ليلة النصف من شعبان:
في هذه الليلة المباركة الميمونة وُلد الإمام المصلح العظيم سنة(255ه)، الموافق لسنة 869م، وهي من أقدس الليالي، وفي بعض الأحاديث أنّها من ليالي القدر، وأنّه يُفرق فيها كلّ أمرٍ حكيمٍ.
ولادته:
عن حكيمة [ قالت:] دخلت يوماً على أبي محمد(عليه السلام) فقال: [يا عمة] "بيتي عندنا الليلة؛ فإن الله سيظهر الخلف فيها. قلت: وممن؟ قال: من نرجس، قلت : "فلست أرى بنرجس حملاً". قال: "يا عمة إن مثلها كمثل أم موسى، لم يظهر حملها بها إلا وقت ولادتها"، فبت أنا وهي في بيتٍ، فلمّا انتصف الليل صليت أنا وهي صلاة الليل، فقلت في نفسي: "قد قرُب الفجر ولم يظهر ما قال أبو محمّد. فناداني أبو محمد(عليه السلام) من الحجرة: "لا تعجلي". فرجعت إلى البيت خجلةً، فاستقبلتني نرجس وهي ترتعد، فضممتها إلى صدري، وقرأت عليها {قل هو الله أحد} و {إنّا أنزلناه} و "آية الكرسي"، فأجابني الخلف من بطنها يقرأ كقراءتي.
قالت: وأشرق نورٌ في البيت، فنظرت فإذا الخلف تحتها ساجدٌ لله تعالى إلى القبلة، فأخذته فناداني أبو محمد(عليه السلام) من الحجرة: هلمّي بابني إلي يا عمة.
قالت: فأتيته به، فوضع لسانه في فيه، وأجلسه على فخذه، وقال: "أنطق يا بني بإذن الله".
فقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم {بسم الله الرحمن الرحيم ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمّة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض ونري فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون}(القصص، آية 5 و6)، وصلّى الله على محمد المصطفى، وعلي المرتضى، وفاطمة الزهراء، والحسن، والحسين، وعلي بن الحسين، ومحمد بن علي، وجعفر بن محمد، وموسى بن جعفر، وعلي بن موسى، ومحمد بن علي، وعلي بن محمد، والحسن بن علي.
قالت: وغمرتنا طيورٌ خضرٌ، فنظر أبو محمد إلى طائرٍ منها فدعاه، فقال له: خذه واحفظه حتى يأذن الله فيه فإن الله بالغ أمره.
قالت حكيمة: قلت لأبي محمد: ما هذا الطائر وما هذه ؟ قال: هذا جبرئيل، وهذه ملائكة الرحمة، ثم قال: يا عمة ردّيه إلى أمه كي تقر عينها ولا تحزن، ولتعلم أن وعد الله حقٌ ولكن أكثر الناس لا يعلمون[1]، فرددته إلى أمه.
قالت حكيمة: ولمّا وُلد كان نظيفاً مفروغاً منه، وعلى ذراعه الأيمن مكتوبٌ {جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقاً}[2].[3].
أعمال ليلة النصف من شعبان:
وهي ليلةٌ بالغة الشرف، وقد رُوي عن الصادق(عليه السلام) قال: سُئل الباقر(عليه السلام) عن فضل ليلة النصف من شعبان، فقال(عليه السلام): هي أفضل الليالي بعد ليلة القدر، فيها يمنح الله العباد فضله، ويغفر لهم بمنّه، فاجتهدوا في القربة إلى الله تعالى فيها، فإنّها ليلةٌ آلى الله عز وجل على نفسه أن لا يردّ سائلاً فيها مالم يسأل المعصية، وإنّها الليلة التي جعلها الله لنا أهل البيت بإزاء ما جعل ليلة القدر لنبينا(صلى الله عليه وآله)، فاجتهدوا في دعاء الله تعالى والثناء عليه . . . الخبر .
ومن عظيم بركات هذه الليلة المباركة أنها ميلاد سلطان العصر وإمام الزمان أرواحنا له الفداء ولد عند السحر سنة خمس وخمسين ومائتين في سرّ من رأى . هذا ما يزيد هذه الليلة شرفا وفضلاً ، وقد ورد فيها أعمالٌ:
أولها : الغسل، فإنّه يوجب تخفيف الذنوب.
الثاني: إحياؤها بالصلاة، والدعاء، والاستغفار كما كان يصنع الإمام زين العابدين(عليه السلام). وفي الحديث: "من أحيا هذه الليلة لم يمت قلبه يوم تموت القلوب".
الثالث: زيارة الحسين(عليه السلام)، وهي أفضل أعمال هذه الليلة وتوجب غفران الذنوب، ومن أراد أن يصافحه أرواح مائة وأربعة وعشرين ألف نبي فليزره(عليه السلام) في هذه الليلة، وأقل مايزار به(عليه السلام) أن يصعد الزائر سطحاً مرتفعاً فينظر يمنةً ويسرةً ثم يرفع رأسه إلى السماء فيزوره(عليه السلام) بهذه الكلمات: "السَّلامُ عَلَيْكَ يا أَبا عَبْدِ الله السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ".
ويُرجى لمن زار الحسين(عليه السلام) حيثما كان بهذه الزيارة يكتب له أجر حجةٍ وعمرةٍ، ونحن سنذكر في باب الزيارات ما يختص بهذه الليلة منها إن شاء الله.
