برنامج الصائم في خطبة الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله
ورد أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله خطب في آخر جمعة قبل شهر رمضان قائلاً للمسلمين: «أيّها الناس، إنّه قد أقبل إليكم شهر الله بالبركة والرحمة والمغفرة»[1].
وقد أعطى صلى الله عليه وآله أمثلة لهذه البركة الاستثنائية منها:
1. «نومكم فيه عبادة».
2. «عملكم فيه مقبول».
3. «دعاؤكم فيه مستجاب».
كما بيّن صلى الله عليه وآله استثنائية الوقت فيه قائلاً:
1. «أيامه أفضل الأيام».
2. «لياليه أفضل الليالي».
3. «ساعاته أفضل الساعات»[2].
لأجل هذه الاستثنائية في الشهر الفضيل دعا رسول الله صلى الله عليه وآله إلى اتباع البرنامج الآتي:
أ- التحرّر بالعودة إلى الله
أوضح الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله أنّ النفس الإنسانية تقيّدها وترهنها الأعمال السيِّئة، فتعيق مسيرتها الكمالية نحو الله تعالى، لذا دعا صلى الله عليه وآله إلى تحرير النفس بالاستغفار والتوبة إليه سبحانه فقال صلى الله عليه وآله : «إنّ أنفسكم مرهونة بأعمالكم، ففكّوها باستغفاركم»، وقال صلى الله عليه وآله : «توبوا إلى الله من ذنوبكم»[3].
ب- الصوم الحقيقي
اعتبر النبيّ صلى الله عليه وآله أنّ الصيام لله تعالى فرصة كبيرة تحتاج إلى توفيق خاص من الله تعالى، وبالتالي فإنّ تحقّقه كما يريده عزّ وجل يحتاج إلى دعاء نابع من إخلاص القلب الذي طهّرته التوبة.
قال صلى الله عليه وآله : «فاسألوا الله ربَّكم بنيِّات صادقة وقلوب طاهرة أن يوفّقكم لصيامه»[4].
أمّا عن الصوم الحقيقيّ المطلوب، فإنَّ النبي صلى الله عليه وآله اعتبر - في بعض أحاديثه الواردة- أنّه لا يقتصر على صوم البطن، بل هو بتعبيره الشريف: «إنّ أيسر ما افترض الله على الصائم في صيامه ترك الطعام»[5]، لذا قد يحصل هذا النوع من الصيام من دون حصول النتيجة المطلوبة منه، وبتعبيره صلى الله عليه وآله : «ربّ صائم حظُّه من صيامه الجوع والعطش»[6].
وقد تحدّثت بضعة المصطفى صلى الله عليه وآله السيدة الزهراء عليها السلام عن الصوم الحقيقي قائلةً - فيما ورد عنها-: «ما يصنع الصائم بصيامه إذا لم يَصُنْ لسانه وسمعه وبصره وجوارحه»[7].
إذاً الصوم الحقيقي هو - إضافة إلى صوم البطن - صونٌ لأربعة أشياء نتحدث عنها تباعاً:
1- صوم اللسان
عن رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبته الآنفة الذكر: «واحفظوا ألسنتكم»[8].
وحفظ اللسان هو صيانته عن الحرام، كالكذب والغيبة والبهتان والنميمة والسبّ والبذاءة وما شاكل.
وفي إطار الدعوة النبويّة إلى صوم اللسان ورد أنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله سمع امرأة تسبّ جارية لها وهي صائمة، فدعا رسول الله بطعام، وقال لها: كلي، فقالت: أنا صائمة يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وآله لها: «كيف تكونين صائمة، وقد سببت جاريتك؟ إنّ الصوم ليس من الطعام والشراب»[9].
وقد بيّن أمير المؤمنين عليه السلام المرتبة الفضلى لصوم اللسان من صوم البطن قائلاً - فيما ورد عنه-: «صيام اللسان خير من صيام البطن»[10].
2- صوم البصر
عن رسول الله صلى الله عليه وآله في خطبته الآنفة الذكر: «غضّوا عمّا لا يحلّ النظر إليه أبصاركم»[11].
وغضُّ البصر وهو الشرط في الصيام الحقيقي يتحقّق بتجنّب النظر إلى المحرَّمات كالنظر إلى غير الزوجة بشهوة، وإلى ما يخفيه الناس ولا يقبلون النظر إليه كاستراق النظر إلى رسائل الآخرين على الهواتف، وإلى بيوت الآخرين من على الشرفات، وكذا النظرة إلى أهل الإيمان نظرة إرعاب وتخويف وإيذاء وهكذا.
3- صوم السمع
قال صلى الله عليه وآله في خطبته السابقة: «غضّوا عمّا لا يحلّ الاستماع إليه أسماعكم»[12].
وغضُّ السمع وهو الشرط في الصوم الحقيقي يتحقق بتجنب استماع المحرّمات كالغناء ونحوه.
4- صوم الجوارح
كصوم اليد عن الضرب المحرّم للزوجة والأولاد، وعن السرقة، وكصوم القدم عن الذهاب إلى الأماكن المحرّمة، الخ...
