السبت 23 تشرين الثاني 2024 الموافق لـ 13 جمادى الاولى 1446هـ

» مفاهيــــم إســـلامــية

نصرة أولياء الله



قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ﴾1.

النصرة مختبر الولاء

من مفردات الولاء لأهل بيت النبوّة صلوات الله وسلامه عليهم وترشّحاته المودّة لهم ونصرتهم، هذه النصرة التي يثبت فيها الموالي صدق ولائه وانتمائه للخطّ النبويّ، والنصرة كذلك امتحان عمليّ لمدى المودّة والمحبّة، فضلاً عن كونها إجابة وتلبية لنداء أهل البيت عليهم السلام وعملاً بما جاء في دعاء النبيّ للإمام عليّ عليه السلام يوم الغدير إذ قال صلى الله عليه وآله وسلم: "اللهمّ انصر من نصره واخذل من خذله"2.

والذي فيه حثّ بطريقة غير مباشرة على النصرة وتحذير من الخذلان لهم عليهم السلام.

فضلاً عن النداء المجلجل في نفوس وقلوب وعقول شيعة آل البيت، ذلك النداء الذي حمله الزمان وردّدته الأيّام يطويها ليصل إلى مسامع القلوب كأنّه نفخة الإحياء تبعث الحياة في كلّ أبيٍّ موالٍ لأهل البيت عليهم السلام، النداء هو نداء شهيد الطفوف الإمام الحسين عليه السلام: "هل من ناصر ينصرني؟".

ولقد لبّت نداء الاستنصار هذا نفوس ولا تزال في كلّ ميادين الجهاد والشهادة. ميادين العزّة والحرّيّة والإباء.

معنى النصرة

بالعود إلى اللغة والفهم العرفيّ لكلمة النصرة ومشتقّاتها، نجد لها معنى لا يكاد يختلف عليه اثنان، فمعنى النصرة هو الإعانة على الشيء ويقابله الخذلان. وقد تكون النصرة والإعانة باللسان وقد تكون بالمال، وقد تكون باليد والنّفس بحسب طبيعة القضايا ودرجة حساسيّتها وخطورتها.

موارد النصرة:

للنصرة موارد عديدة تتّسع لتشمل شتّى وجوه الحياة وأنحائها، فقد تشمل أموراً ذات لون ثقافيّ، وأخرى عقائديّ وفكريّ وثالثة اجتماعيّ واقتصاديّ، وأخرى سياسيّ، وأحياناً إنسانيّ وغير ذلك.

ومن الموارد لا على نحو الحصر نتكلّم عن بعضها والتي منها:

1- نصرة الدّين:
والتي تعني حمل قضيّة الدّين بكافّة أبعاده بتقوية الانتماء إليه وحمل فكره ومفاهيمه وقيمه والأخلاق التي يدعو إليها والإعانة على نشرها ونشر الدّين بكلّ أبعاده والدفاع عن الدّين بما يتاح من مال ونفس وأولاد، لأنّ الدّين له الأولويّة على كلّ الأمور الأخرى.

قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ﴾3 والنصرة تكون كذلك بتجسيد النموذج الراقي للمنتسبين إليه من خلال الانقياد لتعاليمه وهذا ما تشير إليه الآية القائلة: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾4.

ومقام نصرة الدّين مقام شريف لذلك وُصف أئمّة الهدى في الزيارة الجامعة بأنّهم "أنصاراً لدينه" ولذا علّمنا أئمّتنا أن ندعو في خير الشهور شهر رمضان في أحد أدعيته الشريفة بالقول في دعاء كلّ ليلة من لياليه: "اللهمّ اجعلني ممّن تنتصر به لدينك ولا تستبدل بي غيري".

2- نصرة وليّ الله:
وهي من لوازم نصرة الله، بل إنّ نصرة الله، التي مصداقها نصرة دينه فكذلك مصداقها وأبرز تجلّياتها نصرة وليّ الله ويأتي في رأس أولياء الله النبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم وقد أمر تعالى بذلك في قوله: ﴿فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾5 فقد حثّ المولى على الإيمان بالنبيّ محمّد صلى الله عليه وآله وسلم ونبوّته وتعزيره أي تعظيمه ونصرته اتّباع الدّين والكتاب الذي جاء به وفي موضع آخر عبّر القرآن الكريم عن أنّ نصرة وليّ الله هي نصرة لله حيث ينقل عن عيسى عليه السلام قوله للحواريّين: ﴿مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ﴾.

ليأتي الجواب من الحواريين: ﴿نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ﴾6.

نصرة أئمّة أهل البيت عليهم السلام:

ويأتي في جملة نصرة الله ونصرة رسوله، نصرة أئمّة أهل البيت عليهم السلام ولذا كان من علامات وصفات الشيعة أنّهم ناصرون لأهل البيت عليهم السلام فعن الإمام عليّ عليه السلام: "إنّ الله تبارك وتعالى اطلع على أهل الأرض فاختارنا واختار لنا شيعة ينصروننا، ويفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا، أولئك منّا وإلينا"7.

