بسم اللّه الرحمن الرحيم
﴿وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ﴾1.
صدق اللّه العلي العظيم
فضل الاعتكاف:
أكدت أحاديث أهل البيت عليهم السلام على فضل الاعتكاف وخصوصاً ما جاء عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وهذه نبدة منها:
1 - قال رسول اللّه صلى الله عليع وآله: "اعتكاف العشر الأواخر من شهر رمضان يعدل حجتين وعمرتين"2.
2 - وفي الحديث: "اعتكاف شهر رمضان يعدل حجتين وعمرتين"3.
3 - ومما جاء في اعتكافه صلى الله عليه وآله: أنه قام أول ليلة من العشر الأواخر من شهر رمضان، فحمد اللّه وأثنى عليه ثم قال: "أيّها الناس قد كفاكم اللّه عدوّكم من الجن والإنس ووعدكم الإجابة، فقال: "ادعوني أستجب لكم" ألا وقد وكّل اللّه تعالى بكل شيطان مريد، سبعة أملاك، فليس بمحلول حتى ينقضي شهركم هذا. ألا وأبواب السماء مفتّحة من أول ليلة منه إلى آخر ليلة منه. ألا والدعاء فيه مقبول"، ثم شمَّر صلى الله عليه وآلهوشدَّ مئزقدس سرهم، وبرز من بيته واعتكفهن، وأحيا الليل كلّه وكان يغتسل كل ليلة بين العشاءين4.
4 - عن الصادق عليه السلام أنه قال: "إعتكف رسول اللّه صلى الله عليه وآلهالعشر الأوائل من شهر رمضان لسنة، ثم اعتكف في السنة الثانية العشر الوسطى ثم اعتكف في السنة الثالثة العشر الأواخر"5.
5 - عن أبي عبد اللّه عليه السلام قال: "كان رسول اللّه صلى الله عليه وآلهإذا دخل العشر الأواخر، ضربت له قبّة شعر، وشدّ المئزر"6 .
6 - وفي فقه الرضا عليه السلام: "كانت بدر في رمضان، فلم يعتكف النبي صلى الله عليه وآلهفلما كان من قابل، اعتكف عشرين يوماً من رمضان، عشرة لعامهِ وعشرة قضاء لما فاته صلى الله عليع وآله"7.
ما هو الاعتكاف؟
لنتعرف على معنى الاعتكاف بوضوح نستعرض ما يلي:
الاعتكاف في الشريعة8
هو المكث أو اللبث في المسجد بقصد التعبد فيه للّه وحده عز وجل وهو مشروع كما دل على ذلك القرآن الكريم والأحاديث الشريفة والإجماع وهو عبادة محدودة تؤدّى بين حين وآخر، لتحقيق نقلة إلى رحاب اللّه سبحانه. يعمّق فيها الإنسان صلته بربه ويتزود بما تتيح له العبادة من زاد ليرجع إلى حياته الاعتيادية وعمله اليومي وقلبه أشد ثباتاً وأقوى فاعلية وتأثيراً فينعكس هذا الاتصال نجاحاً في مجالات عيشه وشؤونه.
وأساس الاعتكاف يتمثل في المكث ثلاثة أيام في المسجد وله شروط والتزامات سوف نستعرضها تباعاً في هذا الكتاب مسلّطين الضوء على شتّى الجوانب المرتبطة به بغية الاطّلاع على جميع أحكامه التي قد يبتلى بها الإنسان وتحرزاً من الوقوع في الأخطاء التي تقع نتيجة عدم معرفتها أو الظن بأنها لا تفسد الاعتكاف أو يسوغ له القيام بها.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن المسائل المطروحة في هذا الكتاب هي على طبق رأي الإمام الخميني قدس سره المقدّس كما جاءت في رسالته العملية (تحرير الوسيلة) مع تصرّف منّا في صياغتها بشكل يسهل تناولها وفهمها دون الرجوع إلى مدرّس لبيانها وإيضاحها بحيث جعلناها عبارة عن أسئلة وأجوبتها بلغة سهلة.
الاعتكاف واجب أو مستحب؟
الاعتكاف مستحب بأصل الشرع وهو ما تبرّع به الإنسان تقرباً إلى اللّه تعالى دون ملزم له، ويصبح واجباً إذا تعلق به نذر أو عهد أو يمين أو إجارة.
