لو أردنا أن نخلق الوحدة الإسلامية الحقة لابد أن نضع لها مبادئ وأسس من شأنها أن تقرّب بين المسلمين بصورة صحيحة وجادة نذكر منها ما يلي:
الأساس الأول: الإيمان الواقعي بالوحدة بين المسلمين.
وأقصد به أن يكون إيماننا بالوحدة إيماناً حقيقياً نابعاً من الشعور بالمسؤولية أمام الله وأمام الشعوب، وطرح هذا الأمر كمشروع ونظرية حقيقية لنرتقي به إلى المصالح العامة، ومن ثم وضع الخطوات الأساسية له من خلال التنسيق بين الدول الإسلامية كافة بشكل حقيقي وعلى أعلى المستويات، بحيث يشاع ويتركز هذا المفهوم كخطاب وحدوي يؤمن به المسلمون بجميع أعراقهم ومذاهبهم.
الأساس الثاني: التركيز على القواسم المشتركة.
هناك نقاط كثيرة تجمع المسلمين وتوحدهم، سواء كان على مستوى العقيدة أو الفقه أو غيرها، فهناك قواسم مشتركة لابد من غرسها في أذهان الأمة الإسلامية وجني ثمارها بمشروع وحدوي لا يمكن أن يفت عضده أعداء الإسلام مهما جندوا له من أفكار مضادة.
الأساس الثالث: زرع ثقافة الحوار والرأي والرأي الآخر بحكمة وشفافية.
إن ثقافة الحوار هي مبدأ إسلامي ركز عليه القرآن، قال تعالى: ﴿ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾).
وقال تعالى: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾. فالعدو بغض النظر عن هويته كما نفهم من هذه الآية الشريفة عند الحوار بالتي هي أحسن، يخلق جواً هادئاً من الألفة بينهما بحيث يكون ولي وحميم، فكيف الحال لو كان الحوار بين الأخوة- أخوة الايمان وأخوة الدين والعقيدة- فيما بعضهم البعض، نعتقد أن الحوار هو لبنة مهمة في بناء الوحدة الإسلامية لكي يفهم بعضنا البعض ونذيب ما يعكر صفو الوئام بيننا ونجتمع على كلمة السواء.
الأساس الرابع: مبدأ التسامح والارتقاء الى روح المحبة والإخاء.
لعل واحدة من أهم المشاكل التي أدت الى انتكاس الأمة الإسلامية وتمزيقها هي أننا لم نتعلم منهج التسامح والحب للآخرين، فلا يوجد لدينا كأمة مسلمة منهج صحيح للتسامح؛ بل العنف وعدم تقبل الآخر هو السائد بيننا وواقعنا يشهد بذلك، فما لم نصلح هذا الحال فنقع فريسة الجهل الذي يخلق لنا مجتمع يسوده السباب والشتائم وبالتالي حمل السلاح ليوجهه لصدر أخيه المسلم، والنتيجة هي أمة ضعيفة منقسمة على نفسها مستضعفة لا حول لها ولا قوة بين شعوب العالم الطامحة الى الحضارة والرقي.
الأساس الخامس: المصارحة الفكرية والعقائدية وعدم إلزام الآخر بها.
فالوحدة لا تعني إلغاء الآخر أو إقصائه وقصره على اعتناق ما يؤمن به هو؛ بل الوحدة المطلوبة قوامها هو معرفة الآخر معرفة حقيقية ومن ثم بيان الحق الذي أوصله الدليل إليه، ومناقشة الأمور الخلافية بروح من التسامح ووضع الحلول المناسبة لها، من دون أن يلزمه بها، والنأي عن التشدد في الحوار المتشنج الذي من شأنه أن يفرق ولا يقرب؛ لان فهم الآخر له دور كبير في فتح العقول المنغلقة على ذاتها ونفسها فقط، فهو الصحيح المطلق دائماً وغيره الباطل المطلق، فالصورة التي يستبطنها عن الغير مشوهة مبهمة لأنه لم يقرأ فكر الآخر وكتبه وأدلته.
يقول الشيخ لطف الله الصافي عند تعرضه لهذا الأمر:
لينظروا في أدلة (الشيعة) بكل إمعان وتدبر، فهذا هو الذي تطلبه الشيعة من كل باحث؛ لان ذلك لا يزيد الحق إلا وضوحاً كما أنه يرسخ التجاوب والتفاهم بين الطائفتين، ويؤكد الإخوة الإيمانية بينهما. فكم يوجد من أهل السنة من يراجع كتب الشيعة في التفسير والفقه، والكلام والأدب، ويقدر نبوغهم وجهودهم في العلوم الإسلامية ويعظم اتصاف علمائهم بالصدق والورع والأمانة، ويتعمق في آرائهم ومقالاتهم، وربما يأخذ بها كما يأخذ بآراء علماء طائفته؛ بل إنه بعد التحقيق يرجح في بعض المسائل مذهب الشيعة.
إذن فالانغلاق على الذات وعدم الانفتاح على الآخرين واتهامهم بالشرك والضلال من دون النظر إلى أقوالهم وأدلتهم، هذه الأمور بمجموعها تخلق لنا مجتمعاً متفرقاً ضعيفاً تسوده الصراعات الطائفية ويهيمن عليه الجهل، ونحن اليوم بأمس الحاجة لان يفهم أحدنا الآخر ويقترب منه فكرياً وروحياً بصورة حقيقية وواقعية وإن كان هناك اختلافا في بعض المسائل، وهذا هو الأمل من كل ما طرحناه في هذا البحث.
قال الدكتور مصطفى الرافعي في كتابه إسلامنا:
إن الاختلاف سنة من سنن الاجتماع، وإنما التثريب عليهم في أن يتنازعوا ويتخاصموا ويتنابزوا بالألقاب، في وقت تنشط الأمم كافة إلى الترابط والتعاون والتناصر فيما بينها، ليسند بعضها بعضا، ويدفع بعضها عن بعض، ويكون بعضها في خدمة بعض، ونحن المسلمين على اختلاف مذاهبنا أولى بهذا منهم، اعتمادا على ما يشد بعضنا إلى بعض من وشائج كثيرة، تأتي طليعتها وشيجة الأخوة الإسلامية ﴿ إنما المؤمنون أخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون﴾.
* مجلة الوحدة الإسلامية.