الطاعات وإن كانت سهلة ويسيرة إلا أنّها تحتاج إلى تمرين وتدريب ينسجم مع القدرة على الأداء، والطفل يحتاج إلى عناية خاصة في التمرين والتدريب على الطاعات من أجل أن تذلل مشقتها عليه وأن يحدث الأنس بينه وبينها فتكون متفاعلة مع عواطفه وشعوره لكي تتحوّل إلى عادة ثابتة في حياته اليوميّة، يقدم عليها بشوق واندفاع ذاتيين دون ضغط أو إكراه أو كلل أو ملل.
التمرين على الصلاة
ويبدأ المنهج التربوي الاسلامي في وضع قواعد أساسية تتناسب مع أعمار الأطفال للتمرين على الطاعات مع مراعاة القدرة العقلية والبدنية للأطفال، ففي التمرين على الصلاة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): "مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين واضربوهم على تركها إذا بلغوا تسعا" (1).
وفي رواية: "مروا صبيانكم بالصلاة إذا بلغوا سبع سنين واضربوهم إذا كانوا أبناء تسع سنين" (2).
والمقصود من الضرب إما الضرب الحقيقي في حالة تمرد الأطفال أو استخدام الشدة النفسية، فإنها وإن كان لها ضرر سلبي على الطفل ولكنه ضرر وقتي سرعان ما ينتفي، ولا يمكن اعتباره ضرراً بالقياس إلى المصلحة الأكبر وهو التمرين على الصلاة.
وقال أمير المؤمنين (عليه السلام): "أدب صغار بيتك بلسانك على الصلاة والطهور، فإذا بلغوا عشر سنين فاضرب ولا تجاوز ثلاثا" (3).
والأفضل أن يكون التمرين غير شاق للطفل، لأنه يؤدي إلى النفور من الصلاة وخلق الحاجز النفسي بينه وبينها، فعن الإمام علي بن الحسين (عليه السلام):(إنه كان يأخذ من عنده الصبيان بأن يصلوا الظهر والعصر في وقت واحد والمغرب والعشاء في وقت واحد، فقيل له في ذلك، فقال (عليه السلام): "هو أخف عليهم وأجدر ان يسارعوا إليها ولا يضيعوها ولا يناموا عنها ولا يشتغلوا"، وكان لا يأخذهم بغير الصلاة المكتوبة، ويقول: "إذا أطاقوا فلا تؤخرونها عن المكتوبة") (4). فيجب على الوالدين مراعاة الاستعداد النفسي والبدني للطفل، وعدم إرهاقه بما لا يطيق، فيبدأ معه بالصلاة الواجبة دون المستحبة، فإذا تمرن عليها وحدث الانس بينه وبينها فإنه على غيرها أقدر إن تقدم به العمر.
التمرين على الصوم
ويبدأ التمرين على الصوم من العام السابع ويستمر بالتدريج كلما تقدم العمر مع مراعاة الطاقة والقدرة البدنية والاستعداد النفسي له، قال الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): "إنا نأمر صبياننا بالصيام إذا كانوا بني سبع سنين بما أطاقوا من صيام اليوم، فإن كان إلى نصف النهار أو أكثر من ذلك أو أقل، فإذا غلبهم العطش والغرث أفطروا حتى يتعودوا الصوم ويطيقوه فمروا صبيانكم إذا كانوا أبناء تسع سنين بما أطاقوا من صيام فإذا غلبهم العطش أفطروا" (5). وعن سماعة قال: سألته عن الصبي متى يصوم؟ قال الإمام الصادق (عليه السلام): "إذا قوى على الصيام" (6). فإذا تمرن على الصيام في السنوات السابقة لسن التكليف فإنه سيؤديه بأتم صوره ولا يجد في ذلك حرجا. وعن معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) في كم يؤخذ الصبي بالصيام قال (عليه السلام): "ما بينه وبين خمس عشرة سنة وأربع عشرة سنة فان هو صام قبل ذلك فدعه، ولقد صام ابني فلان قبل ذلك فتركته" (7).
