الجمعة 22 تشرين الثاني 2024 الموافق لـ 12 جمادى الاولى 1446هـ

» مفاهيــــم إســـلامــية

أهمّيّة الأسرة في الإسلام

﴿وَٱللَّهُ جَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجا وَجَعَلَ لَكُم مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَة وَرَزَقَكُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَٰتِۚ أَفَبِٱلۡبَٰطِلِ يُؤۡمِنُونَ وَبِنِعۡمَتِ ٱللَّهِ هُمۡ يَكۡفُرُونَ﴾.[1]

الزواج ارتباط مشروع بين الرجل والمرأة، وهو طريق التناسل والحفاظ على الجنس البشريّ، وهو باب التواصل، وسبب الألفة والمحبّة، والمعونة على العفّة والفضيلة، وبه يتحصّن الجنسان. ومن هنا، كان استحبابه استحباباً مؤكّداً، قال -تعالى-: ﴿وَأَنكِحُواْ ٱلۡأَيَٰمَىٰ مِنكُمۡ وَٱلصَّٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡۚ إِن يَكُونُواْ فُقَرَآءَ يُغۡنِهِمُ ٱللَّهُ مِن فَضۡلِهِۦۗ وَٱللَّهُ وَٰسِعٌ عَلِيم﴾.[2]

وعن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «ما بُني بناء في الإسلام أحبّ إلى الله -تعالى- من التزويج».[3]

وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «تزوّجوا؛ فإنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: مَنْ أحبّ أن يتّبع سنّتي، فإنّ من سنّتي التزويج».[4]

عوامل النجاح في بناء الأسرة

اعتنى الدين الإسلاميّ ببناء الأسرة على قواعد الإسلام وإرشاداته، من حيث الأخلاق والسلوك والالتزام والانقياد لأوامر الله -سبحانه-؛ فالأسرة تحتاج إلى دعائم متينة وأسس قويّة في العلاقات بين أركانها، تضمن استمرارها وبقاءها بشكل صحيح وسليم، ومن أهمّ العوامل المساعدة في بناء الأسرة:

1. المودّة

المودّة هي الحبّ العمليّ، هي الحبّ الذي ينعكس أثراً خارجيّاً، وليس مجرّد شعور داخليّ فقط، «المودّة كأنّها الحبّ الظاهر أثره في مقام العمل، فنسبة المودّة إلى الحبّ كنسبة الخضوع الظاهر أثرُه في مقام العمل إلى الخشوع الذي هو نوع تأثّرٍ نفسانيّ عن العظمة والكبرياء».[5]

قال -تعالى-: ﴿وَمِنۡ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنۡ خَلَقَ لَكُم مِّنۡ أَنفُسِكُمۡ أَزۡوَٰجا لِّتَسۡكُنُوٓاْ إِلَيۡهَا وَجَعَلَ بَيۡنَكُم مَّوَدَّة وَرَحۡمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰت لِّقَوۡم يَتَفَكَّرُونَ﴾.[6]

جاء رجلٌ إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله) فقال: إنّ لي زوجةً، إذا دخلتُ تلقّتني، وإذا خرجت شيّعتني، وإذا رأتني مهموماً قالت: ما يهمّك؟! إن كنت تهتمّ لرزقك فقد تكفّل به غيرك، وإن كنت تهتمّ بأمر آخرتك فزادك الله همّاً، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «بشّرها بالجنّة، وقل لها: إنّك عاملة من عمّال الله، ولك في كلّ يوم أجر سبعين شهيداً».[7]

2. الرحمة

إنّ من أبرز مواردِ الرحمةِ الأسرةَ؛ فإنّ الزوجين يتلازمان بالمودّة والرحمة، وخاصّة الزوجة، ويرحمان الصغار من الأولاد لضعفهم وعجزهم. وهي صفة أخلاقيّة عظيمة، أشار إليه الله -تعالى- مخاطباً رسوله الأعظم (صلى الله عليه وآله): ﴿فَبِمَا رَحۡمَة مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمۡۖ وَلَوۡ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ ٱلۡقَلۡبِ لَٱنفَضُّواْ مِنۡ حَوۡلِكَۖ﴾.[8] وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): «أحسِن يُحسَن إليك... ارحم تُرحَم».[9]

3. التعاون

حثّ الإسلام أفراد الأسرة على التعاون والتكاتف في ما بينهم، ولا سيّما بين الزوجين، فهما ركنا الأسرة الأساسيّان؛ فلهذا الأمر تداعيات إيجابيّة كبرى على نفوس الأبناء في عمليّة التربية والتنشئة الصحيحة المحفّزة على التفاعل الإيجابيّ والتكامليّ ضمن الأسرة، وتالياً ضمن المجتمع.وقد رُوي أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) كان يشارك السيّدة الزهراء (عليها السلام) في تدبير شؤون المنزل وكنسه ورعاية الأولاد.

