الثلاثاء 19 آذار 2024 الموافق لـ 9 رمضان 1445هـ

» إضـــــاءات قــــرآنــية

القرآن كتاب الحياة الطيبة


القرآن هو كلام الله العزيز و المعجزة الإلهية 1 الخالدة التي زوَّد الله تعالى بها رسوله المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) ، و هو الميراث الإلهي العظيم و المصدر الأول للعقيدة و الشريعة الإسلاميتين ، و الذي لا يُعْدَلُ عنه إلى غيره من المصادر مطلقاً .
و من تتبع آي الذكر الحكيم ، و تدبر معانيها يجد وراءها مقسماً مشتركاً ، و إطاراً عاماً يربط بين جميع قواعده و مبادئه ، و سوره و آياته ، و هذا الرابط هو الدعوة إلى أن يحيا الناس ، كل الناس ، حياة طيبة يسودها الأمن و العدل ، و يغمرها الخصب و السلام : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ... ﴾ 2 .
و لدعوة اللّه و الرسول إلى الحياة أسلوب خاص ، و ركائز تقوم عليها ، أما أسلوب الدعوة فقد حدده اللّه سبحانه بقوله لنبيه الأكرم ( صلى الله عليه و آله ) : ﴿ ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ... ﴾ 3 .
و المراد هنا بالحكمة و الموعظة الحسنة أن يخاطب القلب و العقل ، و يعرض في دعوته إلى اللّه بدائع المخلوقات ، و عجائب الكائنات : ﴿ سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ... ﴾ 4 .
و أن يحذِّر المشاغبين و المعاندين من سوء العاقبة و المصير ، و يضرب لهم الأمثال من الأمم السابقة ، كما فعل شعيب ، حيث قال لقومه : ﴿ وَيَا قَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ ﴾ 5 . فإن أصروا على العناد تركهم و شأنهم ، حيث لا مزيد من البينات و البراهين : ﴿ فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ... ﴾ 6 ، ﴿ ... فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ ﴾ 7 .
أما ركائز الدعوة إلى الحياة الطيبة فنذكر منها ما يلي :
1 ـ إن الإنسان لم يوجد في هذه الحياة صدفة و من غير قصد : ﴿ وَاللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفَّاكُمْ ... ﴾ 8 .
2 ـ إن اللّه سبحانه لم يترك الإنسان سدى تتحكم فيه الأهواء و النزوات ، بل اختط له طريقا سويا لا يجوز أن يتخطاه و يتعداه : ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ﴾ 9 . ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ 10 .
3 ـ الأمن و صيانة النظام ، و من أخل به و سعى في الأرض الفساد عوقب بأشد العقوبات في الدنيا ، و له في الآخرة عذاب أليم : ﴿ إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ 11 .
4 ـ إن صيانة الأمن و النظام لا تتحقق و لن تتحقق إذا لم يكن كل إنسان أمينا على نفسه و كرامته ، لأن المجتمع الصالح في منطق القرآن هو الذي لا يوجد فيه بذرة واحدة من بذور الفساد : ﴿ ... مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ... ﴾ 12 .
ذلك إن حقيقة الإنسانية تقوم بكل فرد ، تماما كقيامها في جميع الأفراد ، فمن أساء إلى واحد منها فقد أساء إلى الإنسانية بكاملها ، و من أحسن إليه فقد أحسن إليها كذلك . و قوله تعالى ﴿ ... مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ ... ﴾ 12 إشارة إلى أن لكل فرد قدسيته الإنسانية ، و انه في حرم محرم ، حتى ينتهك هو حرمة نفسه بارتكاب جريمة ترفع عنه تلك القدسية و الحصانة الإنسانية .
5 ـ إن العلاقات بين الناس تقوم على أساس حصانة الكرامة و صيانتها لكل فرد من غير فرق بين الذكر و الأنثى ، و الأسود و الأبيض ، و الغني و الفقير . . من أي ملة كان و يكون ، و قد أقر اللّه هذه الحقيقة بأوجز عبارة و أبلغها : ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ... ﴾ 13 . و من استهان بمن كرمه اللّه سبحانه فقد استهان باللّه و شريعته .
6 ـ إن الإيمان باللّه ، و نبوة محمد ، و اليوم الآخر ، و ما إلى ذاك من الأصول و الفروع ليس مجرد شعار ديني يرفعه القرآن ، بل أن لكل أصل من أصول الإسلام ، و كل حكم من أحكامه ثمرات و حقائق يجمعها الخلق الكريم ، و العمل النافع . . فلقد قرن اللّه الإيمان به بالعمل الصالح في العديد من الآيات ، أما الإيمان بنبوة محمد ( صلى الله عليه و آله ) فهو إيمان بالإنسانية و رفاهيتها : ﴿ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ 14 . أما دخول الجنة فيرتبط أقوى ارتباط بالجهاد و العمل الصالح في هذه الحياة : ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ 15 .
و هكذا يرسم القرآن الطريق الايجابي لبلوغ مقاصده ، و استجابة الدعوة إلى الحياة التي أشار إليها بقوله : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ ... ﴾ 2 .
و هذا دليل واضح على أن أية دعوة لا تمت إلى الحياة بصلة فما هي من الدين في شي‏ء ، و من نسبها إلى اللّه و رسوله فقد افترى على الدين كذبا .. 16 .
فالحياة الطيبة هي الحياة التي يدعو لها القرآن الكريم و هي لا تحصل إلاَّ بالايمان بالله عَزَّ و جَلَّ و العمل الخالص بما أمر به ، فهو القائل جَلَّ جَلالُه : ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ﴾ 17 .


