ماهيته:
الاعتكاف لغةً: اللبث الطويل. قال الله تعالى: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ} (الأنبياء: 52).
وأما في الشرع : فإنّه عبارةٌ عن لبثٍ مخصوصٍ للعبادة. وهو مشروعٌ في شريعتنا والشرائع السابقة، مستحبٌ بإجماع العلماء. قال الله تعالى: {وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} (الحج: 26). وقال تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} (البقرة: 187).
وروى العامّة أن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعتكف في العشر الأواخر .
ومن طريق الخاصة قول الصادق (عليه السلام): "كان رسول الله (صلى الله عليه وآله)، إذا كان العشر الأواخر اعتكف في المسجد، وضُربت له قبةٌ من شعر، وشمّر المئزر وطوى فراشه".
وقد أجمع المسلمون على استحبابه؛ لأن النبي (صلى الله عليه وآله) كان يعتكف في كل سنةٍ ويداوم عليه.
وأفضل أوقاته العشر الأواخر من شهر رمضان. قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): "اعتكاف عشر في شهر رمضانَ يعدل حجتين وعمرتين" ، وداوم على اعتكافها حتى قبضه الله تعالى.
فمن رغب إلى المحافظة على هذه السُنّة فينبغي أن يدخل المسجد قبل غروب الشمس يوم العشرين حتى لا يفوته شيءٌ من ليلة الحادي والعشرين، ويخرج بعد غروب الشمس ليلة العيد، وإن بات ليلة العيد فيه إلى أن يصلي فيه العيد أو يخرج منه إلى المصلى كان أولى.
المطلب الثاني: في شرائطه
يشترط في الاعتكاف أمور:
ـ التكليف والإسلام.
ـ النية: فلو اعتكف من غير نيةٍ لم يعتد به؛ لأنه فعلٌ يقع على وجوهٍ مختلفةٍ، فلا يختص بأحدها إلا بواسطة النية التي تخلص بعض الأفعال أو الوجوه والاعتبارات عن بعضٍ.
ولأن الاعتكاف عبادةٌ؛ فلا يصح من دون النية؛ لقوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} (البينة: 5) ولا معنى للإخلاص إلا النية.
ـ عند الإماميّة لا يصح أقلُّ من ثلاثة أيامٍ، خلافاً للعامّة كافةً.
وأما التقدير بالثلاثة؛ فلأن الاعتكاف في اللغة هو اللبث المتطاول وفي الشرع قُيّد بالعبادة، ولا يصدق ذلك بجوازٍ واحدٍ؛ لأن التقدير بيومٍ لا مماثل له في الشرع، والتقدير بعشرةٍ باطلٌ ، فتتعيّن الثلاثة، كصوم كفارة اليمين وكفارة بدل الهدي وغير ذلك من النظائر. ولقول الصادق (عليه السلام): "لا يكون الاعتكاف أقلَّ من ثلاثة أيامٍ ومن اعتكف صام" .
ـ الصوم؛ لقول الإمام الصادق (عليه السلام): "لا اعتكاف إلا بصومٍ" .
المطلب الثالث: في تروك الاعتكاف
يحرم على المعتكف أمورٌ:
ـ الجماع بالنص والإجماع، قال الله تعالى: {وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا} (البقرة: 187).
وأجمع العلماء كافةً على تحريم الوطئ للمعتكف، فإن اعتكف وجامع فيه متعمداً، فسُد اعتكافه إجماعاً، لأن الوطئ إذا حُرّم في العبادة أفسدها كالحج والصوم. وكذا يحرم اللمس بشهوةٍ والجماع في غير الفرجين؛ لقوله تعالى: { وَلَا تُبَاشِرُوهُنَّ} وهو عامٌ في كل مباشرةٍ.
ـ البيع والشراء؛ لما رواه العامة أن النبي (صلى الله عليه وآله) نهى عن البيع والشراء في المسجد .
ومن طريق الخاصة قول الباقر (عليه السلام): "المعتكف لا يشم الطيب، ولا يتلذذ بالريحان، ولا يشتري، لا يبيع" .
ـ المماراة؛ لقول الباقر (عليه السلام): "ولا يماري". وكذا يحرم عليه الكلام الفحش.
ـ الطيب على قول؛ لقول الباقر (عليه السلام): "المعتكف لا يشم الطيب ولا يتلذذ بالريحان" .
ـ كل ما يبطل الصوم يبطل الاعتكاف، وهو ظاهرٌ عندنا؛ لأن الاعتكاف مشروطٌ بالصوم، فإذا بطل الشرط بطل المشروط. وكل ما ذكرنا أنّه محرمٌ على المعتكف نهاراً فإنّه يحرم ليلاً، عدا الأكل والشرب، فإنّهما يحرمان نهاراً لا ليلاً.
ـ لا يجوز للمعتكف الخروج من المسجد الذي اعتكف فيه حالة اعتكافه إلا لضرورةٍ؛ بإجماع العلماء كافةً؛ لما رواه العامة عن عائشة أنها قالت: "السنة للمعتكف أن لا يخرج إلا لما لا بد له منه" .
ومن طريق الخاصة قول الصادق (عليه السلام): "لا يخرج المعتكف من المسجد إلا في حاجةٍ" .
ولأن الاعتكاف هو اللبث ، فإذا خرج بطل الاسم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المصدر: العلامة الحلي: تذكرة الفقهاء، ج6، ص 239 - 286. (بتصرف).