4. المصابرة

وذلك من خلال حفظ الحقوق لكلٍّ من أفراد الأسرة، وعدم التعدّي والبغي؛ ولهذا أثره البالغ في تثبيت عُرى المحبّة والمودّة، ومن أبرز مصاديق ذلك أن يغفر المرء زلّة الآخر وعثرته، وأن لا يتتبّع أخطاءه. عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «من صبر على سوء خلق امرأته أعطاه الله من الأجر ما أعطى أيوب (عليه السلام) على بلائه، ومن صبرت على سوء خلق زوجها أعطاها الله مثل ثواب آسية بنت مزاحم».[10] وعنه (صلى الله عليه وآله) أيضاً: «خير الرجال من أمّتي الذين لا يتطاولون على أهليهم، ويحنّون عليهم، ولا يظلمونهم».[11] والأهل هم الآباء والزوجات والأبناء.

5. الاهتمام بعبادة الله

وذلك في ما يخصّ الالتزام بالواجبات، حيث أمر الله -تعالى- الأب أن يعتني بعلاقة أبنائه بالله، قال -عزّ وجلّ-: ﴿وَأۡمُرۡ أَهۡلَكَ بِٱلصَّلَوٰةِ وَٱصۡطَبِرۡ عَلَيۡهَاۖ لَا نَسۡ‍َٔلُكَ رِزۡقاۖ نَّحۡنُ نَرۡزُقُكَۗ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلتَّقۡوَىٰ﴾.[12] وقال في ما يخصّ الحثّ على التقوى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ قُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَأَهۡلِيكُمۡ نَارا وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلۡحِجَارَةُ عَلَيۡهَا مَلَٰٓئِكَةٌ غِلَاظ شِدَاد لَّا يَعۡصُونَ ٱللَّهَ مَآ أَمَرَهُمۡ وَيَفۡعَلُونَ مَا يُؤۡمَرُونَ﴾.[13]

من موجبات المودّة والرحمة

ثمّة العديد من الأفعال التي تكسب المودّة وتزرع الرحمة بين الزوجين، وتُسهم في تثبيت معالم السعادة والسلام في الأسرة، نذكر منها:

1. مدح أحدهما الآخر

كثيراً ما يقدّم أحد الطرفين بأعمال جليلة ومهمّة، ويكون ذلك في سبيل راحة الآخر، فلا بدّ حينها أن يظهر أحدهما الشكر والامتنان للآخر، وهذا من الإدارة السليمة التي تحفظ الودّ بينهما.

2. مراعاة مشاعر الآخر

قد يقع الزوج أو الزوجة في حالة اضطراب أو مرض وما شاكل، فلا بدّ لهما من أن يحفظا مشاعر بعضهما، وأن يعفيا بعضهما في مثل هذه الحالات من الواجبات والالتزامات المضنية. نضرب لذلك مثلين في الزوجة وفي الزوج: فإنّ المرأة -وبشكل دوريّ- تقع في ما تراه النساء عادة، وهذا أمر طبيعيّ، وهذا قد يجعلها في حالة من التوتّر النفسيّ، بسبب الاضطرابات الجسديّة التي تشعر بها، ما يتطلّب حينها شيئاً من المراعاة من لزوج. وكذلك قد يقع الزوج في ضيق مادّي لخسارة ماليّة أو لعدم إيجاد العمل المناسب وما شاكل، فحينها لا بدّ للمرأة من مراعاة هذا الأمر، وأن لا تحمّله ما لا يُطيق.

3. لين الكلام

قال الله –تعالى-: ﴿وَلَا تَسۡتَوِي ٱلۡحَسَنَةُ وَلَا ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَة كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيم ٣٤ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ وَمَا يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم﴾.[14] إنّ للكلمة الحسنة أثراً عظيماً في ثبات المودّة والرحمة بين الزوجين، وهذا مطلوب مع جميع الناس، قال -تعالى-: ﴿وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسۡنا﴾[15]، فكيف في ما بين الزوجين؟ وقد ورد ما يحثّ على الكلام الطيّب بينهما عن النبيّ الأكرم (صلى الله عليه وآله): «قول الرجل للمرأة: إنّي أحبّك، لا يذهب من قلبها أبداً».[16]

