إن الآية { هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} بعينها وبالألفاظ ذاتها وردت في سورة الصف، كما وردت في أخريات سورة الفتح باختلافٍ يسيرٍ.
والآية تخبر عن حدثٍ مهمٍ كبيرٍ استدعت أهميته هذه أن تتكرّر الآية في القرآن، وهذا الحدث الذي أخبرت عنه الآية هو استيعاب الإسلام للعالم بأسره.
وبالرغم من أن بعض المفسرين فسّر الانتصار - في الآية محل البحث - انتصاراً في منطقةٍ معينةٍ ومحدودةٍ، وقد حدث ذلك فعلاً في عصر النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أو ما بعده من العصور للإسلام والمسلمين، إلا أنه مع ملاحظة أن الآية مطلقةٌ لا قيد فيها لا شرط، فلا دليل على تحديد المعنى، فمفهوم الآية انتصار الإسلام كليّاً – ومن جميع الجهات - على جميع الأديان، ومعنى هذا الكلام أن الإسلام سيهيمن على الكرة الأرضية عامة، وسينتصر على جميع العالم.
ولا شك أن هذا الأمر لم يتحقّق في الوقت الحاضر، لكننا ندري أن هذا وعدٌ من قبل الله حتميٌّ، وأنّه سيتحقّق تدريجاً، فسرعة انتشار الإسلام وتقدمه في العالم، والاعتراف الرسمي به من قبل الدول الأوروبية المختلفة ونفوذه السريع في أفريقيا وأمريكا، وإعلان كثيرٍ من العلماء والمفكرين اعتناقهم الإسلام، كل ذلك يشير إلى أن الإسلام أخذ باستيعاب العالم.
إلا أنّه طبقاً للروايات المختلفة الواردة في المصادر الإسلاميّة، فإن هذا الموضوع إنّما يتحقّق عند ظهور المهدي(عليه السلام) فيجعل الإسلام عالميّاً.
ينقل العلامة الشيخ الطبرسي في تفسيره(مجمع البيان) الآية محل البحث عن الإمام الباقر(عليه السلام) أنّه قال: "إن ذلك يكون عند خروج المهدي، فلا يبقى أحدٌ إلا أقر بمحمدٍ(صلى الله عليه وآله وسلام)".
كما ورد في التفسير ذاته عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) أنه قال: "لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا بر إلا أدخله الله كلمة الإسلام".
كما أن الشيخ الصدوق(رضوان الله عليه) روى عن الإمام الصادق(عليه السلام) في تفسير هذه الآية - في كتابه إكمال الدين - أنه قال: "والله ما نزل تأويلها بعد، ولا ينزل تأويلها حتى يخرج القائم، فإذا خرج القائم لم يبق كافر بالله العظيم"[1]. وهناك أحاديثٌ أخرى بهذا المضمون وردت عن أئمة المسلمين (عليهم السلام).
كما أن جماعةً من المفسرين ذكروا هذا التفسير في ذيل الآية أيضاً. إلا أن المدهش أن كاتب "المنار" هنا لم يكتفِ برفض هذا التفسير المذكور آنفاً، بل ناقش الأحاديث في المهدي(عليه السلام)، وحاول أن ينكر بتعصبه الخاص جميع الأحاديث الواردة في شأنه، ولم يأل جهداً في التذرّع بما لديه من الحجج الواهية ليقول: "إن هذه الأحاديث لا يمكن قبولها بحالٍ، ويزعم أن الاعتقاد بوجود المهدي من أفكار الشيعة، ومعتقداتهم، أو معتقدات من يميل إلى التشيّع".
ثم بعد هذا كله يرى صاحب "المنار" أن الاعتقاد بوجود المهدي مدعاةٌ للتخلّف والركود! ومع أن صاحب المنار له باعٌ طويلةٌ في العلوم والمعارف الإسلامية، إلا أنّه لنقطة الضعف التي ابتُلي بها "التعصّب الشديد" يقلّب بعض الحقائق الجليّة وينكرها تماماً[2].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] نور الثقلين، ج 2، ص 211.
[2] الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل: الشيخ ناصر الشيرازي، ص16 و17.