الترويح عن النفس ضرورة فطرية إنسانية
يعد الترويح عن النفس إحدى الرغبات الفطريّة الموجودة في أعماق كلّ إنسان، ويبدأ الميل إلى الترويح والترفيه عن النفس منذ الصغر، ويزداد هذا الميل عند مرحلتي المراهقة والشباب، ويمتدّ بعد ذلك -ولكن بصورة أضعف- بامتداد عمر الإنسان؛ ولذلك فالترويح عن النفس ضرورة فطرية إنسانية، وحاجة نفسيّة وعقلية وجسمية.
وتنبع أهمية الترويح عن النفس من أنه يساعد في تجديد النشاط، وتقوية الإرادة، وتنمية الروح المعنوية، وتنشيط العقل. والشباب حيث مرحلة الإعداد والبناء للمستقبل، وتوكيد الذات، يواجهون في سبيل تحقيق ذلك عديد المشاكل والأزمات والصعوبات؛ ولذلك فهم يحتاجون -ضمن ما يحتاجون إليه- للترويح عن أنفسهم؛ لأن ذلك يمثل عاملاً مساعداً من عوامل بناء العقل والروح والجسم وهي أبعاد الإنسان الرئيسة. ويحتاج الإنسان إلى الترويح عن النفس عندما يبذل الجهد الجهيد، ويمارس النشاط والعمل والعطاء. فمن يعمل بحاجة إلى الترويح عن نفسه، أما من لا يعمل فهو ليس بحاجة ملحة إلى الترفيه عن نفسه، وإنما هو بحاجة ماسة للعمل والنشاط.
اللهوو اللعب
وأما غياب الفرحة في مجالسنا سببها البعد عن المنهج الرباني في أفراحنا فقد أصبحت مكان تفرّخ فيه الشياطين وتبيض بما نراه من بذخ وإسراف في المأكل والمشرب أثناء الاحتفال إضافة إلى التجرد من الحياء بكامل صوره في ملابس النساء والتعري الفاضح من الكثير منهن إضافة إلى وجود الآلات الموسيقية والمغنيات إلى ما بعد صلاة الفجر .
ومشكلة بعض الشباب أنهم يريدون الحياة كلها لهواً ولعباً واستراحة، وهذا يعني أنّ الترويح عن النفس قد تحوّل إلى هدف بذاته، وهذا عين الخطأ إذ أن الترويح عن النفس وسيلة لأهداف نبيلة تتلخص في تجديد النشاط، وتنشيط العقل والروح، وتنمية الجسم والبدن. أما من يريد الترويح عن النفس كهدف بذاته فهو يبحث دائماً عن المتعة واللذة والاستمتاع بمظاهر الحياة ومفاتنها. ولا يريد عملاً حقيقياً، ولا نشاطاً دائماً، ولا اهتماماً بقضايا المجتمع وهمومه. وهذا الصنف من الشباب يتصرم شبابهم وهم في حالة من السبات والغفلة ولا يدركون خطأ تصرفاتهم إلا بعد فوات الأوان!
الترويح عن النفس حق من الحقوق
والمطلوب أن يعتبر الشباب الحياة الدنيا مكاناً للعمل الصالح، والنشاط الدائم، والعطاء المستمر. ومن يتصف بذلك يحتاج لكي يروح عن نفسه وذاته كمقدمة للعمل من جديد، واستراحة لزيادة النشاط، ومحطة للتزود من أجل العطاء والإنتاج والعمل. اليوم الذي يتوفق فيه لشئ من النوافل بإقبال يمتاز عن سائر أيامنا بالحيوية والعطاء، ذلك أن النوافل تملأ القلب بالإحساس بالله والوثوق في السلوك والاطمئنان إلى الحياة وما فيها.
والمؤمنون الواعون في التاريخ وفي عصرنا، الذين تتميز قلوبهم ونتاجهم بالنبوغ، الذين توحي إليك قسماتهم وحديثهم بالاطمئنان.. تفحص عن عوامل تكوين شخصياتهم لتجد أن من أهمها كثرة الصلاة. والمتانة والحيوية والحرارة الطمأنينة والحنان الغامر. هذا التميز الذي نراه في سلوك الأنبياء والأئمة عليهم السلام إنما جاء من لفح الباطن من جذوة النور التي يؤججونها في أنفسهم الشريفة على عين الله.وهذه الجذوة المتقدة مدانة فيما هي مدانة للإكثار من الصلاة.
صحيح أنهم عليهم السلام يأخذون من يومهم ساعات يمضونها في الصلاة، ولكنهم يأخذون من الصلاة لساعات عملهم طاقة تجعلها أضعافاً مضاعفة، فهم بالإكثار من الصلاة يضيفون إلى يومهم أياماً وإلى عمرهم أعماراً، ويطبعون نتاجهم بالنور والبركة والخلود.
وضمن هذا السياق، جاءت التوصيات الإسلامية حاثة الإنسان لكي يروّح عن نفسه ساعة بعد ساعة:
فقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قوله: (روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإن القلوب إذا كلت عميت) (1)
ويقول الإمام علي (عليه السلام): (إن للقلوب شهوة وإقبالاً وإدباراً، فأتوها من قبل شهوتها وإقبالها، فإن القلب إذا أُكره عمي)(2)، وعنه (عليه السلام): أيضاً قال: (إن هذه القلوب تمل كما تمل الأبدان، فابتغوا لها طرائف الحكم) (3)، وعنه (عليه السلام): (من تلذذ بمعاصي الله اورثه الله ذلُاً) وقال الإمام الرضا (عليه السلام): (إن للقلوب إقبالاً وإدباراً، ونشاطاً وفتوراً، فإذا أقبلت بصرت وفهمت، وإذا أدبرت كلّت وملّت، فخذوها عند إقبالها ونشاطها، واتركوها عند إدبارها وفتورها ) (4 ).
إنّ الترويح عن النفس حاجة وضرورة فطرية وإنسانية، فالإنسان بحاجة إلى الراحة بعد العمل والنشاط، لكي يعاود العمل والنشاط مرة أخرى بالمزيد من الفاعلية والعطاء والإنتاج. ولا معنى للراحة من دون عمل، ولا للترويح عن النفس من دون جهد وتعب. فالإنسان خلق ليعمل، ولينتج، وليعطي مما أعطاه اللَّه. ولم يخلق لكي يلهو ويلعب من دون حدود وقيود. ولكن من يعمل بحاجة إلى الراحة، ومن يتعب بحاجة إلى أن يروح عن نفسه، من أجل العمل بعد ذلك بفاعلية ونشاط أكبر.
وثمّة نقطة يجب الانتباه إليها وهي: أن الترويح عن النفس حق من الحقوق، فلا يحق لأحد أن يضر نفسه أو عقله أو بدنه. يقول الإمام علي(عليه السلام): (لكل عضو من البدن استراحة). وفي الوقت نفسه يجب أن يكون الترويح عن النفس بوسائل مشروعة، وضمن دائرة الحلال، ولا يجوز للإنسان أن يغرق في الحرام بحجة الترويح والترفيه عن النفس، خصوصاً وأن دائرة الحلال واسعة، بينما دائرة الحرام ضيقة جداً، فلنروح عن أنفسنا، وليكن ذلك في إطار الحلال والمباح والمشروع.
ومن المفيد للغاية أن يوازن الشباب بين أوقاتهم؛ فالجد في أوقات الجد، والترويح عن النفس في ساعات الفراغ والراحة. وقد قسم الإمام الکاظم (عليه السلام): ساعات اليوم إلى أربعة محاور، حيث يقول: (اجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة اللَّه، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الإخوان والثقات، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم. وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات) ( 5).
وفي الختام:
إنّ الترفيه والترويح عن النفس بالوسائل المشروعة سيكون حافزاً قوياً للمزيد من العبادة والعمل والإنتاج، كما يحقق التوازن في شخصية الإنسان، ويزيد من قدرة الشباب على العمل والنشاط الدائم. ولکن يجب العودة إلى كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه و اله سلم واهل بيته الاطهار عليهم السلام في جميع أمور حياتنا، واتباع النهج النبوي في أفراحنا .
المصادر:
(1) فن الترويح عن النفس، ص73، نقلاً عن كتاب فكاهة العرب، ص11.
(2) ميزان الحكمة، ج8، ص227، رقم 16659.
(3) ميزان الحكمة، ج8، ص228، رقم 16664.
(4) ميزان الحكمة، ج8، ص228، رقم 16662.
(5) تحف العقول، ص302.