4. الإكرام والرفق

ورد العديد من الأحاديث التي تحثّ على الرفق والإكرام بين الزوجين. أمّا في إكرام الزوجة فقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله): «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً، وخياركم خياركم لنسائه».[17] وفي إكرام الزوج، ورد عن الإمام الصادق (عليه السلام): «ملعونة ملعونة امرأة تؤذي زوجها أو تغمّه، وسعيدة سعيدة امرأة تُكرم زوجها ولا تؤذيه...».[18] والإكرام يكون من خلال القول والفعل والرفق بها؛ ولذلك مصاديق كثيرة في الحياة اليوميّة، منها أن لا يرفع الزوج صوته عليها، ولا يستخدم الكلمات الخشنة معها، ولا يقاطعها وهي تتكلّم، ويرفع من شأنها، خاصّة أمام أولادهما.

وقد ورد ما يدلّ على أهمّيّة بعض الأمور التي تضمن السلام بين الزوجين، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «إنّ المرء يحتاج في منزله وعياله إلى ثلاث خلالٍ يتكلّفها، وإن لم يكن في طبعه ذلك: معاشرة جميلة، وسعة بتقدير، وغيرة بتحصين».[19]

5. حسن الخلق

إنّ حسن الخلق من الطرفين يُعَدُّ عاملاً أساسيّاً في زيادة المودّة الأسريّة، فعن الإمام الصادق (عليه السلام): «لا غنى بالزوج عن ثلاثة أشياء في ما بينه وبين زوجته، وهي: الموافقة ليجتلب بها موافقتها ومحبّتها وهواها، وحسن خلقه معها، واستعماله استمالة قلبها بالهيئة الحسنة في عينها، وتوسعته عليها».[20]

[1] سورة النحل، الآية 72.
[2] سورة النور، الآية 32.
[3] الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، الفصول المهمّة في أصول الأئمّة، تحقيق وإشراف محمّد بن محمّد الحسين القائيني، مؤسّسة معارف إسلاميّ إمام رضا (عليه السلام)، 1418 - 1376 ش، ط1، ج2، ص321.
[4] الكلينيّ، الشيخ محمّد بن يعقوب بن إسحاق، الكافي، تحقيق وتصحيح علي أكبر الغفاري، دار الكتب الإسلاميّة، إيران - طهران، 1363ش، ط5، ج5، ص329.
[5] الطباطبائيّ، العلّامة السيّد محمّد حسين، الميزان في تفسير القرآن، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1417ه‏ـ، ط5، ج16، ص166.
[6] سورة الروم، الآية 21.
[7] الطبرسيّ، الشيخ الحسن بن الفضل، مكارم الأخلاق، منشورات الشريف الرضيّ، إيران - قم، 1392هـ - 1972م، ط6، ص200.
[8] سورة آل عمران، الآية 159.
[9]  الصدوق، الشيخ محمّد بن علي بن بابويه، الأمالي، تحقيق قسم الدراسات الإسلاميّة - مؤسّسة البعثة، مركز الطباعة والنشر في مؤسّسة البعثة، إيران - قم، 1417ه، ط1، ص278.
[10] الشيخ الطبرسيّ، مكارم الأخلاق، مصدر سابق، ص214.
[11]  المصدر نفسه، ص216.
[12] سورة طه، الآية 132.
[13] سورة التحريم، الآية 6.
[14] سورة فصّلت، الآيتان 34-35.
[15] سورة البقرة، الآية 83.
[16] الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج5، ص 569.
[17] الحرّ العامليّ، الشيخ محمّد بن الحسن، تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة، تحقيق ونشر مؤسّسة آل البيت (عليهم السلام)، إيران - قم، 1414ه، ط2، ج12، ص 157.
[18] المصدر نفسه، ج16، ص280.
[19] الحرّاني، الشيخ ابن شعبة، تحف العقول عن آل الرسول (صلى الله عليه وآله)، تصحيح وتعليق علي أكبر الغفاري، مؤسّسة النشر الإسلاميّ التابعة لجماعة المدرِّسين بقم المشرَّفة، إيران - قم، 1404هـ - 1363ش، ط2، ص322.
[20] المصدر نفسه، ص323.

1378 مشاهدة | 22-09-2020
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مجلس عزاء عن روح الشهيد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورفاقه

رحيل العلامة المحقق الشــيـخ علي كـوراني العاملي (رحمه الله)

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

المسابقة العلمية الرابعة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

حفل تكريم المشاركات في دورة مشروع الفكر الإسلامي في القرآن

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

لقاء مع المربي العلامة الشيخ حبيب الكاظمي

احتفال في ذكرى المولد الشريف

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة