السبت 20 نيسان 2024 الموافق لـ 10 شوال 1445هـ

» مفاهيــــم إســـلامــية

الإنسان سرّ الخليقة


الإنسان ـ كما وصفه القرآن ـ صفوة الخليقة و فلذتها و سرّها الكامن في السلسلة الوجود .
لا تجد وصفاً عن الإنسان وافياً ببيان حقيقته الذاتية التي جَبَله الله عليها ـ في جميع مناحيها و أبعادها المترامية ـ في سوى القرآن . يصفه بأجمل صفات و أفضل نعوت لم يُنْعَم بِها أيّ مخلوق سواه ، و من ثَمَّ فَقد حظى بعناية الله الخاصّة و حُبي بكرامته منذ بدء الوجود .
و لنشر إلى فهرسة تلكم الصفات و الميزات التي أهّلته لمثل هذه العناية و الحباء :
1 ـ خلقه الله بيديه : ﴿ ... مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ... ﴾ 1 .
2 ـ نفخ فيه من روحه : ﴿ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي فَقَعُواْ لَهُ سَاجِدِينَ ﴾ 2 3 .
3 ـ أودعه أمانته : ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ... ﴾ 4 .
4 ـ علمه الأسماء كلّها : ﴿ وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء كُلَّهَا ... ﴾ 5 .
5 ـ أسجد له ملائكته : ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ ... ﴾ 6 .
6 ـ منحه الخلافة في الأرض : ﴿ ... إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً ... ﴾ 7 .
7 ـ سخر له ما في السماوات و ما في الارض جميعاً : ﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ... ﴾ 8 .
و من ثَمَّ بارك نفسه في هذا الخلق الممتاز : ﴿ ... ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ 9 .
ميزات سبع حظي بها الإنسان في أصل وجوده ، فكان المخلوق المفضّل الكريم . و إليك بعض التوضيح :