الرابع: أن يدعو بهذا الدعاء الذي رواه الشيخ والسيد، وهو بمثابة زيارةٌ للإمام الغائب(صلوات الله عليه): [اللّهُمَّ بِحَقِّ لَيْلَتِنا وَمَوْلُودِها وَحُجَّتِكَ وَمَوْعُودِها الَّتِي قَرَنْتَ إِلى فَضْلِها فَضْلاً فَتَمَّتْ كَلِمَتُكَ صِدْقاً وَعَدْلاً..].
الخامس: روى الشيخ عن إسماعيل بن فضل الهاشمي قال: علّمني الصادق(عليه السلام) هذا الدعاء لأدعو به ليلة النصف من شعبان: [اللّهُمَّ أَنْتَ الحَيُّ القَيُّومُ العَلِيُّ العَظِيمُ الخالِقُ الرَّازِقُ المُحْيِي المُمِيْتُ البَدِيُ البَدِيعُ...].
السادس: ادع بهذا الدعاء الذي كان يدعو به النبي(صلّى الله عليه وآله) في هذه الليلة: [اللّهُمَّ اقْسِمْ لَنا مِنْ خَشْيَتِكَ مايحَوُلُ بَيْنَنا وَبَيْنَ مَعْصِيَتِكَ وَمِنْ طاعَتِكَ ماتُبَلِّغُنا بِهِ رِضْوانَكَ وَمِنَ اليَّقِينِ مايَهُونُ عَلَيْنا بِهِ مُصِيباتُ الدُّنْيا ، اللّهُمَّ أَمْتِعْنا بِأَسْماعِنا وَأَبْصارِنا وَقُوَّتِنا ما أَحْيَيْتَنا وَاجْعَلْهُ الوارِثَ مِنَّا وَاجْعَلْ ثأْرَنا عَلى مَنْ ظَلَمَنا وَانْصُرْنا عَلى مَنْ عادانا وَلا تَجْعَلْ مُصِيبَتَنا فِي دِينِنا وَلا تَجْعَلْ الدُّنْيا أَكْبَر هَمِّنا وَلا مَبْلَغَ عِلْمِنا ، وَلا تُسَلِّطْ عَلَيْنا مَنْ لا يَرْحَمُنا بِرَحْمَتِكَ يا أرْحَمَ الرَّاحِمِينَ].
وهذه من الدعوات الجامعات الكاملات، ويغتنم الدعاء به في سائر الأوقات. وفي كتاب "عوالي الّلالي" أنّ النبي(صلّى الله عليه وآله) كان يدعو بهذا الدعاء في كافة الأوقات.
السابع: أن يقرأ الصلوات التي يُدعى بها عند الزوال في كلّ يومٍ.
الثامن: أن يدعو بدعاء كميل فهو واردٌ في هذه الليلة.
التاسع: أن يذكر الله بكلّ من هذه الأذكار مائة مرة: سُبْحانَ الله وَالحَمْدُ للهِ وَلا إِلهَ إِلاّ الله وَالله أَكْبَرُ، ليغفر الله له ما سلف من معاصيه ويقضي له حوائج الدنيا والآخرة.
العاشر: روى الشيخ في "المصباح" عن أبي يحيى في حديثٍ في فضل ليلة النصف من شعبان أنّه قال: قلت لمولاي الصادق(عليه السلام: ما هو فضل الأدعية في هذه الليلة؟ فقال : إذا صلّيت العشاء فصلِّ ركعتين تقرأ في الأوّلى [الحمد] و [سورة الجحد - وهي سورة - قل يا أيها الكافرون]، وفي الثانية [الحمد] و [سورة التوحيد - وهي سورة - قل هو الله] ، فإذا سلّمت قلت: [سُبْحانَ الله] ثلاثاً وثلاثين مرة، و [الحَمْدُ للهِ] ثلاثاً وثلاثين مرة، [وَالله أَكْبَرُ] أربعاً وثلاثين مرة، ثم قل: [يا مَنْ إِلَيْهِ مَلْجأُ العِبادِ فِي المُهِمَّاِت...].
الحادي عشر: قال الطوسي والكفعمي: يقال في هذه الليلة: [إِلهِي تَعَرَّضَ لَكَ فِي هذا اللَّيْلِ المُتَعَرِّضُونَ...]. وهذا دعاء يُدعى به في الأسحار عقيب صلاة الشفع.
الثاني عشر: أن يدعو بعد كلّ ركعتين من صلاة الليل، وبعد الشفع، والوتر بما رواه الشيخ والسيّد.
الثالث عشر: أن يسجد السجدات ويدعو بالدعوات المأثورة عن النبي(صلى الله عليه وآله).
الرابع عشر: أن يصلّي صلاة جعفر الطيار، كما رواه الشيخ عن الرضا
(صلوات الله عليه).
الخامس عشر: أن يأتي بما ورد في هذه الليلة من الصلوات، وهي كثيرةٌ. واعلم أنّه قد ورد في الحديث فضلٌ كثيرٌ لصلاة مائة ركعة في هذه الليلة، تقرأ في كل ركعةٍ: الحمد مرة والتوحيد عشر مرات[4].
--------------------------------------------------------------------------------
[1] اقتباس من سورة القصص: 13.
[2] اقتباس من سورة الإسراء : 81 .
[3] الخرائج والجرائح: قطب الدين الراوندي، ج1، ص 455 و456.
[4] مفاتيح الجنان: الشيخ عباس القمي، ص272-280، بتصرف.