جاء النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم ليأخذ بيد البشريّة ويرفعها من مستنقعات الجاهليّة إلى روابي العزّ والطهارة الإلهيّة، وليهديها إلى النور الإلهيّ والصراط المستقيم...
التحق بركب النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم الكثير من سليمي الفطرة الّذين داعبت نسائم الحقّ قلوبهم، لتكشف عنها غبار الغفلة ودرن الذنوب، وكان بمجرّد أن يتلفّظ أحدهم بالشهادتين "أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أن محمّداً رسول الله" ينتقل من حال البؤس والخسران، ليدخل في مجتمع جديد رفعه الله تعالى وسمّاه "الإسلام" ليصبح واحداً من المسلمين ﴿إِنَّ ٱلدِّينَ عِندَ ٱللَّهِ ٱلۡإِسۡلَٰمُ﴾1.
ما معنى الإسلام؟
إنّ كلمة الإسلام جاءت لتميّز عباد الله سبحانه وتعالى المخلصين عن غيرهم من بني البشر الّذين انحرفت بهم السبل وضلّوا الطريق، بعد أن استدرجهم الشّيطان الرّجيم وضَعُفت نفوسهم عن مواجهته فاستكانوا له، وهؤلاء على قسمين:
- قسم رفض الإيمان من الأساس وجاهر بالعداوة لله تعالى ولدينه ولأنبيائه، وهؤلاء كثيرون في التاريخ وصل بهم الأمر إلى قتل الأنبياء والأولياء...
- قسم آخر أخذ ببعض الدّين ورفض البعض الآخر الّذي لا يتناسب مع أهوائه ورغباته، فهو يقبل من الدّين ما يتماشى مع رغباته أو لا يعارضها على الأقل، ويرفض ما سوى ذلك، وهؤلاء أيضاً اعتبرهم الله تعالى من الكفّار في القرآن الكريم وأنّبهم على ذلك، قال تعالى:
﴿وَيَقُولُونَ نُؤۡمِنُ بِبَعۡضٖ وَنَكۡفُرُ بِبَعۡضٖ وَيُرِيدُونَ أَن يَتَّخِذُواْ بَيۡنَ ذَٰلِكَ سَبِيلًا ١٥٠ أُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡكَٰفِرُونَ حَقّٗاۚ وَأَعۡتَدۡنَا لِلۡكَٰفِرِينَ عَذَابٗا مُّهِينٗا﴾2.
أمّا عباد الله المخلصون فهم الّذين سلّموا لله سبحانه وتعالى ولرسوله، يقول تعالى: ﴿فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤۡمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيۡنَهُمۡ ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِمۡ حَرَجٗا مِّمَّا قَضَيۡتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسۡلِيمٗا﴾3.
فالذي يسلِّم هو المؤمن حقّاً وهو الفائز يوم القيامة، ومن هنا جاء اسم الإسلام ليعبّر عن تسليم تلك الفئة لأمر الله تعالى. وهناك الكثير من الرّوايات الّتي تعبّر عن هذه الحقيقة، فعن أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: "الإسلام هو التسليم..."4.
كيف يحصل التسليم؟
إنّ التسليم هو الالتزام بكلّ ما جاء في الشرع المقدّس من الله سبحانه وتعالى، والإيمان به وبمصلحته والالتزام العمليّ به وتنفيذه سواءٌ كان موافقاً أو مخالفاً لأهوائنا، ففي تتمّة الرواية عن أمير المؤمنين عليه السلام ، يقول فيه: "الإسلام هو التسليم، والتسليم هو اليقين، واليقين هو التصديق، والتصديق هو الإقرار، والإقرار هو الأداء، والأداء هو العمل الصالح"5.
كيف نؤدّي تكليفنا؟
أداء التكليف ينقسم إلى قسمين:
1- الأحكام الشرعيـّة الثابتة: يجب الالتزام بهذه الأحكام من قبيل الصلاة والصوم والزكاة والخمس والحجّ...