ميزات الإنسان الفطرية
امتاز الإنسان في ذات وجوده بميزات لم يحظ بها غيره من سائر الخلق :
فقد شرّفه الله بأن خلقه بيديه : ﴿ ... مَا مَنَعَكَ ... ﴾ 1 ( خطاباً لإبليس ) ﴿ ... أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ... ﴾ 1 . و الله خالق كلّ شيء . فلا بدّ أن تكون هناك خصوصيّة في خلق هذا الإنسان تستحق هذا التنويه . هي خصوصيّة العناية الربّانيّة بهذا الكائن ، و إيداعُه نفخةً من روح الله دلالةً على هذه العناية !
قال العلاّمة الطباطبائي : نسبة خلقه إلى اليد تشريف بالاختصاص كما قال : ﴿ ... وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِي ... ﴾ 10 . و تثنية اليد كناية عن الاهتمام البالغ بخلقه و صنعه ، ذلك أنّ الإنسان إذا اهتّم بصنع شيء استعمل يديه معاً عناية به 11 .
و هكذا نفخة الروح الإلهيّة فيه كناية عن جانب اختصاص هذا الإنسان ـ في أصل فطرته ـ بالملأ الأعلى حتّى و لو كان متّخذاً ـ في جانب جسده ـ من عناصر تربطه بالأرض ، فهو في ذاته عنصر سماوي قبل أن يكون أرضيّاً .
و لقد خلق الإنسان من عناصر هذه الأرض ثُمَّ من النفخة العلويّة التي فرّقت بينه و بين سائر الأحياء . و منحته خصائصه الإنسانية الكبرى . و أوّلها القدرة على الارتقاء في سلّم المدارك العليا الخاصّة بعالم الإنسان .
هذه النفخة هي التي تصله بالملأ الأعلى ، و تجعله أهلاً للاتصال بالله ، و للتلقّي عنه و لتجاوز النطاق المادّي الذي تتعامل فيه العضلات و الحواسّ ، إلى النطاق التجريدي الذي تتعامل فيه القلوب و العقول . و التي تمنحه ذلك السرّ الخفيّ الذي يسرب به وراء الزمان و المكان ، و وراء طاقة العضلات و الحواسّ ، إلى ألوان من المدركات و ألوان من التصوّرات غيرالمحدودة في بعض الأحيان 12 .
و بذالك استحقّ إيداعه أمانة الله التي هي ودائع ربّانية لها صبغة ملكوتية رفيعة أودعت هذا الإنسان دون غيره من سائر المخلوق . و تتلخّص هذه الودائع في قدرات هائلة يملكها الإنسان في جبلّته الأولى و التي أهّلته للاستيلاء على طاقات كامنة في طبيعة الوجود و تسخيرها حيث يشاء .
إنّها القدرة على الإرادة و التصميم ، القدرة على التفكير و التدبير ، القدرة على الإبداع و التكوين . القدرة على الاكتشاف و التسخير . إنها الجرأة على حمل هذا العبء الخطير . قال سيّد قطب : إنّها الإرادة و الإدراك و المحاولة و حمل التعبة ، هي هي ميزة هذا الإنسان على كثير من خلق الله . و هي هي مناط التكريم الذي أعلنه الله في الملأ الأعلى و هو يُسجِد الملائكة لآدم . و أعلنه في قرآنه الباقي و هو يقول : ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ ... ﴾ 13 . فليعرف الإنسان مناط تكريمه عند الله ، و لينهض بالأمانة التي اختارها . و التي عرضت على السماوات و الأرض و الجبال ، فأبين أن يحملنها و أشفقن منها 14 .
إنّها أمانة ضخمة حملها هذا المخلوق الصغير الحجم الكبير القُوى القويّ العزم . و من ثَمَّ كان ظلوماً لنفسه حيث لم ينهض بأداء هذه الأمانة كما حملها ، جهولاً لطاقاته هذه الهائلة المودعة في وجوده و هو بَعْدُ لا يعرفها .
و هكذا علّمه الأسماء : القدرة على معرفة الأشياء بذواتها و خاصّيّاتها و آثارها الطبيعية العاملة في تطوير الحياة ، و التي وقعت رهن إرادة الإنسان ليسخّرها في مآربه حيث يشاء ، و بذلك يتقدّم العالم بحشده و جموعه في سبيل عمارة الأرض و ازدهار معالمها ، حيث أراده الله من هذا الإنسان ﴿ ... هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ... ﴾ 15 .
و بذلك أصبح هذا الإنسان ـ بهذه الميزات ـ خليفة الله في الأرض 16 ، حيث يتصرّف فيها وفق إرادته و طاقاته المودعة فيه ، و يعمل في عمارة الأرض و تطوير الحياة .
و إسجاد الملائكة له في عرصة الوجود ، كناية عن إخضاع القوى النورانية برمّتها للإنسان ، تعمل وفق إرادته الخاصّة من غير ما تخلّف ، في مقابلة القوى الظلمانية ( إبليس و جنوده ) تعمل في معاكسة مصالحه إلاّ من عصمهُ الله من شرور الشياطين ﴿ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلاً ﴾ 17 .
كما و أنّ تسخير ما في السماوات وما في الأرض جميعاً 18 ، كناية عن إخضاع القوي الطبيعية المودعة في أجواء السماوات و الأرض ـ لهذا الإنسان ، تعمل فور إرادته بلا فتور و لا قصور. و معنى تسخيرها له : أنّ الإنسان فُطر على إمكان تسخيرها .
فسبحانه من خالقٍ عظيم ، إذ خلق خلقاً بهذه العظمة و الاقتدار الفائق على كلّ مخلوق !
هذه دراستنا عن الإنسان على صفحات مشرفة من القرآن الكريم ، فيا ترى أين يوجد مثل هذه العظمة و التبجيل لمخلوقٍ هو في هندامه صغير و في طاقاته كبير ، كبرياءاً ملأ الآفاق!
أتزعم أنك جسمٌ صغيرٌ *** و فيك انطوى العالم الأكبر
فتبارك الله أحسن الخالقين بخلقه أحسن المخلوقين !
خلقتُ الأشياء لأجلك و خلقتك لأجلي !
حديث قدسيّ معروف 19 خطاباً مع بني آدم ، حيث كانوا هم الغاية من الخليقة كما كانت الذات المقدّسة هي الغاية من خلقه الإنسان ! فكما و أنّ الأشياء برمّتها ـ علواً و سفلاً ـ سخّرها الله لهذا الإنسان و لتكون في قبضته فتجلّى فيها مقدرته الهائلة ، كذلك خلق الإنسان ليكون مظهراً تامّاً لكامل قدرته تعالى في الخلق و الإبداع .
ما من مخلوق ـ صغيرٍ أو كبير ـ إلاّ و هو مظهر لتجلّي جانب من سمات الصانع الحكيم « وفي كلّ شيء له آية تدلّ على أنّه واحد ». أمّا الإنسان فكان المرآة الصقيلة التي تتجلّى فيها جميع صفات الجمال و الجلال .
فإذا سئلت : ما هي الغاية من خلق ما في السماوات و ما في الأرض جميعاً ؟ قُلتَ ـ حسب وصف القرآن ـ : هو الإنسان ذاته مستودع أمانات الله و ليكون خليفته في الأرض !
و إذا سئلت : ماهي الغاية من خلقة الإنسان ذاته ؟ قُلتَ : هُوَ اللهُ الصانعُ الحكيم : حيث الإنسان بقدرته على الخلق و الإبداع أصبح مظهراً تامّاً لكامل الأسماء و الصفات ، فكان وجه الله الأكمل و عين الله الأتمّ !
فكان الإنسان غاية الخليفة ، و كان الله الغاية من خلق الإنسان ، فالله هو غاية الغايات و بذلك ورد : « كنت كنزاً مخفيّاً فأحببتُ أن اُعرَف ، فخلقتُ الخلق لكي اُعرَف » 20 . حيث الإفاضة ـ و هي تجلّي الذات المقدّسة ـ كانت بالخلق و الإبداع و مظهره الأتمّ هو الإنسان 21 .

