السبت 18 أيار 2024 الموافق لـ 8 ذو القعدة 1445هـ

» مفاهيــــم إســـلامــية

الطهارة الظاهرية والباطنية


عن أمير المؤمنين عليه السلام: "أوصيكم بالطهارة التي لا تتم الصلاة إلا بها..."1.

أ- مع الوصيّة
المراد من الطهارة الموصى بها هنا الطهارة الظاهرية أي الوضوء المفصّل في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَينِ...مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾(المائدة:6).

لكن المناسبة تقتضي أن نتحدث أيضاً عن الطهارة المعنوية لأنها بدورها مما ورد التأكيد عليها في الشرع المقدّس كما جاء في الكتاب العزيز: ﴿خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾(التوبة:103).

وفي الحديث: "إن تقوى اللَّه دواء داء قلوبكم... وطهور دنس أنفسكم"2.

فالطهارتان مطلوبتان على الدوام، أن يأتي الإنسان بما أراده اللَّه تعالى منه ملتزماً خط الاستقامة والتقوى ومطهراً نفسه من دنس الذنوب والعيوب والرذائل وتكون التقوى هي الطهور وليس الماء، وأن يداوم على الوضوء المستحب إضافة إلى الواجب باعتباره أمراً راجحاً حتى قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم: "إن استطعت أن تكون أبداً على وضوء فافعل..."3. و"الوضوء نصف الإيمان"4.

ب- الكثرة والمداومة والتجديد
بالإمكان تصنيف الناس إلى أربعة أصناف بالقياس إلى الطهارة الوضوئية:

1- الصنف الأول:
من لا يتوضأ على الاطلاق لأنه لا يصلّي وعاصٍ للَّه تعالى في أمره بالصلاة، وهو ممن توعّده اللَّه سبحانه بالنار.

2- الصنف الثاني:
من يتوضأ الوضوء الواجب دون غيره أي حينما يريد أن يصلّي فقط حيث لا صلاة إلا بطهور، أو يمسّ كتابة المصحف الشريف أو القيام بأي عمل متوقف على كونه متوضئاً.

وهذا بالرغم من أنه يقوم بما هو واجب عليه ولا يعاقب لأنه لم يترك ما فرضه اللَّه سبحانه، بل يثاب على فعله، لكنه ليس في درجة متقدمة في علاقته مع ربه سبحانه كالصنف الثالث الذي يأتي ذكره.

والسبب في ذلك أن هناك فترات طويلة لا يكون فيها متطهراً مع أن اللَّه عزّ وجلّ يحب المتطهرين وفي حق هذا الصنف قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: يقول اللَّه تعالى: "من أحدث ولم يتوضأ فقد جفاني ومن أحدث وتوضأ... وصلى ركعتين ودعاني ولم أجبه فيما سألني من أمور دينه ودنياه فقد جفوته ولست بربٍ جافٍ"5.

3- الصنف الثالث
من يداوم على الطهارة ويكثر من الوضوء حتى يحافظ قدر الامكان أن لا تمضي الأوقات وهو في حالة جفاء فكلما أحدث توضأ طلباً للقرب من اللَّه تعالى ورغبة في الثواب والآثار الكبرى التي تترتب على هذا الأمر العبادي كما ورد عن الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "أكثر من الطهور يزد اللَّه في عمرك وإن استطعت أن تكون بالليل والنهار على طهارة فافعل، فإنك تكون إذا متّ على الطهارة شهيداً"6.

ففي هذا الحديث أثران للإكثار من الوضوء أحدهما في الدنيا وهو زيادة العمر والآخر في الآخرة وهو أجر الشهادة.

وربما يقال: أن الحديث فيه طلب الاكثار وليس طلب الدوام والاستمرار، والجواب: أن بقية الأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توضح الحثّ على المداومة ولو كان هذا الحديث غير ظاهرٍ في ذلك مع أنه واضح.

في ذيله وهكذا غيره كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن استطعت أن لا تزال على الوضوء فإنه من أتاه الموت وهو على وضوء أعطي الشهادة"7.

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إن استطعت أن تكون أبداً على وضوء فافعل، فإن ملك الموت إذا قبض روح العبد وهو على وضوء كتب له شهادة"8.

فإن تعبيره صلى الله عليه وآله وسلم في ذيل الحديث الأول (أن تكون بالليل والنهار) وفي الحديث الثاني (أن لا تزال) وفي الحديث الثالث (أن تكون أبداً) خير دليل على طلب المداومة والحث عليها وليس على مجرّد الاكثار فقط، ويندرج في ذلك الوضوء للنوم فيبيت الإنسان على طهارة وفي ذلك أجر كبير.

يقول الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "الطاهر النائم كالصائم القائم"9.

والمراد بالطاهر المتوضى‏ء.

4- الصنف الرابع
من يمتاز إضافة لمداومته على الطهور والمحافظة عليه بتجديده عن غير حدث فيتوضأ على طهر.

في الحديث: "الوضوء على الوضوء نور على نور"10.

وعن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "من توضأ على طهرٍ كتب له عشر حسنات"11.

ومما ورد عن مولانا الصادق عليه السلام: "من جدّد وضوءه لغير حدث جدّد اللَّه توبته من غير استغفار"12.

فالحاصل أن الصنف الأول ليس من أهل الطهارة الظاهرية لتركه لها وكذلك ليس من أهل الطهارة المعنوية لاقترافه الذنب بترك الصلاة.

وأما الأصناف الثلاثة الباقية فيمكن ترتيبها كالتالي:

الدرجة الصغرى: الاقتصار (أي الوضوء الواجب لا غير).