2- المصالح والمفاسد: وهذه الأمور يرجع في الاحتكام إليها إلى القائد الشرعيّ الّذي لديه القدرة على تشخيص هذه المصالح والمفاسد، ليبني الأحكام وفق ما جاءت به الشريعة، ومن هنا وجبت طاعته.
يقول تعالى: ﴿يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡ﴾6.
من هو الوليّ الواجب طاعته؟
يشير الله تعالى في الآية السابقة إلى الأشخاص الواجبي الطاعة ﴿وَأَطِيعُواْ ٱلرَّسُولَ وَأُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنكُمۡ﴾ فلا شكّ أنّ النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم كان هو الّذي يشخّص المصالح والمفاسد ويقود المجتمع الإسلاميّ، وبعده قام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام بأمر من الله تعالى لِيُؤدّي هذه المهمّة، ثمّ إمامٌ بعد إمامٍ، كانوا أولياء الأمر في هذه الأمّة إلى زمن غيبة إمامنا الحجّة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، فمن هو القائد الّذي يلتفّ حوله المسلمون في زمن الغيبة؟
الوليّ الفقيه
حدّد الأئمّة عليهم السلام الوليّ الّذي يجب الالتفاف حوله والالتزام بأوامره ونواهيه، وهو الفقيه الجامع للشرائط، وهذا ما عبّرت عنه الروايات بشكلٍ واضحٍ، فعن الإمام الصادق عليه السلام: "فإنّي قد جَعلْته عليكم حاكِماً فإذا حكمَ بحُكْمِنا فلم يُقْبَلْ منه فإنّما استخفَّ بحكمِ الله وعلينا ردّ والرّادُّ علينا كالرّادِّ على الله"7.
وما كان الشرع المقدّس ليُلزمنا بطاعةٍ إلّا لمصلحتنا. وفي الرّواية عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "اسمعُوا وأطيعُوا لِمَن ولّاهُ اللهُ الأمرَ فإنّهُ نظامُ الإسلامِ"8.
والفقيه الجامع للشرائط في هذا الزمن هو الإمام السيّد عليّ الخامنئيّ دام ظله. والالتزام بولايته يعني الالتزام بكلّ من نصّبه في شأن من الشؤون.
التسليم طريق الجنـّة
لا بدّ أن يلتفت الإنسان المؤمن إلى آخرته. والثمار الّتي يحصل عليها في الآخرة نتيجة عمله في هذه الدّنيا. فالالتزام بالتكليف له قيمته الخاصّة، لأنّه يضمن آخرةً سليمة للإنسان. وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام: "كُلُّ من تمسَّكَ بالعروةِ الوُثقى فهو ناجٍ، قلت: ما هي؟ قال: التسليمُ"9. فالنجاة تابعة للتسليم.
طريق النصر
إنّ الالتزام بقيادةٍ واحدةٍ واعيةٍ وشرعيَّةٍ تظهر ثمارها في الدنيا قبل الآخرة، فهي من جهةٍ توحّد جهود الأمّة، وهي من جهة ثانيةٍ تحقّق النصر والعزّة، كيف لا وقد نصَرْنا الله تعالى من خلال الالتزام بأمر الوليّ المفترض الطّاعة، يقول تعالى: ﴿وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُۚ﴾10، ﴿وَمَن يَتَوَلَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فَإِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡغَٰلِبُونَ﴾11.
هوامش
1 سورة آل عمران، الآية 19.
2 سورة النساء، الآيتان 150 و 151.
3 سورة النساء، الآية 65.
4 الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج2، ص45.
5 السيّد الرضي، نهج البلاغة، مصدر سابق، ج4، ص29.
6 سورة النساء، الآية 59.
7 الشيخ الكليني، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص67.
8 العلّامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج23، ص298.
9 العلامة المجلسي، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج2، ص204.
10 سورة الحج، الآية 40.
11 سورة المائدة، الآية 56.