"الولد الصالح ريحانة من رياحين الجنّة"1. بهذا البيان الرائع بيَّن نبيُّ الإسلام النعمة الكبرى التي يمنّها الله تعالى على الإنسان حينما يرزقه ولداً صالحاً، فهو كالريحانة التي تملأ محيطها عطراً يريح النفس ويملأ القلب بهجة وسروراً.لكنَّه ليس ريحانة من رياحين الدنيا، بل ريحانة من رياحين الجنّة؛ فريحانة الدنيا لم تصل إلى مرتبة يتشبّه بها الولد الصالح، من هنا شبّهه النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم بريحانة من رياحين الجنّة وأكّد الإمام الصادق عليه السلام حديث جدّه الأكرم حينما قال - في الحديث الوارد عنه - "من سعادة الرجل الولد الصالح"2.
أثر الولد الصالح في الدنيا
وأثره في الدنيا لا يخفى على أحد سواء على المجتمع الذي ينتفع به، أو على والديه اللَّذين يستعينان به. وهذا ما حدَّث به إمامنا زين العابدين عليه السلام: "من سعادة الرجل أن يكون له ولد يستعين بهم"3.
أثر الولد الصالح في عالم البرزخ
ويمتدّ أثر الولد، بعد موت والديه، ليكون عمله الخيِّر رافداً يزوِّد والديه بالحسنات لتضيء قبر أبيه وأمّه بنور ملكوتيّ، ويدفع عنهما أهوال القبر الرهيبة، بل قد يغيِّر مصير الوالدين من العذاب إلى النعيم. وإلى هذه الحقيقة يشير النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الوارد عنه:
خمسة في قبورهم وثوابهم يجري إلى ديوانهم:
1- من غرس نخلاً،
2- ومن حفر بئراً،
3- ومن بنى مسجداً،
4- ومن كتب مصحفاً،
5- ومن خلف ابناً صالحاً4.
وقد ورد عن الإمام الصادق عليه السلام ما يؤكّد هذا المضمون وهو قوله عليه السلام: "ليس يتبع الرجل بعد موته من الأجر إلّا ثلاث خصال:
1- صدقة أجراها في حياته، فهي تجري بعد موته.
2- وسُنّة هدىً سنَّها، فهي تعمل بها بعد موته.
3- وولد صالح يستغفر له"5.
وكتطبيق عمليّ لهذه الحقيقة يخبرنا النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم بقصّة حصلت مع نبيّ الله عيسى عليه السلام فقال صلى الله عليه وآله وسلم: "مرّ عيسى بن مريم بقبر يعذَّب صاحبه، ثمّ مرَّ به من قابل فإذا هو ليس يعذَّب، فقال يا ربّ، مررت بهذا القبر عام أوّل، فكان صاحبه يعذّب، ثمّ مررت به العام، فإذا هو ليس يعذّب، فأوحى الله إليه: يا روح الله، إنّه أدرك له ولد صالح، فأصلح طريقاً وآوى يتيماً فغفرت له بما عمل ابنه"6.
ومن لطيف ما حُكي في هذا الموضوع أنّ أحدهم قال: "إني كنت زاهداً في الولد حتى وقفت بعرَفَة، فإذا إلى جنبي غلام شابّ يدعو ويبكي ويقول: يا ربِّ والديَّ والديَّ، فرغَّبني في الولد حين سمعت ذلك"7.
أثر الولد الصالح في النجاة من النار
ويمتدّ الأثر الطيِّب للولد الصالح في عالم الآخرة ليكون صلاحه منقذاً للوالدين من عذاب نار استحقّاه بأعمالهما، لكن... خلَّفا وراءهما ابنة ارتدت حجاب الإسلام وتعفّفت به، فيكون حجابها ستراً بين الوالدين وبين نار جهنّم. وهذا ما أُخبرنا به عن الصادق الأمين عليه السلام بأنّه قال: "نِعْمَ الولد البنات المخدَّرات، من كانت عنده واحدة جعلها الله ستراً من النار"8.
الولد الصالح دعاء الأنبياء عليهم السلام
ولقيمة الولد الصالح ومنافعه الكبيرة كانت هبة الولد الصالح هي دعاء أنبياء الله العظام، فقد حدَّثنا القرآن الكريم عن دعاء نبيّ الله زكريا بقوله: ﴿هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ﴾9.
لذا حريٌّ بنا أن نسعى سعياً دؤوباً لبناء الولد الصالح متوسّلين أوّلاً بالله تعالى لتحقيق هذه الهبة العظيمة، مستفيدين من تعاليم الإسلام التي ركَّزت على العوامل المؤثّرة في إنتاج الأولاد الصالحين, ابتداءً من وقت العزم على الزواج، مروراً بمحطّات كثيرة منها اختيار الزوجة ومباشرتها وغذاؤها أيّام الحمل وما يفعل مع الولد حين ولادته وبعدها إلى أن يصبح محلّاً للتربية التي أرادها الله تعالى ضمن أساليب حدَّدتها الشريعة المقدَّسة بكلّ دقّة. فهلمَّ بنا نطّلع على قبسات الإسلام التي تضيء بنورها الساطع معالم الطريق الموصل إلى بناء الولد الصالح.
"إنّ المذاهب الموجودة في العالم قاطبة، تحصر اهتمامها بالإنسان البالغ الذي وصل إلى مرحلة من الفهم والإدراك... بيد أنّ الإسلام يضع أحكاماً للإنسان قبل أن يولد، إذ إنّه يحدِّد للأبوين، قبل الزواج، طبيعة الشخص الذي يختاره كلّ منهما، يقول للفتاة أيّ زوج تختار، ويحدّد للشّاب مواصفات الزوجة المطلوبة.
لماذا يفعل الإسلام ذلك؟ "لأنّ كلًّا من الشابّ والفتاة سيكونان منشأ أفراد آخرين... الإسلام يريد لهذا الفرد الذي سيلتحق بالمجتمع أن يكون صالحاً".
* كيف تجعل ولدك صالحاً، الشيخ أكرم بركات
1- الحر العاملي، وسائل الشيعة، تحقيق الشيرازي، منشورات دار إحياء التراث العربي، بيروت، ج15، ص97.
2- المصدر السابق.
3- المصدر السابق، ص356،حديث(7/27286).
4- المجلسي، بحار الأنوار، منشورات مؤسسة الوفاء، بيروت، ط3، 1403، ج104، ص100.
5- المصدر السابق، ص100.
6- المصدر السابق، ص101.
7- الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج15، ص95.
8- المجلسي، بحار الأنوار، ج104، ص91.
9- سورة آل عمران، الآية 38.