السبت 20 نيسان 2024 الموافق لـ 10 شوال 1445هـ

» إضـــــاءات قــــرآنــية

وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ


محاور الموعظة:
1- من هم عباد الرحمن؟
2- هل نحن عبادٌ للرحمن حقَّاً؟
3- صفات عباد الرحمن

تصدير الموعظة:
قال الله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا *  وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا * وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا * إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا * وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا ...﴾1.

من هم عباد الرحمن؟
قال الله تعالى: ﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ...﴾2 إلى آخر الآيات الشريفة التي سنشرحها تباعاً.

نزول الآيات الكريمة: إنّ هذه الآيات نزلت بالأئمة. عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ النُّعْمَانِ عَنْ سَلَّامٍ قَالَ سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرعليه السلام عَنْ قَوْلِه تَعَالَى: ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾ قَالَ هُمُ الأَوْصِيَاءُ مِنْ مَخَافَةِ عَدُوِّهِمْ3.

﴿وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ﴾: إنّهم عباد الرحمن، هؤلاء العباد الذين نَسَبَهُمُ الله إلى صفته المباركة، فقال: "وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ" وهذا تشريفٌ عظيم أن يكون الإنسان عبداً للرحمن، والمقصود بعباد العبوديّة الحقيقيّة الخاصّة التي اختصّ الله تعالى بها الصالحين الأخيار من عباده، تشريفاً لهم وتكريماً.

هل نحن عبادٌ للرحمن حقَّاً؟
طرحت السورة الكريمة في آياتها هذه الصفات لمن وصفتهم بعباد الرحمن. لتكون هذه الصفات مقياساً لنا، فعلينا أن نضع هذه الصفات نصب أعيننا دائماً، ونجعلها هدفاً لنا نسعى لاكتسابها والتحلّي بها. ولمعرفتهم والاقتداء بهديهم، صوّرهم الله تعالى لنا عبر صفاتهم وهي:
الصفة الأولى: التواضع: ﴿الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا﴾: أي بسكينة ووقار بلا تجبّر وتبختر. وفي المجمع عن الإمام الصادق عليه السلام، هو الرجل يمشي بسجيّته التي جبل عليها لا يتكلّف ولا يتبختر4. والتواضع أحد علائم "عباد الرحمن"، التواضع الذي يهيمن على أرواحهم بحيث يظهر حتّى في مشيتهم، التواضع الذي يدفعهم إلى التسليم أمام الحقّ. والمعنى الثاني: التمهّل والتأنّي: أي هم يتمهَّلون في كلّ شيء، لا تأخذهم الأشياء بظواهِرها، هُم يتأمَّلون، يتفكَّرون، يبحثون، يُقَلِّبون الأمر على وجوهه، يتمهّلون في حياتهم العاديّة وفي اختيارهم للصديق، لمكان الدرس، للكتاب، للمدرّس وهكذا. وبعبارة جامعة هم يتحرّكون في كلّ أمورهم من واقع التبصّر والبصيرة في شؤون حياتهم.

الصفة الثانية: الحلم: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا﴾: "إذا سفه عليهم الجهّال بالقول السيّء لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون، ويصفحون، ولا يقولون إلّا خيرًا. بمعنى إذا خاطبهم الجاهلون خطاباً ناشئاً عن جهلهم، ممّا يكرهون أن يخاطبوا به، أو يثقل عليهم، كما يستفاد من تعلّق الفعل بالوصف، أجابوهم بما هو سالم من القول، وقالوا لهم قولاً سلاماً خالياً عن اللغو والإثم.

الصفة الثالثة: التهجّد: ﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا﴾: فعباد الرحمن لا يبيتون لاهين غافلين عن ذكر ربّهم، بل يحيون ليلهم في طاعته وعبادته. فهم الذين يدركون الليل حال كونهم ساجدين فيه لربّهم، وقائمين يتراوحون سجوداً وقياماً، ويمكن أن يراد به التهجد بنوافل الليل.

الصفة الرابعة: الخوف من عذاب الله: ﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾: الغرام ما يحلّ في الإنسان من شدّة أو مصيبة فيلزمه، لا يفارقه، والباقي ظاهر.

﴿إِنَّهَا سَاءتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا﴾: الضمير لجهنّم، والمستقرّ والمقام اسما مكان من الاستقرار والإقامة، والباقي ظاهر.

فهم مع طاعتهم مشفقون خائفون، وجلون من عذاب الله، وهذا الخوف منهم عن علم ودراية، ولذلك علَّلوه بأنّه عذاب لازم لصاحبه غير مفارق له.

الصفة الخامسة: الاعتدال في الإنفاق: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا﴾:
الإنفاق بذل المال، وصرفه في رفع حوائج نفسه أو غيره، والإسراف الخروج عن الحدّ، ولا يكون إلّا في جانب الزيادة، وهو في الإنفاق التعدّي عمّا ينبغي الوقوف عليه في بذل المال، والقتر بالفتح فالسكون التقليل في الإنفاق، وهو بإزاء الإسراف.

فعباد الرحمن ليسوا بمبذّرين في إنفاقهم، فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصرون في حقّهم، فلا يكفونهم، بل عدلٌ خيارٌ، وخير الأمور أوسطها.

الصفة السادسة: التوحيد: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ﴾: لا يجعلون للَّه سبحانه شريكاً، إنّما يوجّهون عبادتهم إليه وحده. هي التوحيد الخالص الذي يبعدهم عن كلّ أنواع الشرك والثنويّة والتعدّديّة في العبادة.

الصفة السابعة: التنزّه عن سفك الدماء: ﴿وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ﴾: طهارتهم من التلوّث بدم الأبرياء ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلّا بالحقّ.