1 - أما وجوب الاعتكاف بالنذر فصورته كالتالي: كأن يقول: "إن رزقت ولداً فللّه عليّ أن اعتكف" أو "إن وفقت لزيارة بيت اللّه الحرام في
هذه السنة فللّه عليّ أن اعتكف" فإذا حصل ما علّق عليه الاعتكاف في النذر صار واجباً9.
2 - وأما وجوبه باليمين كما لو قال: "واللّه لأعتكف العشر الأواخر من شهر رمضان المبارك" أو ما شاكل ذلك مراعياً ما يعتبر في اليمين من الصيغة وسائر الشروط10.
3 - وأما وجوبه بالعهد كما لو قال: "عاهدت اللّه أن أعتكف" أو "عليّ عهد اللّه أن اعتكف إن شفيت من مرضي"11.
4 - وأما وجوبه بالإجارة كما لو استأجر إنسان بمبلغ معيّن من المال كي يعتكف نيابة عن أبيه الميت.
ما هو أفضل وقت للاعتكاف؟
يصح الاعتكاف في كل وقت يصح فيه الصوم وأفضله شهر رمضان المبارك وأفضله العشر الأواخر منه كما جاء في السُّنة المباركة لرسول اللّه صلى الله عليه وآله وسّلم12.
هل يجوز قطع الاعتكاف المستحب؟
يجوز قطع الاعتكاف المستحب ومغادرة المسجد بحيث يعود الإنسان إلى حالته الاعتيادية في اليومين الأولين من الاعتكاف وأما
إذا مضى نهاران على المعتكف فإنه يجب عليه أن يكمل اعتكافه في الثالث ولا يجوز له القطع في هذه الحالة. فاليوم الثالث واجب وإن كان أصل الاعتكاف مستحباً.
بل يجب الثالث لكل يومين على الأقوى فلو اعتكف ثلاثة أيام ثم زاد بثلاثة أخرى وجب اليوم السادس من الثلاثة الثانية إضافة إلى وجوب اليوم الثالث من الثلاثة الأولى، وكذلك يجب الثالث من الثلاثة الثالثة أي اليوم التاسع على الأحوط.
هل يجوز قطع الاعتكاف الواجب؟
لا يجوز قطع الاعتكاف الواجب إذا كان قد وجب بنذر أو يمين أو نحوهما في تلك الأيام بالذات، كما لو نذر أن يعتكف في الأيام الثلاثة الاخيرة من شهر رجب لعام 1424هـ وهو ما يسمى بالمنذور المعيّن وأما لو كان النذر مطلقاً غير معيّن كما لو نذر اعتكاف ثلاثة أيام دون تحديدها بزمن خاص بل قال: " للّه عليّ أن اعتكف ثلاثة أيام " دون أن يذكر أنها من رجب أو شعبان أو رمضان من هذه السنة أو في العشر الأوائل أو الأواسط أو الأواخر من الشهر مثلاً فحينئذ حكم الاعتكاف الواجب بالنذر وشبهه كالاعتكاف المستحب في عدم جواز قطعه في اليوم الثالث وجوزاه في اليومين الأولين ويجري فيه التفصيل المتقدم في الاعتكاف المستحب تماماً.
هوامش
1- سورة البقرة، الآية/125.
2- مستدرك الوسائل، ج7، ص559، الحديث الثاني
3- م.ن. الحديث الأوّل.
4- م.ن. الحديث الثالث.
5- م.ن. الحديث الرابع.
6- م.ن. الحديث الخامس.
7- مستدرك الوسائل، ج7، ص560، الحديث السادس.
8- الاعتكاف في اللغة: يقال: عكفتُ الشيء وأعكفه أي حبسته ومنه الاعتكاف وهو افتعال لأنه حبس النفس عن التصرفات العادية وعكفته عن حاجته أي منعتُهُ.
والاعتكاف والعكوف: الإقامة على الشيء وبالمكان ولزومهما.
9- راجع تحرير الوسيلة، ج2، ص 116، القول في النذر.
10- راجع تحرير الوسيلة، ج2، ص 112، القول في اليمين.
11- م.ن، ص124، القول في العهد.
12- الوسائل باب 1، من أبواب الاعتكاف، حديث1، وحديث 4.