1. a. b. c. القران الكريم : سورة صاد ( 38 ) ، الآية : 75 ، الصفحة : 457 .
2. القران الكريم : سورة الحجر ( 15 ) ، الآية : 29 ، الصفحة : 263 .
3. و في سورة السجدة﴿ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ ... ﴾ القران الكريم : سورة السجدة ( 32 ) ، الآية : 9 ، الصفحة : 415 .
4. القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 72 ، الصفحة : 427 .
5. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 31 ، الصفحة : 6 .
6. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 34 ، الصفحة : 6 .
7. القران الكريم : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 30 ، الصفحة : 6 .
8. القران الكريم : سورة الجاثية ( 45 ) ، الآية : 13 ، الصفحة : 499 .
9. القران الكريم : سورة المؤمنون ( 23 ) ، الآية : 14 ، الصفحة : 342 .
10. القران الكريم : سورة الحجر ( 15 ) ، الآية : 29 ، الصفحة : 263 .
11. تفسير الميزان : 17 / 239 .
12. من إفادات سيّد قطب ، راجع : في ظلال القرآن : 14 / 17 ، المجلد 5 ، ص 203 .
13. القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 70 ، الصفحة : 289 .
14. في ظلال القرآن : 22 / 47 ، المجلد 6 ، ص 618 .
15. القران الكريم : سورة هود ( 11 ) ، الآية : 61 ، الصفحة : 228 .
16. راجع : سورة البقرة ( 2 ) ، الآية : 30 .
17. القران الكريم : سورة الإسراء ( 17 ) ، الآية : 65 ، الصفحة : 288 .
18. راجع : سورة الجاثية ( 45 ) ، الآية : 13
19. راجع : علم اليقين للفيض الكاشاني :1 / 381 .
20. حديث قدسي معروف. راجع : البحار : 84 / 199؛ و هامش عوالى اللئالي : 1 / 55 ؛ و كتاب كشف الخفاء للعجاوني : 2 / 132 .
21. شبهات وردود حول القرآن الكريم : 21 ـ 25 ، تحقيق : مؤسسة التمهيد ، الطبعة الثانية / سنة : 1424 هـ 2003 م ، منشورات ذوي القربى ، قم المقدسة / الجمهورية الاسلامية الإيرانية .

1497 مشاهدة | 30-07-2017
جامعة المصطفى (ص) العالمية -فرع لبنان- ترحب بكم

مناقشة رسالة للطالبة آمنة فرحات

أشكال السنن وصِيَغها في القرآن الكريم

العدد 54-55 من مجلَّة الحياة الطيّبة

ندوة كاتب وكتاب: الله والكون برواية الفيزياء الحديثة

ندوة كاتب وكتاب: التاريخ السياسي والاجتماعي لشيعة لبنان

زيارة للمجلس العلوي في منطقة جبل محسن

ورشة تقنيات قراءة في كتاب

ورشة تقنيات تدوين رؤوس الأقلام

ورشة أسس اختيار الموضوع ومعايير صياغة عنوان الرسالة

زيارة إلى ممثّليّة جامعة المصطفى (ص) في سوريا

زيارة إلى حوزة الإمام المنتظر (عج) في بعلبك

ندوة علميّة الذكاء الاصطناعي.. التقنيّات والتحدّيات

عزاء عن روح الشهيد جعفر سرحال

حفل توقيع في جناح جامعة المصطفى (ص) العالميّة

دورة في مخارج الحروف العربيّة

دورة إعداد خطيبة منبر حسيني

احتفال في ذكرى المولد الشريف

لقاء مع المستشار الثقافي لسفارة الجمهوريّة الإسلاميّة

وفد من حوزة الإمام الخميني (قده) يزور الجامعة

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

صباحيّة قرآنيّة في حوزة السّيدة الزهراء (ع)

لقاء تعريفي مع طلاب حوزة أهل البيت (عليهم السلام)

زيارة المقامات الدينيّة وحوزة الامام الخميني (قده) في سوريا

دعوة للمشاركة في مؤتمر الإمام الحسين (ع) والنهضة الفكريّة

حفل تكريم سفير الجمهوريّة الإسلاميّة في لبنان

جلسة للجنة الفلسفة والكلام

مسابقة في حفظ أربعين حكمة للإمام علي (عليه السلام )

مناقشة بحث: الاجتهاد الفقهي بين روح الشريعة والمنهج المقاصدي.

المنهج التفسيري عند الإمام الخميني (قده)

الملتقى العلميّ السنوي الثاني للحوزات العلميَّة في لبنان

مناقشة بحث: أثر الزمان والمكان على موضوعات الأحكام

المسابقة العلميّة الثانية بين طلاب الحوزات العلميّة

صدور العدد (47) من مجلة الحياة الطيّبة