وهذه جائزة أعظم جائزة لناصر أئمّة الهدى أن يكون منهم وإليهم.

كيف ننصر أهل البيت عليهم السلام؟

لنصرة أهل البيت عليهم السلام مراتب ودرجات، منها:

1- الجهاد بالنّفس:
دفاعاً عنهم وعن الولاء لهم وقد جسد أرقى درجاته شهداء الطفّ من أنصار الحسين عليه السلام وأهل بيته، وقد يكون ثمن الجهاد بالنّفس أقلّ من القتل، كالأسر والسجن وغير ذلك ولولا تضحيات شيعة أهل البيت عليهم السلام لما بقي تشيّع ولا شيعة وعن ذلك ينقل عن صادق أهل البيت عليهم السلام قوله: "شيعتنا والله لا يزالون منذ قبض الله رسوله ينصروننا ويقاتلون دوننا، ويُحرَّقون، ويُعذَّبون، ويشرَّدون من البلدان جزاهم الله عنّا خيراً"8.

2- النصرة بالّلسان:
ومنها إنشاد الشعر ونشر فضلهم والمحاججة فيهم.

3- النصرة بالمال:
وقد نقلنا الرواية عن الإمام عليّ عليه السلام في وصفه لمن اختارهم الله شيعة لآل البيت أنّ من صفاتهم "ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا"9.

ولقد كان بذل المال في حبّ آل البيت عليهم السلام من أهمّ الأمور التي شيّدت صروحه ونشرت علومه وحفظت المنتمين إليه. وما هذه المجالس إلّا شاهد على ذلك.

4- النصرة بالقلب:
عندما لا يقدر الإنسان بسبب الضعف عن نصرة أهل البيت عليهم السلام تأتي النوبة لنصرتهم بالقلب، فعن الإمام العسكريّ عليه السلام جواباً لمن قال له: إنّي عاجز عن نصرتكم بيدي، أنّه قال عليه السلام: "حدّثني أبي عن جدّي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: من ضعف عن نصرتنا أهل البيت عليهم السلام، ولعن في خلواته أعداءنا، بلغ الله صوته إلى جميع الملائكة..." إلى أن تقول الرواية: "... فإذا بالنداء من الله تعالى يقول: يا ملائكتي، إنّي أجبت دعاءكم في عبدي هذا، وسمعت نداءكم، وصلّيت على روحه مع أرواح الأبرار وجعلته من المصطفين الأخيار"10. وقد يكون السبب غير الضعف كحيلولة الحوادث والزمان فلا أقلّ من توطين النفس على النصرة، فعن الإمام الباقر عليه السلام: "القائل منكم: إن أدركت القائم من آل محمّد نصرته كالمقارع معه بسيفه والشهيد معه له شهادتان"11.

خاتمة:

لقد قدّم أنصار الإمام الحسين عليه السلام نماذج راقية وقدوات رائعة في كيفيّة نصرة وليّ الله، وكذلك أهل بيته عليهم السلام ومنهم الإمام السجّاد الذي سمع نداء أبيه بعد مصرع أصحابه وأهل بيته عليهم السلام: "أما من ناصر ينصرنا؟ أما من مغيث يغيثنا؟ أما من ذابٍّ يذبُّ عنّا؟" قام الإمام زين العابدين عليه السلام وهو مريض ملبّياً نداء النصرة، إلّا أنّ أباه ردّه إلى الخيمة، وجاءت نصرة زينب في كلّ مراحل الثورة، وفي آخر لحظاتها عندما قدّمت الجواد لأخيها.

وقد علّمنا أئمّتنا أن نلبّي نداء الحسين عليه السلام في الدعاء والزيارات بالقول: "يا ليتنا كنّا معكم فنفوز فوزاً عظيماً".

* كتاب زاد عاشوراء، إعداد معهد سيد الشهداء للمنبر الحسيني، نشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية.
1- سورة الصفّ، الآية 14.
2- أمالي الصدوق، ص428.
3- سورة الصفّ، الآية 14.
4- سورة الأعراف، الآية 157.
5- سورة الأعراف، الآية 157.
6- سورة آل عمران، الآية:52.
7- الخصال، ص635.
8- تفسير البرهان، ج5، ص359.
9- الخصال، ص 635.
10- مكيال المكارم، ج2، ص62.
11- فروع الكافي، ج8، ص81.

2182 مشاهدة | 20-10-2016
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مجلس عزاء عن روح الشهيد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي ورفاقه

رحيل العلامة المحقق الشــيـخ علي كـوراني العاملي (رحمه الله)

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

المسابقة العلمية الرابعة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

حفل تكريم المشاركات في دورة مشروع الفكر الإسلامي في القرآن

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

لقاء مع المربي العلامة الشيخ حبيب الكاظمي

احتفال في ذكرى المولد الشريف

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة