*الشيخ حسن أحمد الهادي
1- معنى المقدّس والقداسة:
القدس والقداسة والتقديس في اللغة والكتاب والإستعمال العرفي بمعنى التطهير، والتنزيه عن النقص والعيب، ولازم هذا كمال المقدّسات، واحترامها وتعظيمها، ووجوب الدفاع عنها بالغالي والنفيس لأنها تمّثل الكيان المعنوي والإيماني للبشر.
فقد ورد في اللغة العربية:
قَدُسَ قدْساً وقُدُساً طَهُر وتبارك، وتقدّس أي تطهّر، والقداسة الطهارة، يقال: قدّس اللهُ فلاناً: طهّره وبارك عليه، والقدوس من اسماء الله الحسنى، أي المنزّه عن كل نقص وعيب..(المنجد) والتقديس: التطهير الإلهي الوارد في قوله تعالى: { وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً} (الأحزاب، 33).
وقد ورد في الكتاب العزيز ما يؤكّد هذا المعنى، قال تعالى { يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللهُ لَكُمْ ...} (المائدة، 21). قيل: إنها الجنّة، وقيل: الشريعة، وكلاهما صحيح، فالشريعة حظيرة منها يُستفاد القدُس، أي الطهارة، وقال تعالى: { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ...} (البقرة، 30)، أي نطهّر الأشياء ارتساماً لك، وقيل نقدّسك، أي نصفك بالتقديس (مفردات ألفاظ القرآن، للراغب الأصفهاني).
وعندما نتأمّل في العرف القائم بين الناس ومقدّساتهم وفي مختلف المجتمعات نجد بأنه من الصعب، بل لا يحقّ لأحدٍ فرض قناعاته أو حتى طرحها أحياناً، فيما يتعلّق بعلاقة الناس بمقدّساتهم أياً كانت هذه المقدّسات عظيمة أو وضيعة، وهذا ما يبرّر دفاع البشر عنها حتى الموت وإن كانت جيفة محنطة أو تمثالاً من الخشب أو الحجر أو الخ... وما أكثر الشواهد على هذا الأمر في عصرنا والعصور السالفة.
2- المقدّسات في الإسلام والشرائع السماوية:
تشترك الشرائع السماوية في أصولها ومبانيها، وتتفق على قداسة هذه الأصول وحرمتها ووجوب الدفاع عنها، ولما كانت الشريعة الإسلامية هي خاتمة الرسالات، والنبي محمد(ص) هو سيد الرسل وخاتمهم، سنكتفي بتحديد المقدّسات من خلال ما جاء في الشريعة الإسلامية وينبغي الإلتفات إلى أن المقدّسات لا تنحصر في الأصول دائماً، بل فقد يكون المسُّ ببعض الفروع أحياناً هتكاً للمقدّسات.
يمكن تصنيف المقدّسات في الإسلام إلى الأصناف التالية:
أ- قداسة الإله (الله تعالى): فيما يتعلّق بذاته وتوحيده سبحانه وصفاته وعدله... الخ.
قال تعالى: {اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْم...} (البقرة، 255).
والآيات والروايات والمصنفات كثيرة ومفصّلة في هذا المجال.
ب- قداسة الشريعة والدين: بمعنى قداسة وخصوصية الدين الإسلامي بكلّيته وكيانه الكامل، وأنه دين إلهي من عند الله تعالى.
قال الله تعالى: {... الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً.... } (المائدة، 3). وقال تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الإِسْلاَمُ ...} (المائدة، 19).
وقال تعالى: { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لاَ تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ} (الروم 30) وراجع آل عمران (83- 85).
ج- قداسة القرآن الكريم: وأنه كلام الله الموحى على نبيه محمد (ص):
قال الله تعالى: { ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} (البقرة، 2) { إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ} (الإسراء، 9). {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (الحجر، 87).
د- قداسة الوحي والرسل والأنبياء والأئمة:
فالوحي واسطة بين الله ورسله، قال تعالى:
{قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ} (فصلت، 6). { قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلاَ بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَ مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلاَ نَذِيرٌ مُبِينٌ} (الأحقاف، 9).
والأنبياء والرسل يمثلون النبوة التي هي سفارة بين الله وبين ذوي العقول من عباده وقد بعثهم الله تعالى لهداية البشرية وتعليمها.
قال الله تعالى: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} (الحديد، 25) وقال تعالى: {... فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ...} (البقرة، 213).
خصوصية النبي محمد(ص) بين الأنبياء والرسل:
لا يمكن فصل الحديث بين قدسيّة وعظمة شخصية النبي(ص) محمد وبين عظمة نبوّته ورسالته العالمية الخالدة؛ وموقعه في السماء والأرض قبل وبعد الإسلام، ونشير فيما يلي إلى بعض خصوصيات النبي محمد(ص)، الذي عرف قبل الإسلام، بالصادق الأمين.
- هدف بعثته ورسالته: الرحمة بالبشر والتزكية والتربية لهم، قال تعالى: { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ...} (الجمعة،2) وقال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (الأنبياء، 107}.
- الأسوة الحسنة وصاحب الخلق العظيم: قال الله تعالى: { لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} (الأحزاب، 21). { وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم، 4).
- سيد الرسل وأعظمهم وخاتمهم: قال تعالى: { مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} (الأحزاب، 40) وقال النبي(ص) لعلي(ع) (أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي)
- تخصيصه بالإسراء والمعراج: { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأقْصَى...} (الإسراء، 1).
- الأمر الإلهي بوجوب طاعته واحترامه، قال تعالى: { وَأَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ....} (الأنفال، 46). وراجع النساء، 59 – الأنفال، 1/ 20- التغابن، 12- والحجرات، 2) وغيرها.
هـ الأماكن المقدّسة عند المسلمين:
* المساجد بشكل عام، والمسجد الحرام، ومسجد النبي(ص) والمسجد الأقصى، ومسجد الكوفة بشكل خاص، قال تعالى: { وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ للهِ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللهِ أَحَداً} (الجن، 18).
* المقامات المقدّسة للأئمة المعصومين(ع) وأبنائهم.
3- ماهو واجب المسلمين تجاه مقدّساتهم:
أجمع فقهاء الإسلام بالإجمال على وجوب الدفاع عن بيضة الإسلام، بل إن فلسفة تشريع الجهاد في الشريعة الإسلامية قائمة على مبدأ الدفاع عن الشريعة وحفظ مقدّساتها وكيانها من كل ما يهدّده بالخطر أو التشويه ونحوه، ولهذا:
- يجب على المسلمين أنفسهم المحافظة على كل مقدّساتهم بالقول والعمل الدؤوب والدائم، وعدم الإساءة إليها من خلال احترام مقدّسات الآخرين وخصوصياتهم.
- يجب مواجهة كل من يمس المقدّسات الإسلامية أياً كان موقعه أو الجهة التي ينتمي إليها ضمن الضوابط الشرعية.
- يجب تنويع وسائل المواجهة والردع، من ثقافية، إعلامية، سياسية، قانونية، إدارية، اقتصادية، إلى حد الجهاد والشهادة.
- يجب تربية مجتمعاتنا على احترام المقدّسات، والسعي الدائم لنقل هذه الثقافة إلى الآخرين.
خاتمة: إن المسّ بالنبي الأكرم(ص) وتصويره بالرسوم الكاريكاتورية المهينة، فيه إساءة لكل الأديان السماوية والأنبياء والكتب المقدّسة، فضلاً عن الإساءة إلى مليار وأربعمائة مليون مسلم في العالم.