عن الإمام الصادق (عليه السلام): «البنون نعيم، والبنات حسنات، والله يسأل عن النعيم ويثيب على الحسنات»[1].
ميزة الفتيات في الإسلام
أولى الإسلام اهتماماً خاصّاً وعنايةً بارزة بالفتيات؛ وذلك لما لهنّ من أدوار مهمّة وحسّاسة وتكاليف مُلقاة على عاتقهنّ في المستقبل. فالفتيات سوف يتعهّدن تربية جيلٍ شجاع صادق مؤمن، وسيكُنّ أساسَ العائلة وركنها وأساسَ السكون والهدوء في نظام الحياة.
وقد جُعلت للفتيات امتيازاتٌ أكثر من امتيازات الفتية كما يظهر في الروايات. فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما من بيتٍ فيه البنات إلّا نزلت كلّ يوم عليه اثنتا عشرة بركة ورحمة من السماء، ولا ينقطع زيارة الملائكة من ذلك البيت؛ يكتبون لأبيهم كلّ يوم وليلة عبادة سنة»[2].
وعنه (صلى الله عليه وآله): «نِعْمَ الولد البنات المخدَّرات؛ من كانت عنده واحدة جعلها الله ستراً من النّار، ومن كانت عنده اثنتان أدخله الله بها الجنّة، ومن يكن له ثلاث أو مثلهنّ من الأخوات وضع عنه الجهاد والصّدقةُ»[3]. وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا بُشّر بجاريةٍ قال: ريحانة، ورزقها على الله -عزّ وجلّ-»[4].
الرؤية الإسلاميّة في تربية الفتاة
لقد جاء الإسلام بنظرةٍ مخالفةٍ لما كانت عليه الجاهليّة تجاه الفتاة والمرأة بشكلٍ عام، حيث كانت النظرة الأساس لها قائمة على اعتبارها موطناً لإشباع الغرائز والشهوات؛ ولذا كانت القبائل الضعيفة ترى البنات مجلبةً للعار، فكانوا يعمدون إلى وأد فتياتهم، وفي ذلك يصوّر القرآن الكريم حال الإنسان آنذاك عندما تولد له أنثى، يقول -تعالى-: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّا وَهُوَ كَظِيم ٥٨ يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ﴾[5].
أمّا في الرؤية الإسلاميّة فالفتيات يتمتّعن بامتيازات خاصّة وتفضيل واضح؛ إذ ذُكرن في الروايات على أنّهنّ أفضل من الأبناء، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «خير أولادكم البنات»[6].
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «البنات حسنات، والبنون نعمة؛ فالحسنات يُثاب عليها، والنِعم يُسأل عنها»[7].
ومن الخطوات التي رسمها الإسلام في عمليّة حفظ الفتاة وتربيتها، وتبيّن مدى اهتمامه بها، ما يأتي:
1. إنقاذها من ظلم المجتمع
جاء الإسلام فقضى على كافّة أشكال ظلم الفتاة، ولم يكن ذلك ردّة فعل لما حصل في الجاهلية فقط، بل لما تشكّله الفتاة في المستقبل من دور فعّال وكبير في بناء المجتمع وصلاحه، فهي اليوم بنت، وغداً زوجة، وبعده أمّ تربي الأجيال القادمة. لذا، نرى بأنّ الله -تعالى- وعد بالحساب والمساءلة يوم القيامة على الظلم الذي كان يقع على الفتاة دون وجه حقّ، قال -تعالى-: ﴿وَإِذَا ٱلۡمَوۡءُۥدَةُ سُئِلَتۡ ٨ بِأَيِّ ذَنۢب قُتِلَتۡ﴾[8].
2. الاهتمام بتربيتها تربيةً صالحة
لقد اهتمّ الإسلام بتربية البنات وتعليمهنّ وتثقيفهنّ وتكريمهنّ وغرس الاحترام في نفوسهنّ، فذلك من حقوقهنّ على الوالدين، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من عال ثلاث بنات أو ثلاث أخوات، وجبت له الجنّة»، فقيل: يا رسول الله، واثنتين؟ قال: «وإن كانتا اثنتين»، فقيل: يا رسول الله، وواحدة؟ فقال: «وواحدة»[9].
وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «من كانت له ابنة فأدّبها وأحسن أدبها، وعلّمها فأحسن تعليمها، فأوسع عليها من نِعَم الله التي أسبغ عليه، كانت له منعة وستراً من النار»[10].
3. إسعادها والرأفة بها
ففي الروايات أنّ الله -تعالى- أرحم بهنّ من الصبيان.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «إنّ الله -تبارك وتعالى- على الإناث أرأف منه على الذكور، وما من رجل يُدخل فرحةً على امرأة بينه وبينها حرمة، إلّا فرّحه الله -تعالى- يوم القيامة»[11].
4. إكرامها وتقديرها
الحرص على احترام البنات وتقديرهنّ وإشعارهنّ بالمحبّة والمودّة من قِبل الأبوين، وبالأخصّ من جانب الأب؛ فينبغي له أن يراعي عواطفها ومزاجها ويجنّبها الغضب.
عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما أكرم النساء إلّا كريم، وما أهانهنّ إلّا لئيم»[12].
5. مراعاتها والاهتمام بعواطفها
أكثر ما يتحمّل ذلك هو الأب، فينبغي ألّا يخدش عواطفها ويكسر قلبها، وإذا أراد أن يعاقبها فلا بدّ من اتّخاذ الأسلوب الذي يجنّبها الأذى والاضطراب المؤدّي إلى العقد النفسيّة. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «نِعْمَ الولد البنات؛ ملطّفات، مجهّزات، مؤنِسات، مباركات، مفليات»[13].
التربية على العفاف
العفاف قيمةٌ تربويّة لها أهمّيّة كبير وأثر بالغ في عمليّة التربية، وقد أولاها الإسلام اهتماماً خاصّاً، فحثّ عليها وأمر بها في الآيات والروايات، وفي الحديث ننطلق من محورين:
الأوّل: النظر في ما ورد في الشريعة الإسلاميّة في العفاف.
الثاني: النظر في الأسباب التي تؤدّي إلى الابتذال.
المحور الأوّل: كيف تعاملت الشريعة مع قضيّة التربية على العفاف؟
ثمّة مجموعة من الأصول، وضعتها الشريعة الإسلاميّة وحثّت عليها:
1. الحثّ على عفّة البطن والفرج
قال -تعالى-: ﴿وَٱلَّذِينَ هُمۡ لِفُرُوجِهِمۡ حَٰفِظُونَ ٢٩ إِلَّا عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِهِمۡ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُهُمۡ فَإِنَّهُمۡ غَيۡرُ مَلُومِينَ﴾[14].
وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أحبّ العفاف إلى الله -تعالى- عفاف البطن والفرج»[15].
وعن الإمام علي (عليه السلام): «إذا أراد الله بعبدٍ خيراً أعفَّ بطنه وفرجه»[16].
وعن الإمام الباقر (عليه السلام): «ما عُبد الله بشيء أفضل من عفّة بطن وفرج»[17].
2. الحرص على عفّة الجوارح الأخرى
المسلم يعفّ يده ورجله وعينه وأذنه عن الحرام فلا تغلبه شهواته، وقد أمر الله كلّ مسلم أن يعفّ نفسه ويحفظ جوارحه عن الحرام. قال -تعالى-: ﴿وَلۡيَسۡتَعۡفِفِ ٱلَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّىٰ يُغۡنِيَهُمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ﴾[18].
وحرَّم الإسلام النظر إلى المرأة الأجنبيّة، وأمر الله المسلمين أن يغضّوا أبصارهم، فقال: ﴿قُل لِّلۡمُؤۡمِنِينَ يَغُضُّواْ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِمۡ وَيَحۡفَظُواْ فُرُوجَهُمۡۚ﴾[19]، ﴿وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَٰتِ يَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَٰرِهِنَّ وَيَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ﴾[20].
3. الحثّ على الستر
فعلى المسلم أن يستر ما بين سرّته إلى ركبتيه، وعلى المسلمة أن تلتزم بالحجاب؛ لأنّ شيمتها العفّة والوقار، قال -تعالى-: ﴿وَلۡيَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ﴾[21]، ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلنَّبِيُّ قُل لِّأَزۡوَٰجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ ٱلۡمُؤۡمِنِينَ يُدۡنِينَ عَلَيۡهِنَّ مِن جَلَٰبِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدۡنَىٰٓ أَن يُعۡرَفۡنَ فَلَا يُؤۡذَيۡنَۗ وَكَانَ ٱللَّهُ غَفُورا رَّحِيما﴾[22].
المحور الثاني: نظرة في الأسباب
العفّة هي برنامج حياة، يجب أن يتحلّى بها من أراد السمو والمروءة، وإنّ من أهمّ أسباب تماسك المجتمعات والأسر هو تربية المجتمع على العفّة القويّة الراسخة، ومن أهمّ أسباب تفكّك المجتمعات والأسر، هو ضعف العفّة وعدم التربية عليها، وكثرة الابتذال، والتحلّل من القيود والضوابط الدينيّة.
ومن أهمّ الأسباب التي تؤدّي إلى الابتذال وعدم وجود العفاف، والتي يجب أن نلتفت إليها، ما يأتي:
1. وسائل الإعلام المرئيّة والمسموعة، وما تقدّمه من سموم عبر شاشاتها وبرامجها المختلفة.
2. حملة الإفساد الموجّهة إلى المرأة، وذلك بالدعوة إلى التبرّج والسفور، وترك الحجاب.
3. اعتماد جسد المرأة كوسيلة إعلانيّة وتجاريّة للإغراء والإثارة.
4. تأخّر الزواج عند الفتيات والشباب، بسبب صعوبة المعيشة وارتفاع المهور.
5. قلّة الورع، وقلّة الأمانة، وعدم المبالاة بالحلال والحرام.
[1] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص7.
[2] الميرزا النوريّ، مستدرك الوسائل، مصدر سابق، ج15، ص116.
[3] العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج101، ص91.
[4] المصدر نفسه، ص97-98.
[5] سورة النحل، الآيتان 58-59.
[6] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص219.
[7] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص481.
[8] سورة التكوير، الآيتان 8-9.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص6.
[10] المتّقي الهنديّ، كنز العمال، مصدر سابق، ج16، ص 452.
[11] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص6.
[12] المتّقي الهنديّ، كنز العمال، مصدر سابق، ج16، ص371.
[13] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج6، ص5.
[14] المعارج، الآيتان 29-30.
[15] ورام بن أبي فراس المالكيّ الأشتريّ، تنبيه الخواطر ونزهة النواظر (مجموعة ورام)، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1368ش، ط2، ج2، ص349.
[16] التميمي الآمدي، عبد الواحد بن محمّد، غرر الحكم ودرر الكلم، تحقيق وتصحيح السيّد مهدي رجائي، نشر دار الكتاب الإسلاميّ، إيران- قم، 1410هـ، ط2، ص289.
[17] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص79.
[18] سورة النور، الآية 33.
[19] سورة النـور، الآية 30.
[20] سورة النور، الآية 31.
[21] سورة النور، الآية 31.
[22] سورة الأحزاب، الآية 59.