سلام الله تعالى على الإمام زين العابدين عليه السلام الذي كان يدعو قائلاً: «وأعنّا على صيامه بكفِّ الجوارح عن معاصيك، واستعمالها فيه بما يرضيك، حتى لا نصغي بأسماعنا إلى لغو، ولا نسرع بأبصارنا إلى لهو، وحتى لا نبسط أيدينا إلى محظور، ولا نخطو بأقدامنا إلى محجور»[13].
ج- استحضار الآخرة
إن إحدى العبر التي ركَّز عليها النبي صلى الله عليه وآله في خطبته هي تذكُّر الآخرة التي من عقباتها الجوع والعطش، فقال صلى الله عليه وآله : «واذكروا بجوعكم وعطشكم فيه جوع يوم القيامة وعطشه»[14].
د- البرنامج العبادي الفردي
وهو يتألف من العبادات الآتية:
1- الصلاة
وقد تحدث صلى الله عليه وآله عن نوعين من الصلاة:
الصلاة الواجبة
عنه صلى الله عليه وآله : «من أدّى فيه فرضاً كان له ثواب من أدّى سبعين فرضاً في غيره»[15].
وهذا الحديث يشجِّع مَنْ عليه صلوات قد فاتت أنْ يهتم في شهر رمضان بقضائها.
الصلاة المستحبَّة
عنه صلى الله عليه وآله : «من تطوّع فيه بصلاة كتب الله له براءة من النار»[16].
وهذا الحديث يشجِّع على الاستفادة من شهر رمضان من أداء الصلوات المستحبة، لا سيّما صلاة الليل التي أفضل أوقاتها وقت السحور، فيجمع فيه بين سحور الطعام الماديّ والغذاء الروحيّ.
2- تلاوة القرآن
عنه صلى الله عليه وآله : «من تلا فيه آية من القرآن كان له مثل من ختم القرآن في غيره من الشهور»[17].
إنَّ من توفيقات الله تعالى لأهل الإيمان أن يختموا القرآن، ولو مرة واحدة في الشهر بحيث يقرؤون كلّ يوم جزءاً من المصحف الشريف.
3- الدعاء
عنه صلى الله عليه وآله : «وارفعوا إليه أيديكم بالدعاء في أوقات صلواتكم؛ فإنّها أفضل الساعات ينظر الله عزّ وجل فيها بالرحمة إلى عباده، يجيبهم إذا ناجوه، ويلبيهم إذا نادوه، ويستجيب لهم إذا دعوه»[18].
4- طول السجود
عنه صلى الله عليه وآله : «ظهوركم ثقيلة من أوزاركم، فخفّفوها بطول سجودكم»[19].
5- كثرة الصلاة على محمد وآل محمد
عنه صلى الله عليه وآله : «من أكثر فيه من الصلاة عليّ ثقّل الله ميزانه يوم القيامة يوم تخفّ فيه الموازين»[20].
هـ - البرنامج الاجتماعي
وهو يتألف من:
1- صلة الرحم
عنه صلى الله عليه وآله : «من وصل فيه رحمه، وصله الله برحمته يوم يلقاه»[21].
2- إفطار الصائمين
عنه صلى الله عليه وآله : «من فطّر صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه»[22].
3- التصدق على الفقراء والمساكين
عنه صلى الله عليه وآله : «تصدقوا على فقرائكم ومساكينكم»[23].
4- إكرام اليتيم
عنه صلى الله عليه وآله : «من أكرم فيه يتيماً أكرمه الله يوم يلقاه»[24].
5- توقير الكبار ورحمة الصغار
عنه صلى الله عليه وآله : «وقّروا كباركم، وارحموا صغاركم»[25].
إنّ هذا البرنامج هو طريق كمال المؤمن في شهر رمضان فلنكتب، ونسعَ للالتزام به، ولنتفَقَّدْهُ يوميّاً (أنظر الجدول الآتي) عسى أن نكون ممن يعين رسول الله صلى الله عليه وآله في عبور طريق الكمال، فنكون معه عند الله تعالى فنفوز فوزاً عظيماً.
* كتاب شهر الله، سماحة الشيخ أكرم بركات.
[1] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، تحقيق السيد محمد ابراهيم الميانجي ومحمد الباقر البهبودي، ط2، بيروت، مؤسسة الوفاء، 1983م، ج93، ص 356.
[2] المصدر السابق نفسه.
[3] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج93، ص357.
[4] المصدر السابق، ص356.
[5] المصدر السابق، ج94، ص352.
[6] المصدر السابق، ج93، ص289.
[7] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج93، ص295.
[8] المصدر السابق، ص357.
[9] المصدر السابق، ج 94، ص351.
[10] الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، تحقيق ونشر دار الحديث، ط1، 1416هـ، ج2، ص1687.
[11] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج93، ص357.
[12] المصدر السابق، ج93، ص357.
[13] الريشهري، محمد، ميزان الحكمة، ج2، ص1688.
[14] المجلسي، محمد باقر، بحار الأنوار، ج93، ص356.
[15] المصدر السابق، ص357.
[16] المصدر السابق نفسه.
[17] المصدر السابق، ج93، ص357.
[18] المصدر السابق نفسه.
[19] المصدر السابق نفسه.
[20] المصدر السابق نفسه.
[21] المصدر السابق نفسه..
[22] المصدر السابق، ص317.
[23] المصدر السابق، ص356.
[24] المصدر السابق، ص357.
[25] المصدر السابق نفسه.