقاريض لما يرون من ثواب أهل البلاء.
وقال موسى عليه السلام: يا ربّ لا مرض يضنيني، ولا صحّة تنسيني، ولكن بين ذلك أمرض تارة فأذكرك، وأصح تارة فأشكرك.
وروي انّ أبا الدرداء مرض فعادوه، فقالوا: أيّ شيء تشتكي؟ فقال: ذنوبي، قالوا: فأيّ شيء تشتهي؟ فقال: المغفرة من ربّي، فقالوا: ألا ندعوا لك طبيباً؟ فقال: الطبيب أمرضني، قالوا: فاسأله عن سبب ذلك، فقال: قد سألته فقال: انّي أفعل ما اُريد.
ومرض رجل فقيل له: ألا تتداوى، فقال: انّ عاداً وثموداً وأصحاب الرس وقروناً بين ذلك كثيراً كانت لهم أطباء داووا، فلا الناعت بقي ولا المنعوت له، ولو كانت الأدواء تمنع الداء لما مات طبيب ولا ملك.
في ثواب عيادة المريض
عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: الحمى رائد الموت، وسجن الله في أرضه، وحرّها من جهنّم، وهي حظ كل مؤمن من النار، ونعم الوجع الحمى، تعطي كل عضو حقه من البلاء، ولا خير في من لا يبتلي.
إنّ المؤمن إذا حمّ حماة واحدة تناثرت عنه الذنوب كورق الشجر، فان أَنَّ على فراشه فأنينه تسبيح، وصياحه تهليل، وتقلّبه في فراشه كمن يضرب بسيفه في سبيل الله، فان أقبل يعبد الله في مرضه كان مغفوراً له وطوبى له.
وحمى ليلة كفّارة سنة، لأنّ ألمها يبقى في الجسد سنة، وهي كفارة لما قبلها وما بعدها، ومن اشتكى ليلة فقبلها بقبولها وأدّى شكرها، كانت له كفّارة ستين سنة لقبولها ولصبره عليها، والمرض للمؤمن تطهير ورحمة، وللكافر تعذيب ولعنة، ولا يزال المرض بالمؤمن حتّى لا يبقى عليه ذنباً، وصداع ليلة يحطّ كلّ خطيئة الاّ الكبائر.
وقال صلى الله عليه وآله: للمريض في مرضه أربع خصال: يرفع عنه القلم، ويأمر الله الملك أن يكتب له ثواب ما كان يعمله في صحّته، وتساقطت ذنوبه كما يتساقط ورق الشجر، ومن عاد مريضاً لم يسأل الله شيئاً الاّ أعطاه.
ويوحي الله تعالى: إلى ملك الشمال لا تكتب على عبدي مادام في وثاقي شيئاً، وإلى ملك اليمين أن اجعل أنينه حسنات، وانّ المرض ينقي الجسد من الذنوب كما ينقي الكير خبث الحديد، وإذا مرض الصغير كان مرضه كفّارة لوالديه.
وروي فيما ناجى موسى ربّه أن قال: يا ربّ أعلمني ما في عيادة المريض من الأجر؟ فقال سبحانه: اُوكّل به ملكاً يعوده في قبره إلى محشره، قال: يا ربّ فما لمن غسّله؟ قال: اغسله من ذنوبه كما ولدته اُمّه. فقال: يا ربّ فما لمن شيّع جنازته؟ قال: اُوكّل بهم ملائكتي يشيّعونهم في قبورهم إلى محشرهم، قال: يا ربّ فما لمن عزّا مصاباً على مصيبته؟ قال: أظلّه بظلّي يوم لا ظل الاّ ظلّي. وقال النبيّ صلى الله عليه وآله: عائد المريض يخوض في الرحمة، فإذا جلس ارتمس فيها.
ويستحب الدعاء له، فيقول العائد: اللهم ربّ السماوات السبع وربّ الأرضين السبع، وما فيهنّ وما بينهنّ وما تحتهنّ، وربّ العرش العظيم، صل على محمد وآل محمد واشفه بشفائك، وداوه بدوائك، وعافه من بلائك، واجعل شكايته كفّارة لما مضى من ذنوبه ومابقى. ويستحب للمريض الدعاء لعائده، فإنّ دعاءه مستجاب، وتكره الاطالة عند المريض.
--------------------------------------------------------------------------------
* إرشاد القلوب / الديلمي _ مصلحة المرض وعيادة المريض.