هنالك عدة نقاط في قضية ثورة عاشوراء بحيث لو بحثها العالم الإسلامي والمفكرون الإسلاميون من أبعادها المختلفة ودققوا النظر في ظروفها المختلفة ومقدماتها ولواحقها وما أحاط بهذه الحادثة فسيصبح بالإمكان تحديد سبل الحياة الإسلامية ووظائف الأجيال المسلمة في جميع الأزمنة.
وأحد هذه الدروس هي أن الإمام الحسين بن علي عليه السلام قد شخّص في وقت حسّاس جداً من تاريخ الإسلام الوظيفة الرئيسية من بين الوظائف المتنوعة والتي لها مراتب متفاوتة من الأهمية، وانجزها ولم يخطىء أو يشتبه في معرفة ما كان العالم الإسلامي في ذلك اليوم بحاجة إليه.لقد كان تشخيص الوظيفة الأصلية دائماً أحد نقاط الخلل والضعف في حياة المسلمين في العصور المختلفة.الخلل في تشخيص الوظيفة الأصلية يعني أن أفراد الأمة والقيادة والرجال البارزين في العالم الإسلامي يخطئون في تشخيص الوظيفة الأصلية في مقطع من الزمن بمعنى أنهم لا يعلمون ما هي الوظيفة الإلهية وانه
يجب الشروع وحتى إذا لزم الأمر يجب التضحية بسائر الأمور في سبيلها ولا يعلمون ما هي الوظيفة الفردية والتي تأتي في الدرجة الثانية، يجب أن يعطى كل عمل الأهمية التي يستحقها ويسعى في سبيل تحقيقها.
في نفس الوقت الذي تحرّك به حضرة أبي عبد الله عليه السلام كان هناك أشخاص إذا قيل لهم، هل ننتفض أو لا؟ فإن جوابكم سيكون بالنفي لعلمهم بأن وراء هذا العمل مشاكل ومتاعب كثيرة ويذهبون وراء وظائف من الدرجة الثانية كما رأينا أن البعض قد قام بهذا العمل فعلاً، لقد كان هناك أشخاص مؤمنون وملتزمون بين الذين لم ينهضوا مع الإمام الحسين عليه السلام ، فليس من الصحيح أن يعدوا جميعاً من أهل الدنيا، لقد كان بين رؤساء ورموز المسلمين في ذلك الوقت أشخاص مؤمنون وأشخاص يرغبون بالعمل وفقاً للتكليف لكنهم لم يدركوا التكليف الرئيسي، ولم يشخّصوا أوضاع ذلك الزمان، ولم يعرفوا العدو الرئيسي وكانوا يخلطون بين الوظيفة الرئيسية المحورية والوظائف التي هي من الدرجة الثانية أو الثالثة. ولقد كان هذا الأمر أحد الابتلاءات العظيمة للعالم الإسلامي، ويمكن أن نبتلي نحن ـ اليوم ـ بذلك أيضاً.من الممكن أن نخطىء في تشخيص ما هو هم فنعالج أشياء أقل أهمية، يجب اكتشاف تلك الوظيفة الأساسية والتي يعتمد عليها قوام وحياة المجتمع.
لقد أوضح الإمام الحسين بن علي عليه السلام في بيانه للجميع أن أهم وظائف العالم الإسلامي في تلك الظروف هو الصراع مع رأس القوة الطاغوتية والإقدام على إنقاذ الناس من سلطتها الشيطانية. من البديهي أن الحسين بن علي عليه السلام عندما يتجه إلى العراق لأجل واقعة كواقعة عاشوراء، فانه سوف يحرم من البقاء في المدينة وتبليغ الأحكام الإلهية للأمة وبيان معارف أهل البيت عليه السلام وتعليم وتربية المسلمين ولن يستطيع أن يعلّم الناس الصلاة وينقل لهم أحاديث الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبالطبع سوف تتعطل حوزته العلمية ونشره للمعارف وسوف يحرم من تقديم العون للأيتام والفقراء في المدينة.
كل هذه كانت وظائف يقوم بها الإمام عليه السلام قبل حركته باتجاه العراق ولكنه جعلها جميعها فداءً للوظيفة الأكثر أهمية، وحتى انه ضحّى بحج بيت الله في سبيل التكليف الأهم ـ كما يتناقل الخطباء والمبلّغون هذه القضية على ألسنتهم ـ وهذا في وقت شعرت فيه الناس بالوفود إلى بيت الله الحرام.فماذا كان ذلك التكليف؟ لقد كان ـ حسبما قال ذلك الإنسان العظيم بنفسه ـ هو الصراع مع الجهاز الحاكم الذي هو منشأ الفساد.
"أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر وأسير بسيرة جدي"هذا هو التكليف، أو كما قال في خطبة أخرى في طريقه:"أيها الناس أن رسول الله قال:من رأى سلطاناً مستحلاً لحرم الله ناكثاُ بعهد الله.فلم يغير عليه بقول ولا فعل كان حقاً على الله أن يدخله مدخله".