1. تعتبر المعجزة من الدلائل المهمة التي تثبُت بها نبوة النبي ، و هي بمثابة أوراق اعتماده و هويته التي تؤيد صدق دعواه و ارتباطه بالله تعالى ، فلذلك نرى أن الأنبياء ( عليهم السَّلام ) إلى جانب ما أقاموه من الدلائل و البراهين على صدق دعواهم قد اظهروا معاجز تؤكد صدق ادعائهم و لا تدع مجالا للشك في حقانية نبوتهم .
و المعجزة كما عرَّفها العلماء : " أمر خارق للعادة ، مقرون بالتحدِّي ، مع عدم المعارضة ، مع دعوى النبوة " .
و المعجزة هي : العمل الخارق للعادة ، الذي يعجز البشر حتى النوابغ و العباقرة عن الإتيان به .
و للنبي المصطفى محمد ( صلى الله عليه و آله ) معاجز كثيرة جداً و هي أكثر من أن تُحصى .
و من أهم تلك المعاجز هي معجزة القرآن الكريم ، و هو المعجزة الإلهية الخالدة التي زوَّد الله تعالى بها رسوله المصطفى ( صلى الله عليه و آله ) لتكون وثيقة حيَّة على صدق النبي محمد ( صلى الله عليه و آله ) إلى يوم القيامة ، و لكي يتحدى به من يشك في معجزيَّة هذا الكتاب الإلهي العظيم ، فهو معجزة عظيمة جداً يزخر بمعاجز كبرى .
2. a. b. القران الكريم : سورة الأنفال ( 8 ) ، الآية : 24 ، الصفحة : 179 .
3. القران الكريم : سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 125 ، الصفحة : 281 .
4. القران الكريم : سورة فصلت ( 41 ) ، الآية : 53 ، الصفحة : 482 .
5. القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 89 ، الصفحة : 232 .
6. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 20 ، الصفحة : 52 .
7. القران الكريم : سورة الرعد ( 13 ) ، الآية : 40 ، الصفحة : 254 .
8. القران الكريم : سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 70 ، الصفحة : 274 .
9. القران الكريم : سورة القيامة ( 75 ) ، الآية : 36 ، الصفحة : 578 .
10. القران الكريم : سورة الحجر ( 15 ) ، الآية : 92 و 93 ، الصفحة : 267 .
11. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 113 .
12. a. b. القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 32 ، الصفحة : 113 .
13. القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 70 ، الصفحة : 289 .
14. القران الكريم : سورة الأنبياء ( 21 ) ، الآية : 107 ، الصفحة : 331 .
15. القران الكريم : سورة آل عمران ( 3 ) ، الآية : 142 ، الصفحة : 68 .
16. تفسير الكاشف : 1 / 11 .
17. القران الكريم : سورة النحل ( 16 ) ، الآية : 97 ، الصفحة : 278 .
7116 مشاهدة | 15-05-2017
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مناقشة رسالة للطالبة آمنة فرحات

أشكال السنن وصِيَغها في القرآن الكريم

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

زيارة للمجلس العلوي في منطقة جبل محسن

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

زيارة إلى ممثّليّة جامعة المصطفى (ص) في سوريا

زيارة إلى حوزة الإمام المنتظر (عج) في بعلبك

ندوة علميّة الذكاء الاصطناعي.. التقنيّات والتحدّيات

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

حفل توقيع في جناح جامعة المصطفى (ص) العالميّة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

احتفال في ذكرى المولد الشريف

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

لقاء تعريفي مع طلاب حوزة أهل البيت (عليهم السلام)

زيارة المقامات الدينيّة وحوزة الامام الخميني (قده) في سوريا

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

حفل تكريم سفير الجمهوريّة الإسلاميّة في لبنان

جلسة للجنة الفلسفة والكلام

مسابقة في حفظ أربعين حكمة للإمام علي (عليه السلام )

مناقشة بحث: الاجتهاد الفقهي بين روح الشريعة والمنهج المقاصدي.

المنهج التفسيري عند الإمام الخميني (قده)

الملتقى العلميّ السنوي الثاني للحوزات العلميَّة في لبنان

مناقشة بحث: أثر الزمان والمكان على موضوعات الأحكام

المسابقة العلميّة الثانية بين طلاب الحوزات العلميّة

صدور العدد (47) من مجلة الحياة الطيّبة