عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أوصاني جبرئيل (عليه السلام) بالمرأة، حتّى ظننت أنّه لا ينبغي طلاقها إلّا من فاحشة مبيّنة».[1]
إنّ الله -سبحانه وتعالى-، قد أعظم أمر الزواج، عادّاً إياه آية من آياته: ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّة وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰت لِّقَوۡم يَتَفَكَّرُونَ﴾[2]، ذلك أنّ الطرفين مهما كانا متباعدين، فبمجرّد صيغة مختصرة ضمن شروطها الشرعيّة التي بيّنها الشرع الإسلاميّ في أحكامه، يصبح ما كان محرّماً بينهما حلالاً، وتوجب ما لم يكن واجباً، وتثبت بعض الحقوق، ويصبح الطرفان متلاصقين متلازمين، كأنّهما واحد.
حقوق الزوج
1. حقّ القيمومة
أوكل الله -تعالى- حقّ القيمومة والإشراف على الأسرة إلى الزوج، فالواجب على الزوجة مراعاة هذا الحقّ المنسجم مع طبيعة الفوارق البدنيّة والعاطفيّة لكلٍّ من الزوجين. قال -تعالى-: ﴿ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡض وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ﴾.[3]
2. حقّ الطاعة
ومن الحقوق المترتّبة على حقّ القيمومة حقّ الطاعة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أن تطيعه ولا تعصيه، ولا تصدّق من بيتها شيئاً إلّا بإذنه، ولا تصوم تطوّعاً إلّا بإذنه، ولا تمنعه نفسها، وإن كانت على ظهر قتب، ولا تخرج من بيتها إلّا بإذنه...».[4]
3. العلاقة العاطفيّة
حرصت الشريعة الإسلاميّة -إلى جانب الواجبات- على إرساء أفضل العلاقات العاطفيّة، والأخلاقيّة بين الزوجين، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «جاءت امرأة إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) فقالت: يا رسول الله، ما حقّ الزوج على المرأة؟ قال: أكثر من ذلك[5]، فقالت: فخبّرني عن شيء منه، فقال: ليس لها أن تصوم إلّا بإذنه [أي تطوّعاً]، ولا تخرج من بيتها إلّا بإذنه، وعليها أن تَطَيَّبَ بأطيب طيبها، وتلبس أحسن ثيابها، وتزيَّن بأحسن زينتها، وتعرض نفسها عليه غدوة وعشيّة، وأكثرُ من ذلك حقوقُه عليها»[6]. ويستحبّ لها كما يقول الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام): «إظهار العشق له بالخلابة والهيئة الحسنة لها في عينه».[7]
4. عدم فعل ما يسخط زوجها
لا ينبغي للزوجة أن تعمل ما يسخط زوجها ويؤلمه في ما يتعلّق بالحقوق العائدة إليه، كإدخال بيته من يكرهه، أو سوء خُلقها معه، أو إسماعه كلمات غير اللائقة. فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أيّما امرأة آذت زوجها بلسانها لم يقبل الله -عزّ وجلّ- منها صرفاً ولا عدلاً ولا حسنة من عملها حتّى ترضيَه».[8]
وعن الإمام الصادق (عليه السلام): «أيّما امرأة باتت وزوجها عليها ساخط في حقّ، لم تُقبل منها صلاة حتّى يرضى عنها، وأيّما امرأة تطيّبت لغير زوجها، لم تُقبل منها صلاة حتّى تغتسل من طيبها، كغسلها من جنابتها».[9] ويحرم على الزوجة أن تهجر زوجها دون مسوِّغٍ شرعيّ، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أيّما امرأة هجرت زوجها، وهي ظالمة، حُشرت يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون في الدرك الأسفل من النار، إلّا أن تتوب وترجع».[10]
5. عدم تكليف الزوج بما لا يطيق
أكّدت الروايات على الزوجة أن لا تكلّف زوجها ما لا يطيق في أمر النفقة، فعن رسو الله (صلى الله عليه وآله): «أيّما امرأة أدخلت على زوجها في أمر النفقة وكلّفته ما لا يطيق، لا يقبل الله منها صرفاً ولا عدلاً إلّا أن تتوب وترجع، وتطلب منه طاقته».[11]
6. استقبال الزوج وإرضاؤه
وحثّ (صلى الله عليه وآله) المرأة على إصلاح شؤون البيت واستقبال الزوج بأحسن استقبال، فقال: «حقّ الرجل على المرأة إنارة السراج، وإصلاح الطعام، وأن تستقبله عند باب بيتها فترحّب به، وأن تقدّم إليه الطشت والمنديل...».[12]
ويستحبّ للزوجة أن تكسب رضا الزوج وتنال مودّته، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «خير نسائكم التي إن غضبت أو أغضبت قالت لزوجها: يدي في يدك لا أكتحل بغمضٍ حتّى ترضى عنّي».[13]
حقوق الزوجة
وضع الإسلام حقوقاً للزوجة يجب على الزوج مراعاتها، وأهمّها:
1. حقّ النفقة