الدرجة الوسطى: الاكثار (أي مع تخلّل فترات دون وضوء مستحب).

الدرجة الكبرى: المداومة (أي دون تخلّل قدر الامكان).

الدرجة العظمى: التجديد (أي الوضوء على الوضوء).

ولا بد للمؤمن أن يهتم بالطهارة المعنوية في أية درجة كان من هذه الدرجات وإلا ضاعت الثمرات المترتبة عليها وهو ما أوصانا به أمير المؤمنين عليه السلام مؤكداً عليه في قوله: "إن كنتم لا محالة متطهرين فتطّهروا من دنس العيوب والذنوب"13.

وفي حديث آخر عليه السلام يشدّد على ضرورة تطهير القلوب قال: "طهّروا قلوبكم من الحسد فإنه مكمد مضني"14.

وليس خفياً على أحد منّا أن الإيمان الذي فرضه اللَّه سبحانه علينا كان طهارة لأنفسنا من لوث الشرك ودنسه ورجسه.

كما جاء عنه عليه السلام: "فرض اللَّه الإيمان تطهيراً من الشرك"15.

ج- آثار الطهور
1- خروج الخطايا والمغفرة
عن النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا توضأ الرجل المسلم خرجت خطاياه من سمعه وبصره ويديه ورجليه، فإن قعد قعد مغفوراً له"16.

وعنه صلى الله عليه وآله وسلم: "إذا توضأ العبد تحاطّ عنه ذنوبه كما تحاطّ ورق هذه الشجرة"17.

2- ذهاب الفقر
عن أبي عبد اللَّه الصادق عليه السلام: "الوضوء قبل الطعام وبعده يذهبان الفقر"18.

3- نور يوم القيامة
عن مولانا الهادي عليه السلام: "لما كلّم اللَّه عزَّ وجلّ‏َ موسى بن عمران عليه السلام: قال: إلهي فما جزاء من أتمّ الوضوء من خشيتك؟ قال: ابعثه يوم القيامة وله نور بين عينيه يتلألأ"19.

4- ثواب الصلاة
عن أمير المؤمنين عليه السلام: "من أحسن الطهور ثم مشى إلى المسجد، فهو في صلاة ما لم يحدث"20.

5- كفلان من الأجر
في الحديث: "من أسبغ الوضوء في البرد الشديد كان له من الأجر كفلان"21.

6- يبعث أغرّ محجّلاً
قال رسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم: "تردون عليّ غراً محجّلين من آثار الوضوء، ليست لأحد غيركم"22.

7- زيادة العمر:في الحديث عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "أكثر من الوضوء يزد اللَّه في عمرك..."23.

8- أجر الصائم القائم
ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم: "الطاهر النائم كالصائم القائم"24.

وقد تقدم هذا الحديث.

*من وصايا العترة عليهم السلام ، إعداد ونشر جمعية المعارف الإسلامية الثقافية، ط1، ربيع اول1424هـ ،ص37-47.


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- مستدرك الوسائل، ج‏1، ص‏288.
2- ميزان الحكمة، حديث: 11255.
3- م.ن. حديث: 21920.
4- البحار، ج‏80، ص‏238.
5- البحار، ج‏80، ص‏308.
6- أمالي الشيخ المفيد، ص‏60.
7- ميزان الحكمة، حديث: 21919.
8- م.ن. حديث: 21920.
9- م.ن. حديث: 21921.
10- وسائل الشيعة، ج‏1، ص‏265.
11- ميزان الحكمة، حديث: 21922.
12- وسائل الشيعة، ج‏1، ص‏264.
13- ميزان الحكمة، حديث: 11256.
14- م.ن. حديث: 11257.
15- نهج البلاغة، الحكمة، 252.
16- ميزان الحكمة، حديث: 21909.
17- م.ن. حديث: 21910.
18- علل الشرائع، ص‏283.
19- أمالي الصدوق، ص‏174.
20- البحار، ج‏80، ص‏237.
21- ميزان الحكمة، حديث: 21907.
22- م.ن. حديث: 21915.
23- أمالي الشيخ المفيد، ص‏60.
24- ميزان الحكمة، حديث: 21921. 

3438 مشاهدة | 17-05-2012
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مناقشة رسالة للطالبة آمنة فرحات

أشكال السنن وصِيَغها في القرآن الكريم

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

لقاء مع المربي العلامة الشيخ حبيب الكاظمي

زيارة للمجلس العلوي في منطقة جبل محسن

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

زيارة إلى ممثّليّة جامعة المصطفى (ص) في سوريا

زيارة إلى حوزة الإمام المنتظر (عج) في بعلبك

ندوة علميّة الذكاء الاصطناعي.. التقنيّات والتحدّيات

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

حفل توقيع في جناح جامعة المصطفى (ص) العالميّة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

احتفال في ذكرى المولد الشريف

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

لقاء تعريفي مع طلاب حوزة أهل البيت (عليهم السلام)

زيارة المقامات الدينيّة وحوزة الامام الخميني (قده) في سوريا

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

حفل تكريم سفير الجمهوريّة الإسلاميّة في لبنان

جلسة للجنة الفلسفة والكلام

مسابقة في حفظ أربعين حكمة للإمام علي (عليه السلام )

مناقشة بحث: الاجتهاد الفقهي بين روح الشريعة والمنهج المقاصدي.

المنهج التفسيري عند الإمام الخميني (قده)

الملتقى العلميّ السنوي الثاني للحوزات العلميَّة في لبنان

مناقشة بحث: أثر الزمان والمكان على موضوعات الأحكام

المسابقة العلميّة الثانية بين طلاب الحوزات العلميّة

صدور العدد (47) من مجلة الحياة الطيّبة