الصفة الثامنة: حفظ الفرج عمّا لا يحلّ: ﴿وَلَا يَزْنُونَ﴾: إن عفافهم لا يتلوّث أبداً: ولا يزنون. إنّهم على مفترق طريقين: الطهر والتلوّث: فهم يتخيّرون النقاء والطهر. إنّهم يهيّئون المحيط الخالي من كلّ أنواع الشرك والتعدّي والفساد والتلوث، بجدّهم واجتهادهم. فهم يعلمون قباحة هذه الخصلة، وفحشها فيتنزّهون عنها، بل عن كلّ ما يؤدّي إليها من نظر محرّم، أو خلوة.

الصفة التاسعة: عدم شهادة الزور: ﴿وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ﴾: أصل الزور تمويه الباطل بما يوهم أنّه حقّ. فيشمل الكذب وكلّ لهو باطل كالغناء والفحش والخناء بوجه.

الصفة العاشرة: الإعراض عن اللغو: ﴿وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا﴾: اللغو ما لا يعتدّ به من الأفعال والأقوال لعدم اشتماله على غرض عقلائيّ ويعمّ - كما قيل - جميع المعاصي، والمراد بالمرور باللغو، المرور بأهل اللغو، وهم مشتغلون به.

فالكلام الذي لا خير فيه، ولا فيه فائدة دينيّة ولا دنيويّة ككلام السفهاء ونحوهم ﴿مَرُّوا كِرَامًا﴾ أي: نزّهوا أنفسهم وأكرموها عن الخوض فيه، ورأوا أنّ الخوض فيه، وإن كان لا إثم فيه، فإنّه سفَه ونقص للإنسانيّة والمروءة، فربأوا بأنفسهم عنه.

الصفة الحادية عشرة: قبول الموعظة: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا﴾: والذين إذا ذكروا بآيات ربّهم من حكمة أو موعظة حسنة، من قرآن أو وحي، لم يسقطوا عليه، وهم صمّ لا يسمعون وعميان لا يبصرون، بل تفكّروا فيها وتعقّلوها فأخذوا بها عن بصيرة فآمنوا بحكمتها واتّعظوا بموعظتها وكانوا على بصيرة من أمر هم وبينه من ربّهم5.

فمن صفات هؤلاء أنّهم إذا ذكروا بآيات الله لم يقابلوها بالإعراض عنها والصمم عن سماعها، وصرف النظر والقلوب عنها كما يفعله من لم يؤمن بها، ولم يصدق، وإنّما حالهم فيها وعند سماعها أنّهم يقابلونها بالقبول والافتقار إليها، والانقياد والتسليم لها، وتجد عندهم آذانًا سامعة وقلوبًا واعية، فيزداد بها إيمانهم، ويتمّ بها إيقانهم، وتحدث لهم نشاطًا، ويفرحون بها سرورًا واغتباطًا.

خلاصة:
العبد إمّا يكون عبداً لله عزّ وجلّ، وإمّا يكون عبداً لهواه وللشيطان، ﴿أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ﴾6 وشتّان ما بينهما، وعباد الرّحمن هم عباد الله الصّالحون الذين يتّصفون بنقاوة القلب وطهارته واستقامة اللّسان، والصّادقون في القول والعمل، والذين يُؤثِرون النّاس على أنفسهم، ويسعون في تقديم الخير، ويترفّعون عن سفاهات الأمور، أمّا عباد الشيطان فيتّصفون بالظّلم، والأنانيّة، والتكبّر، والقسوة، والغِلظة، وفُحش اللّسان.

هوامش
1- ينظر: سورة الفرقان، الآيات 63- 67.
2- ينظر: سورة الفرقان، الآيات 63-67.
3- الشيخ الكلينيّ، الكافي، مصدر سابق، ج1، ص427، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، ح78.
4- راجع: العلّامة المجلسيّ، بحار الأنوار، مصدر سابق، ج66، ص260.
5- انظر: العلّامة الطباطبائيّ، الميزان في تفسير القرآن، مصدر سابق، ج 15، ص 243-244.
6- سورة الفرقان، الآية 43.
1753 مشاهدة | 30-07-2018
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مناقشة رسالة للطالبة آمنة فرحات

أشكال السنن وصِيَغها في القرآن الكريم

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

زيارة للمجلس العلوي في منطقة جبل محسن

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

زيارة إلى ممثّليّة جامعة المصطفى (ص) في سوريا

زيارة إلى حوزة الإمام المنتظر (عج) في بعلبك

ندوة علميّة الذكاء الاصطناعي.. التقنيّات والتحدّيات

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

حفل توقيع في جناح جامعة المصطفى (ص) العالميّة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

احتفال في ذكرى المولد الشريف

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

لقاء تعريفي مع طلاب حوزة أهل البيت (عليهم السلام)

زيارة المقامات الدينيّة وحوزة الامام الخميني (قده) في سوريا

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

حفل تكريم سفير الجمهوريّة الإسلاميّة في لبنان

جلسة للجنة الفلسفة والكلام

مسابقة في حفظ أربعين حكمة للإمام علي (عليه السلام )

مناقشة بحث: الاجتهاد الفقهي بين روح الشريعة والمنهج المقاصدي.

المنهج التفسيري عند الإمام الخميني (قده)

الملتقى العلميّ السنوي الثاني للحوزات العلميَّة في لبنان

مناقشة بحث: أثر الزمان والمكان على موضوعات الأحكام

المسابقة العلميّة الثانية بين طلاب الحوزات العلميّة

صدور العدد (47) من مجلة الحياة الطيّبة