تمرين الطفل على الحج
ويستحب تمرين الطفل على الحج فعن أحد الامامين الباقر أو الصادق (عليهما السلام) قال: "إذا حج الرجل بابنه وهو صغير فإنه يأمره ان يلبي ويفرض الحج فإن لم يحسن أن يلبي لبى عنه ويطاف به ويصلي عنه...يذبح عن الصغار ويصوم الكبار ويتقى عليهم ما يتقى على المحرم من الثياب والطيب فان قتل صيدا فعلى أبيه" (8). وفي جواب للإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عن سؤال حول الخوف على الصبي من البرد في حالة الاحرام قال: "ائت بهم العرج فيحرموا منها...فان خفت عليهم فائت بهم الجحفة" (9). وقال (عليه السلام): "انظروا من كان معكم من الصبيان فقدموه إلى الجحفة أو إلى بطن مر ويصنع بهم ما يصنع بالمحرم ويطاف بهم ويرمى عنهم ومن لا يجد منهم هديا فليصم عنه وليه ". وكان الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) يضع السكين في يد الصبي ثم يقبض على يديه الرجل فيذبح" (10).
التصدق علي الفقراء و المساکين
ويستحب تمرين الطفل على عمل الخير كالصدقة على الفقراء والمساكين، قال الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام): "مر الصبي فليتصدق بيده بالكسرة والقبضة والشئ وان قل، فان كل شئ يراد به الله وان قل بعد أن تصدق النية فيه عظيم..." (11). وقال (عليه السلام): "فمره أن يتصدق ولو بالكسرة من الخبز" (12). فتمرين الطفل على الصدقة من أفضل أساليب التربية على عدم الركون إلى الدنيا والتقليل من تأثير حب المال في نفس الطفل، وهو تمرين له على التعاطف مع الفقراء والمساكين. وتمرين الطفل في مرحلة الصبا على الطاعات والعبادات تجعله يداوم عليها في كبره، وخير شاهد على ذلك سيرة أهل البيت (عليهم السلام)، فالإمام الحسن بن علي (عليه السلام) (مشى عشرين مرة من المدينة للحج على رجليه) (13).
وطلب الإمام الحسين بن علي (عليه السلام) من الجيش الأموي ان يمهلوه ليلة العاشر من المحرم للتفرغ للعبادة هو وأصحابه (فلما أمسوا قاموا الليل كله يصلون ويستغفرون ويتضرعون ويدعون) (14). ولكثرة عبادة الإمام علي بن الحسين (عليه السلام) سمي بزين العابدين (15).(وكان لا يدع صلاة الليل في السفر والحضر) (16).وكان إذا أتاه السائل يقول: "مرحبا بمن يحمل لي زادي إلى الآخرة" (17). وكان بقية أهل البيت (عليهم السلام) قمة في الارتباط بالله تعالى والاخلاص في العبادة فقد تمرنوا عليها في مقتبل العمر، فكان بينهم وبينها أنسا خاصا وشوقا للأداء. فيجب على الوالدين تشجيع الطفل على التمرن على العبادات والطاعات بالأسلوب الأنجح، بالاطراء والمديح أو باهداء الهدايا المادية والمعنوية له.
مراقبة الطفل
من أجل إنجاح العملية التربوية أن يقوم الوالدان بمراقبة الطفل سلوكيا وإرشاده إلى الاستقامة والصلاح، وكذلك مراقبة أفكاره وتصوراته وعواطفه بالأسلوب الهادئ غير المثير له، وان يتعامل الوالدان معه كأصدقاء لمساعدته في شق طريقه في الحياة.ومراقبة سلوكه في المجتمع أكثر ضرورة منه في البيت.
المصادر:
(1) مستدرك الوسائل 2: 624.
(2) بحار الأنوار 1ظ 1: 98.
(3) تنبيه الخواطر، لورام بن أبي فراس: 39ظ - دار التعارف بدون تاريخ.
وة الصفوة، لابن الجوزي 2: 95 - دار المعرفة 14ظ 5 ه ط 3.
(4) مستدرك الوسائل 2: 624.
(5) الكافي 4: 124 / 1 باب صوم الصبيان.
(6) الكافي 4: 125 / 3 باب صوم الصبيان.
(7) الكافي 4: 125 / 2 باب صوم البيان.
(8) الكافي 4: 3ظ 3 / 1 باب حج الصبيان والمماليك.
(9) الكافي 4: 3ظ 4 / 3 باب حج الصبيان والمماليك.
(10) الكافي 4: 3ظ 4 / 4 باب حج الصبيان والمماليك.
(11) الوسائل 9: 376 / 1 باب 4.
(12) الوسائل 9: 376 / 2 باب 4.
(13) مختصر تاريخ دمشق 7: 23.
(14) الكامل في التاريخ، لابن الأثير 4: 59 - دار صادر 1399 ه
(15) مختصر تاريخ دمشق 17: 234.
(16) صفوة الصفوة، لابن الجوزي 2: 95 - دار المعرفة 14ظ 5 ه ط 3.
(17) صف(1) مستدرك الوسائل 2: 624.