ليلة القدر ليلةٌ شريفةٌ نطق بفضلها القرآن العزيز، وهي أفضل ليالي السنّة، خصَّ الله تعالى بها هذه الأمّة. ومعنى القدر الحكم. قال ابن عباس: سُمّيت ليلة القدر؛ لأن الله تعالى يقدّر فيها ما يكون في تلك السنة من خيرٍ ومصيبةٍ ورزقٍ وغير ذلك .
روى العامّة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: "من صام رمضان وقام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدّم من ذنبه" .
ومن طريق الخاصة قول الصادق (عليه السلام ): " ليلة القدر هي أول السنة وآخرها" . و"أري رسول الله (صلى الله عليه وآله) في منامه بني أميّة يصعدون منبره من بعده يضلون الناس عن الصراط القهقرى، فأصبح كئيباً حزيناً، فهبط عليه جبرئيل فقال: يا رسول الله ما لي أراك كئيباً حزيناً؟ قال: "يا جبرئيل إني رأيت بني أميّة في ليلتي هذه يصعدون منبري من بعدي يضلون الناس عن الصراط القهقرى" فقال: والذي بعثك بالحق إن هذا لشيءٌ ما اطلعت عليه، ثم عرج إلى السماء فلم يلبث أن نزل عليه بآي من القرآن يؤنسه بها، منها: {أَفَرَأَيْتَ إِنْ مَتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ ثُمَّ جَاءَهُمْ مَا كَانُوا يُوعَدُونَ مَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يُمَتَّعُونَ} (الشعراء: 205 – 207) وأنزل عليه: {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (القدر: 1 – 3) جعل ليلة القدر لنبيّه (صلى الله عليه وآله) خيراً من ألف شهرٍ من ملك بني أميّة" .
إذا عرفت هذا، فإنها باقيةٌ لم ترتفع إجماعاً، لما رواه العامة عن أبي ذر، قال: قلت: يا رسول الله ليلة القدر رُفعت مع الأنبياء أو هي باقيةٌ إلى يوم القيامة؟ فقال: "باقيةٌ إلى يوم القيامة"، قلت: في رمضانَ أو غيره؟ فقال: "في رمضان"، فقلت: في العشر الأوّل أو الثاني أو الأخير؟ فقال: "في العشر الأخير" .
ومن طريق الخاصة قول الصادق (عليه السلام ): "ليلة القدر تكون في كل عامٍ، لو رُفعت ليلة القدر لرفع القرآن" .
إذا عرفت هذا، فأكثر العلماء على أنّها في شهر رمضان.
وكان ابن مسعود يقول: من يقم الحول يصبها ، يشير بذلك إلى أنّها في السنة كلها.
ويستحب طلبها في جميع ليالي رمضان، وفي العشر الأواخر آكد، وفي ليالي الوتر منه آكد.
روى العامة أن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، قال: "اطلبوها في العشر الأواخر في ثلاث بقين أو سبع بقين أو تسع بقين" .
ومن طريق الخاصة: قول الصادق (عليه السلام): "كان رسول الله (صلى الله عليه وآله) إذا دخل العشر الأواخر شدّ المئزر واجتنب النساء وأحيى الليل وتفرّغ للعبادة" .
وقد اختلف العلماء، فقال أبي بن كعب وعبد الله بن عباس: هي ليلة سبع وعشرين .
وقال مالك: هي في العشر الأواخر، وليس فيها تعيينٌ .
وقال ابن عمر: إنّها ليلة ثلاثا وعشرين .
وقال أبو حنيفة وأحمد: إنّها ليلة السابع والعشرين .
وميل الشافعي إلى أنها ليلة الحادي والعشرين .
وأما علماؤنا، فنقل الصدوق عن الصادق (عليه السلام) قال: "في ليلة تسع عشرة من شهر رمضان التقدير، وفي ليلة إحدى وعشرين القضاء، وفي ليلة ثلاث وعشرين إبرام ما يكون في السنة إلى مثلها، ولله عز وجل أن يفعل ما يشاء في خلقه" .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: العلامة الحلي: تذكرة الفقهاء، ج6، ص 224 - 227.