التكليف عبارة عن تغيير سلطان الظلم والجور والقدرة التي تعيث في الأرض فساداً وتجر البشرية باتجاه الهلاك، والفناء المادي والمعنوي.هذه هي فلسفة نهضة الحسين بن علي عليه السلام والتي اعتبرت المصداق الحقيقي للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وفي باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يجب الانتباه إلى هذه النقاط، حضرة أبي عبد الله عليه السلام تحرّك على ضوء التكليف الأهم وضحّى بالتكاليف الأخرى في سبيل التكليف الأهم.كان يشخّص العمل الواجب في وقته.هناك حركة في كل زمان للمجتمع الإسلامي، في كل عصر هناك عدو وجبهة وخصم يهدد الإسلام والمسلمين ويجب أن يعرف ذلك العدو، فلو اشتبهنا في معرفة العدو والجهة التي يتعرّض منها الإسلام للأذى والهجوم فسوف نخسر خسارة كبيرة لا يمكن جبرانها، ولو غفلنا عن ذلك فإن فرصاً كثيرة ستضيع من أيدينا، نحن موظفون بأن نخلق حالة قصوى من الحذر والانتباه وتحديد الأعداء ومعرفة التكاليف لدى شعبنا والعالم الإسلامي.
اليوم ونظراً لإقامة الحكومة الإسلامية وارتفاع راية الإسلام ـ الأمر الذي لا سابقة له في طول التاريخ الإسلامي بعد الصدر الأول ـ فإن الإمكانات متوفرة للمسلمين ولا يحق لنا بعد الآن أن نغفل عن معرفة العدو ونخطئ في تشخيص الجهة التي يهجم منها.
لقد كان جلّ سعي إمامنا العزيز قدس سره والأشخاص الذين كانوا يرافقونه في نهضته ـ على اختلاف مراتبهم وعلى حسب إمكانياتهم ومستوياتهم ـ هو أن يعلم العالم الإسلامي ومجتمع إيران الإسلام وقاعدة الحق والعدالة ما هو الخطر الأكبر الذي يحدق بهم وما هو العدو الأكثر تهديداً لهم، واليوم كسائر ما مضى فإن الهجمة العظمى والخطر الجارف ينشأ من الهيمنة العالمية والقوى الكافرة والمستكبرة.هذا أكبر الأخطار التي تهدد وجود المسلمين، صحيح أن الضعيف يمكن أن يفرضه العدو بإمكاناته الضخمة على ذلك المجتمع.
لا ينبغي لنا أن نشتبه، يجب أن تكون مسيرة المجتمع الإسلامي في الاتجاه المخالف للاستكبار والهيمنة العالمية والتي تسود هذه الأيام على العالم الإسلامي.القوى العظمى تعادي الإسلام ويقظة المسلمين.إنهم يحاربون إيران الإسلام بسبب إسلاميتها، إن كل سعيهم لإخماد الحركة الإسلامية في العالم، وبالطبع فإن أميركا هذه الدولة المتجبرة والمعتدية تقف في رأس قائمة أعدائنا ويتلوها سائر القوى الصغيرة والكبيرة التي لها خصومة تاريخية وتضاد مصلحي مع الإسلام أو أنهم يخشون منه، إن خصومتهم مع إيران الإسلامية ناشئة عن انطلاق الصحوة الإسلامية من هذا المكان، فجميع الشعوب الإسلامية وفي كل أرجاء الدنيا تستمد اليوم آمالها من هذه الحركة والثورة المنتصرة وترسّخ خطواتها وتتقدم، فلو استطاع الأعداء ـ والعياذ بالله ـ أن يهزموا الإسلام في هذه النقطة من العالم فإنهم سيحققون أكبر نصر لهم مقابل موج الصحوة الإسلامية العالمية.هذه حقيقة ملموسة اليوم لا ينبغي أن نخطئ في تشخيص عدونا ولا ينبغي توهم أن العدو قد صرف نظراً عن عدائه للإسلام والمسلمين.
هذه أحد مظاهر العداء للإسلام وأجلى مظهر لها هو الضغط المتواصل على الجمهورية الإسلامية، وكما ورد في القرآن الكريم ﴿وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ﴾ حقاً إن هذا البيان لمن معجزات القرآن، فإن الأعداء لن يرضوا عن المسلمين إلا إذا تخلوا عن الإسلام، والمقصود من التخلي عن الإسلام هو انعدام الروح الإسلامية والأحكام الإسلامية والقوة الحياتية للإسلام بين المسلمين، فلو كان المسلمون أمواتاً وغير عارفين بالمباني العالية للإسلام ـ وان كانوا يطبقون بعض ظواهره فقط ـ فإن الأعداء لا يأبهون بنا كثيراً ولا يعادوننا، ولكن ذلك ليس هو الإسلام، ليس ذلك الإسلام الذي جاء به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس﴾، أما أن تجلس فئة من الناس يتفرجون فقط على حوادث العالم بل يتفرجون حتى على القضايا الداخلية في مجتمعهم فلا يتطابق هذا مع الإسلام.إن المسلمين اليقظين وذوي الإطلاع والذين يستعملون قواهم لأجل بناء العالم بشكل صحيح ولا يرهبون شيئاً في هذا المجال هؤلاء يبغضهم الاستكبار العالمي، وقد لمسنا هذا البغض خلال السنوات الأخيرة وبأشكال مختلفة، ونشاهد اليوم أيضاً اشد هذه الأعمال الحاقدة في مختلف المجالات الثقافية والاقتصادية والسياسية والإعلامية.
اليوم لا يوجد هجوم عسكري علينا ولكن اليوم توجد هجومات شديدة أخرى لا سابقة لها، ويجب أن تكون الأمة الإسلامية في مقابل هذه الهجمات حيّة يقظة، محصّنة، واثقة بالنفس ومستعدة لتوجيه ضربتها القاصمة ومقاومة الهجمة الشاملة.
*الثورة الحسينية,نشر جمعية المعارف الاسلامية الثقافية,الطبعة الاولى نيسان,2001/1422-ص:86