حيث جعله الله -تعالى- من الحقوق التي يتوقّف عليها حقّ القيمومة للرجل، كما جاء في قوله -تعالى-: ﴿ ٱلرِّجَالُ قَوَّٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡض وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ﴾.[14] وشدّد رسول الله (صلى الله عليه وآله) على هذا الواجب حتّى جعل المقصّر في أدائه ملعوناً، فعنه (صلى الله عليه وآله): «ملعون ملعون من يضيّع من يعول».[15] والنفقة الواجبة هي الإطعام والكسوة للشتاء والصيف وما تحتاج إليه من الزينة حسب يسار الزوج، والضابط في النفقة القيام بما تحتاج إليه المرأة من طعام وأداء وكسوة وفراش وغطاء وإسكان وإخدام وآلات تحتاج إليها لشربها وطبخها وتنظيفها، قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «حقّ المرأة على زوجها أن يسدَّ جوعتها، وأن يستر عورتها، ولا يقبّح لها وجهاً، فإذا فعل ذلك أدّى -والله- حقّها».[16]
2. معاشرتها بالمعروف
وحثّ الإسلام على اتّخاذ التدابير الموضوعية للحيلولة دون وقوع التقاطع، فدعا إلى توثيق روابط المودّة والمحبّة، وأمر بالعشرة بالمعروف، قال -تعالى-: ﴿وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلۡمَعۡرُوفِۚ فَإِن كَرِهۡتُمُوهُنَّ فَعَسَىٰٓ أَن تَكۡرَهُواْ شَيۡٔا وَيَجۡعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيۡرا كَثِيرا﴾.[17]
ومن مصاديق العشرة بالمعروف حسن الصحبة، فعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «خيركم خيركم لنسائه، وأنا خيركم لنسائي»[18]، وعنه أيضاً: «من اتّخذ زوجة فليكرِمها»[19]، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لمحمّد بن الحنفيّة: «إنَّ المرأة ريحانة وليست بقهرمانة؛ فدارِها على كلِّ حال، وأحسن الصحبة لها، فَيِصْفُ عيشك».[20]
3. الإكرام والرحمة
ومن حقّها الإكرام، والرفق بها، وإحاطتها بالرحمة والمؤانسة، فعن الإمام عليّ بن الحسين (عليه السلام): «وأمّا حقُّ رعيّتك بملك النكاح، فأن تعلم أنّ الله جعلها سكناً ومستراحاً وأُنساً وواقية، وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه، ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه، ووجب أن يحسن صحبة نعمة الله ويكرمها ويرفق بها، وإن كان حقّك عليها أغلظ وطاعتك بها ألزم في ما أحبّت وكرهت ما لم تكن معصية، فإنّ لها حقّ الرحمة والمؤانسة وموضع السكون إليها قضاء اللذة التي لا بدّ من قضائها...».[21]
4. عدم استخدام القسوة
ونهى (صلى الله عليه وآله) عن استخدام القسوة مع المرأة، وجعل من حقّ الزوجة عدم ضربها والصياح في وجهها، ففي جوابه عن سؤال خولة بنت الأسود حول حقّ المرأة، قال (صلى الله عليه وآله): «حقّك عليه أن يطعمك ممّا يأكل، ويكسوك ممّا يلبس، ولا يلطم ولا يصيح في وجهك».[22] وعنه (صلى الله عليه وآله): «خير الرجال من أُمّتي الذين لا يتطاولون على أهليهم، ويحنّون عليهم، ولا يظلمونهم».[23]
5. حقّ المضاجعة
ومن حقوق الزوجة حقّ المضاجعة، فإذا حرمها الزوج من ذلك، فللزوجة حقّ الخيار، إن شاءت صبرت عليه أبداً، وإن شاءت خاصمته إلى الحاكم الشرعيّ.
[1] الصدوق، الشيخ محمّد بن عليّ بن بابويه، من لا يحضره الفقيه، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1414هـ، ط2، ج3، ص440.
[2] سورة الروم، الآية 21.
[3] سورة النساء، الآية 34.
[4] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص438.
[5] أي حقوقهم أكثر من أن تُذكر.
[6] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص508.
[7] الشيخ الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، مصدر سابق، ص323.
[8] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج4، ص14. الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص430.
[9] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص507.
[10] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص202.
[11] المصدر نفسه، ص202.
[12] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص214-215.
[13] المصدر نفسه، ص200.
[14] سورة النساء، الآية 34.
[15] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص168.
[16] ابن فهد الحلي، عدة الداعي ونجاح الساعي، تصحيح احمد الموحدي القمي، مكتبة وجداني، إيران - قم، لا.ت، لا.ط، ص81.
[17] سورة النساء، الآية 19.
[18] الشيخ الصدوق، من لا يحضره الفقيه، مصدر سابق، ج3، ص443.
[19] الطبرسيّ، الميرزا حسين النوري، مستدرك الوسائل ومستنبط المسائل، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام) لإحياء التراث، لبنان - بيروت، 1408هـ - 1987م، ط1، ج1، ص412.
[20] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص218.
[21] الشيخ الحرّاني، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، مصدر سابق، ص262.
[22] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص218.
[23] المصدر نفسه، ص216 ـ 217.